فأما المعادن فإنما يتولد فيها الجواهر على قدر قربها من مدار الشمس أو بعدها عنه لأن الشمس إذا سامتت موضعا من المواضع كان هناك حر وإذا تنحت عنه كان هناك برد فهذا وكثير من هذا الجنس من ظاهر فعل الشمس قد تعرفه العامة وقد يوجد للقمر أيضا فعل ظاهر في كثير من الأشياء لأنه كلما تغير القمر من حال إلى حال يحدث تغييرات كثيرة في الحيوان والنبات والمعادن وفي ماء البحر وفي مسقط النطف وتولد الحيوان وابتداء النتاج واللقاح ويكون ذلك على قدر زيادته في ضوئه ونقصانه منه وسائر اختلاف حالاته
وقد يعرف أيضا كثير من الأمم المختلفة ما يحدث في أيام السنة من الحر والبرد والرياح والأمطار وأصناف تغيير الهواء من حلول القمر في كل منزلة من المنازل الثمانية والعشرين وكثير منهم إذا رأوا كل واحد من هذه المنازل في المغرب بالغدوات فإنهم يقولون إن الهواء يتغير في هذا اليوم بالريح أو بالغيم أو بالحر أو بالبرد على قدر ما تقدمت تجربتهم له وقد يوجد للكواكب كلها أفاعيل مختلفة في هذا العالم إلا أن أفاعيلها عند العامة أخفى من أفاعيل الشمس والقمر ومما تستدل به العامة من فعل الكواكب في هذا العالم ما تجد من اختلاف حالات الأزمنة بالكيفية الزائدة أو الناقصة لأن اختلافها في الزيادة والنقصان إنما يكون بمشاركة الكواكب للشمس والقمر عند حلولهما في بعض مواضع الفلك ولولا مشاركة الكواكب لهما فيه لكان لا يكون صيف أحر من صيف ولا شتاء أ برد من شتاء
وقد تجد وتعرف ما ذكرنا من تغيير الطبائع وانتقالها من حال إلى حال العامة من جميع الأمم والأقاليم ممن لهم تجربة قليلة ويصح عندهم من هذه الجهة الظاهرة أن النشوء والفساد إنما يكونان على قدر تغيير الأزمنة والطبائع وإنما يكون تغيير هذه الأشياء بالشمس وبسائر الكواكب فأما القوم الذين تقدمت تجربتهم وطالت أيامهم وسنوهم فيها وتعلموا بعض ذلك من أسلافهم فإنهم حين قاسوا على هذه الأشياء الظاهرة التي وجدوها من فعل الكواكب في الأزمنة وفي هذه الطبائع من التغيير عرفوا منها أشياء غامضة لطيفة
Shafi 58