Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Nau'ikan
Maganar Baka
ما يلقى: مبتدأ بمعنى الذي. ولعنيك: خبر مقدم عليه، وكذل المصراع الثاني يقول: كل شيء لقي قلبي من ألم الشوق فيما مضى، وفيما يلقاه من بعد فهو بسبب عينيك، ولأجل حسنها.
وقيل: يعني حلال لعينيك ما لقيته وما ألقاه، والمراد جعلت قلبي لعينيك، فكل ما يمر عليه معفو عنه.
وقيل: أراد، ظاهر لعينيك ما يلقاه فؤادي وما لقيته، وكذلك في المصراع الثاني. إني ما لقيت من نحول جسمي، وهزال بدني، وما بقي منه، فهو لأجل حبك، أو هو حلال، أو ظاهر للحب.
وقيل: أراد كأن الحب ملكه يتصرف فيه تصرف الملاك في الأملاك، فأذهب بعض جسمه بالهزال، وأبقى بعضه وقيل: أذهب قوتي وأبقى جسمي.
وقيل: أراد عمري الذي مضى وبقي. وقيل: أراد بما بقي روحه وبما لم يبق جسمه.
وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه ... ولكنّ من يبصر جفونك يعشق
يقول: لم أكن ممن يميل به أسباب الهوى، ولكني لما أبصرت جفونك، وغنج عينيك صرت عاشقًا لك.
وبين الرّضا والسّخط والقرب والنّوى ... مجالٌ لدمع المقه المترقرق
يقول: لا أزال أبكي في حال رضي الحبيب، خوفًا من سخطه، وفي حال سخطه، لحصوله، وفي حال القرب، خوفا من النوى، وفي حال النوى لحصولها، فبين كل شيء من هذه الأحوال مجال لدمع السائل. ومثله لآخر.
فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراق
وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه ... وفي الهجر، فهو الدّهر يرجو ويتّقي
أحلى الهوى: ما يشوبه الخوف والرجاء، حتى يكون العاشق مرة خائفًا ومرة راجيًا، فلا يشفى بالوصل، فيزدري ذلك بحلاوته، ويؤدي إلى الملال، ولا ييئس من الوصل رأسا، فيؤدي ذلك إلى شدة الحزن الذي يؤدي إلى الهلاك فحالة الشك والتردد في الهجر والوصل، والوقوف بين حالتي الخوف والرجاء، ألذ أحوال الهوى.
وغضبي من الإدلال سكرى من الصّبا ... شفعت إليها من شبابي بريّق
ريق كل شيء: أوله.
يقول: رب جارية غضبي، غضب الدلال لا غضب الهجران، فكانت من الإدلال غضبي ومن الشباب سكرى، توسلت إليها بريق شبابي، فوصلت منها إلى ما أحب، أي نظرت إلي فعشقتني، لأجل شبابي، وساعدتني على مرادي، فكأن الشباب كان شفيعًا عندها.
وأشنب معسول الثّنيّات واضحٍ ... سترت فمي عنه فقبّل مفرقي
الأشنب الثّغر: الذي له شنب، وهو برد الأسنان. وقيل: إنه حدة الأسنان، وقد جعله صفة لشخص: أي ورب حبيب ذي ثغر أشنب. والمعسول: الحلو، كأنه جعل فيه العسل. والواضح: الأبيض المضيء.
يقول: ما زلت أطلب العفاف، حتى في حال الخلوة مع الحبيب، ورب حبيب ثناياه باردة عذبة، حلوة الترشف، عففت عنه حين خلوت به، وأراد أن يقبل فمي، فسترت فمي عنه، لأنه موضع التلذذ بالقبلة، فقبل مفرقي ليدل إلي فلم أستر المفرق، لأن ذلك للعظمة لا للذة.
وأجياد غزلانٍ كجيدك زرنني ... فلم أتبيّن عاطلًا من مطوّق
العاطل: الذي لا حلى عليه. والمطوق: اللابس للطوق يقول: رب نساء مثلك كأن أجيادهن أجياد الغزلان، جئن لزيارتي، فلم أنظر إليهن وإلى أجيادهن، لعفتي، حتى لم أتبين العاطل منهن من المطوق. والمقصد وصف نفسه بالعفة.
وما كلّ من يهوى يعفّ إذا خلا ... عفافي ويرضى الحبّ والخيل تلتقي
إني إذا خلوت عففت، وكذلك أنا أرضى حبيبي في حال التقاء الخيل، لشجاعتي، لأن. المرأة من العرب يعجبها أن يكون خليلها شجاعًا مقدامًا. وقيل: أراد بإرضائه الحبيب في حالة الحرب: الدفع عنه. والذب دونه، كقول عمرو بن كلثوم:
يقتن جيادنا ويقلن لستم ... بعولتنا إذا لم تمنعونا
إذا لم تمنعنّ فلا بقينا ... لشيءٍ بعدهنّ ولا حيينا
وقال المخزومي في معنى البيت: هو أن يقول أعف كرمًا وأكتم هواي، فإني أرعى الهوى وأحافظ عليه في ملتقى الخيل، والمراد بإرضاء الحبيب رعاية الهوى، وفي ذلك خصلتان: إحداهما: الدلالة على أن الهوى عند ذوي الوفاء لا يشغل عند الشدائد كقول أبو عطاء:
ذكرتك والخطّى يخطر بيننا ... وقد نهلت منّا المثقّفة السّمر
وكقول الآخر:
ولقد ذكرتك والسّياط تنوشني ... عند الإمام وساعدي مغلول
ولقد ذكرتك والّذي أنا عبده ... والسّيف عند ذؤابتي مسلول
1 / 287