Mughalatat Lughawiyya
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Nau'ikan
4 «فما ذهب إليه فرنسيس بيكون بصدد التدخل في الظواهر الطبيعية إذ يقرر أنها «لا تمكن السيطرة على ظواهر الطبيعة إلا بطاعتها ومسايرتها» يصدق كذلك على ظواهر اللغة وما إليها من الظواهر الاجتماعية الأخرى.»
5
وفي المجال الاجتماعي والتاريخي يقول ماركس في «رأس المال»: «حتى إذا اهتدى مجتمع ما إلى الطريق الصحيح لاكتشاف القوانين الطبيعية لحركته، فما هو بمستطيع، لا بقفزات جريئة ولا بتشريعات قانونية، أن يزيل العقبات التي تفرضها المراحل المتعاقبة لنموه الطبيعي ... فذلك أمر يتوقف على هذه القوانين نفسها، وعلى هذه الميول وهي تمضي بضرورة لا تلين إلى نتائج محتومة» ... وبعبارة أخرى فإن معرفة المجتمع لقانونه الطبيعي الذي يعين حركته لن تمكنه من تخطي المراحل الطبيعية لتطوره أو حذفها من الوجود بجرة قلم، وليس باستطاعته أن يفعل إلا شيئا واحدا: هو التقليل من آلام الوضع والتقصير من مدتها، غير أن الماركسية، وكل نزعة تاريخية حقيقية، لا تستلزم القول بالقدرية ولا تؤدي إلى التكاسل عن العمل، بل الصحيح خلاف ذلك تماما، فكثير من التاريخانيين تظهر عندهم ميول واضحة نحو «النزعة العملية»
Activism ، والمذهب التاريخاني يعلم تمام العلم أن رغباتنا وأفكارنا وأحلامنا واستدلالاتنا، ومخاوفنا ومعارفنا، ومصالحنا وأعمالنا، هي كلها قوى مؤثرة في تطور المجتمع. ولا يقول المذهب بعجزنا عن إحداث أي شيء كان، وإنما يتنبأ بأنك لن تستطيع أن تحقق شيئا بأحلامك أو بما يركبه عقلك طبقا لخطة مرسومة، فلا تأثير إلا للخطط التي تتمشى مع تيار التاريخ الرئيسي. ونرى الآن على وجه الدقة أي نوع من العمل يعتبره التاريخانيون معقولا؛ فالأعمال المعقولة ليست إلا ما يتلاءم مع التغيرات الوشيكة الوقوع ويساعد على تحقيقها ؛ إذن فالتوليد الاجتماعي هو العمل الوحيد الذي يمكن أن يعتمد عليه على أساس من بعد النظر العلمي. إن المجتمع متغير بالضرورة، ولكنه يسير في طريق مرسوم لا يمكن أن يتغير، ويمر بمراحل عينتها من قبل ضرورة لا تلين، ومن ثم فالنزعة العملية لا يمكن تبريرها إلا إذا سايرت التغيرات الوشيكة الوقوع وساعدت على تحقيقها. إن خضوعنا لقوانين التطور القائمة هو كخضوعنا لقانون الجاذبية أمر لا مفر منه، وإن أكثر المواقف مطابقة للعقل هو أن يعدل المرء مجموع القيم التي يأخذ بها بحيث تصير موافقة للتغيرات الموشكة على الوقوع.
6
هذا إسهاب مقصود حتى يعلم كل من يحاول إصلاحا لغويا أن عليه «أن يعمد قبل كل شيء إلى دراسة حياة اللغة، ومناهج تطورها، وما تخضع له في حياتها من قوانين؛ حتى يتميز له الممكن من المستحيل، ويستبين له ما يتفق مع السنن الكونية وما يتنافر مع طبيعة الأشياء، وحتى تأتي إصلاحاته مسايرة لهذه الطبيعة، فتؤتي أكلها وتكلل بالنجاح.»
7
من هنا يأتي إلحاح المجددين في اللغة على معرفة السنن الخاصة بتطور العربية من أجل تطويرها على نحو صحيح ناجح، يقول الأستاذ أمين الخولي: «هذا التطور يقتضينا عملا جليلا جبارا في الدرس اللغوي للعربية، كشفا لمسارب سيره ومسالك تنقله، ليكون حديثنا عن هذه العربية حديثا صحيح الأصل سديد الخطوات، وليكون عملنا في خدمتها أو إصلاح شيء من أمرها صحيح الأساس، موفق الاتجاه، محققا لغاية ... حين يأخذ الوجهة التي يدل التطور على اتجاهها إليها.»
8
وفي كتابه «مقدمة لدرس لغة العرب» يقول الأستاذ عبد الله العلايلي: «إن اللغة العربية أخذت طريقها التطوري في الحياة، تمر من دور إلى دور، وتتغير تغيرا شاملا في أصولها وكلماتها ودلالاتها وأسلوبها ومنهجها البياني، وحتى ظهور الإسلام لم تكن قد استقرت على وجه التمام، بل ظلت غير خالصة من علائق الفوضى في غير ناحية، كالموازين وصيغ الجموع وأبواب الأفعال ... إلخ، وذلك النقص لأسباب انقلابية مفاجئة، وقفت بها عند حد ما نراها مسطورة في الكتب العجمية ... وقفت اللغة، ولم تنته، فكان لها انجذار مفاجئ أوقف ما فيها من عناصر فعالة ... وقد بقي فيها شيء من مظاهر الطفولية، اجتهدت العربية بالتخلص منه، ولكن بقي على بعض صوره، والمسافات الواسعة التي بقيت واضحة في منطق القبائل الشتى، ومنطق القبيلة الواحدة، حتى ذهل من كثرتها علماء اللغة جميعا، وراحوا في تعليلها على مذاهب متباينة، وابتدعوا لها وجوها من الاختلاف القبلي وتداخل اللغات والضرائر والشذوذ والغلط، وهي في حقيقة الأمر ليست غير أثر من آثار التطور العامة، الذي تخضع له كل لغة في سيرها الارتقائي، وتبقى هذه البواقي والمتخلفات؛ لأسباب مكانية وظرفية، أو لأن التطور لم يتم دورته، والذي لا شك فيه أن العربية لم تستقر لعهد القرآن على وجه نهائي ... وكانت تصل إلى مستوى بعد ذلك لو ظلت في محيطها بجزيرتها دون خروج، لكن خروج العرب من الجزيرة في الحركة الإسلامية منع ذلك.»
Shafi da ba'a sani ba