ونجعل في ذلك مثالا من الشمس لأنها إذا صارت في الربع الأول من الفلك وسارت فيه لتقطعه فإنه ينفعل عن حلولها فيه وحركتها الطبيعية علينا وما يوجد من سيرها المختلف عندنا أن تتشكل طبيعة ذلك الزمان والأركان الأربعة بحال تكون فيه أشياء طبيعية مختلفة الأنواع من توريق الشجر ونموها ونبت الأعشاب والزروع وأنواع كثيرة من الرياحين والفواكه والشجر والجواهر والحيوان وكون شيء وفساد شيء آخر وليس عن اختيار الشمس كان حلولها في هذا الربع ولا كون تلك الأشياء وفسادها ولكن لبلوغها بالحركة الطبيعية إلى هذا الربع ومن حركتها علينا كان انفعال هذه الأشياء الطبيعية المختلفة الأنواع وعلى هذا النحو يكون انفعال الأشياء الكائنة والفاسدة في هذا العالم من حركات الكواكب ومن بلوغها إلى كل موضع من مواضع الفلك بإذن الله ولأدل على أن حركة الفلك عن قوة العلة الأولى أذكر قول الفيلسوف حيث قال لما كان الفلك متحركا فباضطرار أن تكون حركته من شيء غير متحرك لأنه إن كان المحرك متحركا لزم أن يكون ذلك إلى ما لا نهاية والفلك دائم الحركة فقوة المحرك له غير ذات نهاية وإذا كانت قوته غير ذات نهاية فليس يمكن أن يكون جسما بل يجب أن يكون محركا للأجسام ولأن قوته غير ذات نهاية فليس هو إذا بزائل ولا فاسد فانظر كيف أدركنا الخالق المحرك للأشياء من الأشياء الظاهرة المعروفة المدركة بالحواس وإنه أزلي ذو قدرة غير ذات نهاية ولا متحرك ولا مكون ولا فاسد تبارك وتعالى علوا كبيرا الفصل الرابع في الصور والطبائع والتركيب والمطبوع
قد ذكرنا فيما تقدم من كيفية فعل الكواكب في الأشياء التي تكون وتفسد في هذا العالم من هذه الأركان الأربعة ونحن نذكر الآن الصور والطبائع الأربعة التركيب الطبيعي والمطبوع
فأقول كالعادة الجارية عند الفلاسفة إنا نسمي الصور الإنسانية التي يقال على كل شخص من أشخاص الناس والفرسية التي يقال له على كل فرس من الأفراس والحمارية التي يقال على كل حمار من الحمر وما كان من الأشياء هكذا فإنا نسميه صورا ونسمي الطبائع الأربعة النار والهواء والماء والأرض ونسمي التركيب الطبيعي تأليف أجزاء الأشخاص الطبيعية وتركيب كل شخص على حدته ونسمي المطبوع ما ينطبع من الطبائع الأربعة من جميع أشخاص الحيوان والنبات والمعادن فالمطبوعات إذا أعني الأشخاص الطبيعية المرئية المحسوسة يوجد فيها أربعة أشياء أولها وجود ذات المطبوع والثاني التركيب والثالث الطبائع الأربعة والرابع النوع الذي هو منه
فإذ قدمنا هذه الأشياء التي نحتاج إلى ذكرها فيما يستقبل فإنا نذكر قول الفيلسوف حيث قال إن كل معلول علته أقدم منه بالمرتبة والمعلول أدانا إلى العلة والعلة عرفناها بالمعلول والمطبوع أدانا إلى الطبائع والطبائع عرفناها بالمطبوع وكلما كان حادثا من شيء فإن الشيء الذي منه حدث أقدم من الحادث وذلك كالحامل والمحمول فالحامل الأرض والمحمول الحيوان فالأرض أقدم من الحيوان بالمرتبة من أجل أن الحيوان محمول وقد كانت الأرض ولا حيوان فوقها
Shafi 92