السجن، فقال للذي ظَنَ أنًه ناج من صاحبيه في السجن: اذكرني عند ربّك. فأدَّبه الله ببقائه في السجن بضع سنين، ليعلق قلبه بربِّه دون غيره، ويتم له صدق التوكّل عليه وحده - سبحانه- دون سواه.
السادس: أنه- سبحانه- شاء أن تكون نجاته بما آتاه الله من العلم، وبما علَمه من تأويل الأحاديث، لا بشفاعة أحد، ولحاجة الأمة راعيها ورعيتها إليه، دون حاجته إليهم، ليكون ذلك أكرم له، وأعزَ لنفسه، ولئلا يكون لأحد عليه سوى الله منَة، فأرى الله ملك مصر رؤيا هاله أمرها، وعجز أشراف قومه ووجهاؤهم عن تعبيرها، وقالوا: أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين!!
ولما انتهى أمر الرؤيا إلى يوسف أوَّلها أصدق تأويل، وبين أنها كشفت للأمة عنِ مستقبلها في رخائها وشدتها أربعٍ عشرة سنة.
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ - ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ - ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: ٤٧ - ٤٩]
فأخذ تفسير يوسف من قلب الملك مأخذه، ولم يسعه إلا أن
1 / 74