نموذج بخط المؤلف
المدائح والتهاني
التقريظات
الأهاجي
الإخوانيات
الوصف
الخمريات
الغزل
الاجتماعيات
السياسيات
الشكوى
المراثي
نموذج بخط المؤلف
المدائح والتهاني
التقريظات
الأهاجي
الإخوانيات
الوصف
الخمريات
الغزل
الاجتماعيات
السياسيات
الشكوى
المراثي
المؤلفات الكاملة
المؤلفات الكاملة
الديوان
تأليف
شاعر النيل محمد حافظ إبراهيم
نموذج بخط المؤلف
المدائح والتهاني
(1) تهنئة عبد الحليم عاصم باشا بإسناد إمارة الحج إليه (سنة 1313ه)
حال بين الجفن والوسن
حائل لو شئت لم يكن
أنا والأيام تقذف بي
بين مشتاق ومفتتن
لي فؤاد فيك تنكره
أضلعي من شدة الوهن
وزفير لو علمت به
خلت نار الفرس في بدني
يا لقومي إنني رجل
حرت في أمري وفي زمني
أجفاء أشتكي وشقا؟
إن هذا منتهى المحن
يا هماما في الزمان له
همة دقت عن الفطن
وفتى لو حل خاطره
في ليالي الدهر لم تخن
يا أمير الحج أنت له
خير واق خير مؤتمن
هزك البيت الحرام له
هزة المشتاق للوطن
فرحت أرض الحجاز بكم
فرحها بالهاطل الهتن
وسرت بشرى القدوم لهم
بك من مصر إلى عدن (2) تهنئة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده بمنصب الإفتاء (1317ه-1899م)
بلغتك لم أنسب ولم أتغزل
ولما أقف بين الهوى والتذلل
ولما أصف كأسا ولم أبك منزلا
ولم أنتحل فخرا ولم أتنبل
فلم يبق في قلبي مديحك موضعا
تجول به ذكرى حبيب ومنزل
رأيتك الأبصار حولك خشع
فقلت (أبو حفص) ببرديك أم (علي)
وخفضت من حزني على مجد أمة
تداركتها والخطب للخطب يعتلي
طلعت بها باليمن من خير مطلع
وكنت لها في الفوز قدح (ابن مقبل)
وجردت للفتيا حسام عزيمة
بحديه آيات الكتاب المنزل
محوت به في الدين كل ضلالة
وأثبت ما أثبت غير مضلل
لئن ظفر الإفتاء منك بفاضل
لقد ظفر الإسلام منك بأفضل
فما حل عقد المشكلات بحكمة
سواك ولا أربى على كل حول
وقال يمدحه ويصف حضرته:
قالوا صدقت فكان الصدق ما قالوا
ما كل منتسب للقول قوال
هذا قريضي وهذا قدر ممتدحي
هل بعد هذين إحكام وإجلال
إني لأبصر في أثناء بردته
نورا به تهتدي للحق ضلال
حللت دارا بها تتلى مناقبه
ببابها ازدحمت للناس آمال
رأيت فيها بساطا جل ناسجه
عليه (فاروق) هذا الوقت يختال
بمشية بين صفي حكمة وتقى
يحبها الله لا تيه ولا خال
تبسم المصطفى في قبره جذلا
لما سموت إليها وهي معطال
فكان لفظك درا حول لبتها
العدل ينظم والتوفيق لئال
لي كل حول لبيت الجاه منتجع
كما تشد لبيت الله أرحال
وزهرة غضة ألقى الإمام بها
لها على أختها في الروض إدلال
تفتح الحمد عنها حين أسعدها
منك القبول وفيها نور القال
نثرت منظوم تيجان الملوك بها
فراح ينظمه في وصفك البال
يا من تيمنت الفتيا بطلعته
أدرك فتاك فقد ضاقت به الحال (3) مدحة محمود سامي البارودي باشا (نشرت في 15 أكتوبر سنة 1900م)
تعمدت قتلي في الهوى وتعمدا
فما أثمت عيني ولا لحظه اعتدى
كلانا له عذر فعذري شبيبتي
وعذرك أني هجت سيفا مجردا
هوينا فما هنا كما هان غيرنا
ولكننا زدنا مع الحب سؤددا
وما حكمت أشواقنا في نفوسنا
بأيسر من حكم السماحة والندى
نفوس لها بين الجنوب منازل
بناها التقى واختارها الحب معبدا
وفتانة أوحى إلى القلب لحظها
فراح على الإيمان بالوحي واعتدى
تيممتها والليل في غير زيه
وحاسدها في الأفق يغري بي العدا
سريت ولم أحضر وكانوا بمرصد
وهل حذرت قبلي الكواكب رصدا
فلما رأوني أبصروا الموت مقبلا
وما أبصروا إلا قضاء تجسدا
فقال كبير القوم قد ساء فألنا
فإنا نرى حتفا بحتف تقلدا
فليس لنا إلا اتقاء سبيله
وإلا أعل السيف منا وأوردا
فغطوا جميعا في المنام ليصرفوا
شبا صارمي عنهم وقد كان مغمدا
وخضت بأحشاء الجميع كأنهم
نيام سقاهم فاجئ الرعب مرقدا
ورحت إلى حيث المنى تبعث المنى
وحيث حدا بي من هوى النفس ما حدا
وحيث فتاة الخدر ترقب زورتي
وتسأل عني كل طير تغردا
وترجو رجاء اللص لو أسبل الدجى
على البدر سترا حالك اللون أسودا
ولو أنهم قدوا غدائر فرعها
فحاكوا له منها نقابا إذا بدا
فلما رأتني مشرق الوجه مقبلا
ولم تثنني عن موعدي خشية الردى
تنادت وقد أعجبتها - كيف فتهم
ولم تتخذ إلا الطريق المعبدا
فقلت: سلي أحشاءهم كيف روعت
وأسيافهم هل صافحت منهم يدا
فقالت: أخاف القوم والحقد قد برى
صدورهم أن يبلغوا منك مقصدا
فلا تتخذ عند الرواح طريقهم
فقد يقنص البازي وإن كان أصيدا
فقلت: دعي ما تحذرين فإنني
أصاحب قلبا بين جنبي أيدا
فمالت لتغريني ومالأها الهوى
فحدثت نفسي والضمير ترددا
أهم كما همت فأذكر أنني
فتاك فيدعوني هداك إلى الهدى
كذلك لم أذكرك والخطب يلتقي
به الخطب إلا كان ذكرك مسعدا
أمير القوافي، إن لي مشتهامة
بمدح ومن لي فيك أن أبلغ المدى
أعرني لمدحيك اليراع الذي به
تخط وأقرضني القريض المسددا
ومر كل معنى فارسي بطاعتي
وكل نفور منه أن يتوددا
وهبني من أنوار علمك لمعة
على ضوئها أسري وأقفو من اهتدى
وأربو على ذاك الفخور بقوله: (إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا)
سلبت بحار الأرض در كنوزها
فأمست بحار الشعر للدرموردا
وصيرت منثور الكواكب في الدجى
نظيما بأسلاك المعاني منضدا
وجئت بأبيات من الشعر فصلت
إذا ما تلوها ألقي الناس سجدا
إذا ذكروا منه النسيب رأيتنا
وداعي الهوى منا أقام وأقعدا
وإن ذكروا منه الحماس حسبتنا
نرى الصارم المخضوب خدا موردا
ولو أنني نافرت دهري وأهله
بفخرك ما أبقيت في الناس سيدا (4) تهنئة لسمو الخديوي عباس الثاني بعيد الفطر (1318ه-1901م)
مطالع سعد أم مطالع أقمار
تجلت بهذا العيد أم تلك أشعاري
إلى سدة (العباس) وجهت مدحتي
بتهنئة شوقية النسج معطار
مليك أباح العيد لثم يمينه
ويا ليت ذاك العيد يبسط أعذاري
ويحمل عني للعزيز تحية
ويذكر شيئا من حديثي وأخباري (لآل علي) زينة الملك وجهتي
وإن قيل شيعي فقد نلت أوطاري
أجن لذكراهم وأشدو بمدحهم
كأني بجوف الليل هاتف أسحار
وأنشد أشعاري وإن قال حاسدي
نعم شاعر لكنه غير مكثار
فحسبي من الأشعار بيت أزينه
بذكرك يا (عباس) في رفع مقداري
كذا فليكن مدح الملوك وهكذا
يسوس القوافي شاعر غير ثرثار
ويسلب أصداف البحار بناتها
بنفثة سحر أو بخطرة أفكار
معان وألفاظ كما شاء (أحمد)
طوت جزل (بشار) ورقة مهيار
إذا نظرت فيها العيون حسبنها
لحسن انسجام القول كالجدول الجاري
أمولاي هذا العيد وافاك فاحبه
بحلة إقبال ويمن وإيثار
ويمنه وانثر من سعودك فوقه
وتوجه بالبشرى ومره بإسفار
فلا زالت الأعياد تبغي سعودها
لدى ملك يسري على عدله الساري
ولا زلت في دست الجلال مؤيدا
ولا زال هذا الملك في هذه الدار
وقال أيضا يمدحه ويهنئه بعيد جلوسه في 8 يناير سنة 1901م:
ماذا ادخرت لهذا العيد من أدب
فقد عهدتك رب السبق والغلب
تشدو وترهف بالأشعار مرتجلا
وتبرز القول بين السحر والعجب
وتصقل اللفظ في عيني فأحسبني
أرى فرند سيوف الهند في الكتب
هذا هو العيد قد لاحت مطالعه
وكلنا بين مشتاق ومرتقب
فادع البيان ليوم لا تطاوله
يد البلاغة في الأشعار والخطب
إني دعوت القوافي حين أشرق لي
عيد الأمير فلبت غرة الطلب
وأقبلت كأياديه إذا انسجمت
على الورى وغدت مني على كثب
فقمت أختار منها كل كاسية
تاهت بنضرتها في ثوبها القشب
وحار فيه بياني حين صحت به:
بالعز يبدأ أم بالمجد والحسب؟
يا من تنافس في أوصافه كلمي
تنافس العرب الأمجاد في النسب
لم يبق (أحمد) من قول أحاوله
في مدح ذاتك فاعذرني ولا تعب
فلست ممن سمت بالشعر همتهم
إلى الملوك ولا ذاك الفتى العربي
لكن عيدك يا (عباس) أنطقني
كالبدر أطلق صوت البلبل الطرب
عيد الجلوس، لقد ذكرت أمته
يوما تأبه في الأيام والحقب
اليمن أوله والسعد آخره
وبين ذلك صفو العيش لم يشب
فالعرش في فرح، والملك في مرح،
والخلق في منح، والدهر في رهب
والملك فوق سرير الملك تحرسه
عين الإله، وترعى أعين الشهب
الحلم حليته، والعدل قبلته،
والسعد لمحته كشافة الكرب
مشيئة الله في (العباس) قد سبقت
إلى الجدود ومن يأتي على العقب
فهو ابن أكرم من سادوا ومن ملكوا
وهو الأب المفتدى للسادة النجب
يا من توهم أن الشعر أعذبه
في الذوق أكذبه، أزريت بالأدب
عذب القريض قريض بات يعصمه
ذكر (ابن توفيق) عن لغو وعن كذب (5) تهنئة الأمير محمد عبد المنعم (نشرت في 30 يناير سنة 1901م)
وكان وليا لعهد أبيه الخديو عباس؛ قالها في ذكرى مولده لأول العام الثالث من عمره
في عيد مولانا الصغي
ر وعيد مولانا الكبير
إشراق عيد الفطر وال
أضحى على عرش الأمير (6) تهنئة السلطان عبد الحميد بعيد جلوسه (نشرت في 2سبتمبر سنة 1901م)
لمحت جلال العيد والقوم هيب
فعلمني آي العلا كيف تكتب
ومثل لي عرش الخلافة خاطري
فأرهب قلبي، والجلالة ترهب
سلوا الفلك الدوار هل لاح كوكب
على مثل هذا العرش أو راح كوكب؟
وهل أشرقت شمس على مثل ساحة
إلى ذلك البيت (الحميدي) تنسب؟
وهل قر في برج السعود متوج
كما قر في (يلديز) ذاك المعصب؟
تجلى على عرش الجلال وتاجه
يهش وأعواد السرير ترحب
سما فوقه والشرق جذلان شيق
لطلعته والغرب خذلان يرقب
فقام بأمر الله حتى ترعرعت
به دوحة الإسلام والشرك مجدب
وقرب بين المسجدين تقربا
إلى الملك الأعلى فنعم المقرب
وكم حاولوا في الأرض إطفاء نوره
وإطفاء نور الشمس من ذاك أقرب
فراعهم منه بجيش مدجج
له في سبيل الله والحق مذهب
يداني شخوص الموت حتى كأنما
له بين أظفار المنية مطلب
إذا ثار في يوم الوغى مال منكب
من الأرض والأطواد وانهال منكب
له من رءوس الشم في البر مركب
ومن ثائر الأمواج في البحر مركب
فدى لك يا (عبد الحميد) عصابة
عصت أمر باريها وحزب مذبذب
ملكت عليهم كل فج ولجة
فليس لهم في البر والبحر مهرب
تقاذفهم أيدي الليالي كأنهم
بها مثل للناس في القوم يضرب
وكم سألوها لثم أذيالك التي
لها فوق أجرام السموات مسحب
فما بلغوا سؤلا ولا بلغوا منى
كذلك يشقى الخائن المتقلب
فيا صاحب العيدين لا زلت سالما
يهنيك بالعيدين شرق ومغرب
ففي كل روض منك طيب ونضرة
وفي كل أرض منك عيد وموكب
أرى مصر والأنوار: منها مورد
ومنها لجيني، ومنها مذهب
وأشكالها شتى فهذا منظم
وذلك منثور وذاك مقبب
وبعض تجلى في مصابيح، زيتها
يضيء ولا نار وبعض مكهرب
وأنظر في بستانها النجم مشرقا
فهل أنت يا بستان أفق مكوكب
وأسمع في الدنيا دعاء بنصره
يردده البيت العتيق ويثرب (7) تهنئة جلالة إدوارد السابع بتتويجه (نشرت في 9 أغسطس سنة 1902م)
لمحت من مصر ذاك التاج والقمرا
فقلت للشعر هذا يوم من شعرا
يا دولة فوق أعلام لها أسد
تخشى بوادره الدنيا إذا زأرا
بالأمس كانت عليك الشمس ضاحية
واليوم فوق ذراك البدر قد سفرا
يؤول عرشك من شمس إلى قمر
إن غابت الشمس أولت تاجها القمرا
إذا ابتسمت لنا فالدهر مبتسم
وإن كشرت لنا عن نابه كثرا
لا تعجبن لملك عز جانبه
لولا التعاون لم تنظر له أثرا
ما ثل ربك عرشا بات يحرسه
عدل، ولا مد في سلطان من غدرا
خبرتهم فرأيت القوم قد سهروا
على مرافقهم والملك قد سهرا
تشاوروا في أمور الملك من ملك
إلى وزير إلى من يغرس الشجرا
وكان فارسهم في الحرب صاعقة
وذو السياسة منهم طائرا حذرا
بالبر صافنة داست سنابكها
مناجم التبر لما عافت المدرا
وفي البحار أساطيل إذا غضبت
ترى البراكين فيها تقذف الشررا
وهن في السلم والأيام باسمة
عرائس يكتسين الدل والخفرا
حتى إذا نشبت حرب رأيت بها
أغوال قفر ولكن تنهش الحجرا
اليوم يشرق «إدوار» على أمم
كأنها البحر بالأذي قد زخرا
لو أمطر الغيث أرضا تستظل بهم
عدت رءوسهم عن وجهها المطرا
اليوم يلثم تاج العز محتشما
رأسا يدبر ملكا يكلأ البشرا
يصرف الأمر من مصر إلى عدن
فالهند فالكاب حتى يعبر الجزرا
قد سالمته الليالي حين أعجزها
عقد لما حل أو تقويم ما أطرا (إدوار) دمت ودام الملك في رغد
ودام جندك في الآفاق منتصرا
حقنت بالصلح والرأي السديد دما
روى الشعاب وروى الصارم الذكرا
هم يذكرونك إن عدوا عدولهم
ونحن نذكر إن عدوا لنا (عمرا)
كأنما أنت تجري في طريقته
عدلا وحلما وإيقاعا بمن أشرا (8) إلى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
قالها في سفر له إلى بعض بلاد الوجه البحري، وكان مصاحبا له في هذا السفر
صدفت عن الأهواء والحر يصدف
وأنصفت من نفسي وذو اللب ينصف
صحبت الهدى عشرين يوما وليلة
فقر يقيني بعد ما كان يرجف
فرحت وفي نفسي من اليأس صارم
وعدت وفي صدري من الحلم مصحف
وكنت كما كان (ابن عمران) ناشئا
وكان كمن في (سورة الكهف) يوصف
كأن فؤادي إبرة قد تمغطست
بحبك أنى حرفت عنك تعطف
كأن يراعي في مديحك ساجد
مدامعه من خشية الله تذرف
كأنك والآمال حولك حوم
نمير على عطفيه طير ترفرف
وأزهر في طرسي يراعي وأنملي
ولفظي فبات الطرس يجني ويقطف
وجمع من أنوار مدحك طاقة
يطالعها طرف الربيع فيطرف
تهادى بها الأرواح في كل سحرة
وتمشي على وجه الرياض فتعرف
إمام الهدى إني أرى القوم أبدعوا
لهم بدعا عنها الشريعة تعزف
رأوا في قبور الميتين حياتهم
فقاموا إلى تلك القبور وطوفوا
وباتوا عليها جاثمين كأنهم «على صنم للجاهلية عكف»
فأشرق على تلك النفوس لعلها
ترق إذا أشرقت فيها وتلطف
فأنت بهم كالشمس بالبحر إنها
ترد الأجاج الملح عذبا فيرشف
كثير الأيادي، حاضر الصفح، منصف
كثير الأعادي، غائب الحقد، مسعف
له كل يوم في رضى الله موقف
وفي ساحة الإحسان والبر موقف
تجلى (جمال الدين) في نور وجهه
وأشرق في أثناء برديه (أحنف)
رأيتك في الإفتاء لا تغضب الحجا
كأنك في الإفتاء والعلم (يوسف)
فأنت لها إن قام في الشرق مرجف
وأنت لها إن قام في الغرب مرجف
كملت كمالا لو تناول كفره
لأصبح إيمانا به يتحنف
وقال يهنئه بعودته من سياحته في بلاد الجزائر (نشرت في 6 أكتوبر سنة 1903م)
بكرا صاحبي يوم الإياب
وقفا بي (بعين شمس) قفا بي
إنني والذي يرى ما بنفسي
لمشوق لظل تلك الرحاب
يا أمينا على الحقيقة والإف
تاء والشرع والهدى والكتاب
أنت نعم الإمام في موطن الرأ
ي ونعم الإمام في المحراب
