فقال: يا حسن، دعني من كلامك هذا، هل لك في أَمر أَعرضه عليك، لا بأس لك به إن قبلته.
قال: وما هو؟ قال: أسير إلى معاوية بالشام، عدوّ أبيك فأَروم قتله، فإن قتلته كنت قد قتلت أَعدى الناس لكم، وإن لم أقتله قُتلت فأنا مقتول في كلتا الحالتين.
قال: لا والله يا عدوّ الله حتى أنفذ فيك ما أمرني به أمير المؤمنين.
قال: وما الذي أمرك به أبوك؟ قال: جمعنا، فقال، يا بنيّ، إياكم أن تخوضوا في دماء المسلمين، وأن تقولوا، قُتل أمير المؤمنين، أَلا لا يقتلنَّ فيّ إلا قاتلي، وضربة بضربة، فإياك يا حسن والمثلة، فإن رسول الله ﷺ نهى عنها، ولو بالكلب العقور.
قال، يقول عبد الرحمن بن ملجم، والله إن كان أبوك ما علمنا لعدلا في الرضى والغضب إلا ما كان منه يوم صقين، حين حكم في دين الله، أَفشكَّ أبوك، أَي بُنيّ، في دينه؟ فضربه ضربة، تلقاه بخنصره، فقطعها. ثم ضربه أخرى في الموضع الذي ضرب فيه أباه، فقتله.
وحدثونا، أن معاوية ﵀ عليه فخر يوما والحسن جالس.
فقال معاوية: أنا ابن بطحاء مكة، أنا ابن أَغزرها جودا، وأكرمها جُدودا، أنا ابن من ساد قريشا فضلا، ناشيا وكهلا.
فقال الحسن ﵁، أَعليَّ تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن عروق الثَّرى، أنا ابن مأوى التُّقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد الدنيا بالفضل السابق والجود الرائق والحيب الفائق، أنا ابن من طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبي تتباهى به، أو قديم كقديمي تساميني به؟ قل، نعم؛ أو، لا.
قال: بلى أقول، لا، وهي لك تصديق.
فقال الحسن:
الحق أَبلجُ ما يخيل سبيله ... والقُّ ذوو الأَلباب
قال، وحدثونا عن أبي نعيم عن اسماعيل بن ابراهيم بن المهاجر قال: سمعت عبد الملك بن عمير قال، حدثني رجل من ثقيف قال: استعملني عليّ بن أبي طالب، ﵁ على عكبرا، ولم يكن السواد يسكنه المصلون فقال لي بين أيديهم، استوف خراجهم منهم، فلا يجدوا فيك ضعفا ولا رخصة، ثم قال لي، رُح إليّ عند الظهر. فرحنا إليه، فلم أجد عليه حاجبا، يحجبني دونه، ووجدته جالسا وعنده قدح، وكوز ماء.
فدعا بظبيه " يعني جرابا صغيرا ".
فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إليّ جوهرا، فإذا عليها خاتم.
فكسر الخاتم، فإذا فيها، سويق.
فصبه في القدح، فشرب نته، وسقاني، فلم أصبر.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟ طعام العراق أكثر من ذلك.
فقال: إنما أشتري قدر ما يكفيني، وأكره أن يفنى فيضع فيه غيره، فإني لم أختم عليه بُخلا عليه، وإنما حفظي لذلك، وأنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا، وإني قلت لك بين أيديهم الذي قلت لك لأنهم قوم خدع، وأنا آمرك الآن بما تأخذهم به إن أنت فعلت، وإلا أخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك.
لا تبيعنّ لهم رزقا يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربنّ رجلا منهم سوطا في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابة يعملون عليها؛ إنا أُمرنا أن نأخذ منهم العفو.
قال: إذن أجيئك كما ذهبت.
قال: وإن فعلت.
قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت، ووالله ما بقى درهم واحد إلا وفّيته.
وصية معاوية ﵀ عليه قالوا: وأخبروني أن معاوية لما حضرته الوفاة قال لابنه يزيد: " إني كفيتك الحلِّ والتِّرحال، أو قال الرَّحل والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك ما جمع واحد، فانظر أهل الحجاز، فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم، وتعهد من غاب عنك منهم، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل، فإن عزل عامل أحبُّ إليك من أن يشهر عليك مائة ألف سيف؛ وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، وإذا أصبت بهم عدوّك فارددهم إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم.
1 / 49