Mughalatat Lughawiyya
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Nau'ikan
15
وجاء في «الأشباه والنظائر»: «قال أبو حيان: يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر، المختصة به، ولا يقع في كلامهم النثري، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام، ولا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ، وإنما يعنون ما ذكرناه، وإلا كان لا توجد ضرورة؛ لأنه ما من لفظ إلا ويمكن الشاعر أن يغيره.»
16
ثم جاء ابن مالك في القرن السابع الهجري، فلمس فكرة التفريق بين ما هو «خاص بالشعر» وما هو «ضرورة»؛ فجعل الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة، وناقش الكثير من ظواهر الشعر التي حكم النحاة عليها بالضرورة فرفض أن يكون الشاعر مضطرا إليها، وبين ما كان يمكن للشاعر أن يقوله بدل الضرورة المزعومة، وأنه مختار ولا ضرورة تلجئه إلى ذلك، مثال ذلك دخول «أل» على المضارع في قول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وقال إن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة؛ لتمكن الشاعر أن يقول: ما أنت بالحكم المرضي حكومته؛ هذا إذن شيء «خاص بالشعر» وليس «ضرورة»، ولو أن من جاءوا بعد ابن مالك توسعوا في تطبيق هذه الفكرة لأمكنهم عزل الكثير مما سمي «ضرورة» على أنه «خاص بالشعر»، ولأمكن لدراسة الشعر أن تستقل بخصائصها كليا عن دراسة النثر، لكن شيئا من هذا لم يحدث، وظل النحاة على مذهبهم في الضرورة؛ ذلك أن تمييز لغة الشعر عن لغة النثر يفتح بابا لإعادة النظر في الطريقة التي تمت بها دراسة نصوص الكلام العربي جملة، وما كان تقليد المتأخرين للمتقدمين يسمح بهذه المراجعة.
17
وفي شرح التلخيص للسبكي نجد التفاتا ذكيا إلى طبيعة «الضرورة» وطبيعة الاختلاف بين لغة النثر ولغة الشعر. كان شراح التلخيص يعدون مخالفة القاعدة النحوية المطردة ضعفا في التأليف وبعدا عن الفصاحة، ومن أمثلة ذلك «الإضمار قبل الذكر» لفظا ومعنى، كما في قول الشاعر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر
Shafi da ba'a sani ba