المجلد الأول
مقدمة
...
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
أحمد الله حمدا يليق بجلال ذاته وجمال صفاته، وأشكره شكرا علي توتر نعمه وبركاته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عدد كلمات الله وآياته وأشهد أن محمدا سيدنا وعبده أكرم مخلوقاته واشرف أولاد آدم وذرياته المبعوث بمشرات الحق وانذراته صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله وصحبه تكميلا لصلاته وعلي التابعين من الأئمة والمجتهدين والحفظة المستحقين لصلاته.
"وبعد" فقد قال أستاذي وشيخي متعني الله والمسلمين بحياته الشيخ الإمام العلامة المتقن المحقق جمال الدين مفتي المسلمين مفيد الطالبين أبو المحاسن يوسف بن العبد الفقير إلي الله الشيخ الإمام العلامة صلاح الدين أبي البركات موسي الحنفي عامله الله تعالي بلطفه الجلي والخفي لما طالعت كتاب "مشكل الآثار" للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي المعروف بالطحاوي سقي الله ثراه سجال الرجمة والرضوان وجدته مطولا ورأيت همتي قاصرة وهمومي كثيرة والكتاب يحتوي علي معان حسنة عزيزة وفوائد جمة غزيرة ويشتمل فلي فنون من الفقه وضروب العلم دعاه
1 / 2
إلي ذلك ما ذكر في خطبة كتابه حيث قال أني نظرت في الآثار المروية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي تقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها وحسن الأداء لها فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر الناس فمال قلبي إلي تأملها زتبيان ما قدرت عليه من مشكلها زمن استخراج الأحكام التي فيها ومن نفي الإحالات عنها وأن جعل ذلك أبوابا ذكر في كل باب منها ما يهب الله لي من ذلك فيها حتي أبين ما قدرت عليه منها كذلك ملتمسا ثواب الله ﷿ عليه.
ولقد أثابه الله علي ذلك ثوابا جزيلا وكان كتابه بكثرة تطريقه الحديث وتدقيق الكلام فيه حرصا علي التناهي في البيان علي غير ترتيب نظام لم يتورخ فيه ضم باب إلي شكله ولا الحاق نوع بجنسه فتجد أحاديث الوضوء فيه متفرقة من أول الديون إلي آخره وكذلك أحاديث الصلاة والصيام وسائر الشرائع والأحكام تكاد أن لا تجد فيه حديثين متصلين من نوع واحد فصارت بذلك فوائد والطائفة منتشرة متشتتة فيه يعسر استخراجها منه إن أراد طالب أن يقف علي معني بعينه لم يجد ما يستدل به علي موضعه إلا بعد تصفح جميع الكتاب وإن ذهب ذاهب إلي تحصيل بعض أنواعه افتقر في ذلك إلي تحفظ جميع الأبواب فقصدت جميع فوائده والتقاط فرائده في مختصر وبقيت متردد في جمعه بين الإقدام الإحجام لصعوبة مدركه علي مثلي مع قلة بضاعتي وكثرة مخالطتي إلي أن ظفرت بمختصر "كتاب مشكل الآثار"اختصارا بديعا ضم كل نوع فيه إلي نوعه والحق كل شكل منه بشكله ورتبه ترتيبا حسنا حذف أسانيد الأحاديث وتطريقها واختصر كثير من ألفاظه من غير أن يخل بشئ من معانيه وفقهه يسهل علي الطالب تفظه ويتيسر عليه فهمه وتفحصه فشكرت الله علي ذلك وتحققت أن الله تعالي بإجابة دعائي ويسر علي ما عسر علي كثير من أمثالي فشمرت ساعد الإجتهاد وتيقنت بأن هذا الشئ يراد
1 / 3
وعزمت أن أنقي خلاصته وأخلص نقاوته غير ملتزم حكاية الفاظه بأعيانها ولا منظم لدرها كما هي وجمانها ذاكرا لمعانيه أجمع بنصف ألفاظه راجيا لمثابرة الطالب عليه وألفاظه مبتدئا بذكر الأحاديث المتضمنة لمعرفة النبي صلي الله عليه وسلم بأسمائه وصفاته ثم ومعجزاته وسنه ووفاته ثم الشرائع والأحكام كتابا كتابا ثم ما كان منها من تفسير القرآن وأسباب النزول علي ترتيب المختصر من غير عدول عن ذلك في شئ وفي أثناء الكلام أشير إلي إعتراضات القاضي واستدراكاته وغلي أجوبة بعضها مع إيراد جميع ما زاد فيه من الموطأ وتحصل في جميع الديوان تسع مائة حديث وثلاث وثلاثون حديثا سوي ما سبق فيه علي سبيل الإحتجاج للقول المختار والحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وسميته المعتصر من المختصر سائلا ربي الكريم أن ينفعني والطالبين بما منح لنا ويستعملني وإياهم بما عملنا وكفانا والمسلمين شر أنفسنا وسر كل ذي شر هو آخذ بناصيته إن ربي علي صراط مستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كتاب أسماء النبي ﷺ وخصائصه ومعجزاته وسِنِّه ووفاته ما جاء في أسماء النبي ﷺ ... كتاب أسماء النبي ﷺ وخصائصه ومعجزاته وسنة ووفاته وفيه أربعة عشر حديثا ما جاء في أسماء النبي ﷺ روى عن محمد بن خبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: "إن لي خمسة أسماء أنا أحمد وأنا محمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب" وهو الذي ليس بعده أحد وروى عنه بزيادة خاتم وروى أبو موسى الأشعري قال: "أنا محمد وأحمد والمقفى والعاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة والمقفى" بمعنى العاقب ونبي التوبة لأن الله تعالى تاب به على من تاب من عباده ونبي الملحمة لأنه سبب
كتاب أسماء النبي ﷺ وخصائصه ومعجزاته وسِنِّه ووفاته ما جاء في أسماء النبي ﷺ ... كتاب أسماء النبي ﷺ وخصائصه ومعجزاته وسنة ووفاته وفيه أربعة عشر حديثا ما جاء في أسماء النبي ﷺ روى عن محمد بن خبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: "إن لي خمسة أسماء أنا أحمد وأنا محمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب" وهو الذي ليس بعده أحد وروى عنه بزيادة خاتم وروى أبو موسى الأشعري قال: "أنا محمد وأحمد والمقفى والعاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة والمقفى" بمعنى العاقب ونبي التوبة لأن الله تعالى تاب به على من تاب من عباده ونبي الملحمة لأنه سبب
1 / 4
القتال فكل هذه الأسماء مشتقة من صفاته وسمى رؤفا رحيما انتزاعا من قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ الآية فدل ذلك أنه يجوز أن يسمى بصفاته كلها سوى الحمد كما سمى بأحمد وأنه لا تقتصر أسماؤه على ما ذكرنا وهذا لأن الأسماء إنما هي أعلام لأشياء يراد بها التفريق بينها وإبانة بعضها من بعض وهي على نوعين نوع يسمى الشيء به لا لمعنى فيه كالحجر والجبل ونوع يسمى به لمعنى فيه من صفاته كمحمد من الحمد والماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه وخاتما لأنه خاتم النبيين فكل ما سمي به من أسماء مشعرة بصفات تعظيم وكمال فهو لا حق بهذه الأسماء المنصوصات من غير حجر ولا توقف على توقيف والاقتصار بذكر بعض أسمائه ليس بدليل على القصر بأن ليس له أسماء غيرها.
