Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Nau'ikan
Maganar Baka
ونظر أبو الطيب ثيابًا مطويةً إلى جانبه فسأل عنها. فقيل له: هي خلع الولاية. وكان أبو الطيب ذلك اليوم عليلًا فقال ارتجالًا:
أرى حللًا مطواةً حسانًا ... عداني أن أراك بها اعتلالي
الحلة: ثوبان، إزار ورادء، ومطواة: أي مطوية وعداني. أي صرفني، وفاعله: اعتلالي.
يقول: أرى حللًا على جنبك حسنة مطوية، وإنما منعني أن أراك وهي عليك مرضى.
وهبك طويتها وخرجت عنها ... أتطوي ما عليك من الجمال؟
يقول: إنك وإن نزعتها وطويتها، فإنك في حلل من جمالك وحسنك، لا تقدر أن تخرج منه ولا أن تطويه.
لقد ظلت أواخرها الأعالي ... مع الأولى بجسمك في قتال
الأواخر: جمع آخر. والأعالي: جمع أعلى.
جعل الأعالي منها أواخر، لأنها تلبس بعد الشعار، فهي متأخرة عنها في البشرة. والأولى ما ولي الجسم وقرب منه، وقيل: الأعالي. ما يكون أعلى محلًا؛ وأشرف الثياب. يلبس آخرًا.
يقول: إن الحلل التي لبستها تقاتل أعاليها التي هي أواخرها، مع التي تلي جسدك، وحسدتها وطلبت كل واحدة منهما أن تكون هي التي تلي جسدك وتقرب مك.
تلاحظك العيون وأنت فيها ... كأن عليك أفئدة الرجال
يقول: إن الناس كانوا ينظرون إليك، وهي عليك نظر محبة واستحسان، حتى كأن التي عليك ولبستها قلوب الناس، لتعلق القلوب بها واستحسانهم إياها عليك، ومثله قوله:
كأن عليه من حدق نطاقا
ومثله الآخر
لمقلتيها عظم الملك في المقل
متى أحصيت فضلك في كلام ... فقد أحصيت حبات الرمال
روى في مديح وفي كلام يقول: لك فضائل عدد الرمل، فإن قدرت على عدها فقد أحصيت مديحك وهذا غير ممكن، فكذلك عد فضائلك.
وسار بعد ذلك إلى الساحل ولم يسر معه أبو الطيب فبلغه أن الأعور بن كروس كتب إلى بدر يقول له: إنما تخلف عنك أبو الطيب رغبةً عنك، ورفعًا لنفسه على المسير معك. ثم عاد بدرٌ إلى طبرية فضربت له قبابٌ عليها أمثلةٌ من تصاوير. فقال أبو الطيب في ذلك يمدحه ويعتذر عن تخلفه عنه.
الحب ما منع الكلام الألسنا ... وألذ شكوى عاشقٍ ما أعلنا
ما يجوز أن تكون بمعنى الذي، ويجوز أن تكون للنفي. ومنع: يتعدى إلى مفعولين: أحدهما الكلام، والثاني الألسن، وهي جمع اللسان. وروى: الألسنا: وهو الأفصح وما في قوله: ما أعلنا بمعنى الذي، وأصله ما أعلنه، فحذف الهاء.
يقول على الأول: الحب هو الذي يمنع الكلام من أن يعلن بالنطق ما في قلبه، وإذا لم يكن كذلك فليس بالحب الحقيقي. وتم الكلام ها هنا، وهذا مثل قول الآخر:
وما هو إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهت حتى لا أكاد أجيب
ثم قال: وألذ شكوى عاشق ما أعلنا أي ألذ الشكوى للعاشق ما باح بها لكل أحد كقول أبي نواس:
فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونهاستر
وقيل: إن أحد المصراعين متعلق بالآخر. ومعناه: الحب الحقيقي ما منع الألسن أن تبوح، في حالٍ يلتذ العاشق فيها بالشكوى، فيدرك الإبقاء على حبيبه والخوف من إغراء العذال به، فيدع ما يشتهيه، مراعاةً للحبيب كما قال الشاعر:
ولست بواصفٍ أبدًا حبيبًا ... أعرضه لأهواء الرجال
وقوله: وألذ شكوى، على هذا. في موضع الحال. ويجوز: أن يكون ما في قوله: ما أعلنا. بمعنى المصدر، فلا يحتاج إلى الهاء العائدة إليه، أي ألذ شكوى عاشق إعلانه.
وعلى الثاني: الحب لم يمنع الألسن من الكلام، كأنه يحسن عند نفسه الشكوى؛ لأن في ذلك راحته وقوله: وألذ شكوى. تأكيد للمعنى الأول، وتعليل له.
ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى ... من غير جرم واصلي صلة الضنى
نصب هجر الكرى وصلة الضنى على المصدر. أي الذي هجرني مثل هجر الكرى.
يقول: ليت الحبيب الذي هجرني من غير ذنب مني، هجر النوم عينين بهجره، وواصلني مثل مواصلتي السقم، حتى واصلني النوم وهجرني السقم.
بنا: أي تباعدنا. وقوله: فلو حليتنا. أي وصفت واكتسيت حليتنا. امتقع لونه وابتقع وانتقع: إذا تغير.
يقول لصاحبه: إنا لما تفرقنا تغيرت ألواننا من خوف الفراق وحزن التباعد وطول الضنى، فلو أردت وصفنا لم تقدر عليه، ولم تدر بأي شيء تصفنا؛ لكثرة ما ننتقل من لون إلى لون. وقوله: تلونا، نصب على التمييز.
1 / 131