دخلت مدرسة الحقوق، وكان من زملائي في «الفصل» محمد توفيق نسيم وأحمد لطفي السيد، ومن زملائي في المدرسة مصطفى كامل، وعبد الخالق ثروت.
وكنت وتوفيق نسيم طول سني الدراسة نتناوب الأولية في الامتحانات، فسنة أكون الأول وهو الثاني، وأخرى بالعكس، حتى كان امتحان ليسانس الحقوق سنة 1894 فظفرت بالأولية، وكان ترتيبه الثاني.
وقد اشتغلت بالصحافة أثناء دراستي بهذه المدرسة، فحررت مع مصطفى كامل في مجلة «المدرسة» التي أنشأناها، ثم أنشأت مع لطفي السيد مجلة «الشرائع»، وهي مجلة قانونية فكنت أحرر فيها فصولا في القانون والاقتصاد، وكنت ميالا بطبعي إلى المسائل الاقتصادية.
الهتاف بالدستور
وأذكر أنني وأنا بالسنة الثالثة بالحقوق اشتركت مع مصطفى كامل في تنظيم مظاهرة للطلبة للمطالبة بمنح البلاد الدستور، فاجتمعنا أثناء مرور الخديو عباس حلمي أمام المدرسة، وكانت وقتئذ في بنائها بشارع عبد العزيز، فحييناه، وهتفنا منادين بالدستور فلم يغضب الخديو لهذه المظاهرة، ولا لهذا الهتاف، بل ابتسم ورد التحية، واعتبر ذلك تشجيعا خفيا من سموه للطلبة، وللحركة الوطنية التي كان يرعاها.
وقد كان الخديو عباس في ذلك الحين شابا ميالا لتشجيع الشباب، وقد طبع على تشجيع الحركة الوطنية؛ ولذلك لم يكن غريبا أن يبتسم، وألا يغضب، بل على العكس كان يرى في تقوية الحركة الوطنية تقوية لعرشه، وتدعيما لسلطته الشرعية، إذ كان الهدف هو جلاء المحتلين عن مصر، وحصولها على حريتها واستقلالها.
وكذلك نشأنا ونحن طلبة نشعر بأن واجبنا الأول حب وطننا وخدمة بلادنا، وحب الوطن يكون بشيئين: (1) أن نتمسك بحقوقه ونسعى للحصول عليها. (2) وأن نعمل لتحصيل العلم لنكون جديرين بالاستقلال، بل لنصل بالعلم إلى الاستقلال الحقيقي.
في الوظائف الحكومية
تخرجت في مدرسة الحقوق سنة 1894، ومع أني كنت أول فرقتي فقد عينت في وظيفة كاتب بالنيابة بمرتب خمسة جنيهات!
وكان النائب العمومي في ذلك العهد مسيو لوجريل، وكان وكيله مصريا معروفا بوطنيته وسمو أخلاقه يدعى حسن عاصم بك «باشا»، فمكثت بهذه الوظيفة زمن التمرين، ولم أستنكف من ممارستي لوظيفة صغيرة يمارسها من هم أقل مني تعليما وثقافة، بل كانت لي تجربة من تجارب الحياة التي لا بد منها.
Shafi da ba'a sani ba