كنت أظن أني ساعة أنزل إنكلترا سأجد سحابة سوداء من الحزن تثقل سماء هاته البلاد الثاكلة ملكها من أيام، وأن شيئا من الأسى يحوم في كل النواحي ويظهر أثره على جميع الوجوه، وتضيع كل بهجة أو رواء تحت مهابة السواد وجلاله ... غير أن هاته الأحلام لم يصدق منها شيء مطلقا حتى ولا خيالها، اللهم إلا فيما يضعه الإنكليز الآن من مناديلهم السوداء. إذ ما نزلت العاصمة وقابلت م.ص. وأخذنا عشاءنا ورتبت مبيتي حتى خرجنا ومعنا مصري ثالث نمشي في شوارع المدينة الزاهية في مساء السبت ليلة الأحد، وبقينا نقطع الطرق الكبيرة حتى كنا في بيكاديلي المزدانة بالنور العامرة بالمارة، يمرح فيها الغيد خرجن في ليلة الراحة أزواجا، وبلغت بهن الكثرة مبلغا عظيما، وهن صغيرات الأحجام خفيفات الأرواح جميلات النفوس، يتتابعن بسرعة مدهشة حتى ليكن أسرابا ويتقاطعن سائرات في كل النواحي كأنهن عصافير الجنة تحت قبعاتهن الكبيرة غالبا حتى لتغطي عيونهن ولا يظهر من تحتها إلا ابتسامات ثغورهن تفتر عن أسنان ليست حسنة الحظ من الجمال دائما، ودخلنا قهوة من القلائل الموجودة بلندرة وفيها بنات أكثرهن - إن لم يكن كلهن - بغيات، وجاء مجلسنا إلى جانب فتاتين ليستا على كثير من الجمال وإن كانتا ظريفتين، وإحداهما أشبه الناس بالفرنساويات، ومكثنا قليلا ثم قمنا راجعين إلى منازلنا من الطريق بعينه، ولا يزال مملوءا بالناس والنساء المتحركات ببطء وهدوء، أو المسرعات حتى كأن عندهن ما يدعوهن إليه، وبعد أن اتفقنا مع صاحبنا الثالث أن نذهب إلى رتشمند عنده في الغد تركنا إلى ما تحت الأرض وسرنا نحن حتى وصلنا منازلنا.
13 يونية
يقول جماعة المحافظين - ويوافقهم عليه كثيرون من غير المهتمين بشيء - إن وظيفة المرأة تنحصر في البيت وما يخص البيت، ترقى المدنيات وتتنوع الأعمال وتظهر في العالم أصناف شتى من ضروب المهن، ومع ذلك تبقى وظيفة المرأة محصورة في البيت، يجد الناس من الحرف الجديدة ما أعدته الطبيعة للمرأة، وتظهر المجهودات العلمية من كل جديد ما لا معنى مطلقا لوجود الرجل فيه، ومع ذلك لا تخرج المرأة في أذهانهم عن دائرة البيت، من ذا عساه يكون صاحب تلك الميزة الكبرى فيستغل لمنفعته كل جديد، ويقوم بكل الأعمال ويأخذ لنفسه كل المكاسب؟ من ذا يشغل كل الوظائف ...!
هذا قولهم وتلك نظريتهم، فلنرجع للواقع.
في المصالح والمعامل نجد النساء مشتغلات كعاملات مع الرجال، تساعد المرأة زوجها في زرعة، وتجد معه وتتعب مقدار ما يتعب، تشتغل بكثير تضارع فيه الرجال وتفوقهم أحيانا، وكل ذلك كل ليس في دائرة البيت، فلم لا يصرخ الرجال في وجوههن قائلين قد تركتن واترتكن ... فارجعن إليها، لم لا يمنعونهن عن مزاولة هاته المهن ومنها الشاق الأليم.
هؤلاء الناس الذين يصيحون عند كل كلمة يسمعونها من نصير الحرية للمرأة، لم هم ساكتون أمام هذه الأعمال التي تخرج بها عن دائرة وظيفتها الطبيعية، عن دائرة البيت؟
لذلك سببان: الأول أنهم محافظون فكل ما يدور تحت أعينهم وما يعودونه لا يقف أمامهم موضع غرابة ولا يريدون تغييره، والثاني أنهم ذوو طباع مستبدة ينادون بالحرية ليداروا بذلك أغراضهم المخبوءة، ولكنهم يريدون أن يجدوا من كل ضعيف عنهم عبدا يستغلون ثمرات أعماله ويبقونه تحت سلطانهم لا يسمح له أن يشتكي، كلا، بل ولا يسمح لغيره من محبي الإنسانية أن يشتكي عنه، يريدون أن يحفظوا المرأة في البيت ليكون لهم منها خادم، وفي الوقت عينه ليخرجوها عنه متى وجدوا سبيلا لاستغلالها.
الاثنين 13 يونية
أخذت اليوم خطفة عين من المعرض الياباني، رتب في ذلك البناء الكبير الهائل سموه بحق المدينة البيضاء، يمتد إلى حيث لا يجيء النظر على آخره، ويحوي في صالاته العديدة هنا وهناك مصنوعات اليابان وإنكلترا، وفي أول مدخله قسم تاريخي يمثل هؤلاء الصفر في القرون السابقة في القرن الثاني عشر وما بعده وعليهم لباسهم الشرقي الجميل، وإنهم لأقرب في ذلك للوحشية والجمال منهم في هذا العصر الجديد، بل لأرى الأزياء الحاضرة التي يرتدون على ما تدل به الفترينات الأخرى لا تلائمهم في شيء مطلقا، وإن نساءهم ليظهرن فيها قبيحات إلى حد غير معقول في حين أنهن لسن كذلك في زيهن القديم؛ ذلك إن هذا كان يابانيا حقا يسير مع خلقة القوم وخلقهم ونما بوجودهم وحياتهم، والآخر مستعار وقل أن يكون للمستعار بهاء.
حفلة المطالبات بحق الانتخاب
Shafi da ba'a sani ba