194

Mucin Hukkam

معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام

Mai Buga Littafi

دار الفكر

Lambar Fassara

بدون طبعة وبدون تاريخ

وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ تَعْزِيرًا. وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ، فَجَازَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا شُرِعَ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعْلِمِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجِيزُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ لِمَا فَعَلَ عُمَرُ ﵁ فِي ضَرْبِ الَّذِي نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ مِائَةً، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ هَذَا. وَنَقَلَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ. وَإِنَّ صَاحِب الْقِصَّةِ مَعْنُ بْنُ زِيَادٍ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ وَنَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ فَجَلَدَهُ مِائَةً، فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ: أَذْكَرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيًا، فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى، ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمِائَةٍ أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا عِنْدَهُمْ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَضَرَبَ عُمَرُ ضُبَيْعًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ، وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ ﵊ «لَا يَجْلِدُ أَحَدٌ أَحَدًا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» فَلَمْ يَزِدْ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى عَشْرَةٍ. [فَصْلٌ فِي الْعُقُوبَةِ بِالسِّجْنِ وَذِكْرِ حَقِيقَتِهِ] (فَصْلٌ): فِي الْعُقُوبَةِ بِالسِّجْنِ وَذِكْرِ حَقِيقَتِهِ، وَمَنْ يُحْبَسُ وَمَنْ لَا يُحْبَسُ. وَفِي قَدْرِ مَا يُحْبَسُ فِيهِ وَفِي مُعَامَلَةِ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ، وَفِي مَسَائِلِ الْمُلَازَمَةِ فَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَالسِّجْنُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَصْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨] أَيْ سِجْنًا وَحَبْسًا، وَالسِّجْنُ وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ الْعُقُوبَاتِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى -: ﴿إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥] أَنَّ السِّجْنَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْبَلِيغَةِ؛ لِأَنَّهُ ﷾ قَرَنَهُ مَعَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَقَدْ عَدَّ يُوسُفُ ﵇ الِانْطِلَاقَ مِنْ السِّجْنِ إحْسَانًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ [يوسف: ١٠٠] وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّجْنَ الطَّوِيلَ عَذَابٌ. وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَنْ فِرْعَوْنَ؛ إذْ أَوْعَدَ مُوسَى ﴿لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٩] وَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ، وَلَمَّا اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ابْنَهُ عَلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَوْصَاهُ أَنْ لَا يُعَاقِبَ فِي حِينِ الْغَضَبِ، وَحَضَّهُ أَنْ يَسْجُنَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ ثُمَّ يَرَى رَأْيَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ السِّجْنَ كَانَ حَلِيمًا، وَلَمْ يُرِدْ مَرْوَانُ طُولَ السِّجْنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ السِّجْنَ الْخَفِيفَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ. وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ هُوَ الْحَبْسُ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ شَاءَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ كَانَ بِتَوْكِيلِ نَفْسِ الْغَرِيمِ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ أَوْ مُلَازَمَتِهِ لَهُ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ أَسِيرًا. فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِغَرِيمٍ لِي فَقَالَ لِي: الْزَمْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ؟» وَفِي رِوَايَةٍ ابْنِ مَاجَهْ: " مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ " وَهَكَذَا كَانَ الْحَبْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسٌ مُعَدٌّ لِحَبْسِ الْخُصُومِ، فَلَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا وَجَعَلَهَا سِجْنًا يَسْجُنُ فِيهَا. وَجَاءَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ السِّجْنِ. (مَسْأَلَةٌ): وَنَقَلَ ابْنُ الطَّلَّاعِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ هَلْ سَجَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ أَحَدًا أَمْ لَا؟ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سِجْنٌ وَلَا سَجَنَا أَحَدًا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَجَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي تُهْمَةِ دَمٍ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيِّ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا

1 / 196