============================================================
بالصبر، وتدرع بالمثابرة في طلب العلم، حتى بلغ فيه درجة عالية.
ومن بين خصاله التي بوأته هذه المنزلة المتميزة بين أعلام الإباضية؛ التواضع، والأمانة، والحرص على التحصيل: وهو ما تشهد به مدونته في مواضع عديدة، إذ نجده مثالا للطالب الملحاح على أستاذه، لا يمل من سؤاله في استعطاف وتواضع، ليستدر أخلاف شيخه، فينفحه بدرر العلم وفوائده، ويفيض عليه بما لا يمنح لكل طالب، بل يختص به النابهون المجدون والنجباء.
وتحمله الأمانة على التصريح بالرأي إذا سمعه من صاحبه مباشرة، واستيقن منه، فإن شك في الأمر نص على ذلك، ونبه إليه تفاديا للتدليس.
وفي المدونة نماذج عديدة لهذه الدقة والأمانة. ومن ذلك قوله: اسألت أبا المؤرج عن المدبر، هل تباع خدمته؟ قال: نعم، إن شاء باعها.
قال: وكذلك قال لي وائل ومحبوب، لا أدري أرفعا ذلك إلى الربيع؛ أم رأيا ذلك رآيا منهما، ولا أدري أرفع ذلك أبو المؤرج إلى أبي عبيدة أم رأى ذلك رأيا منه" (2).
وفي موضع آخر يقول: "سألت أبا المؤرج عن رجل قال: إن كلمت فلانا فغلامي حر، فبدا له أن يكلمه، فباع الغلام، ثم كلمه، ثم اباع الغلام، هل يجوز له أن يكلم الرجل، والعبد في ملكه؟ قال: أحب الي أن لا يبتاعه، ولا أقول إن ابتاعه حر؛ وتركه أحب إلي.
قال: وكذلك قال أبو غسان، قال: وأخبرني وائل بذلك، لا أدري عن الربيع ذلك، أم رأي منه، لا أجدني أقوم بحفظه الآن"2) .
(1) - أبو غانم، المدونة الكبرى) ج2، كتاب الإعتاق، صا4.
(2)- أبو غانم، المدونة الكبرى، ج3، كتاب الأحكام والأقضية، ص129.
Shafi 18