وأما صناعة النجوم فإنما هي معرفة ما ينفعل من حركات الكواكب في اختلاف هواء البلدان وفي حالات أهلها وتغيير الطبائع وانتقالها من شيء ئلى إلى شيء وتركيبها في أشخاص الحيوان والنبات والجواهر ومعرفة قواها في الزيادة والنقصان فللعلل التي ذكرناها صارت صناعة الطب أقرب إلى صناعة النجوم وأشرف من الصناعات التي تقدم ذكرنا لها وإنما عرفت الأطباء طبائع الأشياء وما فيها من القوى العامة والخاصة بما يظهر من أفعالها وتغييرها للأبدان ثم نسبوا كل شيء ئلى إلى طبيعته التي وجدوها له بالقياس على ما ظهر من قواها وفعلها في الأبدان فقالوا هذا حار وهذا بارد وهذا رطب وهذا يابس وخاصة كل واحد أن يفعل كذا وكذا فمن هذه الجهة عرفت الأطباء طبائع العقاقير والأدوية وخاصيتها وطبائع العلل والأمراض ثم أخبروا بما يكون ويحدث في كل واحد من ذلك قبل كونه بزمان وأما المنجمون فإنهم عرفوا قوى الكواكب بما يظهر من فعلها في هذا العالم فقالوا الشمس حارة لما رأوا من تسخينها والقمر رطب لما رأوا من قوة فعله في ماء البحر وسائر المياه وكذلك عرفوا قوى سائر الكواكب المتحيرة والثابتة بالقياس على ما ظهر من قوى حركاتها على هذا العالم وأخبروا من هذه الجهة بما يكون ويحدث في هذا العالم من العام والخاص واستدلوا على ذلك بقوى حركات الكواكب الفاعلة في الطبائع والمغيرة لها فكل من ذكرنا من جميع أصحاب هذه الصناعات كالفلاحين ومدبري السفن وسائر الصناعات المختلفة فإن صناعتهم جزئية لأنها تستعمل في صناعتها نوعا واحدا وإنما عرفوا كثيرا من علوم صناعتهم وتدبيرها بالتجارب بمجاري بعض الكواكب
Shafi 68