Muassis Misr Haditha

Cali Ahmad Shukri d. 1360 AH
56

Muassis Misr Haditha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Nau'ikan

وقد خطر لصولت في بداية الأمر أن من المستحيل أن يتوقع الإنسان النجاح في جرح الشعور الإسلامي إلى هذا الحد لحمله على تأييد القضية اليونانية،

26

ولكن لم يمر أسبوعان حتى بدأت سلسلة من المحادثات أخذ الباشا يبسط فيها آراءه - تدريجيا - على أنه بدأ بإغفال أي فكرة ترمي إلى تأييد وجهة النظر الإنجليزية في الآستانة؛ لأن الديوان كان كثير التذبذب، بينما كان السلطان شديد التعصب، ولكن كانت ثمة وسائل لتحبيذ سياستنا، وأنه يهمه معرفة ماذا عسى أن تعرضه الحكومة البريطانية عليه من الشروط المرعبة. ثم مر أسبوع آخر حيث ذكر صولت بأنه لما يضع إلى الآن على خاتمه سوى اسمه فقط، إلى أن قال: «فأنت ترى أن حظي من أمارات الباشوية قليل، اللهم إلا إذا استثنيت الجاويشية - العصا الفضية - وديواني.» ثم استطرد الباشا فقال: «إن مصر وإنجلترا يمكن من الوجهة الجغرافية والتجارية أن تفيد إحداهما الأخرى، وهذا غاية ما أتمناه.» ولما عرض صولت مسألة الجلاء عن المورة أجابه الباشا: «إن هذه ليست بالمسألة السهلة؛ لأنها في حاجة إلى معونة رجل سياسي قادر لتحقيقها، أما إذا وجد من يرغب في ذلك فلا ريب في أنهم يستطيعون حل الإشكال.» على أن الباشا كان أقرب إلى الصراحة في آخر سلسلة هذه المحادثات، وقد دارت في 26 سبتمبر، فقد قال: «إني أضع قدمي الآن في ركابين، وعليه فالأمور سوف تبقى معلقة في الميزان لحين حلول فصل الربيع، فإذا ما وجد وقتئذ أن لدى حكومتكم اقتراحات مرضية لي فإني على استعداد لقبولها، وإذن يمكن إيجاد أسباب للانسحاب نهائيا من اليونان. أما إذا جاء الأمر على عكس ذلك فلسوف أجمع كافة قواتي ثم أحصل بما لدي من النفوذ لدى الباب العالي على قيادة الأسطول العثماني بأكمله؛ لأن القبطان باشا سوف يكون قد ساءت سمعته؛ ومن ثم أضع نفسي على رأس الأسطول. وبذا أوجه كل اهتمامي إلى الفراغ من المهمة وحلها نهائيا.» وإذ ذاك سأله صولت عن الخدمات التي ينتظرها الباشا من إنجلترا في مقابل ذلك، فأجابه محمد علي: «إنه ينتظر المساعدة في صدد زيادة الأسطول ثم الجزية للتوسع في بلاد العرب.» ولكن صولت أضاف هنا: «إنني مقتنع بأنه يرمي في صميم فؤاده إلى الحصول من حكومتنا على تأكيد عام بالموافقة على استقلاله فيما لو دفعته الظروف إلى قطع علاقته مع الباب العالي.»

ولكن الباشا تحاشى الخوض في هذه النقطة.

27

وما هو أن انتهت هذه المباحثات حتى هبط إلى الإسكندرية أحد الساسة النمساويين موفدا بمهمة من ميترينج، وهذا السياسي هو بروكسن أوستمد الذي قام في تاريخ آخر بعد ذلك بزيارة أخرى غريبة للباشا.

وقد جاء إلى مصر في هذه المرة ليستحث الباشا ليترك التردد وليلح عليه في القيام بحملة ضد اليونانيين في الشتاء؛ ليضمن لنفسه الغلبة عليهم قبل أن تتمكن روسيا والدول الغربية الأخرى من التدخل في الأمر.

وقد أسهب في وصف ما في استقلال اليونان من الخطورة على التجارة المصرية، وأخذ يطنب في ميل الإنجليز إلى بقاء مصر في حالة ضعف، وزعم بأن بضائع بريطانيا مهما كانت تحمل في ظاهرها الخير إلا أنها ترمي في الواقع إلى مساعدة ممثل السلطان بل إلى شل حركته، على أن هذه النظرية لم تنفع في إقناع محمد علي بأن أي محالفة توازي في فائدتها صداقة بريطانيا العظمى أو أن أي فائدة يمكن أن تعوض عليه ما يخسره بسبب معاداة سيادة بريطانيا البحرية، وفي النهاية توجه بهذا السؤال الصريح إلى محادثه النمسوي، فقال: «إذا لم ترغب إنجلترا في أن تقوم بما تشير به علي فما حيلتي معها إذن؟!»

28

ولما مرت الأسابيع دون أن يصله رد على مقترحاته كان فكره قد اتجه بطبيعة الحال إلى المشروع الآخر، وهو الحصول على الإذن من الباب العالي يجعله المشرف الأعلى على الحرب اليونانية وبخاصة؛ لأن نجاحه في الآستانة لن يحول مطلقا دون الوصول إلى اتفاق مع الإنجليز، هذا فضلا عن أن ذلك النجاح من شأنه أن يدفع بعدوه الشخصي خسرو في سبيل الذل والعار. وكان محمد علي قد أرسل الشكاوى العديدة من سوء إدارة خسرو في قيادة الأسطول التركي.

Shafi da ba'a sani ba