ما جاء في خصائصه ﷺ روى عن ابن عباس ﵄ قال رسول الله ﷺ: "سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: أي ربي قد كانت قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح" ثم ذكر سليمان ومنهم من كان يحيي الموتى ثم ذكر عيسى ومنهم يذكر ما أعطوا قال: "ألم أجدك يتيما فآويت؟ قلت: بلى أي رب قال: ألم أجدك ضالا فهديت؟ قلت: بلى، أي رب قال: ألم أجدك عائلا فأغنيت؟ قلت: بلى، أي رب، قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت: بلى، أي رب" فيه ما يدل أنه سأل ربه ما يبين به من الأنبياء قبله من جنس ما أوتوا فلما أعلم أنه أوتي ما هو فوق ذلك مما ذكرنا ومن رفع ذكره معه في الأذان والتشهد وذ أنه لم يكن سأله إذ وقفه الله على ذلك. ثم روى عنه أنه ما نحيط به علما أنه لم يقله إلا بعد ذلك جوابا لمن سأل عنه: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟ فضحك، ثم قال: "فلعل لصاحبكم عند الله تعالى أفضل من ملك سليمان لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذها
ما جاء في خصائصه ﷺ روى عن ابن عباس ﵄ قال رسول الله ﷺ: "سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: أي ربي قد كانت قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح" ثم ذكر سليمان ومنهم من كان يحيي الموتى ثم ذكر عيسى ومنهم يذكر ما أعطوا قال: "ألم أجدك يتيما فآويت؟ قلت: بلى أي رب قال: ألم أجدك ضالا فهديت؟ قلت: بلى، أي رب قال: ألم أجدك عائلا فأغنيت؟ قلت: بلى، أي رب، قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت: بلى، أي رب" فيه ما يدل أنه سأل ربه ما يبين به من الأنبياء قبله من جنس ما أوتوا فلما أعلم أنه أوتي ما هو فوق ذلك مما ذكرنا ومن رفع ذكره معه في الأذان والتشهد وذ أنه لم يكن سأله إذ وقفه الله على ذلك. ثم روى عنه أنه ما نحيط به علما أنه لم يقله إلا بعد ذلك جوابا لمن سأل عنه: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟ فضحك، ثم قال: "فلعل لصاحبكم عند الله تعالى أفضل من ملك سليمان لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذها
1 / 5
دنيا فأعطيها ومنهم من دعا على قومه إذ عصوا فأهلكوا بها وإن الله تعالى أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة" فعلمنا أنه أعطي منزلة فوق منزلة من قبله من الأنبياء أجمعين ثم زاده الله تعالى بأن بعثه إلى الناس جميعا بخلاف غيره من الأنبياء وأنزل عليه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ وقال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وأرسلت إلى الأبيض والأحمر وأعطيت الشفاعة" وعن أبي هريرة مرفوعا: "فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم وختم بي النبييون" والأربعة المتقدمة ففي هذا ما دل على فضله على جميع الأنبياء وقوله فيما روى عنه ﷺ: "لا تخيروني على موسى" الحديث وفيما روى عنه ﵇: "لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" رواه علي بن أبي طالب وزاد فيه قد سبح الله في الظلمات يحتمل أنه قال قبل علمه بتفضيل الله تعالى إياه على جميع خلقه وكذا جوابه لمن قال له: يا خير البرية فقال: "ذاك أبي إبراهيم" يحتمل أن يكون قبل أن يتخذه الله خليلا فلما جعله خليلا عاد بالخلة من الله بمنزلة إبراهيم في الخلة وهي المحبة التي لا محبة فوقها وزاد عليه بذكره فيما لا يذكر فيه إبراهيم في التأذين والإقامة وإعطائه في الآخرة المقام المحمود الذي لم يعطه غيره كما روى عن كعب أنه قال قال النبي ﷺ: "يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود وهو المقام الذي أشفع فيه لأمتي" وعن ابن مسعود قال رسول الله ﷺ: "إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وأن صاحبكم خليل الله" ثم قرأ َ ﴿عسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ﴾ " الآية فالمقام المحمود ما اختصه الله تعالى به في الآخرة حتى يغبطه به الأولون والآخرون ففي هذا كله دليل على أن ما قاله في إبراهيم وموسى ويونس إنما كان ذلك قبل إعطائه إياه والذي يروى عن أبي سعيد من قوله ﷺ: "لا تخيروا بين أنبياء الله سبحانه" محمول على التفضيل بآرائنا من غير توقيف فأما ما بينه لنا فقد أطلقه لنا.
