Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Nau'ikan
13
وأغلب الظن أن الباشا كان مقتنعا بأن هذه المتاعب كانت جميعا من عمل عصبة من المهيجين؛ ولذا استقرت نيته على أن ينزل بهم عقابا لا تستطيع احتجاجات الدول العظمى الحيلولة دون تنفيذه، وهو عقاب إن كان محدودا بحيث لا يسوغ تدخل أي دولة من الدول الأوروبية إلا أنه كان من الفداحة والشدة بحيث يلقي على سكان كنديا درسا قاسيا، فإن كان هذا ما حسبه الباشا فإن التوفيق لم يخنه؛ لأنه لم يعد يسمع بعد ذلك بحدوث أي مشاغب أو قلاقل في جزيرة كريت.
وعهدت إدارة شئون الجزيرة إلى مصطفى باشا الذي ظل يشرف عليها طيلة سيطرة محمد علي على الجزيرة. وقد أجمعت كلمة قناصل إنجلترا وفرنسا وروسيا على أن إدارة محمد علي الجزيرة كانت إدارة سداها الاعتدال والعدل ولحمتها الإنصاف، وإنها كانت محبوبة من الشعب كما كان النجاح حليفها إلى أبعد مدى. نعم؛ إن الباشا لم يتمكن من القضاء على التذمر السياسي قضاء مبرما لأن جزيرة كريت كانت ما تزال تعتبر في نظر المهاجرين من الأروام جزءا من اليونان؛ ولذا كانت هناك جمعيات عديدة في الإمارة اليونانية تتعطش دائما إلى ضم الجزيرة إلى أرض الوطن القومي كما كان يوجد في نفس الجزيرة عدد كبير من الأشخاص يحلمون باقتراب اليوم الذي تنضم فيه الجزيرة إلى بلاد اليونان أو على الأقل أن تتمكن الجزيرة من الحصول على نوع من الاستقلال.
كل هذا كان مسلما به ولكن الجزيرة ظلت هادئة وراضية من وجود مصطفى باشا في منصة الحكم، ولقد كتب القنصل الروسي يقول: «إن الضرائب كانت تدفع بدون إبداء أي مقاومة أو معارضة، وإن الهدوء العام كان مخيما على الجزيرة، وأن المجالس البلدية كانت على استعداد في كل وقت أن تعمل طبقا لرغبات الحاكم مصطفى باشا.»
14
ولقد نقل الحاكم في سنة 1838م إلى بعض أنحاء سوريا لتولي قيادة الجيش الذي أرسل لقمع الفتنة التي نشبت في تلك الجهات، وقد شهد القنصل الإنجليزي بأن «سفر مصطفى باشا كان أشبه بيوم حداد عام لسكان الجزيرة؛ فلقد أظهر سوادهم من تلقاء أنفسهم علامات الود الخالص المنزه عن الغاية والهوى.» ولما غادر «خانيا» هرع إلى وداعه السكان جميعا شيوخهم وشبابهم والعبرات تخنقهم وكلهم أسف على فراقه ويتوسلون إليه أن يعود إليهم بعد إتمام مهمته في سوريا،
15
إلا أنه لا جدال في أن مصطفى باشا قد تمكن مدة حكمه في الجزيرة من حماية الأروام وتهدئة عواطف المسلمين وإرضائهم.
ولما كان بالمرستون قد اعتاد ألا ينظر إلى حكم محمد علي في الجزيرة أو إلى مشروعاته فيها إلا بعين الارتياب والشك فإنه لم يشأ أن يتركها وشأنها؛ فلقد انتقد حكم الإعدام الصادر على 26 من الأروام وخمسة من الأتراك قائلا: «إذا صحت الأنباء فإنه حكم يدل على القسوة والرغبة في إزهاق أرواح العباد.» ثم اقترح اللورد أن يتنازل الباشا عن الجزيرة لحكم السلطان الصالح وقال إنه يمكن حمل جلالته على أن يسن لها دستورا كالذي تتمتع به جزيرة ساموس.
16
Shafi da ba'a sani ba