فلهذه العلة نرى الغالب على بعض الأشخاص خلطا من الأخلاط ونرى لكل شخص كيفيات وخاصيات ليست لغيره من الأشخاص التي من نوعه وكل الأشخاص الطبيعية إنما تركب من الأركان الأربعة على إحدى جهتين إحداهما من استحالة المواد التي من جنسها فلينفعل منها عند استحالتها شيء آخر وذلك كانفعال الإنسان من النطفة والسنبلة من حبة الحنطة والشجرة من غصن من أغصان الشجر الذي هو من جنسها والأخرى كانفعال بعض الحيوان والنبات والجواهر من الأركان الأربعة لا من شيء آخر مثله وذلك كالأعشاب وكثير من النبات والأشجار فإنها تكون من غير شيء آخر من جنسه والجواهر المعدنية تكون من البخارات المختلفة لا من شيء مثلها وكثير من الحيوان في البر والبحر كالذباب والبق والضفادع والبعوض والديدان وأنواع كثيرة من السمك وحيوان الماء والحيات التي توجد في شجر الخلاف بين اللحاء والخشب وبعض العقارب وخرشة الأرض والحيوان الطيار قد يكون في بعض أوقات السنة من الأركان الأربعة من غير توالد وفي هذه الجهة الثانية الرد على من قال إنه لا يكون شيء ئلا إلا ئلا من شيء من جنسه ودليل على أن ذلك إنما يكون بتقدير العزيز العليم وتدبيره الفصل الخامس في الاحتجاج على تثبيت الأحكام والرد على كل من زعم أن الكواكب لا قوة لحركتها ولا دلالة لها على الأشياء الكائنة في هذا العالم
إن قوما ردوا علم أحكام النجوم وهم عشرة أصناف فأما الصنف الأول فقالوا إن الكواكب لا دلالة لها على شيء مما يكون ويفسد في هذا العالم الذي دون فلك القمر فقلنا إن كل الحكماء يتفقون على أن كل جوهر يتحرك حركة طبيعية فإنه ينفعل عن حركته الطبيعية في غيره من الأشياء المتصلة به بالطبيعة الاستحالات الطبيعية وإذا انفعل عن حركته الطبيعية في غيره من الأشياء المتصلة به بالطبيعة الاستحالات الطبيعية فالمتحرك علة لتلك الاستحالات وهي معلولة منه
والقياس على ذلك ما يوجد من حركة النار فإنه ينفعل عن خاصيتها وحركتها الطبيعة في الأشياء المتصلة بها بالطبيعة الاستحالات الطبيعية أعني الإحراق فالنار علة لحرق الأشياء التي تحترق بها والأشياء المحترقة معلولة منها وأشياء كثيرة موجودة من هذا الجنس فكذلك هذه الأجرام السماوية إذ هي طبيعية الحركة على هذا العالم فإنه ينفعل عن حركتها الطبيعية في هذه الأركان الأربعة المتصلة بها بالطبيعة الاستحالة من بعضها إلى بعض وعند استحالة أحدهما إلى الآخر يكون الكون والفساد بإذن الله فيصير إذا استحالة بعضها إلى بعض والكون والفساد الذي يكون منها معلولا من الأجرام العلوية المتحركة وتكون هي علة لها وحركتها التي للكون هي التي للفساد إلا أنها من جهة الكون محمودة ومن جهة الفساد مذمومة وذلك كالخشب الذي يحترق فيصير فحما فهو وإن فسد عن طبيعة الخشبية بحركة النار فيه فإن بتلك الحركة صار كون الفحم لأن فساد شيء من الأشياء هو كون شيء آخر فلذلك قال عامة قدماء الفلاسفة إنه ينفعل عن حركات الكواكب الطبيعية الدائمة الكون الطبيعي الدائم إلى الوقت الذي يشاء الله ذلك
Shafi 106