" عليكم بتقوى الله وصلة الرحم، وحسن التعزِّي عن الدنيا بالصبر، والنظر فيما حزبكم لما بعده تفلحوا، وتفقّدوا حالاتكم بالمعرفة لحقوق أعلامكم فإنهم بكم عزُّوا، وأنتم بهم أعزّ منكم بغيرهم، كونوا من الفتن على حذر، ولا تأمنوا على أحسابكم السفهاء، ولا تشركوهم في سرّكم، فإنهم كالضأن في رعيتها، كلامهم ذعر، وفعلهم عسر، لا يستحيون من دناءة، ولا يراقبون محرما، ولا يغضبنّ منكم امرؤ لسفيه على ابن عمه وإن وزعه، ولا تطمئنوا إلى أجسامهم، واستوحشوا من عقولهم، ولا تثقوا بناحيتهم، وإن حاربتم فاتخذوهم حشوا فيما بينكم، فإن النظر قبل اللقّاء حزم، ولا حزم بعد الندامة، فإذا اقتادكم امرؤ فوقِّروه بالإجلال والمناصحة تبلغوا بذلك من العدو، وتنالوا به المحامد، فإن لغد أمرا، والأيام دُوَل، فتأهّبوا، وتصنّعوا لحلولها.
ثم قال: أما بعد، فإن التجربة علم، والأدب عون، والكفّ عن ذلك مضرّة، وليكن جلساؤكم أهل المروءة والطلب لها، وإياكم ومجالسة الأشرار، فإنها تعقب الضغائن، والرفض لهم من أسباب الخير، والحلم محجزة عن الغيظ، والفحش من العيّ، والغيّ مهدمة للبناء " يعني المعالي "، ومن خير ما ظفرت به الرجال اللسان الحسن " اللسان ههنا الثناء " - قال الله ﷿ (لسان صدق في الآخرين) .
وفي ترك المراءِ راحة للبدن، فلينظر كل رجل منكم إلى جهته، فإن العجب كبر، والكبر قائد إلى البغض، واشنأوا البغي، فإنه المرعى الوخيم، واستصلحوا الخلل، وتحاموا الذُّلّ، اللهم عليك بأهل الحسد للنعم ".
وقال الأقوه:
لنا معاشر لن يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
لا يرعوون ولن يرعوا لمرشدهم ... والغيُّ منهم معا والجهل ميعاد
كانوا كمثل لقيم في عشيرتهم ... إذ أهلكت بالَّذي قدَّموا عاد
أو بعده كقدار حين طاوعه ... على الغواية أقوام فقد بادوا
والبيت لا يبتني إلاَّ له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمَّع أقوام ذوو حسب ... تصطاد أمرهم، فارُّشد مصطاد
لا يصلح النَّاس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهَّالهم سادوا
إذا تولّى سراة القوم أمرهم ... نما على ذاك أمر القوم وازدادوا
تهدي الأمور بأهل الرَّأي ما صلحت ... فإن تولَّت فبالأشرار تنقاد
أمارة الغيِّ أن تلقي الجميع لدى ال ... إبرام للأمر للأذناب ينقاد
كيف الرَّشاد إذا ما كنت في نفر ... لهم عن الرُّشد أغلال وأقياد
أعطوا غواتهم جهلا مقاءَتهم ... فكلهم في حبال الغيِّ منقاد
أخف الرَّحيل إلى قوم وإن بعدوا ... فيهم صلاح لمرتاد وإرشاد
فسوف أجعل بعد الأرض دونكم ... وإن دنت رحم منكم وميلاد
إنَّ النَّجاة إذا ما كنت ذا بصر ... مراجع الغيِّ أبعاد فأبعاد
والخير تزداد منه ما بقيت به ... والشرُّ يكفيك منه قلَّ ما زاد
قالوا: وأوصى حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ بنيه، وكان سبب موته أن كرز بن عامر العقيليّ طعنه، وكان له بنون عشرة، فأوصاهم عند موته، واشتد به مرضه، فقال: - الموت أروح مما أنا فيه، فإياكم يطيعني؟ قالوا: كلُّنا لك مطيع.
فبدأ بأكبرهم، فقال: خذ سيفي هذا، فضعه على صدري، ثم اتّكئ عليه حتى يخرج من ظهري.
فقال: يا أبتاه، وهل يقتل الرجل أباه؟ فعدل عنه إلى ولده، كلّهم يقول مقالة الأول، حتى انتهى إلى عُيينة، فقال: - يا أبتاه، أليس لك فيما تأمرني به سلوى وراحة، ولك مني فيه طاعة؟ قال: بلى.
قال: فمرني كيف أصنع.
قال حصن: ألق السيف يا بنيّ، فإني أردت أن أبلوكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي، فهو أطوعكم لي بعد وفاتي، فاذهب فأنت سيّد ولدي من بعدي، ولك رياستي.
فجمع بني بدر، فأعلمهم بذلك، ثم قال:
1 / 41