Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Nau'ikan
أما في البحر الأحمر، فإن الأمور كانت تسير سيرها الطبيعي الهادئ؛ فإن فتح مصر بواسطة نابليون قد وجه الاهتمام إليها، فمسحت البلاد في سنة 1795م على جناح السرعة وأصر لورد فالنشيا فيما بين سنتي 1804م و1805م على العودة بواسطة هذا الطريق عند ختام رحلته الهندية، وكان يرمي إلى أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فكانت غايته الأولى البحث عن خير وسيلة لسد البحر الأحمر في وجه أي اعتداء يحتمل أن يجيء من العرب، والثانية تنمية التجارة الهندية. ولتحقيق هاتين الغايتين عمد إلى زيارة كافة الموانئ الرئيسية الواقعة في طريقة ابتداء من عدن فما بعدها، وقد عني بتدوين كافة ما يهمه من المعلومات عن سير الحالة التجارية، وكان من رأيه احتلال عدن. ولتحقيق الغايتين سالفتي الذكر عقد محالفة مع الوهابيين ومع الحبشة،
45
ولكن ظلت مقترحاته مجرد حبر على ورق، إلا فيما يتعلق بهنري صولت الذي كان قد رافقه في رحلته الشرقية، وعين فيما بعد قنصلا عاما في القاهرة؛ فإنه قد ذهب في سنة 1801م إلى بلاد الحبشة في بعثة خاصة على أمل توسيع نطاق التجارة فيما بين تلك البلاد وبمباي،
46
وكانت شركة الهند الشرقية ينوب عنها مندوب يقيم في «مخا»، ومعه مساعده بلزوتي الذي لعب فيما بعد دورا له نصيب من الأهمية في بداية تاريخ الحفريات في مصر، وقد ظل يتنقل بين عدن وغيرها من الجهات حسبما تقضي الظروف.
وكانت الغاية التي جعلها محمد علي نصب عينيه وقتذاك - كما بينا من قبل - أن يعيد التوازن في المالية المصرية بواسطة التجارة، فلم يكتف بإمداد المتعهدين الإنجليز في البحر المتوسط بالحبوب، بل عرض على حكومة الشركة في الهند اقتراحات لتنمية التجارة في البلاد الشرقية، ونظرا لأن الاقتراحات المذكورة قوبلت بشيء من الاهتمام فقد انتدب بلزوني للسفر إلى القاهرة؛ حيث تمكن من عقد اتفاقية مؤقتة وتوقيعها في 28 مايو سنة 1810م. وقد نصت الاتفاقية المذكورة على أن تكون الامتيازات التركية قاعدة المعاملات التجارية مع الهند، وأن يتعهد الباشا بألا يعتدي بأي حال من الأحوال على الأملاك والرعايا الإنجليز في حالة نشوب حرب بين إنجلترا وتركيا، بل أن يمدهم على العكس بالحماية اللازمة، وأن يتعهد بإعادة الفارين من السفن البريطانية حتى لو اعتنقوا الإسلام (وهو شرط كانت تركيا ترفضه باستمرار إلى الآن كما يؤخذ من كتاب أبوت تحت ظل الحكم التركي ص29)، وأن يمر المسافرون الذين يصحبون أمتعتهم الشخصية بدون دفع مكوس جمركية، وأن تصحب القوافل التجارية من السويس وإليها قوة من الحرس، في مقابل ثلاثة دولارات إسبانية عن حمولة البعير الواحد، وأن تكون الضريبة الجمركية 3٪.
على أن هذه الاتفاقية لم يقدر لها أن تبرم، وأغلب الظن أن الباعث هو التخوف من الإضرار بالعلاقات البريطانية مع الآستانة، وقد رفضت الحكومة البريطانية في الوقت نفسه أن تسمح لطرادة الباشا «أفريقيا» بالذهاب إلى البحر الأحمر عن طريق الرجاء الصالح،
47
وقد بقي الباشا في شبه حيرة وتردد، لا يدري ماذا يصنع ليحيط المحالفة التي كان يطمح إليها بما يجعلها جذابة ليحمل الإنجليز على توقيعها. ولقد رأيناه كثيرا ما يحظر على السفن القادمة من بمباي - نزولا منه على إرادة السلطان مع شيء من السخرية - بألا تواصل سفرها إلى ما بعد جدة شمالا
48
Shafi da ba'a sani ba