1 / 6
ما جاء في معجزاته ﷺ
روى عن علي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وابن عباس وأنس
تحقيقهم انشقاق القمر رأي عين بروايات مختلفة منهم من قال انشق ونحن معه ﷺ ومنهم من زاد فقال رسول الله ﷺ: "اشهدوا" ومنهم من قال: فقالت قريش: سحر سحركم به ابن أبي كبشة ومنهم من قال: انشق القمر فانقطعت فرقة منه خلف الجبل فقال: "اشهدوا" وهم القدوة والحجة لا يخرج عن قولهم إلا جاهل خاسر وزعم من ادعى التأويل وترك الاقتداء أنه لم ينشق وإنما ينشق يوم القيامة وأن قوله تعالى: ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ صلته ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ وأنه لم يروه إلا ابن مسعود وخبر الواحد فيما سبيله الاشتهار فيه ما فيه وهذا من الزاعم جهل بمشاركة الخمسة الأعلام الذين روينا عنهم وكفى بالجهل عارا وكيف يجعل يوم يدع الداع صلة وظرفا لقوله: ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ وقد انقطع الكلام عند قوله: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عنهم واستونف من يوم يدع الداع وهو ظرف لقوله تعالى بعده ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ كذا قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ دليل على انشقاقه في الدنيا لأن الآيات إنما تكون قبل يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ نعوذ بالله من خلاف الصحابة والخروج عن مذاهبهم فإن ذلك كالاستكبار ومن يستكبر عن مذاهبهم كان حريا أن يمنعه الله فهم كتابه كما قال: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ﴾ الآية ثم في قول قريش سحر سحركم به ابن أبي كبشة نسبته ﷺ إلى أبي كبشة جد النبي ﷺ من قبل أمه واسمه وجز بن غالب من خزاعة أول من عبد الشعرى العبور وكانت العرب تظن أن أحدا لا يعلم شيئا إلا بعرق ينزعه شبهه فلما خالف رسول الله ﷺ دين قريش قالت قريش: نزعه أبو كبشة لأنه خالف الناس في عبادة الشعرى فكانوا ينسبونه إليه لذلك وكان وجز سيدا في خزاعة لم ينسبوه
1 / 7
ﷺ تعييرا له ولكن أرادوا أن يشبهوه به في الخلاف لما كان الناس عليه وقال ﷺ في الحسن والحسين: "سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ويحيى" فأخبر بشبابهما وهما طفلان أي سيكونان شابين ولا يكون ذلك ال باعلام الله تعالى وفيه انهما يخرجان من الدنيا شابين وكان كذلك وقال ﷺ: "وضع منبري على ترعة من ترعات الجنة" أي بين أبوابها "وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" وروى "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وأن توائم منبري رواسب في الجنة" فيها ما يدل على أن قبره ومنبره خارجان عن الروضة وأن منبره في موضع من الجنة غير الروضة ولكن المنبر لما كان ببركة جلوسه فيه وقيامه عليه بلغ هذه المنزلة فقبره وقد تضمن بدنه وصار له مثوى أولى بأن يكون في روضة أرفع منها وأحرى وفي الجنة روضات كثيرة فقد يكون قبره في روضة أرفع منها وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة لأن الله تعالى اختصه بأن أعلمه ما أخفي عمن سواه من الأرض التي يموت فيها حتى أعلم بذلك أمته ثم قوله: "ما بين قبري ومنبري روضة" اخبار عن أمر محقق مشاهد له لا عن أمر سيصير كذلك فاندفع بذلك ما يقال لا يلزم منه علم موضع قبره ولأنه قوله: "ما بين بيتي ومنبري" في رواية وفي رواية بين قبري ومنبري يدل على أن بيته قبره فافهم وفيما يروى عن ابن مسعود كنا عند النبي ﷺ وليس معنا ماء فقال ﷺ: "اطلبوا من معه فضل ماء" فأتى بماء فصبه في إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال: "حي على الطهور المبارك والبركة من الله" فشربنا منه قال عبد الله: وكنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل وكنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا يعني كنا نخاف بها فنزداد إيمانا وعملا فيكون ذلك بركة وأنتم تعدونها تخويفا ولا تعملون معها عملا يكون لكم بركة فمعنى قوله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ أي تخويفا لكم لكي تزدادوا إيمانا وعملا فيصير ذلك لكم بركة.