خشع البحر إذ ركبت جواري
ه خشوع القلوب يوم الحساب
وبدا ماؤه كخاطرك المص
قول أوكالفرند أو كالسراب
يتجلى كأنه صحف الأب
رار منشورة بيوم المآب
علمت من تقل فانبعثت لل
قصد مثل انبعاثه للثواب
فهي تسري كأنها دعوة المض
طر في مسبح الدعاء المجاب
وضياء (الإمام) يوضح للرب
ان سبل النجاة فوق العباب
بات يغنيه عن مكافحة البح
ر ورقبى النجوم والأقطاب
وسرى البرق للجزائر بالبش
رى بقرب المطهر الأواب
فسعى أهلها إلى شاطئ البح
ر وفودا بالبشر والترحاب
أدركوا قدر ضيفهم فأقاموا
يرقبون (الإمام) فوق السحاب
ليت مصرا كغيرها تعرف الفض
ل لذي الفضل من ذوي الألباب
إنها لو درت مكانك في المج
د ومرماك في صدور الصعاب
وتفانيك في سبيل (أبي حف
ص) ومسعاك عند دفع المصاب
لأظلتك بالقلوب من الشم
س ووارت عداك تحت التراب
أنت علمتنا الرجوع إلى الح
ق ورد الأمور للأسباب
ثم أشرقت في (المنار) علينا
بين نور الهدى ونور الصواب
فقرأنا على ضيائك فيه
كلمات المهيمن الوهاب
وسكنا إلى الذي أنزل الل
ه وكنا من قبله في ارتياب
أيهذا الإمام أكثرت حسا
دي فباتت نفوسهم في التهاب
أبصروا موقفي فعز عليهم
منك قربي ومن علاك انتسابي
أجمعوا أمرهم عشاء وباتوا
يسمعون الورى طنين الذباب
ونسوا ربهم وقالوا ضمنا
بعده عن رحاب ذاك الجناب
قل لجمع المنافقين ومنهم
خص بالقول عبد أم الحباب
عبد تلك التي يحرمها الل
ه إزاء الأزلام والأنصاب
إن نفس الإمام فوق مناهم
ما تمنوا وإنني غير صابي
شاب فيهم ولاؤهم حين شابوا
وولائي في عنفوان الشباب
وقال فيه عند عودته من بعض أسفاره:
لو ينظمون اللآلي مثل ما نظمت
مذ غبت عنا عيون الفضل والأدب
لأقفر الجيد من در يحيط به
والثغر من لؤلؤ والكأس من حبب
وقال مدافعا عنه أيضا ضد من حمل عليه من أعدائه في الصحف ورسموا له صورا تزري بقدره:
إن صوروك فإنما قد صوروا
تاج الفخار ومطلع الأنوار
أو نقصوك فإنما قد نقصوا
دين النبي محمد المختار
سخروا من الفضل الذي أوتيته
والله يسخر منهم في النار
لا تجزعن فلست أول ماجد
كذبت عليه صحائف الفجار
رسموا بذاتك للنواظر جنة
محفوفة بمكاره الأشعار
وتقولوا عنك القبيح وهكذا
يمنى الكريم بغارة الأشرار
لن يحجبوك عن الورى أو يحجبوا
فلق الصباح ومشرق الأقمار
أو يبلغوا علياك حتى يبلغوا
بين الزواهر صورة الجبار
ما أنت ذياك البغيض فتنثني
متسربلا بالعار فوق العار
لعبوا به في صورة قد أسفرت
عن عزله فأقام جلس الدار (9) تهنئة الخديوي عباس الثاني بعيد الأضحى سنة 1321ه (نشرت في 25 فبراير سنة 1904م)
طف بالأريكة ذات العز والشان
واقض المناسك عن قاص وعن داني
يا عيد ليت الذي أولاك نعمته
بقرب صاحب مصر كان أولاني
صغت القريض فما غادرت لؤلؤة
في تاج (كسرى) ولا في عقد (بوران)
أغريت بالغوص أقلامي فما تركت
في لجة البحر من در ومرجان
شكا (عمان) وضج الغائصون به
على اللآلي وضج الحاسد الشاني
كم رام شأوي فلم يدرك سوى صدف
سامحت فيه لنظام ووزان
عابوا سكوتي ولولاه لما نطقوا
ولا جرت خيلهم شوطا بميدان
واليوم أنشدهم شعرا يعيد لهم
عهد (النواسي) أو أيام (حسان)
أزف فيه إلى (العباس) غانية
عفيفة الخدر من آيات عدنان
من الأوانس خلاها يراع فتى
صافي القريحة صاح غير نشوان
ما ضاق أصغره عن مدح سيده
ولا استعان بمدح الراح والبان
ولا استهل بذكر الغيد مدحته
في موطن بجلال الملك ريان
أغليت بالعدل ملكا أنت حارسه
فأصبحت أرضه تشرى بميزان
جرى بها الخصب حتى أنبتت ذهبا
فليت لي في ثراها نصف فدان
نظرت للنيل فاهتزت جوانبه
وفاض بالخير في سهل ووديان
يجري على قدر في كل منحدر
لم يجف أرضا ولم يعمد لطغيان
كأنه ورجال الري تحرسه
مملك سار في جند وأعوان
قد كان يشكو ضياعا مذ جرى طلقا
حتى أقمت له خزان أسوان
كم من يد لك في القطرين صالحة
فاضت علينا بجود منك هتان
رددت ما سلبت أيدي الزمان لنا
وما تقلص من ظل وسلطان
وما قعدت عن السودان إذ قعدوا
لكن أمرت فلبى الأمر جيشان
هذا من الغرب قد سالت مراكبه
وذا من الشرق قد أوفى بطوفان
ولاك ربك ملكا في رعايته
ومده لك في خصب وعمران
من كردفان إلى مصر إلى جبل
عليه كلمه (موسى بن عمران)
فكن بملكك بناء الرجال ولا
تجعل بناءك إلا كل معوان
وانظر إلى أمة لولاك ما طلبت
حقا ولا شعرت حبا لأوطان
لاذت بسدتك العلياء واعتصمت
وأخلصت لك في سر وإعلان
حسب الأريكة أن الله شرفها
فأصبحت بك تسمو فوق كيوان
تاهت بعهد مليك فوق مفرقه
لملك مصر وللسودان تاجان
هذا هو الملك فليهنئ مملكه
وذا هو الشعر فلتنشده أزماني
وقال أيضا يهنئ سموه بالعام الهجري: (نشرت في 19 مارس سنة 1904)
قصرت عليك العمر وهو قصير
وغالبت فيك الشوق وهو قدير
وأنشأت في صدري لحسنك دولة
لها الحب جند والولاء سفير
فؤادي لها عرش وأنت مليكه
ودونك من تلك الضلوع ستور
وما انتقضت يوما عليك جوانحي
ولا حل في قلبي سواك أمير
كتمت فقالوا: شاعر ينكر الهوى
وهل غير صدري بالغرام خبير
ولو شئت أذهلت النجوم عن السرى
وعطلت أفلاكا بهن تدور
وأشعلت جلد الليل مني بزفرة
غرامية منها الشرار يطير
ولكنني أخفيت ما بي وإنما
لكل غرام عاذل وعذير
أرى الحب ذلا والشكاية ذلة
وإني بستر الذلتين، جدير
ولي في الهوى شعران: شعر أذيعه
وآخر في طي الفؤاد ستير
ولولا لجاج الحاسدين لما بدا
لمكنون سري في الغرام ضمير
ولا شرعت هذا اليراع أناملي
لشكوى ولكن اللجاج يشير
على أنني لا أركب اليأس مركبا
ولا أكبر البأساء حين تغير
فكم حاد عني الحين والسيف مصلت
وهان علي الأمر وهو عسير
وكم لمحة في غفلة الدهر نفست
هموما لها بين الضلوع سعير
فقد يشتفي الصب السقيم بزورة
وينجو بلفظ عاثر وأسير
عسى ذلك العام الجديد يسرني
ببشرى وهل للبائسين بشير؟
وينظر لي رب الأريكة نظرة
بها ينجلي ليل الأسى وينير
مليك إذا غنى اليراع بمدحه
سرت بالمعالي هزة وسرور
أمولاي إن الشرق قد لاح نجمه
وآن له بعد الممات نشور
تفاءل خيرا إذ رآك مملكا
وفوقك من نور المهيمن نور
مضى زمن والغرب يسطو بحوله
علي ومالي في الأنام ظهير
إلى أن أتاح الله للصقر نهضة
ففلت غرار الخطب وهو طرير
جرت أمة اليابان شوطا إلى العلا
ومصر على آثارها ستسير
ولا يمنع المصري إدراك شأوها
وأنت لطلاب العلاء نصير
فقف موقف (الفاروق) وانظر لأمة
إليك بحبات القلوب تشير
ولا تستشر غير العزيمة في العلا
فليس سواها ناصح ومشير
فعرشك محروس وربك حارس
وأنت على ملك القلوب أمير (10) تهنئة إلى رفعت بك بوكالته لمصلحة السجون
أهنيك أم أشكو فراقك قائلا
أيا ليتني كنت السجين المصفدا
فلو كنت في عهد (ابن يعقوب) لم يقل
لصاحبه: اذكرني ولا تنسني غدا (11) مدحة كتب بها إلى محمد بك هلال
هجعت يا طير ولم أهجع
ما أنت إلا عاشق مدعي
لو كنت ممن يعرفون الجوى
قضيت هذا الليل سهدا معي
يا من تحاميتم سبيل الهوى
أعيذكم من قلق المضجع
وحسرة في النفس لو قسمت
على ذوات الطوق لم تسجع
ويا بني الشوق وأهل الأسى
ومن قضوا في هذه الأربع
عليكم من واجد مغرم
تحية الموجع للموجع
لله ما أقسى فؤاد الدجى
على فؤاد العاشق المولع
هذا غليظ لم يرضه الهوى
ما بين جنبي أسود أسفع
وذاك في جنبي فتى مدنف
على سوى الرقة لم يطبع
وأغيد أسكنته في الحشا
وقلت: يا نفس به فاقنعي
نفاره أسرع من خاطري
وصده أقرب من مدمعي
وخده لا تنطفي ناره
كأنما يقبس من أضلعي
تساءلت عني نجوم الدجى
لما رأتني داني المصرع
قالت: نرى في الأرض ذا لوعة
قد بات بين اليأس والمطمع
يئن كالمفئود أو كالذي
أصابه سهم ولم ينزع
إن كان في بدر الدجى هائما
أما لهذا البدر من مطلع؟
أو كان في ظبي الحمى مغرما
أما لهذا الظبي من مرتع؟
هيهات يا أنجم أن تعلمي
مثير أشجاني أو تطمعي
إني لضنان بذكر اسمه
ضني بود الكاتب الألمعي
الضارب الجزية منذ انتشى
على يراع الشاعر المبدع
والحامل الأقلام مشروعة
كأنها بعض القنا الشرع
إذا دعا القول أتى طائعا
وإن دعاه العي لم يسمع
صحبته دهرا فألفيته
فتى كريم الأصل والمنزع
مودة كالخمر إن عتقت
جادت وفضل باسم المشرع
وعزمة لو قسمت في الورى
باتوا من الشعرى على مسمع (12) تهنئة (علي حيدر بك) بعيد الأضحى
وكان مديرا لبني سويف إذ ذاك
لله عيد كبير
يزهو بنور جبينك
لم تقتبله
إلا للثم يمينك (13) تهنئة سليمان أباظة باشا بإبلاله من مرض ألم به، وبعرس نجله (علي بك)
تراءى لك الإقبال حتى شهدناه
ودان لك المقدار حتى أمناه (سليمان) ذكرت الزمان وأهله
بعز (سليمان) وإقبال دنياه
إذا سرت يوما حذر النمل بعضه
مخافة جيش من مواليك يغشاه
وإن كنت في روض تغنت طيوره
وصاحت على الأفنان: يحرسك الله
وكان (ابن داود) له الريح خادم
وتخدمك الأيام والسعد والجاه
تحل بحيث المجد ألقى رحاله «فطاهرة» والبيت والقدس أشباه
لبست الشفا ثوبا جديدا مباركا
فألبستنا ثوبا من العز نرضاه
وكان عليك الدهر يخفق قلبه
فلما شفاك الله أهدأت أحشاه
وهنا جديداه الزمان وأصبحت
تسوق لنا الأيام ما نتمناه
وبات بنوك الغر ما بين رافل
بحلة يمن أو شكور لمولاه (سليمان) دم ما دامت الشهب في الدجى
وما دام يسري ذلك البدر مسراه
وكن (لعلي) بهجة العرس إنه
بعزك في الأفراح تمت مزاياه
ولا تنس من أمسى يقلب طرفه
فلم تر إلا أنت في الناس عيناه (14) فكتور هوغو (نشرت سنة 1907م)
أعجمي كاد يعلو نجمه
في سماء الشعر نجم العربي
صافح العلياء فيها والتقى «بالمعري» فوق هام الشهب
ما ثغور الزهر في أكمامها
ضاحكات من بكاء السحب
نظم الوسمي فيها لؤلؤا
كثنايا الغيد أو كالحبب
عند من يقضي بأبهى منظرا
من معانيه التي تلعب بي
بسمت للذهن فاستهوت نهى
مغرم الفضل وصب الأدب
وجلتها حكمة بالغة
أعجزت أطواق أهل المغرب
سائلوا الطير إذا ما هاجكم
شدوها بين الهوى والطرب
هل تغنت أو أرنت بسوى (شعر هوغو ) بعد عهد العرب
كان مر النفس أو ترضى العلا
تظمأ الأفلاك إن لم يشرب
عاف في منفاه أن يدنو به
عفو ذاك القاهر المغتصب
بشروه بالتداني ونسوا
أنه ذاك العصامي الأبي
كتب المنفي سطرا للذي
جاءه بالعفو فاقرأ وأعجب
أبريء عنه يعفو مذنب؟
كيف تسدي العفو كف المذنب؟
جاء والأحلام في أصفادها
ما لها في سجنها من مذهب
طبع الظلم على أقفالها
بلظاه خاتما من رهب
أمعن التقليد فيها فغدت
لا ترى إلا بعين الكتب
أمر التقليد فيها ونهى
بجيوش من ظلام الحجب
جاءها (هوجو) بعزم دونه
عزة التاج وزهو الموكب
وانبرى يصدع من أغلالها
باليراع الحر لا بالقضب
هاله ألا يراها حرة
تمتطي في البحث متن الكوكب
ساءه ألا يرى في قومه
سيرة الإسلام في عهد النبي
قلت عن نفسك قولا صادقا
لم تشبه شائبات الكذب:
أنا كالمنجم تبر وثرى
فاطرحوا تربي وصونوا ذهبي (15) تهنئة سمو الخديوي عباس الثاني بعيد الأضحى (1325ه-1908م)
سكن الظللام وبات قلبك يخفق
وسطا على جنبيك هم مقلق
حار الفراش وحرت فيه فأنتما
تحت الظلام معذب ومؤرق
درج الزمان وأنت مفتون المنى
ومضى الشباب وأنت ساه مطرق
عجبا يلذ لك السكوت مع لهوى
وسواك يبعثه الغرام فينطق
خلق الغرام لأصغريك وطالما
ظنوا الظنون بأصغريك وأغرقوا
ورموك بالسلوى ولو شهدوا الذي
تطويه في تلك الضلوع لأشفقوا
أخفيت أسرار الفؤاد وإنما
سر الفؤاد من النواظر يسرق
نفس بربك عن فؤادك كربه
وارحم حشاك فإنها تتمزق
واذكر لنا عهد الذين بنأيهم
جمعوا عليك همومهم وتفرقوا
ما للقوافي أنكرتك ولم تكن
لكسادها في غير سوقك تنفق
ما للبيان بغير بابك واقفا
يبكي ويعجله البكاء فيشرق
إني كهمك في الصبابة لم أزل
ألهو وأرتجل القريض وأعشق
نفسي برغم الحادثات فتية
عودي على رغم الكوارث مورق
إن الذي أغرى السهاد بمقلتي
متعنت قلبي به متعلق
واثقته ألا أبوح وإنما
يوم الحساب يحل ذاك الموثق
وشقيت منه بقربه وبعاده
وأخو الشقاء إلى الشقاء موفق
صاحبت أسباب الرضا لركوبه
متن الخلاف لما به أتخلق
وصبرت منه على الذي يعيا به
حلم الحليم ويتقيه الأحمق
أصبحت كالدهري أعبد شعره
وجبينه وأنا الشريف المعرق
وغدوت أنظم من ثنايا ثغره
دررا أقلدها المها وأطوق (صبري) استثرت دفائني وهززتني
وأريتني الإبداع كيف ينسق
فأبحت لي شكوى الهوى وسبقتني
في مدح (عباس) ومثلك يسبق
قال الرئيس فما لقول بعده
باع تطول ولا لمدح رونق (شوقي) نسبت فما ملكت مدامعي
من أن يسيل بها النسيب الشيق
أعجزت أطواق الأنام بمدحة
سجد البيان لربها والمنطق
لم تتركا لي في المدائح فضلة
يجري بها قلمي الضعيف ويلحق
نفسي على شوق لمدح أميرها
ويراعتي بين الأنامل أشوق
ماذا أقول وأنتما في مدحه
بحران بات كلاهما يتدفق
العجز أقعدني وإن عزائمي
لولاكما فوق السماك تحلق
فليهنئ العباس أن بكفه
علمين هزهما الولاء المطلق
وليبق ذخرا للبلاد وأهلها
يعفو ويرحم من يشاء ويعتق (عباس) والعيد الكبير كلاهما
متألق بإزائه متألق
هذا له تجري الدماء وذا له
تجري القرائح بالمديح وتعنق
صدق الذي قد قال فيه وحسبه
أن الزمان لما يقول مصدق: (لك مصر ماضيها وحاضرها معا
ولك الغد المتحتم المتحقق) (16) تهنئة السلطان عبد الحميد بعيد جلوسه (نشرت في أول سبتمبر سنة 1908م)
أثنى الحجيج عليك والحرمان
وأجل عيد جلوسك الثقلان
أرضيت ربك إذ جعلت طريقه
أمنا وفزت بنعمة الرضوان
وجمعت بالدستور حولك أمة
شتى المذاهب جمة الأضغان
فغدوت تسكن في القلوب وترتعي
حباتها وتحل في الوجدان
راعيتهم حتى علمت بأنهم
بلغوا أشدهم على الأزمان
فجعلت أمر الناس شورى بينهم
وأقمت شرع الواحد الديان
لو أنهم وزنوا الجيوش بمشهد
رجحت بجيشك كفة الميزان
لو شاء زلزلها على أعدائه
أو شاء أذهلها عن الدوران
يمشون في خلق الحديد إلى العدا
وكأنهم سد من الإنسان
وكأن مقدمهم إذا لمع الضحى
سيل من الهندي والمران
يتواقعون على الردى وصفوفهم
رغم الوثوب كثابت البنيان
فإذا المدافع في النزال تجاوبت
بزئيرها وتلاحم الجيشان
وإذا القنابل دمدمت وتفجرت
تحت الغبار تفجر البركان
وإذا البنادق أرسلت نيرانها
طلقا وأسباب الهلاك دواني
أبصرت جنا في مسالخ فتية
