قال أبو حاتم، وحدثنا الثِّقة عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير اللخمي قال: جاء أبو جهم بن حذيفة العدويّ، وهو يومئذ ابن مائة سنة إلى مجلس اقريش فأوسعوا له عن صدر المجلس " وقائل يقول، بل كان عروة بن الزبير ".
فقال أبو الجهم: يا بني أخي، أنتم خير لكبيركم من مهرة لكبيرهم.
قالوا: وما شن مهرة وكبيرهم؟ قال: كان الرجل منهم إذا أسنّ وضعف أتاه ابنه أو ولُّه فعقله بعقال، ثم قال: قم. فإن استتَّم قائما، وإلاّ حمله إلى مجلس لهم يجري على أحدهم فيه رزقه حتى يموت، فجاء شابّ منهم إلى أبيه، ففعل ذلك به، فلم يستتم قائما، فحمله، فقال: يا بنيَّ، أين تذهب بي؟ فقال: إلى سنَّة آباك. فقال: يا بني، لا تفعل، فوالله لقد كنت تمشي خلفي فما أخلِّفُك، وأُماشيك فما أَبذُّك " أي أسبقك "، وأسقيك الدُّواية " يعني اللبن " قائما.
وكانت العرب إذا أُسقى الغلام اللبن قائما كان أسرع لشبابه.
فقال: لا جرم، لا أذهب بك.
فاتخذته مهرة سنَّة.
وصية أبي الأسود الدؤلي وأوصى أبو الأسود الدؤلي ابنته ليلة البناء بها فقال: " يا بنية، كان النساء أحق بأدبك مني، ولكن لا بد لي منه، يا بنية، إن أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الحسن الدُّهن، وأحلى الحلاوة الكُحل، يا بنية، لا تكثري مباشرة زوجك فيملَّك، ولا تباعدي عنه فيجفوك، ويعتل عليك، وكوني كما قلت لأمّك: خذي العفو كمُّي تستديمي موَّدتي ولا تنطقي في سورتي حين أَغضب
فإنِّي رأَيت الحبَّ في الصَّدر والأذى ... إذا اجتمعتا لم يلبث الحبُّ يذهب
وصية أبي بكر الصديق ﵁ قالوا: أوصى أبو بكر عمر بن الخطاب، ﵄، فقال: " أن لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل، إنه لا يقبل نافلة حتى تؤدّى الفريضة، فإنه إنما ثقلت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الحقَّ، وثقله عليهم؛ ويحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة اتّباعهم الباطل في الدنيا وخفَّته عليهم، ويحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا؛ إن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئهم، فإذا ذكرتهم قلت إني أخاف ألا أكون من هؤلاء، وذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وتجاوز عن حسنهم، فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو ألا أكون من هؤلاء، وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون العبد راغبا راهبا لا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقى بيديه إلى التهلكة، فإن حفظت وصيتي فلا يكوننّ غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجِزِه.
قالوا: وقال ابن داب، قالت أسماء بنت عميس: دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر ﵄ في اليوم الذي قُبض فيه.
فقال: يا عمر، صحبت رسول الله ﷺ فرأيت أُثرته إيّانا على أهله، ووالله إن كنا لنرسل إليهم من فضله ما يأتينا منه، وصحبتي ورأيتي، والله ما نمت فحلمت، ولا توهمت فشبِّه لي، وإني لعلى بصرة من رأى.
يا عمر، إن أول ما أحذرك به نفسك، فإن لكل نفس شهوة، فإذا أجابتها إليها دعتها إلى ما هو أعظم منها، وأحذِّرك هؤلاء الرهط من المهاجرين، فإني قد رأيتهم طمحت أبصارهم، ونفخت أجوافهم، وتمنى كل امرئ منهم لنفسه، فاحملهم على الطريق الواضح يكفوك أنفسهم، واعلم أنهم لن يزالوا لك هايبين ما هِبتَ الله ﷿، فَرِقين منك ما فرقت منه.
هذه وصيتي إياك، وأَقرأ عليك السلام.
وصية عمر بن الخطاب، ﵁ وذكروا عن قطر بن خليفة وغيره أن عمر بن الخطاب دعا عبد الله بن عمر، ﵄، فقال: " أي بُنيّ، إذا قام الخليفة بعدي فائته، فقل له، إن عمر بن الخطاب ﵁ يقرئك السلام، ويوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، ويوصيك بالمهاجرين والأنصار، أن تقبل من محسنهم، وتتجاوز عن مسيئتهم، ويوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم غيظ العدوّ وجباة الفيء، لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم، ويوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فيردَّ غلى فقرائهم، ويوصيك بأهل الذمّة خيرا، أن تقاتل من ورائهم ولا يكلَّفوا فوق طاقتهم.
وصية علي بن أبي طالب، ﵁
1 / 47