1 / 8
وفيما يروى عن أبي بن كعب كان رسول الله ﷺ يصلي إلى جذع إذ كان المسجد على عريش وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال أنصاري يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك فصنع له ثلاث درجات وهن اللواتي على المنبر فلما صنع وضع في الموضع الذي وضعه رسول الله ﷺ فلما أراد أن يقوم على المنبر مر إليه فلما جاز الجذع حن الجذع أو خار حتى تصدع وانشق فنزل الرسول ﷺ لما سمع صوت الجذع فمسه بيده حتى سكن ورجع إلى المنبر وكان إذا صلى صلى إليه فلما هدم المسجد وغير أخذ بي الجذع وكان عنده في بيته حتى بلى وأكلته الأرض وعاد رفاتا وذكر من رواية ابن عباس وأنس وجابر وجماعة بطرق بمعان متفقة وألفاظ متقاربة في بعضها أنه خار كخوار الثور حتى ارتج المسجد من خواره تحزنا على رسول الله ﷺ فنزل إليه رسول الله ﷺ فالتزمه وهو يخور فسكت ثم قال: "والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة" فأمر به نبي الله ﷺ فدفن وفي بعضها انزعوها واجعلوها تحت المنبر فنزعوها ودفنوها تحت المنبر ولا تعارض فيما بين الأحاديث لأنه يحتمل أنه أخذه أبي بعدما دفن اكراما له فلم يمنع من ذلك وما أحدثه الله تعالى في الجذع مما لم يكن موهوما علم من اعلام النبوة وتنبيها للناس على فضيلة مكانه وعلو مكانته ومنه ما كان في حراء لما تحرك وهو عليه وأصحابه وقوله: "اسكن حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد" وفيما يروى عن أسماء بنت عميس أن النبي ﷺ صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليا في حاجته فرجع وقد صلى النبي ﷺ العصر فوضع النبي ﷺ رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال: "اللهم إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه فرد عليه شرقها" قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي فتوضأ وصلى
1 / 9
العصر ثم غابت وذلك بالصهباء ولا يعارض هذا ما روى عن أبي هريرة ﵁ لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع لأن حبسها عند الغروب غير الرد بعد الغروب ولا ما روى عنه قال قال رسول الله ﷺ: "لم ترد الشمس منذ ردت علي يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس" لأن معناه مذ ردت إلى يومئذ وليس في ذلك ما يدفع أن يكون ردت على علي ﵁ بعد ذلك بدعائه ﷺ وهذا من أجل علامات النبوة وفيه ما يدل على التغليظ في فوت العصر فوقى الله عليا ذلك بدعاء النبي ﷺ لطاعته وكرامته لديه وفيه لعلي المقدار الجليل والرتبة الرفيعة وفيه إباحة النوم بعد العصر وإن كان مكروها عند بعض بما روى عن النبي ﷺ: "من نام بعد العصر فاختلص عقله فلا يلومن إلا نفسه" لأن هذا منقطع وحديث أسماء متصل ويمكن التوفيق بأن نفس النوم بعد العصر مذموم وأما نوم النبي ﷺ كان لأجل وحي يوحى إليه وليس غيره كمثله فيه والذي يؤيد الكراهة قول عمرو بن العاص النوم منه خرق أو منه خلق ومنه حمق يعني الضحى والقائلة وعند حضور الصلوات ولأن بعد العصر يكون انتشار الجن وفي الرقدة يكون الغفلة وعن عثمان الصبحة تمنع الرزق وعن ابن الزبير أن الأرض تعج إلى ربها من نومة العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم فندب اجتناب ما فيه الخوف والله أعلم.
ما جاء في نبوة النبي ﷺ ... في نبوة النبي ﷺ روى عن ميسرة قلت: يا نبي الله متى كتبت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" فيه استعمال بين لواحد ولا يكون بين في اللغة إلا لاثنين لكن الواحد لما وصف بوصفين دخل بذلك في معنى الاثنين كقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ وكان آدم جسدا مجردا ثم صار ذا روح فكان متصفا بوصفين مختلفين فجاز بذلك ادخال بين في وصفه والصحيح الذي علي
ما جاء في نبوة النبي ﷺ ... في نبوة النبي ﷺ روى عن ميسرة قلت: يا نبي الله متى كتبت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" فيه استعمال بين لواحد ولا يكون بين في اللغة إلا لاثنين لكن الواحد لما وصف بوصفين دخل بذلك في معنى الاثنين كقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ وكان آدم جسدا مجردا ثم صار ذا روح فكان متصفا بوصفين مختلفين فجاز بذلك ادخال بين في وصفه والصحيح الذي علي
1 / 10
المعول أن الجسد غير الروح يوجد أحدهما بدون الآخر فاستعمال بين طابق محزه وكذا المرء وقلبه متغايران على كل حال سواء أريد بالقلب الجارحة المخصوصة أو غيرها وشرح حال القلب يطول.
قال أبو جعفر ﵀ وإن كان كتب حينئذ نبيا فقد كان كتبه الله نبيا قبل ذلك في اللوح المحفوظ ثم عاد اكتتابه إياه في الوقت المذكور كما قال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ الآية.
قلت إعادة اكتتابه إياه ﷺ رفع لشأنه وتنويه لقدره بخلاف سائر الأنبياء.
ما جاء في سنه ﷺ روى عن عائشة ﵂ أنه ﷺ قال لفاطمة في مرضه الذي مات فيه: مما سار هابه وأخبرت به عائشة بعد وفاته قالت أخبرتني أنه أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعد نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى عاش عشرين ومائة ولا أراني إلا ذاهبا على ستين وعن زيد بن أرقم بمعناه وفي هذا ما يصحح قول من قال من الصحابة أنه توفي على رأس ستين خلافا لمن قال منهم ثلاثا وستين ولمن قال خمسا وستين والله أعلم.
كتاب الوضوء في فضل الوضوء ... كتاب الوضوء وفيه عشرون حديثا في فضل الوضوء فيما روى عن عثمان رأيت رسول الله ﷺ في مجلس توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا ثم أتى المسجد فركع ركعتين غفر الله له ما تقدم من ذنبه" وقال رسول الله ﷺ: "لا تغتروا" يعني فتذنبوا على رجاء أن تفعلوا كذلك ليغفر لكم فإنه يجوزان لا توفقوا أو تخترموا.
ما جاء في سنه ﷺ روى عن عائشة ﵂ أنه ﷺ قال لفاطمة في مرضه الذي مات فيه: مما سار هابه وأخبرت به عائشة بعد وفاته قالت أخبرتني أنه أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعد نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى عاش عشرين ومائة ولا أراني إلا ذاهبا على ستين وعن زيد بن أرقم بمعناه وفي هذا ما يصحح قول من قال من الصحابة أنه توفي على رأس ستين خلافا لمن قال منهم ثلاثا وستين ولمن قال خمسا وستين والله أعلم.