وشهدت أفئدة من الصوان
مرهم يخوضوا الزاخرات وينسفوا
شم الجبال بقوة الإيمان
ثلجت صدورهم وقر قرارهم
لما حلفت بأوثق الأيمان
تالله ما شكوا بصدقك دونها
هم يعرفون شمائل السلطان
لكنهم درجوا على سنن به
لوقاية الدستور خير ضمان
يأيها الشعب الكريم تماسكوا
وخذوا أموركم بغير تواني
مالي أذكركم وتلك ربوعكم
مرعى النهى ومنابت الشجعان
أدركتم الدستور غير ملوث
بدم ولا متلطخا بهوان
وفعلتم فعل الرجال وكنتم
يوم الفخار كأمة اليابان
فتفيئوا ظل الهلال فإنه
جم المبرة واسع الإحسان
يرعى لموسى والمسيح وأحمد
حق الولاء وحرمة الأديان
فخذوا المواثق والعهود على هدى الت
وراة والإنجيل والفرقان
وتذوقوا معنى الحياة فإنها
في مصر ألفاظ بغير معاني
ودعوا التقاطع في المذاهب بينكم
إن التقاطع آية الخذلان
وتسابقوا للباقيات وأظهروا
للعالمين دفائن الأذهان
ولى زمان المعتدين كما انطوت
حيل الشيوخ وإمرة الخصيان
لا الشك يذهب باليقين ولا الرؤى
تجدي المسيء ولا رقى الشيطان
وضع الكتاب وسيق جمعهم إلى
يوم الحساب وموقف الإذعان
وتوسموهم في القيود فقائل
هذا فلان قد وشى بفلان
وملبب لغريمه ومطالب
بدم أريق بمسبح الحيتان
قد جاء يومهم هنا، وأمامهم
بعد النشور هناك يوم ثاني
سبحان من دان القضاء بأمره
ليد الضعيف من القوي الجاني
يا يوم عاد النازحون لأرضهم
يتسابقون لرؤية الأوطان
لله كم أطفأت من نار ذكت
دهرا وكم هدأت من أشجان
هذا يطير إلى (فروق) ومن بها
شوقا وذاك إلى ربى لبنان
خلعوا الشباب على البشير وأخلقوا
باللثم عهد خليفة الرحمن
وتعانقوا بعد النوى كخمائل
يحلو بهن تعانق الأغصان
فترى النساء مع الرجال سوافرا
لا يتقين عوادي الأجفان
عجبا لهن وقد خلقن أوانسا
يبرزن في فرح وفي أحزان
أهلا بحاسرة اللثام ومن إذا
سفرت عنا لجمالها القمران
خطرت فعطرت المشارق عندما
هبت نسائمها من البلقان
يا ليتها خطرت بمصر وأشرقت
في يوم أسعدها على طهران
أضناهما شوق قد ابيضت له
كبداهما وتصدع القلبان
عرف الورى ميقاتها فترقبوا (تموز) مثل ترقب الظمآن
شهر به بعث الرجاء وأنشرت
أمم وبدل خوفها بأمان
فله على الدنيا الجديدة نعمة
يشدو بذكر صنيعها الفتيان
وعلى فرنسيس الحضارة منة
تتلى أناشيد لها وأغاني
تموز أنت أبو الشهور جلالة
تموز، أنت منى الأسير العاني
هلا جعلت لنا نصيبا علنا
نجري مع الأحياء في ميدان
أيعود منك الآملون بما رجوا
ونعود نحن بذلك الحرمان
تموز، إن بنا إليك لحاجة
فمتى الأوان وأنت خير أوان
مني على دار السلام تحية
وعلى الخليفة من بني عثمان
وعلى رجال الجيش من ماش به
أو راكب أو نازح أو داني
وعلى الألى سكنوا إلى الحسنى سوى
ذاك الذي يدعو إلى العصيان
وإلى الحجاز الخارجي وما به
إلا اقتناص الأصفر الرنان
ما للشريف المنتمي حسبا إلى
خير البرية من بني عدنان
أمسى يمالئه وينصر غيه
وضلاله بحثالة العربان
تالله لو جندتما رمل النقا
ونزلتما بمواطن العقبان
وغرستما أرض الحجاز أسنة
وأسلتما بحرا من النيران
وأقمتما فيها المعاقل منعة
من أرض نجد إلى خليج عمان
لدهاكما ورماكما وذراكما
ماحي الحصون وماسح البلدان
إن تأتيا طوعا وإلا فأتيا
كرها بلا حول ولا سلطان
وإليك يا فرع الخلائف مدحة
عزت شواردها على (حسان)
من شاعر تثب النهى لقريضه
وثب النفوس لرنة العيدان
يهدي المديح إلى المليك سبائكا
تعنو لهن سبائك العقيان
إن الملوك إذا استوت ألبستها
بالمدح تيجانا على تيجان (17) إلى أحمد شوقي بك
يهنئه حين أنعم عليه بالرتبة الأولى العلمية
إن هنأوك بها فلست مهنئا
إني عهدتك قبلها محسودا
قد كان قدرك لا يحد نباهة
وسعادة فغدا بها محدودا (18) تهنئة الخديوي عباس الثاني بقدومه من الحج (1327ه-1909م)
منى نلتها يا لابس المجد معلما
أدينا ودنيا؟ زادك الله أنعما
فلله ما أبهاك في مصر حاليا
ولله ما أتقاك في البيت محرما
أقول وقد شاهدت ركبك مشرقا
وقد يمم البيت العتيق المحرما:
مشت كعبة الدنيا إلى كعبة الهدى
يفيض جلال الملك والدين منهما
فيا ليتني اسطعت السبيل وليتني
بلغت منى الدارين رحبا ومغنما
وفي الركب شمس أنجبت أنجب الورى
فتى الشرق مولانا الأمير المعظما
تسير إلى شمس الهدى في حفاوة
من العز تحدوها الزواهر أينما
فلم أر أفقا قبل ركبك أطلعت
جوانبه بدرا وشمسا وأنجما
ولو أنني خيرت لاخترت أن أرى
لعيسك وحدي حاديا مترنما
أسير خلال الركب نحو حظيرة
على ربها صلى الإله وسلما
إلى خير خلق الله من جاء ناطقا
بآياته إنجيل عيسى بن مريما
حللت بأكناف الجزيرة عابرا
فأنضرت واديها وكنت لها سما
وأشرقت في بطحاء مكة زائرا
فبات عليك النيل يحسد زمزما
وما ظفرت من بعد (هارون) أرضها
بمثلك ميمون النقيبة منعما
ولا أبصر الحجاج من بعد شخصه
على عرفات مثل شخصك محرما
رميت فسددت الجمار فلم تكن
جمارا على إبليس بل كن أسهما
وإن الذي ترميه وقف على الردى
وإن لاذ بالأفلاك يا خير من رمى
وبين الصفا والمروة ازددت عزة
بسعيك يا (عباس) لله مسلما
تهرول للمولى الكريم معظما
وكم هرول الساعي إليك وعظما
وطفت وكم طافت بسدتك المنى
وكم أمسك الراجي بها وتحرما
ولما استلمت الركن هاجت شجونه
فلو أنه اسطاع الكلام تكلما
تذكر (زين العابدين) وجده
وما كان من قول (الفرزدق) فيهما
فلو يستطيع الركن أمسك راحة
مسحت بها يا أكرم الناس منتمى
دعوت لنا حيث الدعاء إجابة
وأنت بدعوى الله أطهرنا فما
أمانيك الكبرى وهمك أن ترى
بأرجاء وادي النيل شعبا منعما
وأن تبني المجد الذي مال ركنه
وأن ترهف السيف الذي قد تثلما
دعوت لمصر أن تسود وكم دعت
لك الله مصر أن تعيش وتسلما
فليت ملوك المسلمين تشبهوا
بملك إذا ما أحجم الدهر أقدما
سليل ملوك يشهد الله أنهم
أقاموا عمود الدين لما تهدما
لئن بات بالمجد المؤثل مغرما
لقد كان (إبراهيم) بالمجد مغرما
وإن تام حب المكرمات فؤاده
لقد كان (إسماعيل) فيها متيما
وإن سكنت تقوى المهيمن قلبه
فقد كان منها قلب (توفيق) مفعما
وإن بات نهاضا بمصر إلى الذرا
فمن جده الأعلى (علي) تعلما
حوى ما حوى من مجدهم ونجارهم
وزاد فأعيا المادحين وأفحما
دعوا بك واستسقوا فلبى دعاءهم
من الأفق هتان من المزن قد همى
ألح على أوعارهم وسهولهم
وحيا عبوس القفر حتى تبسما
ولما طوى بطحاء مكة هزه
إلى البيت شوق المستهام فيمما
أطاف به ثم انثنى عن فنائه
ولو عب منه (السامري) لأسلما
طلعت عليهم أسعد الخلق مطلعا
وعدت إلينا أيمن الخلق مقدما
رجعت وقد داويت بالجود فقرهم
وكنت لهم في موسم الحج موسما
وأمنت للبيت الحرام طريقه
وكان طريق البيت من قبلها دما
ويسرته حتى استطاع ركوبه
أخو الفقر لا يطويه جوع ولا ظما
وجدت وجادت ربة الطهر والتقى
على العام حتى أخصب العام منكما
فلم تبقيا فوق الجزيرة بائسا
ولم تتركا في ساحة البيت معدما
فأرضيتما الديان والدين كله
لقد رضي الديان والدين عنكما (19) تحية محمد سعيد باشا
بمناسبة عودته من أوربا في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة 1330ه وكان رئيسا للحكومة إذ ذاك
فيك السعيدان اللذان تباريا
يا مصر في الخيرات والبركات
نيل يفيض على سهولك رحمة
وفتى يقيك غوائل العثرات
عاد الرئيس فرحبي بقدومه
وتهللي بمفرج الأزمات (20) إلى أمين واصف بك (نشرا في 9 مايو سنة 1912م)
قال هذين البيتين ليكتبا في لوحة مهداة إليه من مدرسة طوخ الصناعية؛ إذ كان مديرا للقليوبية
لم نجد ما يفي بقدرك في المج
د فيهدى إلى حماك الكريم
فبعثنا إليك باسمك مكتو
با على صفحة الولاء المقيم •••
وقال يودعه: أنشدها في حفل أقامه كبار موظفي مديرية القليوبية؛ إذ كان مديرا لمديريتهم ونقل. (نشرت في 9 مايو سنة 1912م)
إني دعيت إلى احتفالك فجأة
فأجبت رغم شواغلي وسقامي
ودعوت شعري يا (أمين) فخانني
أدبي ولم يرع القريض ذمامي
فأتيت صفر الكف لم أملك سوى
أملي بصفحك عن قصور كلامي
واخجلتي أيكون هذا موقفي
في حفلة التوديع والإكرام
وأنا الخليق بأن أرتل للورى
آيات هذا المصلح المقدام
وأقوم عن نفسي وعن غيري بما
يقضي الولاء وواجب الإعظام (بنها)، لقد وفيت قسطك من منى
وسعادة ورعاية ونظام
فدعي سواك يفز بقرب موفق
هو في الحكومة نخبة الحكام
لبس التواضع حلة ومشى إلى
رتب الجلال مسدد الأقدام
وغدا بأبراج العلا متنقلا
كالبدر يسعده السرى بتمام (21) تهنئة محمود سامي بك (باشا) (نشرت في 12 يوليه سنة 1912م)
قالها في حفل أقيم لتكريمه بفندق الكونتننتال لمناسبة ترقيته إلى منصب كبير في نظارة الأشغال
رباك والدك الكريم على التقى
وعلى النزاهة والضمير الطاهر
فنشأت بين رعاية وعناية
ودرجت بين محامد ومفاخر
وسموت يا (سامي) إلى أوج العلا
وبرعت قومك بالذكاء النادر
ربى أبوك عقولنا ونفوسنا
فاهنأ بوالدك (الأمين) وفاخر
واهنأ بما أوتيته من نعمة
في عهد مولانا الأمير الزاهر
يا مالئ الكرسي منه مهابة
وكفاية يا ملء عين الناظر
إن التي قلدتها في حاجة
لعزيمة تمضي ورأي باتر
فأفض ضياءك في النظارة كلها
واقبض على الأعمال قبض القادر
واخدم بلادك بالذي أوتيته
من فطنة وأقل عثار العاثر
هنأت مصر ونيلها ورجالها
لما رأيتك في ثياب الآمر
ورأيت في الديوان قدرك عاليا
والناس تهتف بالثناء العاطر
ما بين معترف بفضلك معلن
أو ضارع لك بالدعاء وشاكر
أمهندس النيل السعيد تحية
من مصر تحدوها تحية شاعر
يدعو إلهك أن يكثر بيننا
أمثال (سامي) في الزمان الحاضر (22) إلى الدكتور علي إبراهيم بك (باشا) الجراح المعروف (نشرت في 15 سبتمبر سنة 1912م)
هل رأيتم موفقا (كعلي)
في الأطباء يستحق الثناء
أودع الله صدره حكمة العل
م وأجرى على يديه الشفاء
كم نفوس قد سلها من يد المو
ت بلطف منه وكم سل داء
فأرانا (لقمان) في مصر حيا
وحبانا لكل داء دواء
حفظ الله مبضعا في يديه
قد أمات الأسى وأحيا الرجاء (23) تحية خليل مطران بك
أنشدها في حفل أقيم بدار الجامعة المصرية لتكريمه بمناسبة الإنعام عليه بالنيشان المجيدي يوم 24 أبريل سنة 1913م
جاز بي عرفها فهاج الغراما
ودعاني فزرتها إلماما
جنة تبعث الحياة وتجلو
صدأ النفس رونقا ونظاما
زرتها موهنا وفي طي نفسي
ذلة الصب وانكسار اليتامى
وتنقلت في خمائلها الخض
ر يمينا ويسرة وأماما
فإذا روضتان في ذلك الرو
ض تمسيان تحت ريح الخزامى
جاءتا تخطران والنجم ساه
وعيون الأزهار تبغي المناما
جازتا موضعي فهب نسيم
أذكى مني الأسى وهاج الهياما
فترسمت منهما أثر الخط
و وخافت في المسير احتشاما
وتسمعت علني أطفئ الشو
ق وأروي من الفؤاد الأواما
فإذا لهجتان من لهجات الش
رق قد شاقتا فؤادي فهاما
تلك سورية تفيض بيانا
تلك مصرية تسيل انسجاما
فطنة عند رقة عند ظرف
عند رأي تخاله إلهاما
مالتا نحو دوحة ترسل الأغ
صان واختارتا لديها مقاما
ثم ألقت قناعها بنت مصر
وأماطت بنت الشآم اللثاما
فتوهمت أن قد انفلق البد
ر وقد كنت أنكر الأوهاما
فتواريت ثم علقت أنفا
سي ما اسطعت وارتديت الظلاما
ظنتا ذلك المكان خلاء
لا رقيبا يخشى ولا نماما
فجرى فيه ما جرى من حديث
كان بردا على الحشا وسلاما
حين قالت لأختها بنت مصر:
إنكم أمة أبت أن تضاما
صدق الشاعر الذي قال فيكم
كلمات نبهن منا النياما:
ركبوا البحر جاوزوا القطب فاتوا
موقع النيرين خاضوا الظلاما
يمتطون الخطوب في طلب العي
ش ويبرون للنضال السهاما
فانبرت ظبية الشام وقالت:
بعض هذا فقد رفعت الشآما
أنتم الأسبقون في كل مرمى
قد بلغتم من كل شيء مراما
إنما الشام والكنانة صنوا
ن رغم الخطوب عاشا لزاما
أمكم أمنا وقد أرضعتنا
من هواها ونحن نأبى الفطاما
قد نزلنا جواركم فحمدنا
منكم الود والندى والذماما
وحللنا في أرضكم فأصبنا
منزلا مخصبا وأهلا كراما
وغشينا دياركم حيث شئنا
فلقينا طلاقة وابتساما
وشربنا من نيلكم فنسينا
ماء لبنان سلسلا والغماما
وقبسنا من نوركم فكتبنا
وأجدنا نثارنا والنظاما
وتلونا آيات شوقي وصبري
فرأينا ما يبهر الأفهاما
ملأ الشرق حكمة وأقاما
فرأينا ما يبهر الأفهاما
ملآ الشرق حكمة وأقاما
في ثنايا النفوس أنى أقاما
غنيا المشرقين ما ترك الأف
لاك حيرى وأذهل الأجراما
وأعادا عهد الرشيد لعبا
س فكانا يراعه والحساما
فأشارت فتاة مصر وقالت:
قدك، لم تتركي لمصر كلاما
أنتم الناس قدرة ومضاء
ونهوضا إلى العلا واعتزاما
أطلعت أرضكم على كل أفق
أنجما إثر أنجم تترامى
تركب الهول لا تفادى وتمشي
فوق هام الصعاب لا تتحامى
قد سمعنا «خليلكم» فسمعنا
شاعرا أقعد النهى وأقاما
وطمعنا في شأوه فقعدنا
وكسرنا من عجزنا الأقلاما
نظم الشام والعراق ومصرا
سلك آياته فكان الإماما
فمشى النثر خاضعا ومشى الش
شعر وألقى إلى الخليل الزماما
ورأى فيه رأينا صاحب الني
ل فأهدى إليه ذاك الوساما
شارة زانت القريض فكانت
شارة النصر زانت الأعلاما
فعقدنا له اللواء علينا
واحتفلنا نزيده إكراما
ذاك ما دار من حديث شهي
يستفز النهى ويشجي الندامى
قد تسقطته وخالفت فيه
من يرى النقل سبة واجتراما
فمن النقل ما يكون حلالا
ومن النقل ما يكون حراما
صدق الغادتان يا ليت قومي
نا كما قالتا هوى والتئاما
نحن في حاجة إلى كل ما ين
مي قوانا ويربط الأرحاما
فاجعلوا حفلة الخليل صفاء
بين مصر وأختها وسلاما
واسألوا الله أن يديم علينا
ملك «عباس» ناضرا بساما
هو آمالنا وحامي حمانا
أيد الله ملكه وأداما (24) تهنئة له أيضا للإنعام عليه بالوسام السابق ذكره (نشرت في أول أبريل سنة 1913م)
وسع الفضل كله صدرك الرح
ب فمن شاء فليهنئ وسامه
لم يزدك الوسام قدرا ولكن
زاد قدر العلا وقدر الكرامه
كم وسام كم حلية كم شعار
فيك كم شارة وكم من علامه
لإباء وحكمة وإخاء
وصفاء وهمة وشهامه (25) تحية إلى واصف غالي بك (باشا)
أنشدها في فندق شبرد في 4 يونية سنة 1914 عندما نشر كتابه المعروف «بحديقة الأزهار» الذي ترجم فيه بعض الشعر العربي القديم إلى اللغة الفرنسية، وكان يلقي محاضرات وخطبا في فرنسا ينوه فيها بالعرب ومصر والشرق.
