121

Tunanin Matasa

مذكرات الشباب

Nau'ikan

23 يوليو

إيطاليا مهد الفن كما يقولون، فحيث تكون ترى تماثيل بديعة في الميادين وفي المعرض وفي كل مكان، ولقد ذهبت صباح الأمس أزور (الأكاديمية دلاسيانزا) فمررت بميدانين ما أحلى شكل تماثيلها .

وابتدأت في الأكاديمية بأن زرت القسم المصري، فماذا رأيت؟ رأيت ما أرى دائما عن مصر القديمة: موميات مكشوفة الوجه سوداء مفزعة، وإن هذه الرؤوس المؤلفة لتعطي بشكلها المخيف منظرا جذابا غريبا.

على الحيطان أوراق قديمة تنزل فيها الكتابة أحيانا من الأعلى إلى الأسفل، وتكون أحيانا بشكل قطع شعرية أو في شكل النثر المعتاد وتصحبها الرسوم دائما والتشبيه أظهر صفات هذه الرسوم، وكأن هؤلاء القدماء كانوا لا يستطيعون تخيل الإنسان إلا في حالة غضب مفرط أو سكون مفرط، وإن تماثيلهم تظهر ذلك أكثر مما تظهره الرسوم، ولكن هذه الأخيرة تدل عليه كذلك دلالة واضحة، فيجب أن يكون للرجل الهائج المغتاظ رأس هائل حتى يكون مغتاظا، رأس بعض الحيوانات الآلهة، أما الإنسان الباقي برأس إنسان فإنما يكون في حالي سكون أو استسلام وضعف بعض الأحيان؛ وإذن تكون الأيدي المرفوعة علامة الخوف أو ادراء لغضب إله، له رأس طير مفترس وفي يده عصاه.

في الدور الثاني صالة صور تحوي نحو الستمائة، من بينها قليل من ريشة مشايخ التصوير، وأهم ما يفيد هذا الدور الفكرة التي يعطيها من نشوء الفن وارتقائه وتسلسله، كما أن الفكرة التي نسمعها أحيانا من أنه لا فن مما يحوي الإبداع والعظم بعد المشايخ القدماء، وأن كل شيء ينحط يبين هنا فسادها، فإني وإن لم أكن عرافا في الفن ولا درست شيئا ذا قيمة منه أراني استنتج مما أمامي أن الانتقاد غربل الفن القديم، فأظهر لنا منه الصور ذات القيمة ومبلغ جمالها، أما الصور الحديثة فلم تنل هذا الحظ بعد، وكثيرا ما يغطي رديئها الحسن، ويضل حكمنا عليها إننا عائشين معها في جيل واحد فلا تقدر على الحكم بخلودها.

وإن الثورات في الفن الحاصلة اليوم والتي يناصرها جماعات شتى (والمستقلون بعضها) لتجعل الإنسان يتردد في اتباع المذاهب الجديدة، ويبقى عند إعجابه بالقديم، وهذا هو السبب الذي يحملنا على حب الماضي وتفضليه.

وذهبت بعد الظهر إلى المعرض، ما أعظمه! ... وما أجمل تماثيله وأحلى بيوته، من الأشياء التي أخذت بنظري آلات النسيج وهي تشتغل يخدمها بنات ونساء يعملون في هذا الشغل المذهل ... فهل يملكون عقولهم آخر النهار؟ ... وأعجبني في القسم الإنكليزي أعمال ودجوود الفنية الجميلة.

وكما تمثل الممالك الكبرى نفسها بالأعمال الهائلة تمثل الهند وسيام وتركيا نفسها بما يثير في النفس الرحمة عليها والأسف من أجلها، لم يظهر الإنسان نفسه في مثل هذا الموقف الذي يجد به فيه أن يختبئ!

وألمانيا العظيمة تشتغل منازلها من ناحية، ومن الناحية الأخرى يرى الناظر النتائج التي جاءت بها ضمانات العمال فيها.

غريب كيف يظهر على معروضات كل أمة طابعها ... فألمانيا بلد الرحمة والعواطف الجميلة هي كذلك بلد الضجة وحب الظهور، وفرنسا بلد العلم الصحيح بالجمال وأسراره علما جاء عن طريق النقد أكثر مما جاء بالوحي والجبلة، وإنكلترا وهي بلد الهدوء ومواصلة العمل تصل إلى نتائج مدهشة.

Shafi da ba'a sani ba