وغلا بالذي أجمجمُ صدري ... وشكاني من عجمتي شيطاني
وعدتني العيونُ أنْ كان لوني ... حائلًا سيئًا من الإلوانِ
فضربتُ الأمورَ ظهرًا لبطنٍ ... كيفَ أحتالُ حيلةً لبياني
وتمنيتُ أنني كنتُ بالشع ... رِ فصيحًا، وبانَ بعضُ بناني
ثمَّ أصبحتُ قد أنختُ ركابي ... عندَ رحبِ الثناءِ والأعطانِ
عندَ منْ إن سألتَ أعطى، وإنْ يع ... طِ جزيلًا، فليسَ بالمنانِ
فألى من سواك يا ابن سليمٍ ... أشتكي حيرتي وفكّ عناني
فاكفني ما يضيقُ عنه روائي ... بغلامٍ من صالحِ الغلمانِ
يفهمُ الناسَ ما أقولُ من الشع ... رِ، فإنَّ البيانَ قد أعيياني
ثمَّ خذني بالشكر يا ابنَ سليمٍ ... حيثُ ما كنتَ حاضر البلدانِ
فقديمًا ما كانَ مني جزاءً ... كل ُّذي نعمةٍ بما أولاني
وأما دهيقين: فكان عبدًا لبني سعد، وكان أهله يجفونه، فقال:
وماليَ من أمٍ، إذا جئتُ، برةٍ ... ولا من أبٍ يكفينيَ الجفواتِ
سوى أنني يومًا إذا جئتُ ساغبًا ... تقدمُ لي الحثانَ في النقباتِ
وأطعم في كفي، وإخرجُ صاغرًا ... أبادرُ أولاهنَّ في الستراتِ
فما في كتابِ اللهِ أنْ يجفوانني ... وأنْ يعملا ساقي على الكسلاتِ
وأما مادم: فكان عبدًا لنزار، وكان به جافيًا، فإبق وأنشأ يقول:
أقرانُ هل لي من رسولٍ إليكمُ ... أخي ثقةٍ يقري السلامَ ويخبرُ
أأنكرتمُ أنْ تعتقوني، وإنني ... لإنْ تملكوني، آخرَ الدهرِ، أنكرُ
وأما بسطام: فكان عبدًا لبني عدي، وهو الذي يقول:
لئنْ قصرتْ في أعينِ الناسِ قامتي ... فأنَّ لساني في النديّ طويلً
أطال لساني طائلٌ لا أغبهُ ... ووجهٌ كمصباحِ الظلامِ، جميلُ
وعرضٌ كأنَّ النجمَ لا يستطيعهُ ... وأبيضُ من ماءِ الحديدِ، صقيلُ
وما ضرني إنْ كنتُ عبدًا، وناصري ... عزيزٌ، ورأيٌ، يعد ذاكَ، أصيلُ
وحول قناتي عصبةٌ عدويةٌ ... تميلُ على الأعداءِ حينَ أميلُ
وأما لهذم: فكان عبدًا لبني منقر، وكان مكاتبًا، وهو القائل:
بقبر ابنِ ليلى عذتُ حيرانَ، بعدما ... خشيتُ الردى، أو أنْ أردَّ على قسرِ
بقبرِ امرئ ٍيقري المئين عظامهُ ... ولم نر، إلا غالبًا، ميتًا يقري
فقال لي: استقدمْ أمامكَ، إنما ... فكاككَ أنْ تلقى الفرزدقَ بالنصرِ
وأما المر قال: فكان عبدًا مكاتبًا لزياد، وهو القائل:
يا فارجَ الهمّ وكربِ الكاربِ
إليكَ أشكو طالع المكاتبِ
وعضَّ غرمٍ في زمانٍ كاربِ
وزاهدًا في الأخرِ غير راغبِ
وله في العار:
لم يعجلِ الرحمنُ بالعقابِ
لعامراتِ البيتِ بالخرابِ
حتى تسرعنّ إلى الثيابِ
كحلَ العيونِ، وقصَ الرقابِ
مكتسياتٍ دكنَ الحبابِ
مستتبعاتٍ خلفها الأذنابِ
مثل مداري الحصن السلابِ
أهوى لهنَّ أنمرُ إهابِ
مهرت الشدقِ، حديد النابِ
كأنما يوثقُ بالحرابِ
وأما شنير: فكان عبدًا، وهو القائل:
ما زلتُ أرعى كلَّ نجم يسري
حتى إذا لاحَ عمودُ الفجرِ
خرجتُ منهمْ في الفضاءِ أجري
فواحدٌ ملتزمٌ بصدري
وآخرُ ملتزمٌ بنحري
وآخرٌ ملاصقٌ بفكري
أسبقهمْ إلى أصولِ الخدرِ
كأنهم خنافسٌ في حجرِ
إذا بكوا عللتهمْ بالنحرِ
لم يتشكوا تخمةً في الدهرِ
وكلهمْ في ساعةٍ يستمري
ليس لهم باللحمِ بعد الفطرِ
عهدٌ، ولا يرجوهُ حتى الحشرِ
وأما جندل: فكان عبدًا، وهو القائل:
وما فكَّ رقي ذاتُ دلٍّ خبرنجٍ ... ولا شانَ مالي صدفةٌ وعقولُ
ولكنْ نماني كلُّ أبيضَ ماجدٍ ... فأصبحتُ أدري اليومَ كيفَ أقولُ
وأما أبو دلامة: فكان عبدًا لفضافض الأسدي، وملكه فأعتقه، فكان من صحابة أبي جعفر المنصور. وكان أبو دلامة غزير الشعر، مفتنًا في أساليبه، وكان مع ذلك كثير النادرة والهزل. ويروى أنه مثل بين يدي أبي جعفر المنصور، فأنشده:
إني أرقتُ، وقد باتتْ تعاتبني ... أمُّ الدلامةِ لما شفها الجزعُ
1 / 57