Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Nau'ikan
40
على أن سياسة فرنسا لم يكن يعرقلها خداع الأتراك وحده أو مشاغبة الأجانب ممن ألفوا الصيد في الماء العكر. كلا؛ بل إن عدم خضوع مندوبيها للنظام المركزي - كما أظهر ذلك مندوبوها في الشرق في أكثر من مرة - جعل أمثال سفيرها «روسان» في الآستانة أو «سبستياني» سفيرها في لندن يتمسكان بآراء تتنافى كلية مع آراء حكومة باريس.
41
وأخيرا لما تبين لمحمد علي في سنة 1838م أنه لم يفد شيئا من نوايا فرنسا المنبعثة عن الإخلاص، عول على أن يدفع الأمور حتى تؤدي إلى النقطة الحاسمة، وقد خيل للسفارة البريطانية في الآستانة أن قرار محمد علي هذا كان بإيعاز روسيا. ولقد رسخت هذه العقيدة في نفس السفارة المذكورة واستقرت عدة سنوات، وهناك ما يحمل على الظن بأن الذي أوجد هذه الفكرة وساعد على رسوخها هم جماعة القنصل
42
الذين من أصل «ليفانتي» ممن أغاظهم حكم محمد علي. أما كامبل فلم يصدق تلك الفكرة، بل هزأ بها وبين أن صحة هذه الحكاية مشكوك فيها، ولا يمكن التوفيق بينها وبين استدعاء قنصل روسيا الجنرال قبل إتمام سلسلة دسائسه ولا بين قلة الزيارات التي يقوم بها خلف ذلك القنصل لمحمد علي،
43
وكانت معلومات كامبل في هذه المسألة كما في غيرها من المسائل الخاصة بمصر أصدق واستنتاجاته أدق من معلومات واستنتاجات سفيرنا الهوائي المتصرف.
44
أما الذي ساق الباشا في الظاهر إلى أن يخطو الخطوة الثابتة، فلم يكن إيعاز السياسة الروسية الخداعة ولا تأثير من رجال السياسة في سان بطرسبرج، كلا بل الذي حفزه إليها ما كان يبديه نحوه التجار البريطانيون والفرنسيون من الميول الطيبة الصادرة من نفوس مخلصة. ولقد سبق أن بينت للقارئ مبلغ أسفهم لأن محمد علي لم يسمح له بأن يضيف بغداد إلى أملاكه. ولقد كان يمكن تعليل هذه الميول بأنها رغبات تنم عن الجهل من رجال يتاجرون في ظل نظام قائم على الرشوة وعدم الكفاية، ولكن رغباتهم هذه لم يكن يشاركهم فيها تجار بغداد الأوروبيون وحدهم، بل شاركهم إياها تجار القاهرة والإسكندرية، بل كانت هذه رغبة شركائهم ومراسليهم في لندن وباريس ومرسيليا. نعم؛ كان الباشا مولعا باتباع نظام الاحتكارات، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن العدالة المطلقة والنظام لم يستتبا في جهة من جهات شرق البحر المتوسط كاستتبابهما في الجهات التي كان يحكمها محمد علي. وبالجملة، فإن حكومته كانت الحكومة الوحيدة التي كان يمكن المساومة معها بشيء من الاطمئنان. ولقد كان التجار الفرنسيون والبريطانيون - بقطع النظر عن الاختلاف بين حكومتهم - على اتفاق في تمنيهم بأن يظل حكم محمد علي قائما إلى ما شاء الله، فمثلا «واجهورن» مندوب القفل بالترانسيت عن طريق السويس قد أكد للباشا على ما يظهر بأن بريطانيا سوق تعترف باستقلاله
Shafi da ba'a sani ba