Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Nau'ikan
37
وليس من شك في أن أعمال محمد علي لم تكن هذا ولا ذاك؛ فإن الأعمال العامة البادية العادية في الشرق يبت فيها رهط من الموظفين يقال لهم الديوان أو الديربار، وعلى رأسهم الباشا نفسه أو من عداه من كبار الموظفين، وأمام هذا الرهط المجتمع بصفة علنية يجتمع أرباب الشكاوى والمتفرجون. وقد ذكر بارتل فرير بهذه المناسبة أن معرفة ميول الرأي العام في أي قطر من الأقطار الغربية مهما كان لها من الأهمية، فإن أهميتها تزداد كثيرا في الأقطار الشرقية؛ وذلك لأن الحكم الشرقي يحرص كل الحرص على معرفة ما يردده الناس في الأسواق وفي مناحي القوافل. نعم؛ إنه يستطيع الاعتماد على تقارير جواسيسه - والجاسوسية في الحكومات الآسيوية من أثبت العوامل والأدوات الحكومية - ولكن إلى جانب الجاسوسية كان يمكن الوقوف على جانب آخر من آراء الناس بالاجتماعات التي كان يعقدها محمد علي من آن إلى آخر. ولقد كان الباشا أحصف من أن يفكر في نقل التقاليد الغربية بلا تمحيص أو يقلدها تقليدا أعمى، ولكنه كان في الوقت نفسه من الحصافة بحيث يرى أن لا ضرر من نقل الصالح من التقاليد المذكورة وتحريرها حتى تتلاءم مع العادات المرعية في البلاد بحيث تعود بالخير والفلاح على حكومته. ولعله كان مدفوعا بعامل آخر؛ فإن رجلا له من القوة وتقدير أهمية التعليم كما كان لمحمد علي لا يمكن أن يقال إنه كان يجهل أن الجمعيات التمرينية التي كان يعقدها لم تكن مجرد وسيلة من وسائل الحكم فقط، بل كان كذلك إحدى وسائل التعليم السياسي. ولو كانت مصر ورثت من ورث مواهب محمد علي العظيمة كما ورث ممتلكاته لقدمت أمم الغرب من ضروب الإصلاح السياسي ما يقل في أهميته عما قدمته اليابان، ولكن عمر فرد واحد وانقضى معظمه في تأسيس ملك سياسي لا يمكن بمفرده أن يفعل أكثر من وضع الحجر الأساسي العام لمعاهد الإصلاح والترقي تاركا لمن يخلفه تكملة البناء.
وقد كان النجاح المضطرد حليف إدارته المالية، ومن ثم خيب ظنون الذين كانوا يرقبون أعماله ويتوقعون خرابه المالي قائلين إن حروبه المتعددة يضاف إليها مشروعاته الداخلية سوف تؤدي إلى إفلاسه وإفلاس خزينة البلاد العامة؛ ففي سنة 1827م مثلا بينما كان عاتقه مثقلا بنفقات الحرب في المورة وكانت موارده المالية متعبة بسبب هبوط منسوب فيضان النيل عامين متتاليين، وكان محمد علي برغم ذلك منهمكا في تأسيس المصانع وإنشاء رصيف للبحر وترسانة في الإسكندرية،
38
ولم يمض على ذلك سوى سنوات أربع فقط حتى كان يضع أساس مشروعات تزيد في نفقاتها وضخامتها نحو عشرة أضعاف عن نفقات المشروعات السابقة،
39
وقد نجح في الابتعاد عن إشراك الدائنين الأوروبيين،
40
وقد خيل لبعض الناس في سنة 1837م أن هبوط أسعار القطن - وكان محمد علي يحتكره - سوف يؤثر أشد تأثير في ميزانيته، ومع ذلك فقد تمكن الباشا من دفع ما لجنوده من المرتبات المتأخرة،
41
Shafi da ba'a sani ba