يا صاحب الروضة الغناء هجت بنا
ذكرى الأوائل من أهل وجيران
نشرت فضل كرام في مضاجعهم
جر الزمان عليهم ذيل نسيان
إني أحييك عنهم في جزيرتهم
وفي العراق وفي مصر ولبنان
جلوت للغرب حسن الشرق في حلل
لا يستهان بها نساج (هرناني)
ظنوك منهم وقد أنشأت تخطبهم
بما عنا لك من سح وتبيان
ما زلت تبهرنا طورا وتبهرهم
حتى ادعاك وحياك الفريقان
لولا اسمرارك فازوا في ادعائهم (بواصف) وخسرنا أي خسران
غرست من زهرات الشرق طائفة
في أرض (هيجو) فجاءت طرفة الجاني
حديقة لك لم نعهد لها شبها
بين الحدائق في زهر وأفنان
يحيي شذاها نفوس الوافدين وما
مروا بورد ولا طافوا بريحان
لكنها من أزاهير النهى جمعت
ما لا تنافحه أزهار بستان
بالأمس كان لها شرق تضوع به
واليوم صار لها بالغرب شرقان
أسمعتهم من نسيب القوم فانطلقت
شئون كل شجي القلب ولهان
وزدتهم من كلام (البحتري) قطعا
مثل الرياض كستها كف (نيسان)
سل (ألفريد) و(لامرتين) هل جريا
مع (الوليد) أو (الطائي) بميدان
وهل هما في سماء الشعر قد بلغا
شأو (النواسي) في صوغ وإتقان
ودا وقد شهدا بالحق أنهما
في بيت (أحمد) لو يرضى نديمان
أمسى كتابك «كالسيما» يعيد لهم
مرأى الحوادث مرت منذ أزمان
قد شاهدا فيه تحت النقع عنترة
يصارع الموت عن عبس وذبيان
وشاهدوا أسدا يمشي إلى أسد
كلاهما غير هياب ولا واني
هذا من العرب لا يلوي به فزع
وذاك أروع من آساد خفان
لله در يراع أنت حامله
لو كان في أنملي يوما لأغناني
وقفت تدفع عن آدابنا تهما
كادت تقوض منها كل بنيان
فكنت أول مصري أقام لهم
على نبالة مصر ألف برهان
ما زلت تلقي على أسماعهم حججا
في كل ناد وتأتيهم بسلطان
حتى انثنيت وما للعرب مجترئ
على البناء ولا زار على الباني
محوت ما كتبوا عنا بقاطعة
من البراهين فلت قول (رينان)
أنحى على الأدب الشرقي مفتريا
عليه ما شاء من زور وبهتان
ظن الحقيقة في الأشعار تنقصنا
واللفظ والقصد والتصوير في آن
وأننا لم نصل فيها إلى مئة
عدا وذاك لعي أو لنقصان
ولو رأى (ابن جريح) في قصائده
لقال آمنت في سري وإعلاني
مالي أفاخر بالموتى وبين يدي
من شعر أحيائنا ما ليس بالفاني
في شعر (شوقي) و(صبري) ما نتيه به
على نوابغهم دع شعر (مطران)
بوركت يا بن الوزير الحر من رجل
لم يختلف فيه أو في فضله اثنان
بلغ إذا جئت (باريزا) أفاضلها
عنا التحيات واشفعها بشكران
وخص كاتبهم (زولا) بأطيبها
كيما يقابل إحسان بإحسان
واجعل لسفرك ذيلا في شواعرنا
وقف لهن هناك الموقف الثاني
وانثر على الغرب من تلك الحلى وأشد
بكل حسانة فينا وحسان
وعد إلى الشرق عود الفاتحين له
وخذ مكانك فيه فوق (كيوان)
واشكر رعاية عباس ومنته
واشرح ولاءك يا (غالي) (لعثمان)
واضرع إلى الله أن يرعى أريكتنا
مرفوعة الشان ما مر الجديدان (26) تهنئة المغفور له السلطان حسين كامل بالسلطنة (نشرت في أول يناير سنة 1915م)
هنيئا أيها الملك الأجل
لك العرش الجديد وما يظل
تسنم عرش (إسماعيل) رحبا
فأنت لصولجان الملك أهل
وحسنه بإحسان وعدل
فحصن الملك إحسان وعدل
وجدد سيرة العمرين فينا
فإنك بيننا لله ظل
لقد عز السرير وتاه لما
تبوأه المليك المستقل
وهش التاج حين علا جبينا
عليه مهابة وعليه نبل
تمنى لو يقر على أبي
تذل له الخطوب ولا يذل
وقد نال المرام وطاب نفسا
فها هو ذا بلابسه يدل
وما كنت الغريب عن المعالي
ولا التاج الذي بك بات يعلو
وإنك منذ كنت ولا أغالي
حسام للأريكة لا يفل
فكم نهنهت من غرب العوادي
وكم لك في ربوع النيل فضل
وما من مجمع للخير إلا
ومن كفيك سح عليه وبل
فقد عرف الفقير نداك قدما
وقد عرف الكبير علاك قبل
لك العرشان: هذا عرش مصر،
وهذا في القلوب له محل
فألف ذات بينهما برأي
وعزم لا يكل ولا يمل
فعرش لا تحف به قلوب
تحف به الخطوب ويضمحل (أبا الفلاح) كم لك من أياد
على ما فيك من كرم تدل
وآلاء وإن أطنبت فيها
وفي أوصافها فأنا المقل
عنيت بحالة الفلاح حتى
تهيب أن يزور الأرض محل
وكيف يزور أرضا سرت فيها
وأنت الغيث لم يمسكه بخل
وكم أحييت من أرض موات
فأضحت تستراد وتستغل
وأخصب أهلها من بعد جدب
وفاض عليهم رغد ونفل
وكم أسعفت في مصر جريحا
عليه الموت من كثب يطل
وكنت لكل مسكين وقاء
وأهلا حين لم تنفعه أهل
وكنت فتى بعهد أبيك ندبا
له رأي يسدده وفعل
لكل عظيمة تدعى فتبلي
بلاء مجرب يحدوه عقل
توليت الأمور فتى وكهلا
فلم يبلغ مداك فتى وكهل
وجربت الحوادث من قديم
ومثلك من يجربها ويبلو
وكنت لمجلس الشورى حياة
ونبراسا إذا ما القوم ضلوا
فلم يلمم بساحته جحود
ولم يجلس به عضو أشل
وما غادرته حتى أفاقوا
ومن أمراض عيشهم أبلوا
فعش للنيل سلطانا أبيا
له في ملكه عقد وحل
ووال القوم إنهم كرام
ميامين النقيبة أين حلوا
لهم ملك على التاميز أضحت
ذراه على المعالي تستهل
وليس كقومهم في الغرب قوم
من الأخلاق قد نهلوا وعلوا
فإن صادقتهم صدقوك ودا
وليس لهم إذا فتشت مثل
وإن شاورتهم والأمر جد
ظفرت لهم برأي لا يزل
وإن ناديتهم لباك منهم
أساطيل وأسياف تسل
فماددهم حبال الود وانهض
بنا فقيادنا للخير سهل
وخفف من مصاب الشرق فينا
فنحن على رجال الغرب ثقل
إذا نزلت هناك بهم خطوب
ألم بنا هنا قلق وشغل
حيارى لا يقر لنا قرار
تنازلنا الخطوب ونحن عزل
فأهلا بالدليل إلى المعالي
ألا سر يا (حسين) ونحن نتلو
وأسعدنا بعهدك خير عهد
به أيامنا تصفو وتحلو
فأمرك طاعة ورضاك غنم
وسيفك قاطع ونداك جزل (27) إلى الطبيبة (لونا) (نشرت في 15 فبراير سنة 1916م)
قال هذين البيتين فيها بمناسبة طفلة رزقها صديقه محمد بك بدر وكانت (لونا) هي المولدة (للونا) شهرة في الطب تاهت
بها مصر وتاه بها مديحي
ومن عجب تدين بدين (موسى)
وتأتينا بمعجزة (المسيح) (28) ذكرى شكسبير (نشرت في 1 مارس سنة 1916م)
قالها تلبية لدعوة المجمع العلمي بإنجلترا الذي أقام احتفالا بذكرى شكسبير لمرور ثلثمائة عام على وفاته
يحييك من أرض الكنانة شاعر
شغوف بقول العبقريين مغرم
ويطربه في يوم ذكراك أن مشت
وفي كل عصر ثم أنشأت تحكم
فلم تخطئ المرمى ولا غرو أن دنت
لك الغاية القصوى فإنك ملهم
أفق ساعة وانظر إلى الخلق نظرة
تجدهم - وإن راق الطلاء - هم هم
على ظهرها من شر أطماعهم دم
وفوق عباب البحر من صنعهم دم
تفانوا على دنيا تغر وباطل
يزول إلى أن ضجت الأرض منهم
فليتك تحيا يا أبا الشعر ساعة
لتنظر ما يصمي ويدمي ويؤلم
وقائع حرب أجج العلم نارها
فكاد بها عهد الحضارة يختم
وتعلم أن الطبع لا زال غالبا
سواء جهول القوم والمتعلم
فما بلغت منه الحضارة مأربا
ولا نال منه العلم ما كان يزعم
أهبت بهذا من قرون ثلاثة
وكنت على تلك الطبائع تنقم
وما هدم التجريب رأيا بنيته
ولا زالت الآراء تبنى وتهدم
ألا أن ذكرى شكسبير بدت لنا
بشير سلام ثغره يتبسم
فلو أنصفوا أبطالهم لتهادنوا
قليلا وحيوا شعره وترنموا
ولم يطلقوا في يوم ذكراه مدفعا
ولم يزهقوا نفسا ولم يتقحموا
له قلم ماضي الشباة كأنما
أقام بشقيه القضاء المحتم
طهور إذا ما دنست كف كاتب
وثوب إذا ما قر في الطرس مرقم
ولوع بتصوير الطباع فلم يجز
بعاطفة إلا حسبناه يرسم
أراني في (ماكبيث) للحقد صورة
تكاد بها أحشاؤه تتضرم
ومثل في (شيلوك) للبخل سجنة
عليها غبار الهون والوجه أقنم
وأقعدني عن وصف (همليت) حسنها
وفي مثلها تعيا اليراعة والفم
دع السحر في (رميو) و(جوليت) إنما
يحس بما فيها الأديب المتيم
أتاهم بشعر عبقري كأنه
سطور من الإنجيل تتلى وتكرم
ندي على الأيام يزداد نضرة
ويزداد فيها جدة وهو يقدم
يؤتي إلى قرائه أن نسجه
ليوم وأن الحائك اليوم فيهم
تكلك النقوش الزاهيات بمعبد
لفرعون لا زالت على الدهر تسلم
فلم يدن من إحسانه متأخر
ولم يجر في ميدانه متقدم
أطل عليهم من سماء خياله
وحلق حيث الوهم لا يتجشم
وجاء بما فوق الطبيعة وقعه
فأكبر قوم ما أتاه وأعظموا
وقالوا تحدانا بما يعجز النهى
فلسنا إذن آثاره نترسم
ولم يتحد الناس لكنه امرؤ
بما كان في مقدوره يتكلم
لقد جهلوه حقبة ثم ردهم
إليه الهدى فاستغفروا وترحموا
كذاك رجال الشرق لو ينصفونهم
لقام لهم في الشرق والغرب موسم
أضاء بهم بطن الثرى بعد موتهم
وأعقابهم عن نور آياتهم عموا
فقل لبني التاميز والجمع حافل
به ينثر الدر الثمين وينظم
لئن كان في ضخم الأساطيل فخركم
لفخركم بالشاعر الفرد أعظم (29) إلى عظمة السلطان حسين كامل (نشرت في 6 مايو سنة 1916م)
ألقاها بين يديه أثناء زيارته لمدينة طنطا في السرادق الذي أقيم له هناك
في ساحة (البدوي) حلت ساحة
عز البلاد بعزها موصول
وأتى (الحسين) يزور قطب زمانه
يرعى ويحرس ركبه (جبريل)
زادت مواسمنا (بطنطا) موسما
لمليكه التقديس والتبجيل
بالساحتين لكل راج موئل
ولكل عاف مربع ومقيل
قل للفقير إذا سألت فلا تخف
ردا فما في الساحتين بخيل
بركات هذي لا يغيض معينها
نفحات تلك كثيرها مأمول
قد أخصب الإقليم حين حللته
والغيث لا يبقى عليه محول
وبدا يموج بساكنيه وعطفه
قد كاد من طرب اللقاء يميل
ذكروا بمقدمك المبارك موقفا
قد قام فيه أبوك (إسماعيل)
في مثل هذا اليوم خلد ذكره
أثر له بين العباد جليل
نثر السعود على الوفود وحوله
يتجاوب التكبير والتهليل
دامت مآثره ومن يك صنعه
كأبيك إسماعيل كيف يزول؟
فاهنأ بملكك يا (حسين) فعهده
عهد بتحقيق الرجاء كفيل
وانهض بشعبك في الشعوب فإنما
لك بعد ربك أمره موكول
وليهنئ البدوي أن صديقه
عن وده المعهود ليس يحول
قد جاءه يسعى إليه وحوله
أعلى وأكرم من سقاه النيل (30) عمر بن الخطاب
أنشدها في الحفل الذي أقيم لسماع هذه القصيدة بمدرج وزارة المعارف بدرب الجماميز مساء الجمعة 8 فبراير سنة 1918م
حسب القوافي وحسبي حين ألقيها
أني إلى ساحة (الفاروق) أهديها
لا هم، هب لي بيانا أستعين به
على قضاء حقوق نام قاضيها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها
وليس في طوق مثلي أن يوفيها
فمر سري المعاني أن يواتيني
فيها فإني ضعيف الحال واهيها
مقتل عمر
مولى المغيرة، لا جادتك غادية
من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم
في ذمة الله عاليها وماضيها
طعنت خاصرة (الفاروق) منتقما
من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة
تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى وخلفها كالطود راسخة
وزان بالعدل والتقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها وهي قائمة
والهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها
صاح الزوال بها فاندك عاليها
واهأ على دولة بالأمس قد ملأت
جوانب الشرق رغدا من أياديها
كم ظللتها وحاطتها بأجنحة
عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها
ومن صميم التقى ريشت خوافيها
والله ما غالها قدما وكاد لها
واجتث دوحتها إلا مواليها
لو أنها في صميم العرب قد بقيت
لما نعاها على الأيام ناعيها
يا ليتهم سمعوا ما قاله (عمر)
والروح قد بلغت منه تراقيها:
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم
مطامعا بسمات الضعف تخفيها
إسلام عمر
رأيت في الدين آراء موفقة
فأنزل الله قرآنا يزكيها
وكنت أول من قرت بصحبته
عين الحنيفة واجتازت أمانيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها
بنعمة الله حصنا من أعاديها
خرجت تبغي أذاها في (محمدها)
وللحنيفة جبار يواليها
فلم تكد تسمع الآيات بالغة
حتى انكفأت تناوي من يناويها
سمعت (سورة طه) من مرتلها
فزلزلت نية قد كنت تنويها
وقلت فيها مقالا لا يطاوله
قول المحب الذي قد بات يطريها
ويوم أسلمت عز الحق وارتفعت
عن كاهل الدين أثقال يعانيها
وصاح فيه (بلال) صيحة خشعت
لها القلوب ولبت أمر باريها
فأنت في زمن (المختار) منجدها
وأنت في زمن (الصديق) منجيها
كم استراك رسول الله مغتبطا
بحكمة لك عند الرأي يلفيها
عمر وبيعة أبي بكر
وموقف لك بعد (المصطفى) افترقت
فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيه (أبا بكر) فبايعه
على الخلافة قاصيها ودانيها
وأطفئت فتنة لولاك لاستعرت
بين القبائل وانسابت أفاعيها
بات النبي مسجى في حظيرته
وأنت مستعر الأحشاء داميها
تهيم بين عجيج الناس في دهش
من نبأة قد سرى في الأرض ساريها
تصيح: من قال نفس المصطفى قبضت
علوت هامته بالسيف أبريها
أنساك حبك طه أنه بشر
يجري عليه شئون الكون مجريها
وأنه وارد لا بد مورده
من المنية لا يعفيه ساقيها
نسيت في حق طه آية نزلت
وقد يذكر بالآيات ناسيها
ذهلت يوما فكانت فتنة عمم
وثاب رشدك فانجابت دياجيها
فللسقيفة يوم أنت صاحبه
فيه الخلافة قد شيدت أواسيها
مدت لها (الأوس) كفا كي تناولها
فمدت (الخزرج ) الأيدي تباريها
وظن كل فريق أن صاحبهم
أولى بها وأتى الشحناء آتيها
حتى انبريت لهم فارتد طامعهم
عنها وأخى (أبو بكر) أواخيها
عمر وعلي
وقولة (لعلي) قالها (عمر)
أكرم بسامعها أعظم بملقيها!
