ثلاثون عاما مضت من عمري دون أن أعرف الحقيقة، دون أن أفهم الحياة، دون أن أحقق ذاتي. وكيف كنت أحققها وأنا لا أفكر إلا في أن آخذ وآخذ، وتحقيق الذات لا يكون إلا بأن أعطي وأعطي؟! ولكن كيف كان يمكنني أن أعطي شيئا ليس له عندي وجود؟
ونظر إلي في حنان وقال: حاولي أن تنامي. - لا أستطيع. - إنه سيشفى بعد زجاجة الدم. - لن يشفى أبدا. - إنك لم تأخذي منه الجنيه. - آه ... لا تذكرني.
ولكن هل يمكن أن أنسى؟
تلك الحجرة الضيقة في البدروم؟ تلك المرتبة القذرة على البلاط؟ تلك البركة الصغيرة من الدماء؟ ذلك الوجه الشاب النحيل؟ تلكما العينان الغائرتان اليابستان؟ وتلك الذراع النحيلة الطويلة ممدودة في وجهي، قابضة على مدية حادة تشطر عقلي وقلبي شطرين؟
آه ...
وأخفيت رأسي في صدره، أحتمي فيه، وألتصق به. أحسست أنني تجردت من عمري الذي فات وعدت طفلة تحبو وتتعلم المشي!
أصبحت في حاجة إلى يد حانية تسندني. لأول مرة في حياتي أشعر بالحاجة لأحد، حتى أمي لم أكن أشعر بالحاجة إليها.
ودفنت رأسي في صدره وبكيت، بكيت في راحة وهدوء.
Shafi da ba'a sani ba