Matsalolin Birnin Zamani
معضلات المدنية الحديثة
Nau'ikan
وفي أوائل شهر يناير سنة 1882 خلوت بالمغفور له محمد سامي باشا ناظر الجهادية، فأطنب في الثناء علي لقيامي بنشر راية الحرية في مصر وملحقاتها من بعد مضي خمسة آلاف سنة على المصريين وهم يرسفون في قيود الاستبداد والاستعباد، وأقسم أنه مستعد لأن يضحي بحياته ويجود بآخر نقطة من دمه في تنفيذ رغبتي ويجرد حسامه وينادي باسمي خديوا لمصر إذا رغبت ذلك. فقلت له: مه يا محمود باشا، فإني لا أريد إلا تحرير بلادي، ولا أرى سبيلا لنوالنا ذلك إلا بالمحافظة على الخديو كما صرحت بذلك مرارا وتكرارا، وليس بي طمع أصلا في الاستئثار بالمنافع الشخصية، ولا أريد انتقال الأريكة الخديوية إلى عائلة أخرى لما في ذلك من الضرر، مع علمي بأنك تنتسب إلى الملك الأشرف «برسباي». فقال: أنا لا أقول لك إلا حقا، وأنت أحق بهذا الحديث مني ومن غيري. فشكرته على ثقته بي، وتم الحديث.
وما من شك في أن هذه خطرة غريبة يقف أمامها المؤرخ حائرا، فإن عرابي يقول بأن محمود سامي قد ذكر أنه على استعداد في أن «ينفذ رغبتي»، وأنه رفض أن يكون «خديو» بمسعى سامي نفسه. وأزيد على هذا أن هذه العبارة لم تكتب إلا بعد موت محمود سامي بدليل أنه يقول المغفور له محمود سامي باشا. وفضلا عن هذا فإن محمود سامي لم يطلع على هذا الحديث ليرى فيه رأيه: فهل كان ذلك الحديث حقيقة على ما روى عرابي باشا؟ أم أن له حقيقة أخرى طواها عنا الزمان؟ أم كان الزعيمان يخدعان بعضهما البعض فيعرض كل منهما أريكة الملك على صاحبه ليفوز بثقته وتعضيده؟ على أن في أسلوب هذه القطعة ضعفا يدل دلالة تكاد تكون واضحة على أن ناحية الترجيح في قيامها تغلب على ناحية الشك.
على أنه مهما يكن من أمر فإن عرابي باشا لم ينزل عن نزعات أمثاله من زعماء الثورات العسكرية في أنحاء الدنيا برمتها، فهو من طينتهم ومعدنهم. على أنه بالرغم من هذا بطل، ولكنه سيئ الحظ منكود الطالع.
برقين - 1926
خداع الطبيعة
للطبيعة سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وكل ما في الطبيعة من جماد ونبات وحيوان مندمج فيها، لا يخرج عن قطرها ولا ينفلت عن سلطانها.
وهم الذين يقولون بأن الإنسان سيد الطبيعة، وأنها مسخرة له، وأن السماء والكواكب والسيارات لم تخلق إلا للإنسان، كأن الإنسان، ذلك الدابة المفكرة، محور الكون وأساس النظام العالمي، ذلك مبلغ ما وصل إليه تجبر الإنسان وعنته. والحقيقة الواقعة أن الإنسان لم يخرج عن كونه نتاج تفاعل الظاهرات الطبيعية الخاضعة لحكم السنن العامة، فهو ابن رأي للطبيعة فيه لا يتبدل ولا يتغير، وكل ما في الإنسان من ظاهرة راجع إلى فعل الوراثة الخاضعة لحكم النواميس الطبيعية الثابتة. غير أن الإنسان مهما كان خضوعه لحكم الوراثة الطبيعية ثابتا، فإنه - كما يقول السير «راي لنكستر» - «ابن الطبيعة الثائر »، ولكن ثورته سلبية ، لأن خضوعه لأحكام الطبيعة عام شامل.
نورد لذلك مثلا من عالم النبات نطبقه على الظاهرات النفسية التي تقع تحت حسنا كل يوم.
قسم العلماء مملكة النبات إلى قسمين عظيمين: الأول النباتات اللازهرية «الكربتوجامية»، والثاني النباتات الزهرية «الفنيروجامية»، وميزة القسم الثاني أزهار بهية الألوان أخاذة بالأنظار والألباب، تجذب نحوها العضويات الحية من الحشرات بنضرتها وجمالها وبهي ألوانها.
أما النباتات اللازهرية فلا زهر لها، وجماعها على وجه التقريب من الحشائش ذوات الفلقة الواحدة. وأما النباتات الزهرية فجماعها من الأشجار والأعشاب ذوات الفلقتين، وينطوي تحتها معظم أنواع مملكة النبات وأجناسها. وترى أن النباتات الزهرية كلما انحطت مرتبتها كان الأمر على عكس ذلك، والشواذ في هذه القاعدة نادرة. فما هو السبب الذي جعل ذوات الأزهار العليا تمتاز على ذوات الأزهار الدنيا ببهاء اللون والتناسق والجمال؟
Shafi da ba'a sani ba