Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Nau'ikan
ولكن رجال الوزارة وقتئذ ما عدا «دنداس» أخذ اهتمامهم يتحول كلية عن مصر؛ بسبب الخطر المباشر الذي نشأ عن وقوع الثورة الفرنسية، ولكن سرعان ما دفع الفرنسيون أنفسهم إلى الاهتمام بشئون مصر؛ ذلك أن عوامل عديدة أجمعت في شتاء 1797م و1798م على تجهيز حملة عسكرية وإرسالها إلى الشرق.
وقد نمى إلى غرنفيل في فصل الربيع أن دور الكتب التابعة للحكومة قد فحصت فحصا دقيقا لاستيعاب ما فيها من الكتب الخاصة بالرحلات إلى مصر وإيران والهند، وأن الحكومة الفرنسية قررت الانتفاع بخدمات علمائها ممن لهم دراية بتاريخ العرب والترك والفرس، وأن الحملة جعلت غايتها احتلال مصر وشق الطريق عبر برزخ السويس.
نعم؛ لم يكن أحد يعرف وقتذاك إلى أي حد يمكن أن ينظر الإنسان إلى هذا المشروع نظرة جدية ولكن «دنداس» عده «مشروعا فائقا خيرا»، هذا بينما أن حاكم كلكتا العام رأى من قبيل الاحتياط لإحباط هذا المشروع سلفا أن يجهز على السلطان «تيتو» أو يكبح جماحه قبيل أن يوفق بونابرت بفضل مضاء عزيمته وجسارته إلى إيجاد وسيلة لإمداد السلطان بفرقة من الجنود الفرنسية. أما في إنجلترا فقد استقر الرأي على حشد أكبر عدد ممكن من السفن لتشتيت الحملة التي تجمعت في ميناء طولون كائنا ما كانت الغاية التي ترمي إلى تحقيقها. وبهذه المناسبة كتب «جون ننجتون» وكان صادقا فيما كتبه «أن إنجلترا لم يسبق لها اتخاذ قرار حكيم كهذا مقرونا بمثل هذا الحماس العام.»
وفي 19 مايو غادر نابليون ثغر طولون على رأس قوة تبلغ 38000 جندي، وفي 12 يونيو سلمت له مالطة سلاحها، ولم يحن آخر الشهر المذكور حتى ألقى نابليون مراسيه في الأراضي المصرية بالقرب من الإسكندرية، فاحتل المدينة من فوره وبدأ زحفه إلى الجنوب. وفي 18 يوليو أنزل بالمماليك هزيمة ماحقة في معركة الأهرام بالقرب من القاهرة، ثم دخل إلى العاصمة في 24 يوليو، وبعد ثمانية أيام التقى الأميرال نلسن بالعمارة الفرنسية فأجهز عليها في خليج أبي قير بعد أن قضى الأسابيع الطويلة يجد في اقتفاء آثارها.
ومن ثم بدأت تظهر للعيان آثار السيادة البحرية؛ ذلك أن نابليون بعد أن انقطعت عنه المؤن والإمدادات، بل والأنباء التي يمكن أن يكيف حركاته على ضوئها، قد تمكن بفضل عبقريته في التنظيم من إنشاء حكومة، وأن يسترضي الزعماء الدينيين في القاهرة، ويقمع الفتن ويضع البلاغات الطنانة. نعم؛ كان عليه أن يفعل ذلك كله، ولكنه كان في أعين الفرنسيين كمن يحرث أرضا مجدبة في حاجة إلى الماء، ولقد حاول شق مخرج لنفسه عن طريق سوريا، ولكن سفن أعدائه كانت قد نقلت إلى عكا المؤن والإمدادات بزعامة قائد محنك تمكن من القضاء على ما بذله الفرنسيون من الجهود الفريدة لاحتلال ذلك المكان.
ولئن طنطن نابليون أمام سكان القاهرة بأنه دك أسوار عكا وترك المدينة قاعا صفصفا؛ فإن ذلك لم يغير شيئا من الواقع، وهو أن الهزيمة حلت به ودارت الدوائر على مشروعاته الضخمة.
وأخيرا، اضطر إلى الإذعان أمام منطق الحوادث، فتخلى عن جيشه في مصر وانقلب راجعا إلى فرنسا في يوم 22 أغسطس سنة 1799م، تاركا مكانه في القيادة ل «كليبر» الذي كان على حق في التبرم بمنصبه هذا والارتياب فيه؛ فإنه ما كاد يسمع باقتراب الجيش التركي حتى شرع في مفاوضة السير سيدني سمث الذي كان يقوم بالدفاع عن عكا. وفي 24 يناير سنة 1800م عقد اتفاق العريش الذي نص على جلاء الجنود الفرنسية عن الأراضي المصرية والعودة إلى بلادها في السفن التي يجمعها ولاة الأمور الأتراك لهذا الغرض.
ولكن بينما كان هؤلاء مشتغلين بجمع السفن المطلوبة بما عرف عنهم من حب التراخي انتهزت الوزارة الإنجليزية الفرصة بناء على معلومات خاصة وصلتها عن قوة الحملة الفرنسية في مصر؛ لتعلن أنها غير مرتبطة باتفاق الفرنسيين سالف الذكر.
وقد أدت هذه الغلطة إلى إرسال حملة إنجليزية لإخراج الفرنسيين من مصر، وفي نهاية العام المذكور كان السير «رالف أبار كرومبي» يسير في اتجاه مصر على رأس قوة عددها 15000 جندي لطرد الفرنسيين من وادي النيل، بينما جهزت حملة هندية لمناوأتها من ناحية البحر الأحمر.
وفي 8 مارس سنة 1801م ألقي السير رالف مراسيه في خليج أبي قير، وكان القائد كليبر قد لقي حتفه قبل ذلك، وانتقلت القيادة إلى «مينو»؛ وهو قائد غير محنك اعتنق الإسلام، واقترن بزوجة مسلمة، ثم دارت رحى المعركة خارج الإسكندرية؛ فأسفرت عن قتل السير رالف، وعن التجاء قسم كبير من الحامية الفرنسية إلى الاحتماء داخل أسوار الإسكندرية، بينما عهد إلى بقية الحملة وعددها 12000 بالدفاع عن قلعة القاهرة.
Shafi da ba'a sani ba