حرقت دارك لا أبقي عليك بها
إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير (أبي حفص) يفوه بها
أمام فارس (عدنان) وحاميها
كلاهما في سبيل الحق عزمته
لا تنثني أو يكون الحق ثانيها
فاذكرهما وترحم كلما ذكروا
أعاظما ألهوا في الكون تأليها
عمر وجبلة بن الأيهم
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به
وكم أخفت قويا ينثني تيها
وفي حديث فتى غسان موعظة
لكل ذي نعرة يأبى تناسيها
فما القوي قويا رغم عزته
عند الخصومة (والفاروق) قاضيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته
وإن تخاصم واليها وراعيها
عمر وأبو سفيان
وما أقلت (أبا سفيان) حين طوى
عنك الهدية معتزا بمهديها
لم يغن عنه وقد حاسبته حسب
ولا (معاوية) بالشام يجبيها
قيدت منه جليلا شاب مفرقه
في عزة ليس من عز يدانيها
قد نوهوا باسمه في جاهليته
وزاده سيد الكونين تنويها
في فتح مكة كانت داره حرما
قد أمن الله بعد البيت غاشيها
وكل ذلك لم يشفع لدى (عمر)
في هفوة (لأبي سفيان) يأتيها
تالله لو فعل (الخطاب) فعلته
لما ترخص فيها أو يجازيها
فلا الحسابة في حق يجاملها
ولا القرابة في بطل يجابيها
وتلك قوة نفس لو أراد بها
شم الجبال لما قرت رواسيها
عمر وخالد بن الوليد
سل قاهر الفرس والرومان هل شفعت
له الفتوح وهل أغنى تواليها
غزى فأبلى وخيل الله قد عقدت
باليمن والنصر والبشرى نواصيها
يرمي الأعادي بآراء مسددة
وبالفوارس قد سالت مذاكيها
ما واقع الروم إلا فر قارحها
ولا رمى الفرس إلا طاش راميها
ولم يجز بلدة إلا سمعت بها «الله أكبر» تدوي في نواحيها
عشرون موقعة مرت محجلة
من بعد عشر بنان الفتح تحصيها
و(خالد) في سبيل الله موقدها
و(خالد) في سبيل الله صاليها
أتاه أمر (أبي حفص) فقبله
كما يقبل آي الله تاليها
واستقبل العزل في إبان سطوته
ومجده مستريح النفس هاديها
فاعجب لسيد مخزوم وفارسها
يوم النزال إذا نادى مناديها
يقوده حبشي في عمامته
ولا تحرك مخزوم عواليها
ألقى القياد إلى الجراح ممتثلا
وعزة النفس لم تجرح حواشيها
وانضم للجند يمشي تحت رايته
وبالحياة إذا مالت يفديها
وما عرته شكوك في خليفته
ولا ارتضى إمرة الجراح تمويها (فخالد) كان يدري أن صاحبه
قد وجه النفس نحو الله توجيها
فما يعالج من قول ولا عمل
إلا أراد به للناس ترفيها
لذاك أوصى بأولاد له (عمرا)
لما دعاه إلى الفردوس داعيها
وما نهى (عمر) في يوم مصرعه
نساء مخزوم أن تبكي بواكيها
وقيل: خالفت يا (فاروق) صاحبنا
فيه وقد كان أعطى القوس باريها
فقال: خفت افتتان المسلمين به
وفتنة النفس أعيت من يداويها
هبوه أخطأ في تأويل مقصده
وأنها سقطة في عين ناعيها
فلن تعيب حصيف الرأي زلته
حتى يعيب سيوف الهند نابيها
تالله لم يتبع في (ابن الوليد) هوى
ولا شفى غلة في الصدر يطويها
لكنه قد رأى رأيا فأتبعه
عزيمة منه لم تثلم مواضيها
لم يرع في طاعة المولى خؤولته
ولا رعى غيرها فيما ينافيها
وما أصاب ابنه والسوط يأخذه
لديه من رأفة في الحد يبديها
إن الذي برأ (الفاروق) نزهه
عن النقائص والأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته
الله أودع فيها ما ينقيها
لا الكبر يسكنها، لا الظلم يصحبها
لا الحقد يعرفها، لا الحرص يغويها
عمر وعمرو بن العاص
شاطرت داهية السواس ثروته
ولم تخفه بمصر وهو واليها
وأنت تعرف (عمرا) في حواضرها
ولست تجهل (عمرا) في بواديها
لم تنبت الأرض كابن العاص داهية
يرمي الخطوب برأي ليس يخطيها
فلم يرغ حيلة فيما أمرت به
وقام (عمرو) إلى الأجمال يزجيها
ولم تقل عاملا منها وقد كثرت
أمواله وفشا في الأرض فاشيها
عمر وولده عبد الله
وما وقى ابنك (عبد الله) أينقه
لما اطلعت عليها في مراعيها
رأيتها في حماه وهي سارحة
مثل القصور قد اهتزت أعاليها
فقلت: ما كان (عبد الله) يشبعها
لو لم يكن ولدي أو كان يرويها
قد استعان بجاهي في تجارته
وبات باسم (أبي حفص) ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له
حق الزيادة فيها قبل شاريها
وهذه خطة لله واضعها
ردت حقوقا فأغنت مستميحيها
ما الاشتراكية المنشود جانبها
بين الورى غير مبنى من مبانيها
فإن نكن نحن أهليها ومنبتها
فإنهم عرفوها قبل أهليها
عمر ونصر بن حجاج
جنى الجمال على (نصر) فغربه
عن المدينة تبكيه ويبكيها
وكم رمت قسمات الحسن صاحبها
وأتعبت قصبات السبق حاويها
وزهرة الروض لولا حسن رونقها
لما استطالت عليها كف جانيها
كانت له لمة فينانة عجب
على جبين خليق أن يحليها
وكان أنى مشى مالت عقائلها
شوقا إليه وكاد الحسن يسبيها
هتفن تحت الليالي باسمه شغفا
وللحسان تمن في لياليها
جزرت لمته لما أتيت به
ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت فيه تحول عن مدينتهم
فإنها فتنة أخشى تماديها
وفتنة الحسن إن هبت نوافحها
كفتنة الحرب إن هبت سوافيها
عمر ورسول كسرى
وراع صاحب (كسرى) أن رأى عمرا
بين الرعية عطلا وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها
سورا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى
فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا
ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره
من الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مثلا
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها:
أمنت لما أقمت العدل بينهم
فنمت نوم قرير العين هانيها
عمر والشورى
يا رافعا راية الشورى وحارسها
جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها
وللمنية آلام تعانيها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله
إلى الجماعة إنذارا وتنبيها
إن ظل بعد ثلاث رأيها شعبا
فجرد السيف واضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها
طعم المنية مرا عن مراميها
درى عيد بني الشورى بموضعها
فعاش ما عاش يبنيها ويعليها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
مثال من زهده
يا من صدفت عن الدنيا وزينتها
فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت بباب الشام حين رأوا
أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
ويركبوك على البرذون تقدمه
خيل مطهمة تحلو مرائيها
مشى فهملج مختالا براكبه
وفي البراذين ما تزهى بعاليها
فصحت: يا قوم، كاد الزهو يقتلني
وداخلتني حال لست أدريها
وكاد يصبو إلى دنياكم (عمر)
ويرتضي بيع باقيه بفانيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا
ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
مثال من رحمته
ومن رآه أمام القدر منبطحا
والنار تأخذ منه وهو يذكيها
وقد تخلل في أثناء لحيته
منها الدخان وفوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على
حال تروع - لعمر الله - رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده
والعين من خشية سالت مآقيها
مثال من تقشفه وورعه
إن جاع في شدة قوم شركتهم
في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة - والدنيا بقبضته -
في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري (أبا حفص) وسيرته
أو من يحاول (للفاروق) تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها:
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة
فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
وهل يفي بيت مال المسلمين بما
توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت: لك الله إني لست أرزؤه
مالا لحاجة نفس كنت أبغيها
لكن أجنب شيئا من وظيفتنا
في كل يوم على حال أسويها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئها
شريتها ثم إني لا أثنيها
قال: اذهبي واعلمي إن كنت جاهلة
أن القناعة تغني نفس كاسيها
وأقبلت بعد خمس وهي حاملة
دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال: نبهت مني غافلا فدعي
هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية
على الكفاف وينهى مستزيديها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به
أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت وما عهدت
بعد النبوة أخلاق تحاكيها
مثال من هيبته
في الجاهلية والإسلام هيبته
تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
في طي شدته أسرار مرحمة
للعالمين ولكن ليس يفشيها
وبين جنبيه في أوفى صرامته
فؤاد والدة ترعى ذراريها
أغنت عن الصارم المصقول درته
فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصا (موسى) لصاحبها
لا ينزل البطل مجتازا بواديها
أخاف حتى الذراري في ملاعبها
وراع حتى الغواني في ملاهيها
أريت تلك التي لله قد نذرت
أنشودة لرسول الله تهديها
قالت: نذرت لئن عاد النبي لنا
من غزوة لعلى دفي أغنيها
ويممت حضرة الهادي وقد ملأت
أنوار طلعته أرجاء ناديها
واستأذنت ومشت بالدف واندفعت
تشجي بألحانها ما شاء مشجيها (والمصطفى) (وأبو بكر) بجانبه
لا ينكران عليها من أغانيها
حتى إذا لاح من بعد لها (عمر)
خارت قواها وكاد الخوف يرديها
وخبأت دفها في ثوبها فرقا
منه وودت لو ان الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها
فجاء بطش (أبي حفص) يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما
وفي ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها، لما رأى عمرا
إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
مثال من رجوعه إلى الحق
وفتية ولعوا بالراح فانتبذوا
لهم مكانا وجدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم
والليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم والخمر قد أخذت
تعلو ذؤابة ساقيها وحاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا
أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
ورمت تفقيههم في دينهم فإذا
بالشرب قد برعوا (الفاروق) تفقيها
قالوا: مكانك قد جئنا بواحدة
وجئتنا بثلاث لا تباليها
فأت البيوت من الأبواب (يا عمر)
فقد يزن من الحيطان آتيها
واستأذن الناس أن تغشى بيوتهم
ولا تلم بدار أو تحييها
ولا تجسس فهذي الآي قد نزلت
بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم
لما رأيت كتاب الله يمليها
وما أنفت وإن كانوا على حرج
من أن يحجك بالآيات عاصيها
عمر وشجرة الرضوان
وسرحة في سماء السرح قد رفعت
ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها
وكان تطوافهم للدين تشويها
الخاتمة
هذي مناقبه في عهد دولته
للشاهدين وللأعقاب أحكيها
في كل واحدة منهن نابلة
من الطبائع تغدو نفس واعيها
لعل في أمة الإسلام نابتة
تجلو لحاضرها مرآة ماضيها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها
من الصروح وما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من (عمر)
حتى ينبه منها عين غافيها (31) تحية محمد عسران عبد الكريم
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتكريمه في فندق شبرد في 7 يوليو سنة 1919م حين استقال من الحكومة أول مرة، وهي على لسان تجار الغلال
لقد عاشرتنا فلبثت فينا
مثالا للنزاهة والكمال
بحلم كان محمود المزايا
وعدل كان ممدود الظلال
فإن كنت اعتزلت إباء ضيم
فمثلك بالوظائف لا يبالي
فحبات القلوب تسوق شكرا
إليك بقدر حبات الغلال (32) تحية أحمد شوقي بك (نشرت في 14 أغسطس سنة 1919م)
وكان حافظ قد أعدها ليستقبله بها عند قدومه إلى مصر من منفاه بالأندلس، ولكنه عجل بنشرها قبل قدومه مخافة أن يلحقه القدر المحتوم، كما قال في رسالته إلى الأهرام
ورد الكنانة عبقري زمانه
فتنظري يا مصر سحر بيانه
وأتى الحسان فهنئوا ملك النهى
بقيام دولته وعود حسانه
النيل قد ألقى إليه بسمعه
والماء أمسك فيه عن جريانه
والزهر مصغ والخمائل خشع
والطير مستمع على أفنانه
والقطر في شوق لأندلسية
شوقية تشفيه من أشجانه
يصغي لأحمد إن شدا مترنما
إصغاء أمة أحمد لأذانه
فاصدح وغن النيل واهزز عطفه
يكفيه ما عاناه من أحزانه
واذكر لنا الحمراء كيف رأيتها
والقصر ماذا كان من بنيانه
ماذا تحطم من ذراه وما الذي
أبقت صروف الدهر من أركانه
واها عليه وأهله وبناته
أيام كان النجم من سكانه
إذ ملك أندلس عريض جاهه
وشبابه المبكي في ريعانه
الفتح والعمران آية عهده
وكتائب الأقدار من أعوانه
لبست به الدنيا لباس حضارة
قد كان يخلعه على جيرانه
زالت بشاشته وزال وأقفرت
من أنسه الدنيا ومن إنسانه
وطوى الثرى سر الزوال فيا ترى
هل ضاق صدر الأرض عن كتمانه
فتكلمت تلك الطلول وأفصحت
لما وقفت مسائلا عن شانه
ولعل نكبته هناك تفرق
وتعدد قد كان في تيجانه
عبر رأيناها على أيامنا
قد هونت ما نابه في آنه
وحوادث في الكون إثر حوادث
جاءت مشمرة لهد كيانه
سبحان جبار السموات العلا
ومقلب الأكوان في أكوانه
أهلا بشمس المشرقين ومرحبا
بالأبلج المرجو من إخوانه
أشكو إليك من الزمان وزمرة
جرحت فؤاد الشعر في أعيانه
كم خارج عن أفقه حصب الورى
بقريضه والعجب ملء جنانه
يختال بين الناس متئد الخطا
ريح الغرور تهب من أردانه
كم صك مسمعنا بجندل لفظه
وأطال محنتنا بطول لسانه
ما زال يعلن بيننا عن نفسه
حتى استغاث الصم من إعلانه
نصح الهداة لهم فزاد غرورهم
واشتد ذاك السيل في طغيانه
أو لم تر الفرقان وهو مفصل
لم يلفت البوذي عن أوثانه
قل للذي قد قام يشئو أحمدا
خل القريض فلست من فرسانه
الشعر في أوزانه لو قسته
لظلمته بالدر في ميزانه
هذا أمرؤ قد جاء قبل أوانه
إن لم يكن قد جاء بعد أوانه
إن قال شعرا أو تسنم منبرا
فتعوذا بالله من شيطانه
تخذ الخيال له براقا فاعتلى
فوق السها يستن في طيرانه
ما كان يأمن عثرة لو لم يكن
روح الحقيقة ممسكا بعنانه
فأتى بما لم يأته متقدم
أو تطمع الأذهان في إتيانه
هل للخيال وللحقيقة منهل
لم يبغه الرواد في ديوانه
إنا لنلهو إذ نجد وإنه
ليجد إذ يلهو بنظم جمانه
أقلامه لو شاء شك قصيرها
هام الثريا والسها بسنانه
يملي عليها عقله وجنانه
ما ليس ينكره هوى وجدانه
بسل على شعرائنا أن ينطقوا
قبل المثول لديه واستئذانه
عاف القديم وقد كسته يد البلى
خلق الأديم فهان في خلقانه
وأبى الجديد وقد تأنق أهله
في الرقش حتى غر في ألوانه
فجديده بعث القديم من البلى
وأعاد سؤدده إلى إبانه
ورمى جديدهم فخر بناؤه