كتاب الوضوء في فضل الوضوء ... كتاب الوضوء وفيه عشرون حديثا في فضل الوضوء فيما روى عن عثمان رأيت رسول الله ﷺ في مجلس توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا ثم أتى المسجد فركع ركعتين غفر الله له ما تقدم من ذنبه" وقال رسول الله ﷺ: "لا تغتروا" يعني فتذنبوا على رجاء أن تفعلوا كذلك ليغفر لكم فإنه يجوزان لا توفقوا أو تخترموا.
1 / 11
في غسل اليد ابتداء
روى من قوله ﷺ: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل
يده قبل أن يدخلها في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده أو فيم باتت يده" وفي رواية: "فليغسل يده مرتين أو ثلاث" وفي بعضها: "فليغسل يده ثلاثا" والمعنى أنهم كانوا يكتفون بالأحجار فكان يحتمل وقوع يدهم في النجاسة لا سيما أن عرقوا أو غرقوا في نومهم فأمروا بغسل اليد احتياطا ليتيقنوا بطهارتها وإن كانت الطهارة الثابتة باقية حتى يتحقق انتقالها إلى ضدها بدليل ما روى في الذي يخيل إليه وهو في الصلاة أنه يجد شيئا من قوله ﷺ: "لا ينصرف حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا" فلهذا قلنا غسلها مندوب لا واجب ومعارضة قين الأشجعي لأبي هريرة لقوله إذا أتينا مهراسكم هذا بالليل كيف نصنع فقال: "أعوذ بالله من شرك يا قين" هكذا سمعت النبي ﷺ لذهوله عن معنى الندب إلى الوجوب فإنه إذا لم يقدر كان معذورا في ادخال يده في المهراس وكان على يقينه الأول من طهارة يده حتى يعلم يقينا نجاسة يده فلا يدخل الإناء مطلقا وبهذا ينتفي التضاد عن هذه الآثار ونعوذ بالله من حملها على ما يوجب تنافيها وتضادها.
في اسباغ الوضوء روى عن لقيط بن صبرة أن رسول الله ﷺ قال: "واسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع" يستدل به على وجوب تحريك الخاتم في الوضوء لسعة ما بين الأصابع وضيق ما بين الخاتم والاصبع ولقول عمر ﵁ لمتختم كيف يتم وضوءك وهذا عليك فنزعه فألقاه وذهب بعض إلى عدم وجوبه منهم مالك ﵀ وفيما روى عن لقيط قال ﷺ له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" والأمر بالمبالغة في حال الإفطار دون الصيام يدل على عدم وجوبه إذ الصوم لا يدفع الوجوب ونهيه عنها في الصوم يدل على فساده بدخول الماء حلقه ولو كان خطأ ثم في قول الله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ الآية وفي حديث لقيط الأمر بالتخلل والمبالغة في الاستنشاق قالت طائفة من أهل العلم إن ذلك إصابة الفضل في مباشرة الأفعال المأمور بها من الوضوء والتيمم فإن ولى ذلك غيره من نفسه أو انغمس في ماء حتى مر على جميع
في اسباغ الوضوء روى عن لقيط بن صبرة أن رسول الله ﷺ قال: "واسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع" يستدل به على وجوب تحريك الخاتم في الوضوء لسعة ما بين الأصابع وضيق ما بين الخاتم والاصبع ولقول عمر ﵁ لمتختم كيف يتم وضوءك وهذا عليك فنزعه فألقاه وذهب بعض إلى عدم وجوبه منهم مالك ﵀ وفيما روى عن لقيط قال ﷺ له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" والأمر بالمبالغة في حال الإفطار دون الصيام يدل على عدم وجوبه إذ الصوم لا يدفع الوجوب ونهيه عنها في الصوم يدل على فساده بدخول الماء حلقه ولو كان خطأ ثم في قول الله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ الآية وفي حديث لقيط الأمر بالتخلل والمبالغة في الاستنشاق قالت طائفة من أهل العلم إن ذلك إصابة الفضل في مباشرة الأفعال المأمور بها من الوضوء والتيمم فإن ولى ذلك غيره من نفسه أو انغمس في ماء حتى مر على جميع
1 / 12
أعضائه المأمور بغسلها أجزأه منهم أبو حنيفة وأصحابه وقالت طائفة منهم أن ذلك لا يجزيه حتى يمر المتولي ذلك بنفسه من نفسه منهم مالك والقول الأول أولى بتأويل الآية لأنهم لا يختلفون أن مقطوع اليد من مرفقيه عليه أن يولي غيره من نفسه ليكون بذلك كفاعله بيديه فدل ذلك على أن الفرض إنما هو في فعل ذلك في نفسه إما بنفسه أو بفعل غيره ولو كان الفرض في ذلك فعله إياه بيديه لكان قد سقط الفرض الذي كان عليه أن يفعله بهما ولم يكن عليه سواه من فعل غيره ذلك به إذ ليس في الآية ذلك ولا في السنة التي ذكرنا آنفا.
قال القاضي: والمعلوم من مذهب مالك خلاف ما نقل عنه اولا غير أنه لا يجوز عنده أن يفعل به من غير علمه لعدم النية منه حينئذ وأما الانغماس في الماء دون إمرار اليد لا يجوز عند مالك في المشهور عنه ولو قيل أن من ولى ذلك من نفسه غيره من غير ضرورة لا يجزيه لأنه نوع استنكاف عن عبادة الله وتهاون بها لكان قولا حسنا.
