قيل وقتئذ إنني فصلت من الوفد ولم أستقل، ونسبوا إلي أنني ذهبت إلى لندن، واتفقت مع بعض الساسة الإنجليز، والواقع أن ذلك لم يحصل، بدليل أنه على أثر عودتي إلى القاهرة، واشتراكي بلا تردد في الحركة الوطنية، بعث إلي القائد العام لجيش الاحتلال، وألزمني بأن أسافر إلى إحدى ضياعي بعيدا عن القاهرة، بحيث تكون إقامتي في إحدى القرى التي تبعد عن أية مدينة بما لا يقل عن ستة كيلومترات، فاخترت الإقامة في بلدي (الغريب)، وبقيت معتقلا بها إلى أن طلب عدلي باشا من اللورد ملنر حينما جاء في لجنة التحقيق، الإفراج عني ... وقد أذعت في هذه الأثناء تكذيبا لما نسبه البعض، قلت فيه:
إن الخبر الذي من مقتضاه أنني ذهبت إلى لندن، وقابلت فيه السر رونالد جراهام مكذوب، فضلا عن كوني لم أكن عضوا في اللجنة الفرعية، التي كان الوفد قد رأى إيفادها إلى لندن بناء على طلب الرئيس.
وأما الخبر القائل: بأنني طلبت المفاوضة مع إنجلترا على أساس الاستقلال الداخلي، وطرقت أبوابا كان الوفد يرى عدم طرقها، وأن لدى معالي الرئيس مستندات قوية تثبت ذلك فقول غير صحيح، وإني أنتظر نشر هذه المستندات بطمأنينة.
مفاوضات عدلي - كرزون
في 16 مارس سنة 1921 تألفت وزارة عدلي يكن باشا الأولى، وكانت أول وزارة سياسية منذ استقالة وزارة رشدي باشا الرابعة سنة 1919، وقد اختير عدلي باشا رئيسا، وحسين رشدي باشا نائبا للرئيس، وعبد الخالق ثروت باشا وزيرا للداخلية، واخترت أنا وزيرا للمالية، وجعفر ولي باشا وزيرا للمعارف، وأحمد مدحت يكن باشا وزيرا للأوقاف، ومحمد شفيق باشا وزيرا للأشغال والحربية والبحرية، وأحمد زيور باشا وزيرا للمواصلات، وعبد الفتاح يحيى باشا وزيرا للحقانية، ونجيب بطرس غالي باشا وزيرا للزراعة.
وأهم ما جاء في برنامج هذه الوزارة أنها «ستقوم بتحديد العلاقات الجديدة بين مصر وبريطانيا للوصول إلى اتفاق يحقق استقلال مصر.»
قوبل تأليف هذه الوزارة من سعد باشا وأعضاء الوفد وسائر أفراد الأمة بالتأييد، وعاد اتحاد الأمة إلى ما كان عليه، وعاد سعد وإخوانه من باريس، واستقبل استقبالا وطنيا حافلا لا نظير له، وأخذت الوزارة في الاستعداد لمفاوضة الإنجليز، وذلك بتأليف وفد رسمي برياسة رئيس الحكومة وعضوية زعماء الأمة.
الخلاف على الرياسة!
وهنا كان الخلاف بين الوزارة وسعد باشا، فقد طلب سعد أولا؛ أن تكون رياسة الوفد المفاوض له، وأن تكون أغلبية هذا الوفد من فريقه.
وكان ردنا على سعد باشا وقتئذ في هاتين المسألتين، أن التقاليد السياسية في جميع البلاد لا تسمح بحال من الأحوال أن يكون رئيس الحكومة مرءوسا في هيئة تتفاوض مع حكومة أخرى، فضلا عن أن التصرف في المفاوضات ليس من حق الرئيس بل من حق الهيئة.
Shafi da ba'a sani ba