برواء زخرفه وبرق دهانه
شعراء نفح الطيب أنشر ذكرهم
في أرض أندلس أديب زمانه
ود (ابن هانئ) (وابن عمار) بها
لو يظفران معا بلثم بنانه
ولو استطاعا فوق ذاك لأقبلا
رغم البلى والقبر يستبقانه
يا كرمة (المطرية) ابتهجي به
واستقبلي الظمآن من أخدانه
مدي الظلال على الوفود وجددي
عهدا طواه الدهر في بستانه
كم مجلس للهو فيه شهدته
فسكرت من ديوانه ودنانه
غنى مغنيه فهاج غناؤه
شجو الحمام على ذوائب بانه
فترنحت أشجاره وتمايلت
أعوادها طربا على عيدانه
فكأن مجلسنا هناك قصيدة
من نظمه طلعت على عبدانه
فالحمد لله الذي قد رده
من بعد غربته إلى أوطانه
فتنظروا آياته وتسمعوا
قد قام بلبلكم على أغصانه (33) في حفل عكاظ
أنشد هذه القصيدة في حفل من الأدباء والشعراء برآسة أحمد شوقي بك بدار التمثيل العربي؛ لتحية جريدة عكاظ يوم 3 ديسمبر سنة 1920، وقد سمى صاحب الجريدة هذا الحفل: «سوق عكاظ». وهي تتضمن مدحا لشوقي بك رئيس الحفل، ونعيا على المصريين امتهانهم لجثث ملوكهم الأقدمين:
أتيت سوق عكاظ
أسعى بأمر الرئيس
أزجي إليه قواف
منكسات الرءوس
ليست بذات رواء
تزهى به في الطروس
ولا بذات جمال
يسري بها في النفوس
لم يحبها فضل شوقي
بقية من نسيس
فهن قفر خوال
من كل معنى نفيس
وهن جهد مقل
حليف هم وبوس
قال الرئيس ومن ذا
يقول بعد الرئيس
سقى الحضور شرابا
ينسي شراب القسوس
معتقا قبل عاد
في مظلمات الحبوس
تذكي الديارات منه
نارا كنار المجوس
يريك والليل داج
شموسه في الكؤوس
بنات أفكار شوقي
في جلوة كالعروس
تزهى بمعنى سري
أتى بمعنى شموس
وليلة من «عكاظ»
ضمت حماة الوطيس
أحيا بها ذكر عهد
آثاره في الطروس
عهد سما الشعر فيه
إلى مجالي الشموس
وورده كان أصفى
من مورد القاموس
فجئتها بحديث
أسوقه للجلوس
قد زرت متحف مصر
في ظهر يوم الخميس
في زمرة من رفاق
غر الشمائل شوس
فضقت ذرعا بأمر
على النفوس بئيس
وكدت أصرع غما
لحظها المعكوس
وصرعة الغم أدهى
من صرعة الخندريس
رأيت جثة (خوفو)
بقرب (سيزوستريس)
فقلت يا قوم هذا
صنع العقوق الخسيس
أجساد أملاك مصر
وشائدي منفيس
من بعد خمسين قرنا
لم تسترح في الرموس
أرى فراعين مصر
في ذلة ونحوس
معروضة للبرايا
أجسادهم بالفلوس
عنهم نبشنا زمانا
في مظلمات الدروس
فديس ظلما حماهم
وكان غير مدوس
لعلهم حصنوهم
من هادمات الفئوس
علما بأن سوف يمنى
بيوم شر عبوس
لو أن أمثال (مينا)
في الغرب أو (رمسيس)
بنوا عليهم وخطوا
حظائر التقديس (34) مدحة للمغفور له (فؤاد الأول)
أنشدها بين يدي جلالته حين زيارته مدرسة فؤاد الأول بقصر الزعفران في ديسمبر سنة 1922م
أقصر الزعفران لأنت قصر
خليق أن يتيه على النجوم
كلا عهديك للأجيال فخر
وزهو للحديث وللقديم
ثوى بالأمس فيك علا ومجد
وأنت اليوم مثوى للعلوم
فمن نبل، إلى مجد أثيل،
إلى علم، إلى نفع عميم
أضفت إلى صروح العلم صرحا
بزورة ذلك الملك الحكيم
فيا لك منزلا رحبا سريا
بنته أنامل الذوق السليم
وحاطته ببستان أنيق
يريك جماله وجه النعيم (أبا فاروق) أنت وهبت هذا
لمصر وهكذا منح الكريم
ولا عجب فمصر على ولاء
ومالكها على خلق عظيم
يطالعها ببر كل يوم
ويرعاها بعين أب رحيم
ويرهف من عزائم آل مصر
إذا خارت لدى الخطب الجسيم
كسوت الأزهر المعمور ثوبا
من الإجلال والعز المقيم
قضيت به الصلاة فكاد يزهى
بزائره على ركن الحطيم
رأى فيك (المعز) زمان أعلى
قواعده على ظهر الأديم
فهش وهزه طرب وشوق
كما هش الحميم إلى الحميم
وهلل كل من فيه ودوت
به أصوات شعبك كالهزيم
كذا فليحمل التاجين ملك
يعز شعائر الدين القويم
ويخشى ربه ويطيع مولى
هداه إلى الصراط المستقيم
أيأذن لي المليك البر أني
أهنئ مصر بالأمر الكريم
فيا مصر اسجدي لله شكرا
وتيهي واقعدي طربا وقومي
فقد تم البناء وعن قريب
تزف لك البشائر من «نسيم»
فدار (البرلمان) أعز دار
تشاد لطالب المجد العميم
بها يتجمل العرش المفدى
وتحيا مصر في عيش رخيم
فشرفها بربك واختتمها
وأسعدها بدستور تميم
بآي (محمد) وبآي (عيسى)
فعوده وآيات (الكليم) (أبا فاروق) خذ بيد الأماني
وحققها على رغم الخصيم
أفقنا بعد نوم فوق نوم
على نوم كأصحاب الرقيم
وأصبحنا بيمنك في نهوض
يكافئ نهضة النبت الجميم
فحطنا بالرعاية كل يوم
نحفك بالولاء المستديم (35) تهنئة المغفور له سعد زغلول باشا بالنجاة (نشرت في 13 يولية سنة 1924م)
قالها على أثر الاعتداء عليه بإطلاق النار في محطة القاهرة، إذ كان مسافرا إلى الإسكندرية
أحمد الله إذ سلمت لمصر
قد رماها في قلبها من رماكا
أحمد الله إذ سلمت لمصر
ليس فيها ليوم جد سواكا
أحمد الله إذ سلمت لمصر
ووقاها بلطفه من وقاكا
قد شغلنا يا (سعد) عن كل شيء
وشغلنا بأن يتم شفاكا
في سبيل الجهاد والوطن المح
بوب ما سال أحمرا من دماكا
قل لذاك الأثيم والفاتك المف
تون: لا كنت، كيف ترمي السماكا؟
إنما قد رميت في شخص (سعد)
أمة حرة فشلت يداكا
وقال فيه أيضا: أنشدها في الحفل الذي أقامه أعضاء البرلمان يوم الخميس 24 يولية سنة 1924 بكازينو سان استفانو بالإسكندرية؛ تكريما لسعد، وابتهاجا بنجاته من حادث الاعتداء عليه:
الشعب يدعو الله يا زغلول
أن يستقل على يديك النيل
إن الذي اندس الأثيم لقتله
قد كان يحرسه لنا جبريل
أيموت (سعد) قبل أن نحيا به؟
خطب على أبناء مصر جليل
يا (سعد) إنك أنت أعظم عدة
ذخرت لنا نسطو بها ونصول
ولأنت أمضى نبلة نرمي بها
فانفذ وأقصد فالنبال قليل
النسر يطمع أن يصيد بأرضنا
سنريه كيف يصيده زغلول
إنا رميناهم بندب حول
عن قصد وادي النيل ليس يحول
بأشدنا بأسا وأقدمنا على
خوض الشدائد والخطوب مثول
بفتى جميع القلب غير مشتت
إن مالت الأهرام ليس يميل
فاوض ولا تخفض جناحك ذلة
إن العدو سلاحه مفلول
فاوض وأنت على المجرة جالس
لمقامك الإعظام والتبجيل
فاوض فخلفك أمة قد أقسمت
ألا تنام وفي البلاد دخيل
عزل ولكن في الجهاد ضراغم
لا الجيش يفزعها ولا الأسطول
أسطولنا الحق الصراح وجيشنا ال
حجج الفصاح وحربنا التدليل
ما الحرب تذكيها قنا وصوارم
كالحرب تذكيها نهى وعقول
خضها هنالك باليقين مدرعا
والله بالنصر المبين كفيل
أزعيمهم شاكي السلاح مدجج
وزعيمنا في كفه منديل؟
وكذلك المنديل أبلغ ضربة
من صارم في حده التضليل
لك وقفة في الشرق تعرفها العلا
ويحفها التكبير والتهليل
زلزل بها في الغرب كل مكابر
ليرى ويعلم ما حواه الغيل
لا تقرب (التاميز) واحذر ورده
مهما بدا لك أنه معسول
الكيد ممزوج بأصفى مائه
والختل فيه مذوب مصقول
كم وارد يا (سعد) قبلك ماءه
قد عاد عنه وفي الفؤاد غليل
القوم قد ملكوا عنان زمانهم
ولهم روايات به وفصول
ولهم أحابيل إذا ألقوا بها
قنصوا النهى فأسيرهم مخبول
فاحذر سياستهم وكن في يقظة
سعدية إن السياسة غول
إن مثلوا فدع الخيال فإنما
عند الحقيقة يسقط التمثيل
الشبر في عرف السياسة فرسخ
واليوم في فلك السياسة جيل
ولكل لفظ في المعاجم عندهم
معنى يقال بأنه معقول
نصلت سياستهم وحال صباغها
ولكل كاذبة الخضاب نصول
جمعوا عقاقير الدهاء وركبوا
ما ركبوه وعندك التحليل
يا (سعد) أنت زعيمنا ووكيلنا
وعليك عند مليكنا التعويل
فادفع وناضل عن مطالب أمة
يا (سعد) أنت أمامها مسئول
النيل منبعه لنا ومصبه
ما إن له عن أرضها تحويل
وثقت بك الثقة التي لم ينفرج
للريب فيها والشكوك سبيل
جعلت مكانك في القلوب محبة
أو بعد ذاك على الولاء دليل
كادت تجن وقد جرحت وخانها
صبر على حمل الخطوب جميل
لم يبق فيها ناطق إلا دعا
لك ربه ودعاؤه مقبول
يا سعد كاد العيد يصبح مأتما
الدمع فيه أسى عليك يسيل
لولا دفاع الله لانطوت المنى
عند انطوائك وانقضى التأميل
شلت أنامل من رمى، فلكفه
حز المدى ولكفك التقبيل
هذا وسامك فوق صدرك ماله
من بين أوسمة الفخار مثيل
حليته بدم زكي طاهر
في حب مصر مصونه مبذول
في كل عصر للجناة جريرة
ليست على مر الزمان تزول
جاروا على (الفاروق) أعدل من قضى
فينا وزكى رأيه التنزيل
وعلى (علي) وهو أطهرنا فما
ويدا وسيف نبينا المسلول
قف يا خطيب الشرق جدد عهدنا
قبل الرحيل ليقطع التأويل
فاوض فإن أوجست شرا فاعتزم
واقطع فحبلك بالهدى موصول
وارجع إلينا بالكرامة كاسيا
وعليك من زهراتها إكليل
إنا سنعمل للخلاص ولا نني
والله يقضي بيننا ويديل
كم دولة شهد الصباح جلالها
وأتى عليها الليل وهي فلول
وقصور قوم زاهرات في الدجى
طلعت عليها الشمس وهي طلول
يأيها النشء الكرام تحية
كالروض قد خطرت عليه قبول
يا زهر مصر وزينها وحماتها
مدحي لكم بعد الرئيس فضول
جدتم لها بالنفس في ورد الصبا
والورد لم ينظر إليه ذبول
كم من سجين دونها ومجاهد
دمه على عرصاتها مطلول
سيروا على سنن الرئيس وحققوا
أمل البلاد فكلكم مأمول
أنتم رجال غد وقد أوفى غد
فاستقبلوه وحجلوه وطولوا (36) إلى الأستاذ أحمد لطفي السيد بك (باشا)
وجهها إليه حين ترجم كتاب الأخلاق لأرسطو سنة 1924م
يا كاسي الأخلاق في
بلد عن الأخلاق عاري
لم يبق فينا من يجا
دل في مقامك أو يماري
بالأمس قد علمتنا
أدب الكتابة والحوار
واليوم قد ألطفتنا
بالطيبات من الثمار
بكتاب رسطاليس تا
ج نوادر الفلك المدار
جاهدت في تفصيله
ووصلت ليلك بالنهار
تزن الكلام كأنه
ماس بميزان التجار
وتصون معنى ربه
صون اللآلئ في المحار
وتضن دهقان الكلا
م كضن دهقان النضار
حتى حسبتك في الأنا
ة والاختبار والاختيار
صنعا يصور في الفصو
ص لدى الفراعنة الكبار
إني قرأت كتابه
بين الخشوع والاعتبار
فإذا المترجم ماثل
جنب المؤلف في إطار
وعليهما نور يفي
ض من المهابة والوقار
قالوا: لقد هجر السيا
سة وانزوى في عقر دار
ترك المجال لغيره
ورأى النجاة مع الفرار
لا تظلموا رب النهى
وحذار من خطل حذار
هجر السياسة للسيا
سة لا لنوم أو قرار
لو أنهم علموا الذي
يبني لهم خلف الستار
لسعوا إلى حامي الفضي
لة والحقيقة والذمار
وافاهم بدعائم ال
أخلاق والحكم السواري
أس السياسة والنجا
ح وحصن سيدة البحار
كلفت بها وتمسكت
قبل الفيالق والجواري
يا عاشق الخلق الصري
ح وشانئ الخلق المواري
إني اختبرتك في الكهو
لة والصبا حق اختبار
لم يجر في ناديك هج
ر القول أو خلع العذار
حلو التواضع والتوا
ضع آية القوم الخيار
مر التكبر حين يد
عوك التواضع للصغار
سر في طريقك وادعا
فلأنت مأمون العثار
واجعل على لقم الطري
ق صوى تلوح لكل ساري
إنا إلى (كتب السيا
سة) يا حكيم على أوار
عجل بها قبل (الفسا
د) وقبل عادية البوار
إنا نناضل أمة
أقطابها أسد ضواري
عركوا الزمان وأهله
وتحصنوا من كل طاري
أمست سياستهم كطل
سم يحير كل قاري
إن ينكروا بعض الغمو
ض على أديب ذي اقتدار
فلأنهم لم يذكروا
أن المترجم في إسار
لم يعي أحمد أن يجي
ء بآي قيس أو نزار
وهو المجلي في أسا
ليب الفصاحة والمباري
لغة العلوم حقائق
هي عن زخارفنا غواري
تأبى الغلو وتحسب ال
إغراق كالثوب المعار
والنقل إن عدم الأما
نة كان عنوان الخسار (37) إلى حفني بك محمود (نشرت في 11 مايو سنة 1926م)
قالها حين رشحه الوفد لعضوية البرلمان عن بندر الجيزة
يا كاسي الخلق الرضي وصاحب ال
أدب السري ويا فتى الفتيان
إن رشحوك فأنت من بيت رمى
بسهامه عن حوزة الأوطان
زكاك إقدام ورأي شاهد
ونقي إيمان وحسن بيان
لو كنت بين الناخبين لأدركوا
ما فيك يا (حفني) من رضوان (38) إلى سعد زغلول باشا (نشرت في 7 نوفمبر سنة 1926م)
أنشدها بين يديه على أثر قدومه من مسجد وصيف إلى العاصمة على الباخرة دندرة
ما بال (دندرة) تميس تهاديا
ميس العروس مشت على إستبرق
والنيل يجري تحتها متهللا
والموج بين مهلل ومصفق
ألعلها والتيه يثني عطفها
حملت ركاب زعيم قلب المشرق
إني أرى نورا يفيض وطلعة
قد زانها وضح الجبين المشرق
هذا زعيم النيل حل عرينه
بعد الغياب فيا وفود تدفقي
وتيمني بقدومه وترفقي
عند الزحام فسلمي وتفرقي
وتنظري إن الخلاص محتم
فالله أسلم أمرنا لموفق
كم أزمة مرت بنا فاجتاحها (سعد) بسيل بيانه المتدفق
يأيها السباق في طلب العلا
ها قد أتيت مجليا لم تسبق
سبق البشير ركاب سعد جاريا
وركاب سعد وانيا لم يلحق (39) تهنئة أحمد شوقي بك
أنشدها في المهرجان الذي أقيم لتكريمه بالأوبرا في 29 أبريل سنة 1927م وقد اشترك فيه بعض شعراء الأقطار الشرقية
بلابل وادي النيل بالمشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجعي
أعيدي على الأسماع ما غردت به
يراعة شوقي في ابتداء ومقطع
براها له الباري فلم ينب سنها
إذا ما نبا العسال في كف أروع
مواقعها في الشرق والشرق مجدب
مواقع صيب الغيث في كل بلقع
لديها وفود اللفظ تنساق خلفها
وفود المعاني خشعا عند خشع
إذا رضيت جاءت بأنفاس روضة
وإن غضبت جاءت بنكباء زعزع
أحن على المكدود من ظل دوحة
وأحنى على المولود من ثدي مرضع
على سنها رفق يسيل ورحمة
وروح لمن يأسى وذكرى لمن يعي
تسابق فوق الطرس أفكار ربها
سباق جياد في مجال مربع
تطير بروق الفكر خلف بروقها
تناشدها بالله لا تتسرعي
تحاول فوت الفكر لو لم تكفها
أنامله كف الجموح المروع
ألم تعلموا أنا بذخري نباغة
نفاخر أهل الشرق في أي مجمع
نفاخر من (شوقينا) بيراعة
ونزداد فخرا من (علي) بمبضع
فذاك شفاء الجسم تدمى جراحه
وتلك شفاء الواله المتوجع
نمتك ظلال وارفات وأنعم
ولين عيش في مصيف ومربع
ومن كان في بيت الملوك ثواؤه
ينشأ على النعمى ويمرح ويرتع
لئن عجبوا أن شاب (شوقي) ولم يزل
فتي الهوى والقلب جم التمتع
لقد شاب من هول القوافي ووقعها
وإتيانه بالمعجز المتمنع
كما شيبت هود ذؤابة أحمد
وشيبت الهيجاء رأس المدرع
يعيبون (شوقي) أن يرى غير منشد
وما ذاك عن عي به أو ترفع
وما كان عابا أن يجيء بمنشد
لآياته أو أن يجيء بمسمع
فهذا (كليم الله) قد جاء قبله (بهارون) ما يأمره بالوحي يصدع
بلغت بوصف النيل من وصفك المدى
وأيام (فرعون) ومعبوده (رع)
وما سقت من عاد البلاد وأهلها
وما قلت في أهرام (خوفو) و(خفرع)
فأطلعتها شوقية لو تنسقت
مع النيرات الزهر خصت بمطلع
أ(من أي عهد في القرى) قد تفجرت
ينابيع هذا الفكر أم (أخت يوشع)
وفي (توت) ما أعيا ابتكار موفق
وفي (ناشئ في الورد) إلهام مبدع
أسالت (سلا قلبي) شئوني تذكرا
كما نثرت (ريم على القاع) أدمعي
و(سل يلدزا) إني رأيت جمالها
على الدهر قد أنسى جمال (المقنع)
أطلت علينا (أخت أندلس) بما
أطلت فكانت للنهى خير مسرع
وفي نسج (صداح) أتيت بآية
من السهل لا تنقاد (لابن المقفع)
ورائع وصف في (أبي الهول) سقته
