Bayanin Yarinya Mai Suna Su'ad
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Nau'ikan
وتحمد سعاد الله بينها وبين نفسها وهي تدب بقدميها القويتين على الأرض، وتجري إلى البيت وهي تحرك ذراعيها وساقيها في الهواء.
ودعتها مختارة إلى بيتها في يوم عيد ميلادها، ولأول مرة تحضر حفل عيد ميلاد، لم يكن أبوها ولا أمها يحتفلان بعيد ميلاد أحد، وكل ما تعرفه هو العيد الصغير بعد شهر رمضان حين تصنع أمها الكحك، والعيد الكبير حين يشتري أبوها الخروف ويأتي الجزار ليذبحه عند الفجر.
ودخلت سعاد بيت مختارة، ووجدت أنه أحسن من بيتهم بكثير، وحوله حديقة كبيرة، وفيه كراسي كبيرة مذهبة تشبه الكراسي في بيت جدها، وساعة كبيرة معلقة على الحائط، ومائدة كبيرة مضاءة بالشموع، ومن فوقها أنواع من الحلوى والفطائر التي لم ترها ولم تتذوقها من قبل.
وتأكدت سعاد في ذلك اليوم أن الله يحب مختارة أكثر مما يحبها؛ لأنه أعطاها كل هذه الأشياء، وتساءلت بينها وبين نفسها: هل مختارة تصلي أكثر منها؟ وبينما هي جالسة إلى المائدة وإلى جوارها مختارة سألتها فجأة: هل تصومين رمضان يا مختارة؟ وقالت مختارة إنها لا تصوم لأنها لا زالت صغيرة، وسألتها سعاد مرة أخرى: وهل تصلين؟ وقالت مختارة إنها لا تصلي، ولكنها حين تكبر ستتعلم الصلاة وتصلي، وهنا رفعت سعاد رأسها بنوع من الزهو وقالت: أبي علمني الصلاة وأنا أصلي كل يوم، وقد صمت رمضان العام الماضي والعام الذي قبله أيضا.
وأحست سعاد بنوع من الرضا، فقد تميزت على مختارة بشيء، وإذا كانت مختارة أغنى منها إلا أنها تعلمت الصلاة قبلها، وهي تصلي وتصوم ومختارة لا تصلي ولا تصوم، لكن هذا الإحساس سرعان ما تلاشى، وخطر لها سؤال حيرها، وقالت لنفسها: إذا كانت هي تصلي وتصوم ومختارة لا تصلي ولا تصوم، فلا بد أن الله يفضلها على مختارة، وإذا كان الله يفضلها على مختارة، فلماذا أعطى مختارة أكثر مما أعطاها؟
وظل السؤال يحيرها حتى عادت إلى بيتها وقالت لأمها أن الله ليس عادلا؛ لأنه أعطى مختارة أكثر مما أعطاها مع أنها تصلي وتصوم ومختارة لا تصلي ولا تصوم، وقالت أمها إنها يجب أن تستغفر الله وتردد عبارة: أستغفر الله، ثلاث مرات؛ لأن الله عادل، والله يعطي من يشاء ولا يعطي من يشاء، وهو حر في عباده، وأن الله أعطاهم والحمد لله ما يكفيهم، وليسوا طماعين، ويجب عليها ألا تكون طماعة وتقنع بما أعطاها الله، فالله يعطي كل إنسان حسب ما يستحقه.
لكن عقل سعاد كان حتى ذلك الوقت عاجزا عن إدراك ما قالته أمها، ولا تتصور كيف يكون الله عادلا حين يعطي التي تصلي له أقل ممن لا تصلي له، وإذا كان الله يعطي كل إنسان حسب ما يستحقه، فلا بد أن الله رأى أن مختارة تستحق أشياء أكثر منها، وأن مختارة أحسن منها، وهي أقل من مختارة.
وانتابها شعور غامض بالمهانة والضآلة وعدم استحقاق شيء، والله يعرفها على حقيقتها لأن الله يعرف كل شيء، واستقر هذا الشعور في نفسها، واستراح له عقلها، فهو الشعور الوحيد الذي يقنعها بعدالة الله؛ لأنه لو شعرت أنها مثل مختارة وتستحق ما استحقته مختارة فلا بد أن الله ليس عادلا لأنه لم يعطها ما أعطى مختارة، وحيث إن الله لا يمكن إلا أن يكون عادلا فلا بد أنها أقل من مختارة، ولم تستحق ما استحقته مختارة.
وهدأ عقلها واستراح ضميرها وتخفف من الشعور بالذنب، فلم تكن تحب أن يسيء من قريب أو بعيد لنزاهة الله، والأفضل أن تسيء إلى نفسها وتلصق بها صفة الضآلة على أن تتهم الله بالظلم، ولم تكن الإساءة إلى نفسها تشعرها بالذنب أو الخوف، وإنما هو إحساس غامض بالمهانة تكبته في نفسها ولا تكاد تعيه؛ إلا حينما تذهب إلى المدرسة وتقف في الطابور وتجد أنها أكبر تلميذة في فصلها، وأن رأسها تطل من فوق رءوس التلاميذ الواقفين في الطابور، فتخفض رأسها وتحني ظهرها، وتظل خافضة رأسها حانية ظهرها إلى أن تصل إلى مقعدها في الصف الخلفي، حيث تنكمش وتكور ذراعيها وساقيها لتدخل بجسمها الكبير في المساحة الضيقة بين المسند الخلفي والدرج الأمامي.
ولاحظت أمها انحناءة ظهرها حين تمشي فأصبحت تنبهها إلى أن ترفع ظهرها، ولا تتعود على هذه المشية المنحنية وإلا أصبح لها سنام مثل سنام الجمل، وكانت قد رأت من قبل سنام الجمل، وأفزعها أن ينمو في ظهرها مثل هذا السنام، فأصبحت تشد عضلات ظهرها لترفعه كلما تذكرت كلمات أمها، لكنها ما أن تدخل المدرسة حتى تعود الانحناءة إلى ظهرها دون أن تعي، وحين تجلس إلى مكتبها تظل الانحناءة، وتزيد عليها انحناءة رأسها فوق الكراسة أو الكتاب، ويحتفظ جسدها بهذا الوضع طالما هي في الفصل أو طالما هي جالسة إلى مكتبها في حجرتها تذاكر، أو يبدو لمن يراها أنها تذاكر؛ لأنها بينها وبين نفسها لم تكن تذاكر، عيناها فقط شاخصتان في الكتاب، لكن عقلها يفكر في الأشياء الأخرى التي تحبها، وهي تحب الجري واللعب في الحقل، لكنها لم تعد تنزل إلى الحقل، وأقسم أبوها أنها لن ترى الحقل ولن تلعب وتضيع الوقت، فقد كبرت وأصبحت كالبغلة ومن العار أن ترسب مرة أخرى. •••
Shafi da ba'a sani ba