وليس بدعًا أن يختار الله نبيا من البشر، أو يبعث في الناس رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكّيهم، ويعلّمهم الكتاب والحكمة، بل ذلك هو مقتضى الحكمة، وموجب العقل، فإن الله- سبحانه- قد مضت سنَّته في خلقه بأن يكونوا أنواعًا مختلفة على طرائق شتى، وطبائع متباينة، لكل نوع غرائزه وميوله، أو خواصه ومميزاته التي تقضي بالأنس، والتآلف بين أفراده، وتساعد على التفاهم والتعاون بين الجماعات، ليقوم الوجود، وينتظم الكون، فكان اختيار الرسول من الأمة أقرب إلى أخذها عنه، وأدعى إلى فهمها منه، وتعاونها معه، لمزيد التناسب، ولمكان الإلف بين أفراد النوع الواحد.
ولو كان عُمار الأرض من الملائكة لاقتضت الحكمة أن يبعث الله إِليهم مَلَكًا رسولا، وقد أرشد الله إلى ذلك في ردّه على من استنكر أن يرسل إلى البشر رسولا منهم، قال الله- تعالى-: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا - قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤ - ٩٥]
ولكن شاء الله أن يكون الخليفة في الأرض من البشر،
1 / 51