الرجل في كل زمان ومكان بعمله، وهدى لم تظهر بمالها وجاهها ولا بنبل عائلتها، إنما ظهرت بعملها.
بين الرجال والسيدات مكان من ذوي المال والنبل والجاه، وكلهم نكرات لا يعرفهم حتى جيرانهم، حياتهم في خمول فهم أحياء في قبور، ومن الناس كثيرون بلغوا الشهرة غير الخالدة ، فهي شهرة لم تدعم ولم تقم على أساس متين، أما وقد برزت زعيمة النهضة النسائية في مصر، فقد جمعت إلى الثروة والنبل، العلم الصحيح والاطلاع الواسع والرغبة القوية في العمل المجدي وقوة الإرادة والاستخفاف بالمصاعب، صفات متى توفرت لإنسان، قام عمله على أساسات قوية متينة، فتلك هي هدى هانم، زعيمة بحق جمعت كل الصفات اللازمة للزعامة كاتبة وخطيبة ومبصرة حكيمة. إنها لم تعمل في دائرة محدودة متناسية قوة فرد من أفراد الجنس اللطيف، إنما طلبت العالم كله ميدانا لعملها الخطير ورفعت صوتها عاليا مطالبة بحقوق المرأة، لا لتسمع أهل مصر فقط، إنما رفعته باسم المرأة المصرية لترفع صوت مصر ومقام المرأة المصرية في نظر العالم المتمدين كله، وقد فعلت ... كانت هدى في مصر زعيمة للنهضة تدبر الأمر بحزم، وظهرت في المؤتمرات النسائية الأوروبية في أرفع طبقة من طبقات الزعماء في أنحاء العالم، فقدرها الرأي العام قدرها الصحيح وعرف مكانها من العلم والأدب، فأدرك القاصي والداني مقام المرأة المصرية بين طبقات المتحضرات، وما ذلك كله إلا بفضل تلك الزعيمة الخالدة، وليس هذا مقاما عن أعمالها وآرائها في المؤتمرات وفي كل مكان صاحت فيه باسم المرأة المصرية؛ لأن هذا الشيء إذا كتب لا تكفيه المجلدات، إنما كتبت هذه الكلمة بلسان النهضة النسائية لشكر الزعيمة الجليلة على المجهودات التي بذلتها في سبيل هذه النهضة المباركة لرفع اسم المرأة المصرية، ومن حقنا بل ومن الواجب أن نستقبل الزعيمة الخطيرة بقلوب تخفق ابتهاجا بعودتها سالمة في صحة جيدة، وبصدور منشرحة تنطوي على الحب الكامن في القلوب لهذه الزعيمة الجليلة وتقديرها قدرها الذي استحقته بالتضحية والعمل المنتج، ولو أن في وسعنا أن نجعل الأفئدة سرادقا تحل فيه للتكريم، لفعلنا مبتهجات، وإنما المعقول الذي في المقدرة هو تكريس قلوبنا لصورتها المحبوبة، فاتحة عصر جديد للنهضة النسائية تمدها بروح منها فتبعث فينا الهمة والرغبة في العمل. وفقنا الله جميعا للسبيل القويم.
جمعية السلام
لقد قيل الكثير والكثير بالنسبة لمشاركة المرأة المصرية في المؤتمرات النسائية الدولية، وقد أردت هنا أن أسجل بعض ما قاله الرجال، وأيضا ما قالت المرأة، وليس يعنيني هنا الحديث عن هدى شعراوي كشخص بقدر ما يعنيني هذا الحديث كرمز ... فقد انطلق صوت المرأة المصرية في المحافل الدولية، واستطاعت أن تخدم القضية المصرية فضلا عن خدمة القضايا النسوية والاجتماعية.
لقد كتبت الصحف تقول: «خطبت السيدة هدى شعراوي وهي لابسة الثوب الوطني عن النساء المصريات، وكان الاستحسان العظيم الذي قوبلت به خطبتها بمثابة أعظم «بروباجندا» لمصر في الصحف العديدة والأوساط الكثيرة، وقد أذيعت الخطبة باللاسلكي.»
ومن هذه السطور، يبرز معنى أننا كنا نحمل رسالة مصر إلى كل مكان، ونعبر عن وجه مصر في كل مؤتمر، ونتحدث باسم مصر في كل موقع.
ومن أجل هذا الهدف أيضا ذهبت إلى جنيف في سبتمبر من العام نفسه تلبية لدعوة من المكتب الدولي لجمعية السلام، باعتباري عضوا فيه، لحضور الاجتماعات والمناقشات الخاصة بتقرير أفضل الوسائل لاشتراك النساء في خدمة السلام العام، وقد انتهزت فرصة هذه الاجتماعات لكي أتحدث عن التطور العقلي للحركة النسائية المصرية، وأذكر أن أعضاء المكتب قد قابلن حديثي بإعجاب وتقدير، وكان هذا تعبيرا عن نظرة مصر إلى السلام، وعن جهادها من أجله، وعن دفاعها عن حق الشعوب في أن تعيش حرة كريمة في ظل السلام.
الفصل الثالث والثلاثون
بعد أن عدنا من مؤتمر باريس، وبعد أن شاركنا فيه بقسط وافر، وحققنا فيه نتائج باهرة من أجل قضية المرأة والتطور الاجتماعي والسلام العام، كان علينا كعادتنا أن نعكف على دراسة ما قام به أعضاء الوفد المصري في المؤتمر، ولذلك دعوت أعضاء الاتحاد النسائي لعقد عدة جلسات من أجل هذا الغرض، وقد انتهت هذه الجلسات إلى إعداد تقرير، رفعته جمعية الاتحاد النسائي المصري في 21 نوفمبر 1926 إلى أصحاب الدولة والمعالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الحقانية ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب.
وكان هذا هو نص التقرير:
Shafi da ba'a sani ba