فكان من ردنا على من زعم أن اعتدال الطبائع وثباتها ليس من أجل الشمس والكواكب ولكن فيها قوة تنطبع بذاتها من غير علة أنه لا يكون تركيب إلا بمركب وأنه ممتنع أن يكون المركب هو ركب ذاته أو يكون مطبوع هو علة طبع ذاته لأنه لو كان ذلك كذلك لكان المركب إنما يركب مثل ذاته والمطبوع إنما يطبع مثل ذاته وكان لا يكون لهذه الأركان استحالة من بعضها إلى بعض بل كانت تكون على حالها وقد نراها تستحيل وتتغير ونجدها في الأشياء الطبيعية التي تكون وتفسد فمن هاهنا علمنا أنها لم تتغير ولم تستحيل من ذاتها وأن ذلك من فعل شيء آخر فيها فلذلك تغيرت واستحالت وأيضا فلو كانت الأشياء تتكون من ذاتها من غير علة لكان الشيء ئذا إذا كان موجودا في وقت من الأوقات لم يكن يتغير ولا يفسد بل كان يبقى على حاله لأن الشيء لا يفسد ذاته ولا يغيرها فإذا وجدناه مكونا بعد أن لم يكن ووجدناه يفسد بعد الكون علمنا أن علة الكون والفساد شيء آخر غيره فقد استبان الآن أن علة كون الشيء غير الشيء وأنه لا يتكون الشيء من ذاته بل من طبع فيه يقبل التكو ين من غيره
فنقول الآن إن الشمس بمشاركة الكواكب لها هي علة اعتدال الطبائع وتركيب الأشخاص الطبيعية بما جعل لها الخالق البارئ من القوى الطبيعية على ما ذكرنا وذلك كما جعل للنار الإحراق بطبيعتها فهي علة كل شيء يحترق بها وبرد الماء علة كل شيء يبرد به وأشياء كثيرة طبيعية الفعل على هذا النحو فكذلك جعل النير النهاري أعني الشمس علة الضياء والنهار والحرارة الكلية التي في هذا العالم وعلة التركيبات الطبيعية لأن المواضع التي يفرط فيها البرد لبعد الشمس عنها أو يفرط فيها الحر لقربها منها لا يتركب فيها حيوان وإنما يتركب الحيوان في المواضع التي لا تبعد من مدارها ولا تقرب منها جدا وذلك أن الموضع الذي بعده من مدار الشمس الصيفي الذي هو رأس السرطان في الشمال ستة وستون جزءا وإذا زدت عليه الميل كله وهو أربعة وعشرون جزءا بالتقريب يكون ذلك تسعين جزءا فهذا الموضع لا يتركب فيه حيوان ولا ينبت فيه نبات لبعده من مدار الشمس ومن شدة برده لأنها إذا صارت إلى البروج الجنوبية لا تطلع عليهم ستة أشهر فتنعقد البخارات هناك ولا ترتفع وتهب في ذلك الموضع في الشتاء والصيف رياح عاصفة فلا يتركب هناك شيء من الحيوان والنبات
Shafi 246