في الوضوء من النوم روى عن ابن عباس رأيت رسول الله ﷺ صلى ركعتي الفجر ثم نام وهو ساجدا وجالس حتى غط أو نفخ ثم قام إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت؟ فقال: "إنما يجب الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا فعل ذلك استرخت مفاصله" وروى عنه أنه بات عند ميمونة خالته فقام النبي ﷺ فتوضأ من شنة معلقة قال: فوصف وضوءه وجعل يقلله بيده ثم قام ابن عباس فصنع مثل ما صنع النبي ﷺ ثم جئت فقمت عن شماله فأخلفني فجعلني عن يمينه فصلى ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتى بلال فأذنه بالصبح فصلى ولم يتوضأ. لا تضاد بين القول والفعل لأن المقصود في الحديث الأول اعلام ابن عباس بما يحتاج إلى علمه من حكم النوم في نفسه وسائر الناس فجعل له ما به الحاجة إلى معرفته وأخر حكم نوم النبي ﷺ في الحديث
في الوضوء من النوم روى عن ابن عباس رأيت رسول الله ﷺ صلى ركعتي الفجر ثم نام وهو ساجدا وجالس حتى غط أو نفخ ثم قام إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت؟ فقال: "إنما يجب الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا فعل ذلك استرخت مفاصله" وروى عنه أنه بات عند ميمونة خالته فقام النبي ﷺ فتوضأ من شنة معلقة قال: فوصف وضوءه وجعل يقلله بيده ثم قام ابن عباس فصنع مثل ما صنع النبي ﷺ ثم جئت فقمت عن شماله فأخلفني فجعلني عن يمينه فصلى ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتى بلال فأذنه بالصبح فصلى ولم يتوضأ. لا تضاد بين القول والفعل لأن المقصود في الحديث الأول اعلام ابن عباس بما يحتاج إلى علمه من حكم النوم في نفسه وسائر الناس فجعل له ما به الحاجة إلى معرفته وأخر حكم نوم النبي ﷺ في الحديث
1 / 13
الثاني وبينه بفعله بحضرته ليعلم أن حكمه في ذلك مبائن لحكم أمته فاجتمع له بقوله وفعله جواب ما سأله عنه من حكم النوم في نفسه وغيره وإنما افترق حكمه وحكم أمته فيه لقوله أن عيني تنامان ولا ينام قلبي والوضوء لا يجب إلا من نوم فيه استرخاء المفاصل وإذا لم ينم قلبه لم تسترخ مفاصله ولعل القول والفعل كانا في ليلة واحدة وروى عن علي عن النبي ﷺ: "أن العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" فجعل يقظة العين مثل الوكاء للقربة فإذا نامت العين استرخى ذلك الوكاء فكان منه الحدث وروى أنما العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح وهذا من أحسن الكنايات وألطفها فعرفت أن الطهارة لا ينقضها منه إلا ما كان معه استرخاء المفاصل دل قوله ﵇: "إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" وكذا قوله ﷺ عند رؤيته حبلا ممدودا بين ساريتين في المسجد ما هذا الحبل فقالوا فلانة تصلي فإذا خشيت أن تغلب أخذت به فقال: "فلتصل ما عقلت فإذا غلبت فلتنم" ففيهما صحة الصلاة مع مخالطة النوم لغير المسترخي وروى أن النبي ﷺ أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام القوم ثم استيقظوا فجاء عمر فقال: يا رسول الله الصلاة الصلاة، قال: "فصلوا" ولم يذكر أنهم توضؤا وكان ابن عمر ينام قاعدا ولا يتوضأ وإذا نام مضطجعا توضأ وعلى هذا كان الصحابة في زمانه وبعده وعلى هذا يحتمل قول أبي هريرة من استحق نوما فقد وجب عليه الوضوء دفعا للتعارض والتنافي.
غسل الذكر من المذي روى أن عليا أمر عمارا ليسأل رسول الله ﷺ عن المذي فقال: "يغسل مذاكيره ويتوضأ"، فالأمر بغسل الذكر ليتقلص المذي وينقطع كالأمر بنضح ضرع الهدى بالماء لئلا يسيل اللبن وليس بواجب دل عليه ما روى عن النبي ﷺ متواترا من قوله فيه الوضوء فأخبر بالواجب وفيه ما ينفي أن يكون فيه واجب سواء.
غسل الذكر من المذي روى أن عليا أمر عمارا ليسأل رسول الله ﷺ عن المذي فقال: "يغسل مذاكيره ويتوضأ"، فالأمر بغسل الذكر ليتقلص المذي وينقطع كالأمر بنضح ضرع الهدى بالماء لئلا يسيل اللبن وليس بواجب دل عليه ما روى عن النبي ﷺ متواترا من قوله فيه الوضوء فأخبر بالواجب وفيه ما ينفي أن يكون فيه واجب سواء.
1 / 14
في المسح على الخفين
وروى عن ابن عباس قال: مسح رسول الله ﷺ الخفين فسئل أقبل المائدة أو بعدها؟ فقال: والله ما مسح بعد المائدة ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح عليهما ولا تعلق لمانعه" فيه لأنه صح قبل نزول المائدة وليس فيه نهي عن ذلك بعد النزول ونفي ابن عباس محمول على عدم رؤيته بنفسه واختياره بترك المسح في خاصته لأنه من قوم قد اختصهم رسول الله ﷺ دون الناس بثلاث اسباغ الوضوء ومنع أكل الصدقة ومنع انزاء الحمار على الفرس فيكون المسح عنده لغيره من الناس باقيا على حكمه كما كان له أيضا غير أن لزوم ما اختصه به رسول الله ﷺ أولى به من غيره يدل على هذا ما روى عنه أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة" والذي يصحح أن رسول الله ﷺ مسح على خفيه بعد نزول المائدة أن جرير قال: رأيت رسول الله ﷺ مسح على خفيه فقالوا: بعد نزول المائدة فقال: إنما أسلمت بعد نزولها وما رأيت رسول الله ﷺ يمسح إلا بعد ما نزلت.
