فقلت له: «إن المسألة ليست فقط مسألة دفاع، بل مسألة صداقة، والصداقة إذا أردتموها من جانب مصر، لن تكون إلا مع احترام كرامة مصر، وقد أجمع المصريون على أن احترام كرامتهم لن يكون إلا إذا جلت القوات الأجنبية جلاء تاما من أرضهم!»
فقال: «نعم، نعم، أنا أفهم ذلك»، وقال للسفير بجواره: «ألا تفهم ذلك مثلي؟» فهز السفير رأسه، ولم يجاوب!
فقلت للورد مشيرا إلى صحن بجانبي به
Marrons glacés : «لا بد أن هذا الجسم ينقل من هنا حيث هو إلى مكان خارج هذه الغرفة!» إشارة إلى ضرورة إزالة الأثر المادي للاحتلال.
فقال اللورد ضاحكا: «خذ بالك، فإن الصحن به حلوى، ولا أظن أنك تنظر إلى الاحتلال كأنه صحن حلوى!»
وضحكنا جميعا ... وكانت هذه العبارة مثارا لبعض المرح، ثم عدنا إلى عبارته إذ تكلم عن الخبراء، فقلت: إن لخبرائك أن يبحثوا عن وسائل ضمان الدفاع، ولكن يجب أيضا من جانبكم وأنتم السياسيون أن تتنبهوا إلى أن المسألة ليست مسألة دفاع فقط، بل مسألة تفاهم وصداقة، فإذا كانت وسيلة الدفاع في نظركم بقاء قوة أجنبية، فقد تظفرون بالدفاع، ولا تظفرون بالصداقة. «يجب أن يفهم الخبراء ذلك، حتى لا يرتبوا وسائلهم على أي وضع من أوضاع الاحتلال.»
فقال اللورد: «فهمتك جيدا، وإن خبراءنا هم من جنود الزمن الحديث، الذين يدركون كل الحقائق إلى جانب حقائقهم.»
وهنا أسهبت فيما سبق أن نبهت إليه السفير من أنه كما لبريطانيا أن تتبين واجباتها، فإن لمصر أن تتبينها أيضا، ومصر قد وطدت العزم على أن تؤدي واجب الدفاع عن نفسها في نطاق هيئة الأمم المتحدة، وسوف تقوم بهذا الواجب إذا لم تتعثر كما كان الشأن في الماضي في سياسة لا تستند إلى الحقائق.
وقلت له أيضا: «إن مصر دلتكم على حسن نياتها في الحرب الماضية ...» فقاطع اللورد وقال: «إنكم قمتم بنصيبكم أحسن قيام.»
واستأنفت عبارتي قائلا: «إن من دلائل حسن نيتنا أننا كنا نستطيع - وهذا رأي الكثيرين - أن نتحلل من كل الواجبات نحوكم، ونكتفي بالواجبات التي فرضتها علينا وعليكم جمعية الأمم المتحدة، ولكن المسئولين في بلادنا يرون أن نحتفظ بصداقة بريطانيا وحلفها، وأن نجعل منها احتياطا للمستقبل، خصوصا وأن بيننا من الأواصر ما يجعل كل حلف بين دولتينا مؤديا لنفع محقق.»
Shafi da ba'a sani ba