أهدى له أحبابهُ أترجةً ... فبكى، وأشفقَ من عيافةِ زاجرِ
فقالت:
متطيرًا مما أتاهُ، لأنها ... لونانِ: باطنها خلافُ الظاهرِ
وأما ريم: فكانت جارية إسحق بن عمرو السلمي. وكانت شاعرة مجيدة. فامتحنها أبو اليدين عبد الرحمن، وكتب إليها:
ألا منْ لعينٍ لا ترى أسودَ الحمى ... ولا ناضرَ الريانِ إلا استهلتِ
طروبٍ إذا حنتْ، لجوجٍ إذا بكتْ ... بكتْ فأدقتْ في الهوى، وأجلتِ
فكتبت الجواب في ظهر الرقعة:
فليسَ مدنيهِ البكاءُ من الحمى ... وإنْ كثرتْ منه الدموعُ، وقلتِ
يحنُّ إلى أهلِ الحمى، فدموعهُ ... تسحُّ، كما سحتْ سماءٌ تدلتِ
فلم يصدق أن الشعر لها، فكتب إليهًا شعرًا لجحاف لا يعرفه أحد، وهو:
كيف المقام بأرض لا أشد بها صوتي ... إذا ما اعترتني سورة الغضب
فكتبت في الجواب:
ما إن يطيبُ مقامُ المرءِ في بلدٍ ... فيه يخافُ ملماتٍ من العطبِ
فاحللْ بلادَ أناسٍ لا رقيبَ بها ... فما يطيبُ لمرٍ عيشُ مرتقبِ
وأما فضل الشاعرة: فقد قال أحمد بن أبي طاهر: كنا نجتمع معها كثيرًا. فجلسنا يومًا، أنا وهي وسعيد بن حميد الكاتب، فكتب إليها سعيد:
علمَ الجمالِ تركتني ... بهواكِ أشهرَ منْ علمْ
فجابته:
وتركتني يا سيدي ... غرضَ العواذلِ والتهمْ
صلةُ المحبِّ حبيبهُ ... الله يعلمها كرمْ
وكتبت إلى سعيد بن حميد، وقد رأته يكثر العبث بقينة:
يا حسنَ الوجهِ، سيءَ الأدبِ ... شبتَ، وأنتَ االغلامُ في اللعبِ
ويحكَ إنَّ القيانَ كالشركِ الل ... منصوبِ بين الغرورِ والعطبِ
بينا تشكى إليكَ، إذ خرجتْ ... بعدَ التشكي منها إلى الطلبِ
لا يتصدينَ للفقير، ولا ... يطلبنَ إلا معادنَ الذهبِ
تلحظُ هذا وذا، وذاكَ وذا ... لحظَ محبٍّ، ولحظَ مكتسبِ
وكتبت إلى آخر كانت توده:
يا منْ تزينتَ العلومُ بفضلهِ ... وعلا، ففاتَ مراتبَ الأدباءِ
ما هكذا يجفو الأديبُ أديبةً ... حلتْ، وحلَّ مراتبَ العلماءِ
صرفَ الإلهُ عن المودةِ بيننا ... وعن الإخاءِ شماتةَ الأعداءِ
وقالت فضل: استدعاني يومًا أميير المؤمنين المتوكل، فلما دخلت عليه قال: إن بعض الجواري قالت بيتًا فما يجيزه سواك. فقلت: ما هو؟ فقال:
أقامَ الإمامُ منارَ الهدى ... وأخرسَ ناقوسَ عموريهْ
فقلت:
فأضحى بهِ الدينُ مستبشرًا ... وأضحتْ زنادُ التقى موريهْ
وأما خنساء: فكانت جارية للفضل بن يحيى بن خالد. قال أبو عمرو: كتبت إلى خنساء:
خنساءُ، يا خنساءُ حتى متى ... يرفعُ ذو الحبِّ، وينحطُ
وكيف منجاتي، وبحرُ الهوى ... قد حفَّ بي، ليس له شطُّ
قكتبت:
يدرككَ الوصلُ فتنجو بهِ ... أو يقعُ الهجرُ فتنغطُّ
وأما ملك: فكانت جارية لأم جعفر. وروى أبو زيد مر بن شبة، قل: كتب بعض الشعراء إلى ملك، وكان يهوها:
يا ملكُ قد صرتُ إلى خطةٍ ... رضيتُ فيها منكِ بالضيمِ
يلومني الناسُ على حبكم ... والناسُ أولى منكِ باللومِ
أشكو إليكِ الشوقَ يا منيتي ... والموتُ من نفسي على سومِ
فكتبت إليه:
إن كانتِ الغلمةُ هاجتْ فقمْ ... وعالجِ الغلمةَ بالصومِ
ليس بكَ الشوقُ، ولكنما ... تدورُ من هذا على كومِ
وأما صرف: فكانت مملوكة لابن عمرو، وكانت شاعرة مصافية لعبد الصمد بن المعذل. قال أبو زيد: كتب إليها عبد الصمد يومًا:
حبوتُ صرفًا بهوى صرفِ ... لأنها في غايةِ الظرفِ
يا صرفُ ما تقضينَ في عاشقٍ ... بكاؤه يبدي الذي يخفي
فكتبت له:
لبيكَ من داعٍ، أبا قاسمٍ ... يا غايةَ الآدابِ واللطفِ
صرفُ التي أصفتكَ محضَ الهوى ... يقصرُ عن حبكمُ وصفي
وأما خشف: فكانت جارية للعباس بن الفضل. وهي القائلة في رجل كانت تهواه:
لو كنتُ رزقي ما أردتُ زيادةً ... ولقلتُ: أحسنَ رازقي وأصابا
وأما علم: فكانت جارية لأحمد بن يزداد. ومن شعرها، وروى عنها المبرد، قولها:
شكى صاحبي أتعابهُ العيسَ في السرى ... فلمْ يلفَ في الشكوى عليَّ معولا
1 / 61