كبستان نور قبل رعيك ما رعي
خرجت به عن طوق كل مصور
يجيد دقيق الفن في جوف مصنع
وفي (انظر إلى الأقمار) زفرة واجد
وأنة مقروح الفؤاد موزع
بكيت على سر السماء وطهرها
وما ابتذلوا من خدرها المترفع
شياطين إنس تسرق السمع خلسة
ولا تحذر المخبوء للمتسمع
وسينية (للبحتري) نسختها
بسينية قد أخرست كل مدعي
أتى لك فيها طائعا كل ما عصى
على كل جبار القريحة ألمعي
شجا (البحتري) إيوان (كسرى) وهاجه
وهاجت بك (الحمراء) أشجان موجع
وقفت بها تبكي الربوع كما بكى
فيا لكما من واقفين بأربع
فنسجك كالديباج حلاه وشيه
وفي النسج ما يأتي بثوب مرقع
وشعرك ماء النهر يجري مجددا
وشعر سواد الناس ماء بمنقع
أ(أفضى إلى ختم الزمان ففضه)
من الوحي والإلهام أم قول لوذعي
و(قلبي ادكرت اليوم غير موفق)
رقى السحر أم أنات أسوان مولع
تملكت من ملك القريض فسيحه
فلم تبق يا (شوقي) لنا قيد إصبع
فبالله دع للناثرين وسيلة
تفيء عليهم واتق الله واقنع
عملت على نيل الخلود فنلته
فقل في مقام الشكر يا رب أوزع
جلا شعره للناس مرآة عصره
ومرآة عهد الشعر من عهد (تبع)
يجيء لنا آنا (بأحمد) ماثلا
وآونة (بالبحتري) المرصع
ويشئو رقى (هوجو) ويأتي نسيبه
لنا من ليالي (ألفريد) بأربع
وإن خطرت ذكرى الفحول بفارس
وما خلفوا في القول من كل مشبع
أتانا بروض مزهر من رياضهم
و(حافظهم) فيه يغني ويرتعي
فقل للذي يبغي مداه منافسا
طمعت لعمر الله في غير مطمع
فذلك سيف سله الله قاطع
فأيان يضرب يفر درعا ويقطع
وهل تدفع الدرع المنيعة صارما
به يضرب المقدار في كف سلفع
نفيت فلم تجزع ولم تك ضارعا
ومن ترمه الأيام يجزع ويضرع
وأخصبت في المنفى وما كنت مجدبا
وفي النفي خصب العبقري السميذع
لقد زاد (هوجو) فيه خصب قريحة
وآب إلى أوطانه جد ممرع
وأدرك (سامي) بالجزيرة غاية
إليها ملوك القول لم تتطلع
تذكرت عذب النيل والنفس صبة
إلى نهلة من كوب ماء مشعشع
وأرسلت تستسقي بني مصر شربة
فقطعت أحشائي وأضرمت أضلعي
أنروى ولا تروى وأنت أحقنا
بري فيا قلب النبوغ تقطع
وإن شئت عنا يا سماء فأقلعي
ويا ماءها فاكفف ويا أرض فابلعي
حرام علينا أن نلذ بنهلة
وأنت تنادينا ونحن بمسمع
أبى الله إلا أن يردك سالما
ومن يرعه يسلم ويغنم ويرجع
وعدت فقرت عين مصر وأصبحت
رياض القوافي في ربيع موشع
وأدركت ما تبغي وشيدت آية
على الشاطئ الغربي في خير موقع
يحف بها روض يحيي بدورها
بكورا بريا عرفه المتضوع
حمى يتهادى النيل تحت ظلاله
تهادي خود في رداء مجزع
لقد كنت ترجو منه بالأمس قطرة
فدونكه فابرد غليلك وانقع
أمير القوافي قد أتيت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
فغن ربوع النيل واعطف بنظرة
على ساكني النهرين واصدح وأبدع
ولا تنس (نجدا) إنها منبت الهوى
ومرعى المها من سارحات ورتع
وحي ذرا (لبنان) واجعل (لتونس)
نصيبا من السلوى وقسم ووزع
ففي الشعر حث الطامحين إلى العلا
وفي الشعر زهد الناسك المتورع
وفي الشعر ما يغني عن السيف وقعه
كما روع الأعداء بيت (لأشجع)
وفي الشعر إحياء النفوس وريها
وأنت لري النفس أعذب منبع
فنبه عقولا طال عهد رقادها
وأفئدة شدت إليها بأنسع
فقد غمرتها محنة فوق محنة
وأنت لها يا شاعر الشرق فادفع
وأنت بحمد الله ما زلت قادرا
على النفع فاستنهض بيانك وانقع
وخذ بزمام القوم وانزع بأهله
إلى المجد والعلياء أكرم منزع
وقفنا على النهج القويم فإننا
سلكنا طريقا للهدى غير مهيع
ملأنا طباق الأرض وجدا ولوعة
بهند ودعد والرباب وبوزع
وملت بنات الشعر منا مواقفا
بسقط اللوى (والرقمتين) (ولعلع)
وأقوامنا في الشرق قد طال نومهم
وما كان نوم الشعر بالمتوقع
تغيرت الدنيا وقد كان أهلها
يرون متون العيس ألين مضجع
وكان بريد العلم عيرا وأينقا
متى يعيها الإيجاف في البيد تظلع
فأصبح لا يرضى البخار مطية
ولا السلك في تياره المتدفع
وقد كان كل الأمر تصويب نبلة
فأصبح بعض الأمر تصويب مدفع
ونحن كما غنى الأوائل لم نزل
نغني بأرماح وبيض وأدرع
عرفنا مدى الشيء القديم فهل مدى
لشيء جديد حاضر النفع ممتع
لدى كل شعب في الحوادث عدة
وعدتنا ندب التراث المضيع
فيا ضيعة الأقلام إن لم نقم بها
دعامة ركن المشرق المتزعزع
أتمشي به شم الأنوف عداته
ورب الحمى يمشي بأنف مجدع
عزيز عليه يا بني الشرق أن ترى
كواكبه في أفقه غير طلع
وأعلامه من فوقه غير خفق
وأقلامه من تحتها غير شرع
وكيف يوقى الشر أو يبلغ المنى
على ما نرى من شمله المتصدع
فإن كنت قوالا كريما مقاله
فقل في سبيل النيل والشرق أو دع (40) إلى المحتفلين بتكريم حافظ (نشرت في 31 يناير سنة 1928م)
بيتان قالهما في المأدبة التي أقامها بعض أدباء الغرب في (جروبي) لتكريمه هو (وشوقي) (ومطران)
قد قرأناكم فهشت نهانا
فاقتبسنا نورا يضيء السبيلا
فاقرءونا ومن لنا أن تصيبوا
بين أفكارنا شعاعا ضئيلا (41) تحية لجمعية المرأة الجديدة (نشرت في 12 أبريل سنة 1928م)
إليكن يهدي النيل ألف تحية
معطرة في أسطر عطرات
ويثني على أعمالكن موكلي
بإطراء أهل البر والحسنات
أقمتن بالأمس الأساس مباركا
وجئتن يوم الفتح مغتبطات
صنعتن ما يعيي الرجال صنيعه
فزدتن في الخيرات والبركات
يقولون: نصف الناس في الشرق عاطل
نساء قضين العمر في الحجرات
وهذي بنات النيل يعملن للنهى
ويغرسن غرسا داني الثمرات
وفي السنة السوداء كنتن قدوة
لنا حين سال الموت بالمهجات
وقفتن في وجه الخميس مدججا
وكنتن بالإيمان معتصمات
وما هالكن الرمح والسيف مصلتا
ولا المدفع الرشاش في الطرقات
تعلم منكن الرجال فأصبحوا
على غمرات الموت أهل ثبات (صفية) قادتكن للمجد والعلا
كما كان (سعد) قائد السروات
عرفنا لها في مجد (سعد) نصيبها
من الحزم والإقدام في الأزمات
تهون للشيخ الجليل هجومه
على الهول بالتشجيع والبسمات
وتدفعه للموت والثغر باسم
وفي صدرها نوء من الزفرات
كذا فليكن صنع الكريم وصبره
على دهره والدهر غير مواتي
لتحي الغواني في ظلال مليكة
سمت في معاليها على الملكات
وظل (فؤاد) مفخر الشرق كله
كثير الأيادي صادق العزمات (42) إلى محمد حسين هيكل بك وخليل مطران بك (نشرت في 18 أبريل سنة 1928م)
قالها في مناظرة كانت بين هيكل ومطران في مدرج كلية الآداب، موضوعها: «هل الأدب العربي - قديمه وحديثه - يكفي وحده لتكوين الأديب؟»
سما الخطيبان في المعالي
وجاز شأواهما السماكا
جالا فلم يتركا مجالا
واعتركا بالنهى عراكا
فلست أدري على اختباري
من منهما جل أن يحاكى
فوحي عقلي يقول: هذا
ووحي قلبي يقول: ذاكا
وددت لو كل ذي غرور
أمسى لنعليهما شراكا (43) تحية الشأم (نشرت في 2 يونيه سنة 1929م)
أنشدها في الحفل الذي أقيم لسماع هذه القصيدة بالجامعة الأميركية ببيروت
حيا بكور الحيا أرباع لبنان
وطالع اليمن من بالشأم حياني
أهل الشآم لقد طوقتم عنقي
بمنة خرجت عن طوق تبياني
قل للكريم الذي أسدى إلي يدا
أنى نزحت فأنت النازح الداني
ما إن تقاضيت نفسي ذكر عارفة
هل يحدث الذكر إلا بعد نسيان
ولا عتبت على خل يضن بها
ما دام يزهد في شكري وعرفاني
أقر عيني أني قمت أنشدكم
في معهد بحلى العرفان مزدان
وشاع في سرور لا يعادله
رد الشباب إلى شعري وجثماني
لي موطن في ربوع النيل أعظمه
ولي هنا في حماكم موطن ثاني
إني رأيت على أهرامها حللا
من الجلال أراها فوق (لبنان)
لم يمح منها ولا من حسن جدتها
على التعاقب ما يمحو الجديدان
حسبت نفسي نزيلا بينكم فإذا
أهلي وصحبي وأحبابي وجيراني
من كل أبلج سامي الطرف مضطلع
بالخطب مبتهج بالضيف جدلان
يمشي إلى المجد مختالا ومبتسما
كأنه حين يبدو عود مران
سكنتم جنة فيحاء ليس بها
عيب سوى أنها في العالم الفاني
إذا تأملت في صنع الإله بها
لم تلق في وشيه صنعا لإنسان
في سهلها وأعاليها وسلسلها
برء العليل وسلوى العاشق العاني
وفي تضوع أنفاس الرياض بها
روح لكل حزين القلب أسوان
أنى تخيرت من (لبنان) منزلة
في كل منزلة روض وعينان
يا ليتني كنت من دنياي في دعة
قلبي جميع وأمري طوع وجداني
أقضي المصيف بلبنان على شرف
ولا أحول عن المشتى (بحلوان)
يا وقفة في جبال الأرز أنشدها
بين الصنوبر والشربين والبان
تستهبط الوحي نفسي من سماوتها
وينثني ملكا في الشعر شيطاني
علي أجاودكم في القول مقتديا
بشاعر الأرز في صنع وإتقان
لا بدع إن أخصبت فيها قرائحكم
فأعجزت وأعادت عهد (حسان)
طيب الهواء وطيب الروض قد صقلا
لوح الخيال فأغراكم وأغراني
من رام أن يشهد الفردوس ماثلة
فليغش أحياءكم في شهر نيسان
تاهت بقبر (صلاح الدين) تربتها
وتاه أحياؤها تيها (بمطران)
يبني ويهدم في الشعر القديم وفي الش
عر الحديث فنعم الهادم الباني
إذا لمحتم بشعري ومض بارقة
فبعض إحسانه في القول إحساني
رعيا لشاعركم، رعيا لكاتبكم
جزاهما الله عني ما يقولان
أرى رجالا من الدنيا الجديدة في الد
نيا القديمة تبني خير بنيان
قد شيدوا آية بالشام خالدة
شتى المناهل تروي كل ظمآن
لئن هدوكم لقد كانت أوائلكم
تهدي أوائلهم أزمان أزمان
لا غرو إن عمروا في الأرض وابتكروا
فيها أفانين إصلاح وعمران
فتلك دنياهم في الجو قد نزعت
أعنة الريح من دنيا سليمان
أبت أمية أن تفنى محامدها
على المدى وأبى أبناء غسان
فمن غطارفة في (جلق) نجب
ومن غطارفة في أرض (حوران)
عافوا المذلة في الدنيا فعندهم
عز الحياة وعز الموت سيان
لا يصبرون على ضيم يحاوله
باغ من الإنس أو طاغ من الجان
شققت أسواق (بيروت) فما أخذت
عيناي في ساحها حانوت يوناني
فقلت في غبطة: لله درهم
ليس الفلاح لوان غير يقظان
تيمموا أرض كولمب فما شعرت
منهم بوطء غريب الدار حيران
سادوا وشادوا وأبلوا في مناكبها
بلاء مضطلع بالأمر معوان
إن ضاق ميدان سبق من عزائمهم
صاحت بهم فأروها ألف ميدان
لا يستشيرون إن هموا سوى همم
تأبى المقام على ذل وإذعان
ولا يبالون إن كانت قبورهم
ذرا الشوامخ أو أجواف حيتان
في الكون مورقهم في الشام مغرسهم
والغرس يزكو نقالا بين بلدان
إن لم يفوزوا بسلطان يقرهم
ففي المهاجر قد عزوا بسلطان
أو ضاقت الشأم عن برهان قدرتهم
ففي المهاجر قد جاءوا ببرهان
إنا رأينا كراما من رجالهم
كانوا عليهم لدينا خير عنوان
أنى التقينا التقى في كل مجتمع
أهل بأهل وإخوان بإخوان
كم في نواحي ربوع النيل من طرف (لليازجي) و(صروف) و(زيدان)
وكم لأحيائهم في الصحف من أثر
له (المقطم) و(الأهرام) ركنان
متى أرى الشرق أدناه وأبعده
عن مطمع الغرب فيه غير وسنان
تجري المودة في أعراقه طلقا
كجرية الماء في أثناء أفنان
لا فرق ما بين بوذي يعيش به
ومسلم ويهودي ونصراني
ما بال دنياه لما فاء وارفها
عليه قد أدبرت من غير إيذان
عهد (الرشيد) (ببغداد) عفا ومضى
وفي (دمشق) انطوى عهد (ابن مروان)
ولا تسل بعده عن عهد (قرطبة)
كيف انمحى بين أسياف ونيران
فعلموا كل حي عند مولده:
عليك لله والأوطان دينان
ختم قضاؤهما، حتم جزاؤهما
فاربأ بنفسك أن تمنى بخسران (النيل) وهو إلى (الأردن) في شغف
يهدي إلى (بردى) أشواق ولهان
وفي (العراق) به وجد (بدجلته)
و(بالفرات) وتحنان (لسيحان)
إن دام ما نحن فيه من مدابرة
وفتنة بين أجناس وأديان
رأيت رأي (المعري) حين أرهقه
ما حل بالناس من بغي وعدوان
لا تطهر الأرض من رجس ومن درن
حتى يعاودها (نوح) بطوفان
ولى الشباب وجازتني فتوته
وهدم السقم بعد السقم أركاني
وقد وقفت على الستين أسألها
أسوفت أم أعدت حر أكفاني
شاهدت مصرع أترابي فبشرني
بضجعة عندها روحي وريحاني
كم من قريب نأى عني فأوجعني
وكم عزيز مضى قبلي فأبكاني
من كان يسأل عن قومي فإنهم
ولوا سراعا وخلوا ذلك الواني
إني مللت وقوفي كل آونة
أبكي وأنظم أحزانا بأحزان
إذا تصفحت ديواني لتقرأني
وجدت شعر المراثي نصف ديواني
أتيت مستشفيا والشوق يدفع بي
إلى رباكم وعودي غير فينان
فأنزلوني مكانا أستجم به
وينجلي عن فؤادي برح أحزاني
وجنبوني على شكر موائدكم
بما حوت من أفاويه وألوان
حسبي وحسب النهى ما نلت من كرم
قد كدت أنسى به أهلي وخلاني (44) تهنئة محمد محمود باشا (نشرت في 26 مايو سنة 1929م)
بلقب دكتور الشرف في الحقوق الذي منحته إياه جامعة أكسفورد، وكان رئيسا للوزارة إذ ذاك
شرف الرآسة يا محم
د زانه شرف النهى
بردان من نسج الجلا
ل إليهما الفخر انتهى
جعلا مقرك يا محم
د فوق أكناف السها
زانتك ألقاب الرجا
ل العاملين وزنتها
أمنية قد نالها
أمل الخلود ونلتها
فاسلك سبيلك في الجها
د موفقا ومنزها
واحفظ لمصر حقوق مص
ر فأنت في الجلى لها (45) إلى الدكتور علي إبراهيم بك (باشا) (نشرت في 25 يوليه سنة 1930م)
قالها وقد عمل الدكتور عملية لصاحب الدولة محمد محمود باشا
أيا يدا قد خصها ربها
بآية الإعجاز في الخلق
ومشرطا جمع من رحمة
وصيغ من يمن ومن رفق
نجيتما من مرض قاتل
مطلع آمال بني الشرق
لولاكما لاندك صرح العلا
وانحدر البدر عن الأفق
وباتت الأخلاق في حسرة
على نبيل النفس والخلق
صانكما الله لبرء الورى
وصانه للعرف والحق
وقال فيه أيضا: (ارتجلهما في حفل أقيم لتكريمه سنة 1930م)
قل للطبيب الذي تعنو الجراح له
ماذ اعتددت لجرح العاشق العاني
قد كان مبضعه والجرح يرمقه
يمنى الحبيب تواسي صدر ولهان (46) إلى المستشار محمود غالب بك والأستاذ أحمد لطفي السيد بك مدير الجامعة المصرية (نشرت في 31 مارس 1932م)
قد راع دار العدل طغ
يان وراع الجامعه
فحميتما حرميهما
رغم الخطوب الفاجعه
وقهرتما الباغي على
رد الحقوق الناصعه
لله در المستشا
ر ودر ذاك الباقعه
فهما اللذان تكفلا
عنا بصد القارعه
نظر الحياد بعينه
في الناس هول الواقعه
أمنى المحايد أن يرى
مصر العزيزة ضارعه
كذب الحياد فلن تكو
ن جهود مصر ضائعه
فالحق لا تلوى به
تلك السيوف اللامعه
أصبحت أسأل خاطري
والنفس مني جازعه
أنعيش تحت الليل أم
تحت الشموس الساطعه (47) إلى الدكتور طه حسين (نشرا في 7 أبريل سنة 1932م)
أنشدهما في حفل أقيم للدكتور بفندق مينا هاوس من طلبة الجامعة بعد فصله من منصبه
قد أجدبت دار الجحا والنهى
بعدك من آرائك النافعه
وأخصبت أرجاء مصر بمن
صير مصرا كلها جامعه (48) تهنئة المغفور له جلالة الملك فؤاد بعيد جلوسه
أرأيت رب التاج في
عيد الجلوس وقد تبدى
وشهدت جبريلا يمد
د عليه ظل الله مدا
ونظرت تطواف القلو
ب بساحة العرش المفدى
وسمعت تسبيح الوفو
د بحمده وفدا فوفدا
هذا ابن إسماعيل ر
ب النيل من أغنى وأسدى
النيل يجري تحته
فيخد وجه الأرض خدا
يهب النضار كأنه