وما روى من إسلامه قبل وفاته بأربعين يوما لا يكاد يصح لأن بعثه ﷺ إياه لتخريب ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم يسمى الكعبة اليمانية معه مائة وخمسون فارسا من أحمس ودعاءه له بقوله: "اللهم اجعله هاديا مهديا" وضربه بيده على صدره ليثبت على الخيل ثم انطلاقه إليها وتحريقها وتركها كأنها جمل أجرب مشهور يدل على قدم إسلامه وكذا قوله ﷺ له في حجة الوداع استنصت الناس ثم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا
1 / 15
يضرب بعضكم رقاب بعض" كان في ذي الحجة وهو مسلم ثم عاش إلى اثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول يدل عليه.
في التيمم قال رسول الله ﷺ: "لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي أرسلت إلى الناس عامة وكان من قبلي إنما أرسل إلى قومه ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر ملئ منا رعبا وأحلت لي الغنائم وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أين ما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم والخامسة هي مس ألتي قيل لي سل فإن من قبلك قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله". واستدل بهذا على أن ما كان من الأرض مسجدا منها طهورا وممن ذهب إليه أبو حنيفة وخولف فيه وحمل على الانقسام على أن المراد بعضها مسجدا وبعضها طهورا وممن خالفه أبو يوسف واحتج بحديث حذيفة عن رسول الله ﷺ فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت لنا تربتها طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأعطيت الآيات من آخر سورة البقرة من تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا يعطى منه أحد بعدي. وروى أن عمرو بن العاص حين أمر على جيش فيهم عمر بن الخطاب احتلم في ليلة باردة فتوضأ لما أشفق على نفسه الهلاك وأم أصحابه فلما قدموا شكاه إلى رسول الله ﷺ قال: أمنا جنبا فأعرض عنه وقال لعمرو: "أصليت جنبا؟ "، فقال: نعم أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر علي وجهي مثلها قط فخيرت نفسي أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة الله فقبلت رخصة الله وعلمت أن الله
في التيمم قال رسول الله ﷺ: "لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي أرسلت إلى الناس عامة وكان من قبلي إنما أرسل إلى قومه ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر ملئ منا رعبا وأحلت لي الغنائم وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أين ما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم والخامسة هي مس ألتي قيل لي سل فإن من قبلك قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله". واستدل بهذا على أن ما كان من الأرض مسجدا منها طهورا وممن ذهب إليه أبو حنيفة وخولف فيه وحمل على الانقسام على أن المراد بعضها مسجدا وبعضها طهورا وممن خالفه أبو يوسف واحتج بحديث حذيفة عن رسول الله ﷺ فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت لنا تربتها طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأعطيت الآيات من آخر سورة البقرة من تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا يعطى منه أحد بعدي. وروى أن عمرو بن العاص حين أمر على جيش فيهم عمر بن الخطاب احتلم في ليلة باردة فتوضأ لما أشفق على نفسه الهلاك وأم أصحابه فلما قدموا شكاه إلى رسول الله ﷺ قال: أمنا جنبا فأعرض عنه وقال لعمرو: "أصليت جنبا؟ "، فقال: نعم أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر علي وجهي مثلها قط فخيرت نفسي أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة الله فقبلت رخصة الله وعلمت أن الله
1 / 16
أرحم بي فتوضأت ثم صليت فقال رسول الله ﷺ: "أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعت لو كنت في القوم لصنعت كما صنعت". ذهب بعض إلى جواز استعمال الوضوء مكان التيمم للجنب بل هو أولى له منهم أحمد بن صالح وهو فاسد لأن الله تعالى جعل التيمم بدلا من الغسل كما جعله بدلا من الوضوء فلا يجزئ في ذلك الوضوء ويحتمل أن قضية عمرو كانت قبل نزول آية التيمم حين كان الفرض على عادم الماء الصلاة بلا طهارة دل عليه عدم انكاره ﷺ على أسيد بن حضير ومن معه لما صلوا بغير وضوء في مسيرهم طالبين لقلادة عائشة في منزل نزلوه فحضرت الصلاة وليس لهم ماء وذكروا ذلك للنبي ﷺ فنزلت آية التيمم.
1 / 17
في العرق
كان رسول الله ﷺ يقيل عند أم سليم وكان كثير العرق فاعتدت له نطعا يقيل عليه فتجعله في قارورة فقال: "ما هذا يا أم سليم؟ " فقالت: عرقك يا رسول الله اجعله في طيبي فضحك النبي ﷺ على ما كان منها ولم ينكر عليها علم بذلك طهارة العرق لطهارة اللحم وكذا كل مأكول لحمه طاهر عرقه وما لا يؤكل لحمه لتحريم أو لكراهة لعرقه حكم لحمه.
الاناء إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الاولى بتراب" وروى في الهرة غسل مرة أو مرتين شك فيه قرة فهذا اخبار بنجاسة سور الكلب والهر ولا يضره توقيف ابن سيرين هذا الحديث على أبي هريرة لعلمه أن كل حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ وعدم اشتباه أمره على الناس ولا يعارض هذا بما روى عن عائشة "كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من الاناء الواحد وقد أصابت الهر منه قبل ذلك" لأن رواية حارثة بن أبي الرجال وهو متكلم فيه ولا بما روى عن أم داود بن صالح بن دينار أن مولاة لعائشة ارسلتها بهريسة وهي تصلي فأصابت هرة منها فلما انصرفت عائشة قالت للنساء كلن فاتقين موضع فم الهرة فدورتها عائشة ثم أكلت من حيث أكلت الهرة ثم قالت أن رسول الله ﷺ قال: "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم" وقد رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ بفضلها لأن أم داود هذه ليست ممن يؤخذ عنها ولأن قوله ليست بنجس يحتمل أنه أراد في كونها في البيوت وفي مماستها الثياب لا في طهارة سورها وكان ابن عمر يجعل سور الهر كسور الكلب وعن أبي هريرة يغسل الاناء من الهر كما يغسل من الكلب أراد تمثيله في وجوب الغسل لا في العدد إذا التشبيه لا يعمم كقوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ ولأن لحمه حرام فالقياس حرمة سوره.
