Muctamid Ibn Cabbad
المعتمد بن عباد: الملك الجواد الشجاع الشاعر المرزأ
Nau'ikan
فلما عبر يوسف وجميع الجيوش انزعج إلى إشبيلية على أحسن الهيئات جيشا بعد جيش، وأميرا بعد أمير، وقبيلا بعد قبيل، وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف، وأمر عمال البلاد بجلب الأقوات والضيافات، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه، وتواردت الجيوش مع أمرائها في إشبيلية، وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من إشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه، فأتى محلة يوسف فركض نحو القوم وركضوا نحوه، فبرز إليه يوسف وحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا، وأظهر كل واحد منهما المودة والخلوص، فشكرا نعم الله، وتواصيا بالصبر والرحمة، وبشرا نفسهما بما استقبلاه من غزو أهل الكفر، وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصا لوجهه مقربا إليه، وافترقا، فعاد يوسف لمحلته، ورجع ابن عباد إلى جهته، ولحق بابن عباد ما كان أعده من هدايا وتحف وألطاف أوسع بها محلة ابن تاشفين، وباتوا تلك الليلة.
فلما صلوا الصبح ركب الجميع، وأشار ابن عباد على يوسف بالتقدم إلى إشبيلية، ففعل، ورأى الناس من عزة سلطانه ما سرهم، ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر وأعان وخرج وأخرج، وكذلك فعل الصحراويون مع يوسف بكل صقع من أصقاعه رابطوا وصابروا.
ولما تحقق ابن فرذلند جواز يوسف، استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها، ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم، ونشروا أناجيلهم، فاجتمع له من الجلالقة والإفرنجة وما يليهم ما لا يحصى عدده، وجعل يصغي على أنباء المسلمين متغيظا على ابن عباد، جافيا ذلك عليه، متوعدا له، وجواسيس كل فريق مترددون بين الجميع، وبعث ابن فرذلند إلى ابن عباد: «إن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاده، وخاض البحور، وأنا أكفيه العناء فيما بقي ولا أكلفكم تعبا، أمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقا بكم وتوفيرا عليكم». وقال لأهل وده ووزرائه: «إني رأيت إن أمكنتهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني بين جدرها، وربما كانت الدائرة علي، فيكتسحون البلاد ويحصدون من فيها في غداة، لكن أجعل يومهم معي في حوز بلادهم، فإن كانت علي اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى، فيكون في ذلك صون لبلادي وجبر لمكاسري، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن يكون منهم في وفي بلادي، إذا ناجزوني في وسطها.»
ثم برز بالمختار من أنجاد جموعه على باب دربه، وترك بقية جموعه خلفه، وقال حين نظر إلى ما اختاره من جموعه: بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء. فالمقلل يقول: كان هؤلاء المختارون من أجناده أربعين ألف دارع. ولا بد لمن هذه صفته أن يتبعه واحد أو اثنان، وأما النصارى فيتعجبون ممن يزعم ذلك
5
ويقوله، واتفق الكل أن عدة المسلمين كانت أقل من عدة المشركين، ورأى ابن فرذلند في نومه كأنه راكب على فيل فضرب نقيرة طبل فهالته رؤياه وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد، ودس يهوديا إلى من يعلم تأويلها من المسلمين فدل على عابر فقصها عليه ونسبها إلى نفسه فقال له العابر: كذبت ما هذه الرؤيا لك، ولا بد أن تخبرني من صاحبها وإلا لم أعبرها لك. فقال له: اكتم ذلك؛ هو ألفونسو بن فرذلند. فقال العابر: قد علمت أنه رؤياه ولا ينبغي أن تكون لغيره، وهي تدل على بلاء عظيم ومصيبة فادحة تؤذن بصلبه عما قريب؛ أما الفيل فقد قال الله تعالى:
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ... السورة، وأما ضرب النقيرة فقد قال الله تعالى:
فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير ... الآية، فانصرف اليهودي إلى ابن فرذلند وجمجم له وذكر له ما وافق خاطره ولم يفسرها له.
ثم خرج ابن فرذلند ووقف على الدروب، ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية من بلاد الأندلس، فتقدم يوسف فقصده ، وتأخر ابن عباد لبعض الأمر ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ورؤساء الأندلس، وجعل ابنه عبد الله على مقدمته وسار وهو يتفاءل لنفسه مكملا البيت المشهور (كامل):
لا بد من فرج قريب
Shafi da ba'a sani ba