والحجة الثالثة في وجود الإمكان إن الإنسان إنما يتفكر ويستشير فيما فيه الإمكان كالرجل إذا أراد أن يبني بنيانا تفكر في كيفية ما يريد أن يبنيه واستشار فيه فإذا صحت عزيمته على البناء تفكر واختار أي يوم يبتدئ فيه وإذا أراد أن يسافر استشار أيسافر أم لا وهل السفر في البر خير له أو في البحر فإذا صحت عزيمته على السفر فكر واستشار في أي يوم يسافر ثم يسافر في اليوم الذي يريده وإذا أراد أن يزرع تفكر واستشار فيما يريد من الزراعة وفي الموضع الذي يزرع فيه ثم يختار ما يريد مما تفكر فيه وأشير به عليه وإذا أراد صحبة إنسان تفكر واستشار أي الناس خير له ثم اختار الذي يريد
وكذلك يفعل في الأشياء الجزئية كالإنسان الذي يتفكر ويقول أي شيء آكل اليوم أو أي شيء أشرب أو أي ثوب ألبس أو في أي مجلس أقعد وإذا كان صحيح الجوارح والحواس يقول أنظر إلى فلان أو لا أو أكلم فلانا أو لا فهذا وأشياء من هذا الجنس يمكن فيه الاختيار وكل هذه الممكنات أولها يقوم في الفكرة وآخرها يؤول إلى فعله أو تركه فأما الواجب والممتنع فإنهما يوجدان في الأشياء وجودا طبيعيا بالفكرة فقط لأن الإنسان بالفكر يعلم أن الحياة واجبة للإنسان الحي وأنه ممتنع أن يطير ولو كانت الأشياء ئما إما واجبة أو ممتنعة فقط والواجب والممتنع من الاضطرار لم يحتج الناس إلى فكر ولا إلى مشورة وكانت تكون الفكرة والمشورة في اختيار شيء من شيء آخر باطلا لأنه لا يمكن الإنسان أن يتفكر فكرة صواب أو يستشير غيره في النار أتحرق أو لا تحرق لأنها محرقة بالاضطرار ولا يتفكر فكرة صواب ويقول أيطير الإنسان أو لا لأنه ممتنع أن يطير
Shafi 116