Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Nau'ikan
Maganar Baka
يقول: إن كل أحد يحتاج إليك، ولا عيش له مع فقدك، كما لا عيش له مع فقد الماء، بل الحاجة إليك أشد؛ لأن الماء قد يصبر عنه عشرة أيام، إلا أنت فلا يمكن الصبر عنك ساعة.
وقيل: أراد لو كان برد الماء مثلك، لكانت الإبل تتجاوز العشر؛ لاستقائها بعذوبتك وبرد قطرك.
وقيل: أراد أن جودك كثير، فلو كنت برد الماء لكنت موجودًا في كل موضع. فكان لا يحتاج الإبل إلى طول الظمأ وإلى الصبر على العطش عشرة أيام.
دعاني إليك العلم والحلم والحجا ... وهذا الكلام النظم والنائل النثر
يقول: دعاني إليك ما فيك من العلم والحلم والعقل. وقد روى: والنهى والمعنى واحد. ونائلك الذي نثره بين يدي سؤالك، وتفرقه على الناس. وهذا الكلام، والنظم للشعر الذي تقوله. لأنه روى: أن الممدوح كان شاعرًا حسن الشعر. وقيل: أراد به كلامه الذي نظمه في مدحه، وذكر أوصافه.
وما قلت من شعرٍ تكاد بيوته ... إذا كتبت يبيض من نورها الحبر
روى: قلت على الخطاب. وقلت على الإخبار عن النفس. وهو أولى.
يقول: دعاني إليك شعري الذي يكاد نوره يبيض الحبر المكتوب به.
كأن المعاني في فصاحة لفظها ... نجوم الثريا أو خلائقك الزهر
وروى: خلائفك يقول: كأن معاني هذا الشعر، في فصاحة لفظها وجودة نظمها، نجوم الثريا، وكأنها في حسنها، أخلاقك الحسنة الطاهرة.
وخص الثريا؛ لأنها ظاهرة يعرفها كل أحد، ولأنها منظومة مجتمعة، والشعر كذلك.
وجنبني قرب السلاطين مقتها ... وما يقتضي من جماجمها النسر
يقول: أبعدني من قرب السلاطين، بغضي لهم وحقدي عليهم، وكذلك أبعدني عنهم مقاضاة النسر بجماجمهم.
وإني رأيت الضر أحسن منظرًا ... وأهون من مرأى صغيرٍ به كبر
يقول: إنما باعدتهم؛ لأني رأيت احتمال الضر أحسن وأسهل من رؤية رجل صغير الهمة متكبر، وروى: من مرءٍ صغيرٍ على أن يكون صغير صفة للمرء. وروى: من مرأى صغير على الإضافة. وهو مصدر رأيت. وروى: من لقيا صغير.
لساني وعيني والفؤاد وهمتي ... أود اللواتي ذا اسمها منك والشطر
أود: جمع ود. ويقال: رجل ود، وودود، ووديد. وأراد بالفؤاد: فؤادي.
يقول: هذه الأعضاء التي سميتها مني تود الأعضاء منك مثلها، فلساني: وديد لسانك، وعيني: تود عينك، وفؤادي: وديد فؤادك، وهمتي: تود همتك، والشطر: عطف على هذه الأعضاء. أي وهي الشطر منك.
يعني: أن الجسم جسمٌ واحد، فنصفه أنت ونصفه أنا. وغرضه بذلك شدة محبته له.
وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله ... ولكن لشعري فيك من نفسه شعر
يقول: ما تفردت أنا بقول الشعر، ولكنه شعري أعانني على قوله.
يعني: لما أردت نظمه فيك كان يعين على مدحك فينظم نفسه افتخارًا بك، وقيل: أراد أن حسن شعري يقوم مقام شعرٍ آخر، فكأن ذلك الحسن شعرٌ في شعري فيك.
وماذا الذي فيه من الحسن رونقًا ... ولكن بدا في وجهه نحوك البشر
يقول: الذي فيه من الحسن، ليس برونق له، ولكنه لما رآك وصار منتظمًا فيك، ظهر له سرور وبشر في وجهه.
وإني ولو نلت السماء لعالمٌ ... بأنك ما نلت الذي يوجب القدر
يقول: إني أعلم أنك وإن نلت السماء، فذلك دون ما يوجبه قدرك؛ لأن قدرك أعلى محلًا، أجل من السماء!
أزالت بك الأيام عتبي كأنما ... بنوها لها ذنبٌ، وأنت لها عذر
يقول: كنت أعاتب الأيام، فلما جئت رضيت عنها، فكأنها أذنبت بلوم أبنائها، فاعتذرت أنت إلي بكرمك، فكنت عذرًا لذنبها، وأبناؤها ذنبٌ لها.
وقال يمدح علي بن محمدٍ بن سيار بن مكرم التميمي وكان يحب الرمي ويتعاطاه، وله وكيلٌ يتعرض للشعر، فمدح أبا الطيب فأنفذه إليه فصار إليه أبو الطيب فتلقاه وأجلسه في مرتبته وجلس بين يديه، فأنشده أبو الطيب:
ضروب الناس عشاقٌ ضروبا ... فأعذرهم أشفهم حبيبا
الضروب: هي الأنواع. وأشفهم: أي أفضلهم. وضروبا: نصب بعشاق. وحبيبًا نصب: على التمييز.
يقول: أنواع الناس على اختلافهم يعشقون أنواعًا من المعشوقات، ولكن أحقهم بالعذر من بينهم، من يكون حبيبه أفضل وأعدل وأنبل.
وما سكنى سوى قتل الأعادي ... فهل من زورةٍ تشفي القلوبا
السكن: من تسكن إليه، من أهل أو حبيب.
1 / 165