نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.
ــ
وليس الأمرُ على مقتضى هذا الظاهرِ؛ لِمَا قرَّرناه في أوَّلِ الكتابِ، وأَعَدناه في البابِ الذي قبلَ هذا.
ولمَّا استحالَ حملُ هذا الحديثِ على ظاهره على مذهبِ أهل السنة، اختلَفَ العلماءُ فيه على أقوال:
أحدها: أنَّ هذا النفاقَ هو نفاقُ العملِ الذي سألَ عنه عمرُ حذيفةَ لما قال له: هل تعلَمُ فيَّ شيئًا من النفاق؟ أي: مِن صفات المنافقين الفعليَّة، ووجهُ هذا: أنَّ مَن كَانَت فيه هذه الخصالُ المذكورة، كان ساترًا لها، ومظهرًا لنقائضها؛ فصدَقَ عليه اسمُ منافق.
وثانيها: أنّه محمولٌ على مَن غلبت عليه هذه الخصال، واتَّخَذَها عادةً، ولم يبالِ بها؛ تهاوُنًا واستخفافًا بأمرها؛ فأي مَن كان هكذا، كان فاسدَ الاِعتقادِ غالبًا، فيكونُ منافقًا خالصًا.
وثالثها: أنَّ تلك الخصالَ كانت علامةَ المنافقين في زمانه؛ فإنَّ أصحابَ النبيِّ ﷺ كانوا متجنبين لتلك الخصال؛ بحيث لا تقع منهم، ولا تُعرَفُ فيما بينهم؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاس وابنُ عمر، ورُوِيَ عنهما في ذلك حديثٌ، وهو أنهما أَتَيَا النبيَّ ﷺ فسألاه عن هذا الحديث، فضحكَ النبيُّ ﷺ وقال: ما لكم ولهنَّ، إنما خصَصتُ بهنَّ المنافقين، أنتم مِن ذلك بُرَآء (١)، وذكر الحديثَ بطولِهِ القاضي عياض، قال: وإلى هذا صارَ كثيرٌ من التابعين والأئمَّة.
و(قوله: وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) أي: مال عن الحَقِّ، واحتال في ردِّه وإبطاله.