الاناء إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الاولى بتراب" وروى في الهرة غسل مرة أو مرتين شك فيه قرة فهذا اخبار بنجاسة سور الكلب والهر ولا يضره توقيف ابن سيرين هذا الحديث على أبي هريرة لعلمه أن كل حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ وعدم اشتباه أمره على الناس ولا يعارض هذا بما روى عن عائشة "كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من الاناء الواحد وقد أصابت الهر منه قبل ذلك" لأن رواية حارثة بن أبي الرجال وهو متكلم فيه ولا بما روى عن أم داود بن صالح بن دينار أن مولاة لعائشة ارسلتها بهريسة وهي تصلي فأصابت هرة منها فلما انصرفت عائشة قالت للنساء كلن فاتقين موضع فم الهرة فدورتها عائشة ثم أكلت من حيث أكلت الهرة ثم قالت أن رسول الله ﷺ قال: "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم" وقد رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ بفضلها لأن أم داود هذه ليست ممن يؤخذ عنها ولأن قوله ليست بنجس يحتمل أنه أراد في كونها في البيوت وفي مماستها الثياب لا في طهارة سورها وكان ابن عمر يجعل سور الهر كسور الكلب وعن أبي هريرة يغسل الاناء من الهر كما يغسل من الكلب أراد تمثيله في وجوب الغسل لا في العدد إذا التشبيه لا يعمم كقوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ ولأن لحمه حرام فالقياس حرمة سوره.
1 / 18
سور الدواب والسباع
روى ابن عمر أن رسول الله ﷺ سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال: "إذا بلغ الماء قلتين فليس يحمل الخبث" وفي رواية "وما ينوبه من السباع والدواب فيه ما يدل على أن ما دون القلتين يحمله ولا يعارضه ما روى عنه ﷺ لها ما في بطونها وما بقي فهو لنا طهور جوابا لمن قال: يا رسول الله تردها يعني الحياض التي بين مكة والمدينة السباع والكلاب والحمير لأن مداره على عبد الرحمن بن زيد وحديثه عند أهل الحديث في نهاية الضعف يؤيد ما روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "طهور
1 / 17
في الارواث
قد استدل من رآى أرواث ما يؤكل لحمه طاهرا بالحديث المشهور الذي رواه ابن مسعود كان النبي ﷺ يصلي عند البيت فقال ملأ قريش: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه فيضعه على ظهره إذا سجد؟ فانبعث أشقاها فأخذ فرث جزور نحر ووضعه على ظهره وهو ساجد فجاءت فاطمة تسعى فأخذته من ظهره فلما فرغ من صلاته دعا عليهم ثلاث مرات وسمى رجالا
1 / 18
قلبوا أكلهم في قليب بدر قتلى وعن ابن مسعود أنه صلى وعلى بطنه فرث ودم فلم يعد الصلاة منهم مالك والثوري وزفر والحسين بن صالح وخالفهم أبو حنيفة وأصحابه ﵃ بما روى زكرياء وشعبة عنه أن الذي ألقى على ظهره ﷺ في صلاته سلا جزور وهو وعاء الولد مما لا فرث فيه ولا دم كسائر لحمها ورواية الاثنين أولى من رواية على بن صالح ولانه إذا تعارضا وجب الرجوع إلى النظر عند عدم دليل قوته والأصل المتفق عليه أن دماء الأنعام كدماء بني آدم غير راجعة إلى حكم لحومها فوجب أن يكون أرواثها كذلك لا يرجع فيها إلى حكم لحومها بل يكون كغائط بني آدم ويحتمل عدم إعادة ابن مسعود صلاته لقلة مقدار النجس ولا يقال فقد كان سلاها جزء ميتة لأن ذبائحهم غير مذكاة لأنهم وثنيون فيجوز صلاة حاملي نجاسة من ميتة وغيرها لأنه كان في أول الإسلام قبل تحريم ذبائحهم.
في الاستحاضة روى عن حمنة ابنة جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله ﷺ فأتت رسول الله ﷺ فقالت إني استحضت حيضة منكرة شديدة فقال لها: "احشي كرسفا" فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثج ثجا قال: "تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي وصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين أو أخري الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا وأخري المغرب وقدمي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب الأمرين إلي" المعنى في هذا أنه أمرها أن تتحيض في علم الله ما أكثر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك لا أنه رد الخيار إليها من غير تحر منها كما أمر من دخل عليه شك في صلاته أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه فيعمل عليه وهذا إنما يكون عند نسيانها أيامها التي كانت تحيض فيها فأمرت بالتحري كمن شك في صلاته ولم يعلم كم صلي
في الاستحاضة روى عن حمنة ابنة جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله ﷺ فأتت رسول الله ﷺ فقالت إني استحضت حيضة منكرة شديدة فقال لها: "احشي كرسفا" فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثج ثجا قال: "تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي وصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين أو أخري الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا وأخري المغرب وقدمي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب الأمرين إلي" المعنى في هذا أنه أمرها أن تتحيض في علم الله ما أكثر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك لا أنه رد الخيار إليها من غير تحر منها كما أمر من دخل عليه شك في صلاته أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه فيعمل عليه وهذا إنما يكون عند نسيانها أيامها التي كانت تحيض فيها فأمرت بالتحري كمن شك في صلاته ولم يعلم كم صلي
1 / 19