وفي روايَةِ ابنِ عُمَرَ: "كُتِبَ في زمرَةِ العُلَمَاءِ، وحُشِرَ في زُمرَةِ الشُّهداء" (١).
قلتُ: ورُوِي -أيضًا- عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، وأبي أمامة، وجابر بن سمرة، ونويرة، ذَكَرها ابن الجوزي في "عِلَله" (٢).
وذكر المنذري الحافظ في جزء مفردٍ من هذه الطرق كلها وزيادة: سلمان الفارسي، فهذه -مع ما ذكره المُصَنِّف- أربَعَةَ عشر طريقًا، وسيأتي ترجمة من وقَعَ مِنهُم في الكتاب.
ومعنى "الحفظ" هنا: نقلها إلى المسلمين، وإنْ لم يحفظها ولا عَرَفَ معناها، هذا حقيقة معناه، وبه يحصلُ انتفاع المسلمين لا بحفظ مَا لَمْ يُنقل إليهم، قاله المُصنِّف في آخر "الأربَعِين" في آخِر الباب الذي أَفرَدَهُ لبيانِ المُشكِلات (٣).
وقد يُقال: المرادُ هنا حِفظُ مَعَانِيها، إذْ بهِ يُسمَّى فقيهًا، ويدخُلُ في الحديث مَن اجتهدَ في طرق تصحيحه وتدوينه، كالبخاري ومُسلم وغيرهما، ومَنْ نَقَلها مِن كُتُبِهم فقد قرَّبَها للمُتَعَلِّمِين؛ فلهُ أجْرُ ذلك، وأمَّا أجرُ الحفظِ فأبلغ، ويدخل فيه الأحاديث الضعيفة إذا كانت في الترغيب والترهيب فقط، لأنه يُعمَل بها (٤).
فائدة: إن قيلَ: ما وجهُ التخصيص بهذا العدد دونَ سائر مقادير العدد؟ وأجيب عنه بأنه روي عن بِشر الحافي أنه قال: "يا أهل الحديث! اعمَلُوا مِن
_________
(١) رواه ابن الجوزي (١/ ١١٧).
(٢) "العلل المتناهية" (١/ ١١١ - ١٢١).
(٣) انظر ص (١٠٣) من "الأربعين".
(٤) هذا القول ضعيف، ونتائجه سيئة وخطيرة، فمنها: تساهل الناس في رواية الأحاديث الضعيفة في الكتب والدروس وعلى المنابر وغيرها، وهو مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة التي جاءت بالتحذير من التحديث إلَّا بعد التَّثبت من صحة الحديث.
وما اشترطه بعض أهل العلم من شروط في رواية الضعيف فهو أمر غير ممكن التطبيق إلا في النادر والنادر لا حكم له. انظر: "الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به" للشيخ د. عبد الكريم الخضير (٢٤٩ - ٣٠٠)، و"المحرر" للشيخ د. حمد العثمان (١١٥ - ١٦٦).
1 / 59