السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَإِن تُبدُوا مَا فِي أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ يُحَاسِبكُم بِهِ اللَّهُ الآية، قَالَ: فَاشتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَوا رسولَ الله ﷺ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَي رسولَ الله، كُلِّفنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ؛ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَالجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ،
ــ
للنبيِّ ﷺ حين قال لها: أَينَ اللهُ؟ فقالَت: فِي السَّمَاءِ (١)، ولم يُنكِر عليها ذلك، وما قد رُوِيَ عن بعض السلف أنَّهم كانوا يُطلِقون ذلك، ليس على ظاهره، بل هو مُؤَوَّلٌ تأويلاتٍ صحيحةً قد أبداها كثيرٌ من أهل العلمِ في كتبهم، لكنَّ السلَفَ ﵃ أجمعين - كانوا يجتنبون تأويلَ المتشابهات، ولا يتعرَّضون لها، مع عِلمهم بأنَّ الله تعالى يستحيلُ عليه سِمَاتُ المُحدَثَات، ولوازمُ المخلوقات، واستيفاءُ المباحث هذه في علم الكلام.
و(قوله: إِن تُبدُوا مَا فِي أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ يُحَاسِبكُم بِهِ اللَّهُ) ما: هذه أيضًا على عمومها، فتتناولُ كلَّ ما يقع في نَفسِ الإنسانِ من الخواطر؛ ما أُطِيقَ دفعُهُ منها وما لا يطاق؛ ولذلك أَشفَقَتِ الصحابة مِن محاسبتِهِم على جميعِ ذلك ومؤاخذتِهِم به، فقالوا للنبيِّ ﷺ: كُلِّفنَا مَا نُطِيقُ بالصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ، وَهَذِهِ الآيةُ لاَ نُطِيقُهَا.
ففيه دليلٌ على أنَّ موضوعَ ما للعموم، وأنَّه معمولٌ به فيما طريقُهُ الاعتقادُ؛ كما هو معمولٌ به فيما طريقُهُ العمل، وأنَّه لا يجبُ التوقُّفُ فيه إلى البحثِ على المخصِّص، بل يُبَادِرُ (٢) إلى استغراقِ الاعتقاد (٣) فيه، وإن جاز التخصيصُ، وهذه المسائلُ اختُلِفَ فيها؛ كما بيَّنَّاه في الأصول.
ولمَّا سمع النبيُّ ﷺ ذلك القولَ منهم، أجابهم بأن قال: أَتُرِيدُونَ أَن تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهلُ الكِتَاب مِن قَبلِكُم: سَمِعنَا
(١) رواه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠ و٩٣١)، والنسائي (٣/ ١٤ - ١٨) من حديث معاوية بن الحكم السلمي ﵁.
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(٣) في (ل) و(ط): اعتقاد الاستغراق.