145

Muassis Misr Haditha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Nau'ikan

76

وقد أسست المصانع لحياكة الأقمشة القطنية، ولقد كان الباشا بأعماله هذه على كل حال يحقق المثل الاشتراكي الأعلى في ناحية من النواحي.

ولقد قامت معظم مظاهر النشاط هذه على أساس فكرة سقيمة مختلة؛ ولذلك سرعان ما دب دبيب الفشل في المصانع الدقيقة فأهملت آلاتها وتركت أجزاؤها المتحركة في حاجة إلى الزيت، هذا بينما كانت الإدارة جاهلة مهملة، وكانت النيران هي مصدر القوة المحركة، مع أنه كان من الطبيعي تسخير بحري ومساقطه لهذه الغاية، وأظهر الفلاحون كراهيتهم لما لم يألفوه من نظام ساعات العمل، ومن ثم لم يكن ندحة عن جمعهم بالقوة كما كان يجمع أنفار القرعة العسكرية، وقد لاحظ بورنج «أن الباشا كان يسحب من الحقول الأيدي العاملة، حيث كانت تعمل لإخراج الثروة لاستخدامها في المصانع ... حيث تبدو تلك الثروة بلا حساب.»

77

ويقال إن الباشا أنفق ما لا يقل عن اثني عشر مليونا من الجنيهات على هذه المصانع وعلى الآلات التي جهزت بها، وقد ذهبت كل هذه الأموال سدى. ومع أن هذه الجهود قد بذلت في غير طائل فإنها تستحق الذكر المقرون بالاحترام؛ لأنها دليل على تحول في فهم الباشا لواجباته، فلقد بدأ حكمه بالسعي لإيجاد المال ولم يلبث أن اختتمه بالسعي - مهما كان خاطئا - بتحسين البلاد وتمدينها.

ولعله كان مسوقا في هذا العمل بمغالاته في تقليد الغرب، ولكنه ما لبث أن أصبح أنبل وأشرف خلقا من هذا المخاطر الشره الذي لا غاية له إلا تعزيز مركزه وجمع المال والثروة، بل إن ما فرضه محمد علي على نفسه من ضروب الاحتكار لم يخل من جانبه الطيب، فإذا قيل إنه ضايق الفلاحين فلا جدال في أن مضايقته لهم كانت أهون بكثير مما كانت مضايقة التجار الأجانب التي تكون لهم فيما لو ترك لهم محمد علي الحبل على الغارب ولكان عبء القروض التجارية أفدح بكثير من المبالغ المتأخرة في جدول إيرادات الباشا، وهذه حقيقة كان محمد علي يؤمن بها.

78

وبديهي أن اتباع تلك السياسة كان يثير غضب الحكومة البريطانية ويستفزها؛ لأن مصر بصفتها جزءا من الإمبراطورية العثمانية كان يتعين أن تكون خاضعة لنظام الامتيازات التركية وهي - كما يفهمها التجار الإنجليز - تتضمن الحق في إطلاق حرية التجارة.

فلقد نصت المادة الثالثة والخمسون على أن للتجار مطلق الحرية في أن يبيعوا أو يبتاعوا أو يصدروا مختلف السلع التجارية دون أن يكون لأحد ما الحق في منعهم أو التعدي عليهم، ولكن يوجد أولا ما يقيد هذا الحق الظاهر في إطلاق حرية التجارة؛ فإن هناك عبارة غامضة غموضا يبعث على الريب، وهي تقضي باستثناء «السلع الممنوعة» من الأحكام السابقة. وقد لاحظ صولت بحق أن هذه العبارة تترك تقريبا كل شيء خاضعا لثروات حكام الأقاليم ومديري البوليس؛ فقد يستغلون تلك العبارة فيضيفون إلى قائمة السلع الممنوعة أي سلعة أخرى يختارونها. وهو رأي وضعه ستراتفورد كاننج في تزييل لاحق بأنه رأي حكيم وقائم على أساس ثابت.

79

Shafi da ba'a sani ba