وأضاف قليني باشا:
إن سلطان باشا كان يشغل مركز حاكم الصعيد العام، وكان ذا جاه عريض وسلطة واسعة. فمن هذا يعلم أنه لم يكن في احتياج إلى جاه غيره ليتوصل إلى مركز عال. ولما بدأت الحركة العرابية ورأى من مبادئها خدمة البلاد، انضم إليها بكل نفوذه وعضدها بكل قواه، لا حبا بوظيفة؛ لأنه كان يشغل أعظم المراكز، بل حبا في خدمة البلاد.
وعندما ألف البرلمان، انتخبته الأمة رئيسا له، ولا يعقل أن الذي يتقلد وظيفة رئيس البرلمان يطمع في أن يكون وزيرا؛ لأن وظيفة رئيس البرلمان فوق وظيفة رئيس الوزراء. وقال:
أذكر أنني كنت مع المرحوم سلطان باشا في سراية ذات يوم، وإذا بعرابي قد حضر ومعه ضباط من الجيش وطلبوا منه عقد البرلمان في الحال، فسألهم عن الموضوع الذي يريدون أن يتكلموا فيه، فقالوا: عزل الخديوي، فقال لهم: وهل رشحتم من يخلفه حتى يكون قرار البرلمان بالعزل شاملا لتعيين الخلف. وكان عرابي ينتظر من الجميع أن يقولوا: إن الخلف عرابي، ولكن لم ينطق أحد منهم، وبعد أن تداولوا فيما بينهم قرروا تأجيل البت في ذلك إلى الغد.
وعقدوا اجتماعا في منزل عرابي للمداولة، فاشتد الهرج بينهم، فقال محمود سامي البارودي إنني أولى بالملك لأني من سلالة ملوك، وقال عرابي: ولكني أنا رئيس الحركة الوطنية وموحدها، وقال آخرون غير ذلك إلى أن قال طلبه عصمت باشا: لكل منا أعمال عظيمة في هذه الحركة، فيجب أن نعامل كلنا بالسواء بلا تمييز واحد على الآخر، فيحسن أن نجعل كل مديرية خديوية قائمة بنفسها، وكل منا يكون خديوا لها. وحينئذ يئس عرابي، واستحسن مع البعض أن تبقى الحالة كما هي عليه. وبعد ذلك توجه عرابي إلى سراي سلطان باشا، وشكره على نظره البعيد.
نظر سلطان باشا إلى كل هذه الأحوال، وقال للعرابيين: إنه يحسن بالجيش المصري أن يقف عند هذا الحد؛ لأن الأجانب قلقون جدا من العسكرية الدائمة، فلم يرق هذا القول للعرابيين وعدوه خيانة من سلطان باشا، ولم يعبئوا بنصيحته، بل ظلوا على تهديد العرش مما استوجب مخاوف الخديوي، فاستغاث بأوروبا لتساعده على خلاص عرشه من التهديد.
وعند دخول الإنجليز إلى مصر، أراد سلطان باشا أن يتحقق إلى أي حد ترمي المقاصد الإنجليزية. فأكد الجنرال دلسلي قائد الحملة أن مهمتهم هي إخماد الفتنة العرابية وحفظ العرش من التهديد. وبانتهاء ذلك تكون مهمتهم قد انتهت وينصرفون إلى بلادهم ... أكدوا هذا لسلطان باشا الذي كان مشغوفا بحب وطنه وخائفا من سيطرة الإنجليز عليه؛ لأنه ليس من المعقول أن سلطان باشا يحارب الاحتلال التركي، الذي كان في نظره كابوسا على البلاد، ويسعى للاستعاضة عنه بالاحتلال الإنجليزي.
وأود أن أذكر هنا أن عرابي باشا كان قد أمر بأن تؤخذ ممتلكات أبي من غلال وخيل وغيرهما، وترسل إلى مخازن الإنجليز، وأن يختم البيت بالشمع الأحمر حتى ينظر في أمره.
وبعد فشل عرابي ونفيه إلى جزيرة سرنديب، أمرت الحكومة بصرف عشرة آلاف جنيه لوالدي على سبيل التعويض الرمزي، عن الخسائر المادية التي لحقته من جراء تلك التصرفات، فانتهز ضعاف العقول والبصائر هذا الأمر للتشهير بوالدي، وقالوا: إنه منح المبلغ مع الخديوي توفيق لمساعدة الإنجليز على كذبهم وافترائهم، ولو فرضنا المستحيل، فإنه لا يمكن أن يبيع مصر بهذا الثمن البخس الذي لا يوازي قطرة في بحر ثروته.
ولقد كان من نتيجة فشل والدي في إقناع عرابي، قيام تلك الحوادث التي أدت إلى دخول الإنجليز إلى البلاد عنوة، متذرعين بالفتن والاضطرابات الداخلية والخارجية.
Shafi da ba'a sani ba