من فيض جدواه استمدا
وكأنما هو عالم
بالكيمياء أصاب جدا
يدع الثرى تبرا فهل
شهد الورى للنيل ندا
الناس يوم جلوسه
يستقبلون العيش رغدا
أنى سلكت سمعت أد
عية له وسمعت حمدا
عش يا (أبا الفاروق) وال
بس من نسيج الحمد بردا
ها صولجان الملك من
شجر الجنان إليك يهدى
حدت علا صيد الملو
ك ولا أرى لعلاك حدا
فابن الرجال بناية
يشقى العدو بها ويردى
واضرب بسوط البأس أع
طاف الزمان إذا استبدا
أي الملوك أجل من
ك مكانة وأعز جندا؟
من منهم كفاه يو
م البذل من كفيك أندى؟
من منهم نامت رعي
يته وقام الليل سهدا؟
من منهم ساماك أو
سامى جلالك أو تحدى؟
من منهم أوفى حجا
وحصافة وأبر وعدا؟
في الشرق فانظر هل ترى
حسبا (كإسماعيل) عدا؟
هذي (الجزيرة) و(العرا
ق) (وفارس) يهددن هدا
وإليك (مكة) هل ترى
أحدا بها وإليك (نجدا)
وإليك (تونس) و(الجزا
ئر) قد لبسن العيش نكدا
لم يرتفع في الشرق تا
ج فوق تاج (النيل) مجدا
جددت عهد (الراشدي
ن) تقى وإحسانا وزهدا
ونرى عليك مخايل ال
خلفاء إنصافا ورشدا
جلت صفاتك، كم محو
ت أسى وكم أوريت زندا
أعطيت لا متربحا
أو مخفيا في الجود قصدا
رويت أفئدة الرعي
ية من هواك فكيف تصدى
وملكتهن كما ملك
ت زمام (مصر) أبا وجدا
فإذا نهيت فطاعة
وإذا أمرت فلا مردا
أعطوك طاعة مخلص
ومنحتهم عطفا وودا
أوضحت للمصري نه
ج صلاحه فسعى وجدا
أعددته وكفلته
ورعيته حتى استعدا
ودعوته أن يسترد
د فخار مصر فاستردا
ورد الحياة عزيزة
فنجا وكان الموت وردا
وحمى الكنانة بعد ما
حفرت لنا الأطماع لحدا
فتحت أعيننا فأب
صرن الضياء وكن رمدا
وأقمت جامعة بمص
ر تشد أزر العلم شدا
كم سيد بالعلم كا
ن برغمه للجهل عبدا
ورفعت في ثغر الشغو
ر لمنشآت البحر بندا
أسست مدرسة تعي
د لنا بملك البحر عهدا
فمتى أرى أسطول مص
ر يثير فوق البحر رعدا
ومتى أرى جيش البلا
د يسد عين الشمس سدا
ونظرت في الطيران نظ
رة مصلح لم يأل جهدا
أعددت عدته ولم
تر منه للأوطان بدا
أعظم بأسطول الهوا
ء إذ انبرى فسطا وشدا
من راءه يوم النزا
ل رأى النسور تصيد أسدا
وتراه عند السلم سر
با من طواويس تبدى
وطوائف العمال كم
أوليتها رفدا فرفدا
من ذا يطيق لبعض ما
أصلحت أو أسديت عدا
دم يا (فؤاد) مؤيدا
بالمال والأرواح تفدى
وأعد لنا عهد المع
ز الفاطمي فأنت أهدى (49) تهنئة لصاحب السعادة نجيب الهلالي بك
قال هذين البيتين مرتجلا عندما تولى وكالة المعارف للتعليم الفني والفنون الجميلة سنة 1929م
أضحى (نجيب) وكيلا
لنا ونعم الوكيل
فلينعم الشعر بالا
فالشعر فن جميل
التقريظات
(1) تقريظ كتاب «فحول البلاغة» لمؤلفه السيد توفيق البكري (نشر هذان البيتان في سنة 1313ه)
هذا كتاب مذ بدا سره
للناس قالوا: معجز ثاني
أثابك الله على جمعه
ثواب (عثمان بن عفان) (2) تقريظ «جريدة مصباح الشرق» لصاحبها إبراهيم المويلحي بك
أهل الصحافة لا تضلوا بعده
فسماؤكم قد زانها (المصباح)
الحق فيه زيته، وفتيله
صدق الحديث، ونوره الإصلاح (3) تقريظ ديوان الشاعر الكاتب مصطفى صادق الرافعي (سنة 1321ه-سنة 1904م)
أراك - وأنت نبت اليوم - تمشي
بشعرك فوق هام الأولينا
وأوتيت النبوة في المعاني
وما دانيت حد الأربعينا
فزن تاج الرآسة بعد (سامي)
كما زانت فرائده الجبينا
وهذا الصولجان فكن حريصا
على ملك القريض وكن أمينا
فحسبك أن مطريك (ابن هاني)
وأنك قد غدوت له قرينا (4) تهنئة المؤيد بداره وبمظهره الجديدين (نشرت في 3 أكتوبر سنة 1906م)
أحييت ميت رجائنا بصحيفة
أثنى عليها الشرق والإسلام
أضحت مصلى للبلاغة عندما
سجدت برحب فنائها الأقلام
فعلى مؤيدك الجديد تحية
وعلى مؤيدك القديم سلام (5) تقريظ «حديث عيسى بن هشام» لصاحبه محمد المويلحي بك
قلم إذا ركب الأنامل أو جرى
سجدت له الأقلام وهي جواري
يختال ما بين السطور كضيغم
يختال بين عوامل وشفار
تأوي الظباء إليه وهي أوانس
وتحيد عنه الأسد وهي ضواري
ما حال خلق الماء بين سطوره
إلا إلى خلق الزناد الواري
فإذا رضيت فأحرف من رحمة
وإذا غضبت فأحرف من نار
يابن الذي غنى اليراع بكفه
فصبت إليه مسامع الأقدار
لك في دمي حق أردت وفاءه
يوم الوفاء فقصرت أشعاري
لم ينسني مر الزمان ولم يزل
حفظ الوداد سجيتي وشعاري
هذا كتابك قد حكت آياته
آيات موسى التسع في الإكبار
نسج الحرير أبوك نسج نجاره
ونسجت أنت حرائر الأفكار
فإذا نثرت على الصحيفة خلتها
غرسا ألح عليه صوب قطار
يا صاحب المصباح ما ذنب النهى
حتى حجبت مطالع الأنوار
قد كنت تهديها السبيل بضوئه
فتركتها في ظلمة وعشار
باتت ترجي منك عودة غائب
نور البصائر فيه والأبصار
وشمائل الفكر التي أرسلتها
حكما فأغنتها عن الأسفار
فاشرع يراعك يا (محمد) إنه
نار اللئام وجنة الأحرار
وابعث لنا (عيسى) فهذا وقته
فالناس بين مخادع ومواري
ومطاول في الكاتبين ومدع
في العالمين ومولع بفخار
أمنوا يراعك حين طال سكونه
فتطلعوا لمراتب الأقمار
إني لأنظم ما نثرت وإن يكن
نثر النظيم مطية النثار (6) تقريظ كتاب مرآة العروض
المطبوع سنة 1335ه تأليف الشيخ أحمد عثمان المحرزي القاضي الشرعي (عثمان) إنك قد أتيت موفقا
شروى سميك جامع التنزيل
جمعت أشتات القريض وزدته
حسنا بهذا الشرح والتذييل
وجلوت (مرآة العروض) صقيلة
للنيل فاستوجبت شكر النيل (7) تقريظ صحيفة كوكب الشرق لصاحبها محمد حافظ عوض بك (نشر هذان البيتان في أول عدد صدر منها في 21 سبتمبر سنة 1924م)
يا كوكب الشرق أشرق
فالحادثات تجد
لا تخش طالع سوء
فكوكب الشرق سعد (8) تهنئة المقتطف بعيدها الخمسيني (نشرت في أول يونيو سنة 1926م)
شيخان قد خبرا الوجود وأدركا
ما فيه من علل ومن أسباب
واستبطنا الأشياء حتى طالعا
وجه الحقيقة من وراء حجاب
خمسون عاما في الجهاد كلاهما
شاكي اليراعة طاهر الجلباب
لا تعجبوا إن خضبا قلميهما
وبياض شيبهما بغير خضاب
فلكل حسن حلية يزهى بها
وأرى اليراعة حلية الكتاب
إني نظرت إلى اليراعة في يدي
فحسبتها في القدر عود ثقاب
ونظرتها تنقض من كفيهما
فوق الطروس فخلتها كشهاب
يزهى مدججنا برمح واحد
وأراهما لا يزهيان بغاب
متواضعان ولا أرى متكبرا
غير الجهول مدنسا بالعاب
يتجاذب القطران من فضليهما
ذيل الفخار وليس ذا بعجاب
فهما هنا علمان من أعلامنا
وهما هنالك نخبة الأنجاب
جازا مدى السبعين لم يتوانيا
عن وصل حمد واجتناب سباب
نسباهما قلماهما فليسحبا
ذيلا على الأحساب والأنساب
قلمان مشروعان، في شقيهما
وحي يفيض على أولي الألباب
متساندان إذا الخطوب تألبت
متعانقان تعانق الأحباب
نفحات (آذار) إذا لم يظلما
فإذا هما ظلما فلفحة (آب)
ما سودا بيضاء إلا بيضا
بالكاتبين صحيفة الإعجاب
للمقصد الأسمى لدى حرم النهى
رفعا قبابا حوجزت بقباب
خطا بمقتطف العلوم بدائعا
وروائعا بقيت على الأحقاب
جاءا لنا من كل علم نافع
أو كل فن ممتع بلباب
في كل لفظ حكمة مجلوة
وبكل سطر مهبط لصواب
فاللفظ فيه مقوم بصحيفة
والسطر فيه مقوم بكتاب
داني القطوف كريمة أفياؤه
عذب الورود مفتح الأبواب
ذلل مسالكه فأنى جئته
ألفيت نفسك في فسيح رحاب
تتسابق الأقلام فيه ولا ترى
من عاثر فيها ولا من نابي
كم من يراعة كاتب جالت به
ولعابها في الطرس حلو رضاب
كم من سؤال فيه كان جوابه
إلهام نابغة وفصل خطاب
كم فيه من نهر جرى بطريقة
ترد النهى منه ألذ شراب
وقفت سقاة الفضل في جنباته
تروي النفوس بمترع الأكواب
ماذا أعد وهذه آياته
في العد تعجز أمهر الحساب
قد نسقت وتآلفت فكأنها
في الحسن مثل تآلف الأحزاب
وترى تهافتنا عليه وحرصنا
فتخال فيه مقاعد النواب
يا ثروة القراء من علم ومن
فضل ومن حكم ومن آداب
الشرق أثبت يوم عيدك أنه
ما زال في ري وخصب جناب
عادت سماء الفضل فيه فأطلعت
زهرا من الأعلام والأقطاب
العلم شرقي تغافل أهله
عنه فعاقبهم بطول غياب
وتنبهوا لمصابهم فتضرعوا
فعفا وعاودهم بغير عتاب
فتذوقوا طعم الحياة وأدركوا
ما في الجهالة من أذى وتباب
العلم في البأساء مزنة رحمة
والجهل في النعماء سوط عذاب
ولعل ورد العلم ما لم يرعه
ساق من الأخلاق ورد سراب
إني قرأتك في الكهولة والصبا
وملأت من ثمر العقول وطابي
وأتيت أقضي بعض ما أوليتني
وأقول فيك الحق غير محابي
لو كنت في عهد الفتوة لم أزل
لوهبت للشيخين برد شبابي
لكنني أبليته وطويته
وتخذت من نسج المشيب ثيابي
وأرى ركابي حين شابت لمتي
يحتثها سفر بغير إياب (يعقوب) إنك قد كبرت ولم تزل
في العلم لا تزداد غير تصابي
لاحت برأسك هزة ولعلها
من وقع فكرك لا من الأعصاب
فكر سريع كره متدفع
كتدفع الأمواج فوق عباب
لا يستقر ولا يحدث نفسه
أن ينثني عن جيئة وذهاب
أو أنها طرب بنفسك كلما
وفقت في بحث وكشف نقاب
أو أنها استنكار ما شاهدته
في الناس من لهو وسوء مآب
لم يلهك الإثراء عن طلب العلا
بالجد لا بتصيد الألقاب
لك في سبيل العلم أجر مجاهد
والصبر أجر ملازم المحراب
وإليك من جهد المقل قصيدة
يغنيك موجزها عن الإسهاب
لولا السقام وما أكابد من أسى
للحقت في هذا المجال صحابي (9) تقريظ كتاب «في ظلال الدموع» لصاحبه محمد شوكت التوني (نشر في 7 نوفمبر سنة 1929م)
قد قرأنا ظلالكم فاشتفينا
بارك الله في (ظلال الدموع)
علمتنا لدى الأسى كيف تشفي
مرسلات الدموع داء الضلوع
وأرتنا من الجديد بيانا
لم يكن قبلها كثير الشيوع
في طراز كأنما نسقته
من مجاني الربا بنان الربيع
فعلى كاتب الظلال سلام
من حزين وبائس وصريع
الأهاجي
(1) قال في هجاء الجرائد (نشرا في أول ديسمبر سنة 1917م)
جرائد ما خط حرف بها
لغير تفريق وتضليل
يحلو بها الكذب لأربابها
كأنها أول أبريل (2) في عياب كثير العيوب (نشرا في 2 نوفمبر سنة 1921م)
يا ساكن البيت الزجا
ج هبلت، لا ترم الحصونا
أرأيت قبلك عاريا
يبغي نزال الدارعينا (3) في ملك ضعيف الرأي
لا تعجبوا فمليككم لعبت به
أيدي البطانة وهو في تضليل
إني أراه كأنه في رقعة الش
طرنج أو في قاعة التمثيل (4) في رجل عظيم البطن ضخم البدن
عطلت فن الكهرباء فلم نجد
شيئا يعوق مسيرها إلاكا
تسري على وجه البسيطة لحظة
فتجوبها وتحار في أحشاكا (5) وقال على لسان بعض المتصوفة (في محبوب نافر)
أخرق الدف لو رأيت شكيبا
وأفض الأذكار حتى يغيبا
هو ذكري وقبلتي وإمامي
وطبيبي إذا دعوت الطبيبا
لو تراني وقد تعمدت قتلي
بالتنائي رأيت شيخا حريبا
كان لا ينحني لغيرك إجلا
لا ولا يشتهي سواك حبيبا
لا تعيبن يا شكيب دبيبي (إنما الشيخ من يدب دبيبا)
كم شربت المدام في حضرة الشي
خ جهارا وكم سقيت الحليبا
فسلوا سبحتي فهل كان تسبي
حي فيها إلا (شكيبا شكيبا)
وإذا أدنف الشيوخ غرام
كنت في حلبة الشيوخ نقيبا
عد إلينا فقد أطلت التجافي
واركب البرق إن أطقت الركوبا
وإذا خفت ما يخاف من اليم
م فرشنا لأخمصيك القلوبا
ودعونا بساط صاحب بلقي
س فلبى دعاءنا مستجيبا
وأمرنا الرياح تجري بأمر
منك حتى نراك منا قريبا (6) في بائع كتب صفيق الوجه
أديم وجهك يا زنديق لو جعلت
منه الوقاية والتجليد للكتب
لم يعلها عنكبوت أينما تركت
ولا تخاف عليها سطوة اللهب (7) فيمن كثرت مخازيه
هنا يستغيث الطرس والنقس والذي
يخط ومن يتلو ومن يتسمع
مخاز وما أدري إذا ما ذكرتها
إلى الحمد أدعى أو إلى اللوم أدفع
الإخوانيات
(1) ذكرى وتشوق (نشرت في سنة 1900م)
كتب بها من السودان إلى صديقه محمد بك بيرم
أثرت بنا من الشوق القديم
وذكرى ذلك العيش الرخيم
وأيام كسوناها جمالا
وأرقصنا لها فلك النعيم
ملأناها بنا حسنا فكانت
بجيد الدهر كالعقد النظيم
وفتيان مساميح عليهم
جلابيب من الذوق السليم
لهم شيم ألذ من الأماني
وأطرب من معاطاة النديم
كهمك في الخلاعة والتصابي
وإن كانوا على خلق عظيم
دعوتهم إلى أنس فوافوا
موافاة الكريم إلى الكريم
وجاءوا كالقطا وردت نميرا
على ظمإ وهبوا كالنسيم
وكان الليل يمرح في شباب
ويلهو (بالمجرة) والنجوم
فواصلنا كئوس الراح حتى
بدت للعين أنوار الصريم
وأعملنا بها رأي (ابن هاني)
فألحقنا بأصحاب الرقيم
وظبي من بني مصر غرير
شهي اللفظ ذي خد مشيم
ولحظ بابلي ذي انكسار
كأن بطرفه سيما اليتيم
سقانا في منادمة حديثا
نسينا عنده بنت الكروم
سلام الله يا عهد التصابي
عليك وفتية العهد القديم
أحن لهم ودونهم فلاة
كأن فسيحها صدر الحليم
كأن أديمها أحشاء صب
قد التهبت من الوجد الأليم
كأن شرابها إذ لاح فيها
خداع لاح في وجه اللئيم
تضل بليلها (لهب) فتحكي (بوادي التيه) أقوام الكليم
وتمشي السافيات بها حيارى
إذا نقل الهجير عن الجحيم
فمن لي أن أرى تلك المغاني
وما فيها من الحسن القديم؟
فما حظ (ابن داود) كحظي
ولا أوتيت من علم العليم
ولا أنا مطلق كالفكر أسري
فأستبق الضواحك في الغيوم
ولكني مقيدة رحالي
بقيد العدم في وادي الهموم
نزحت عن الديار أروم رزقي
وأضرب في المهامه والتخوم
وما غادرت في السودان قفرا
ولم أصبغ بتربته أديمي
وهأنا بين أنياب المنايا
وتحت براثن الخطب الجسيم
ولولا سورة للمجد عندي
قنعت بعيشتي قنع الظليم
أيابن الأكرمين أبا وجدا
ويابن عضادة الدين القويم
أقام لديننا أهلوك ركنا
له نسب إلى ركن الحطيم
فما طاف العفاة به وعادوا
بغير العسجدية واللطيم
أتيتك والخطوب تزف رحلي
ولي حال أرق من السديم
وقد أصبحت من سعيي وكدحي
على الأرزاق كالثوب الرديم
فلا تخلق - فديت - أديم وجهي
ولا تقطع مواصلة الحميم (2) عتاب محمد البابلي بك (نشرت في سنة 1900م)
أخي والله قد ملئ الوطاب
وداخلني بصحبتك ارتياب
رجوتك مرة وعتبت أخرى
فلا أجدى الرجاء ولا العتاب
نبذت مودتي فاهنأ ببعدي
فآخر عهدنا هذا الكتاب (3) بين حافظ وداود عمون (نشرت في 26 مارس سنة 1902م)
بعث حافظ بهذه القصيدة إلى داود عمون بك الشاعر اللبناني والمحامي المعروف، فأجابه عليها بقصيدة تأتي بعد.
شجتنا مطالع أقمارها
فسالت نفوس لتذكارها
وبتنا نحن لتلك القصور
وأهل القصور وزوارها
قصور كأن بروج السماء
خدور الغواني بأدوارها
ذكرنا حماها وبين الضلوع
قلوب تلظى على نارها
فمرت بأرواحنا هزة
هي الكهرباء بتيارها
وأرض كستها كرام الشهور
حرائر من نسج (آذارها)
إذا نقطتها أكف الغمام
أرتك الدراري بأزهارها
وإن طالعتها ذكاء الصباح
أرتك اللجين بأنهارها
وإن هب فيها نسيم الأصيل
أتاك النسيم بأخبارها
وخل أقام بأرض الشآم
فباتت تدل على جارها
وأضحت تتيه برب القريض
كتيه البوادي بأشعارها
وللنيل أولى بذاك الدلال
ومصر أحق (ببشارها)
فشمر وعجل إليها المآب
وخل الشآم لأقدارها
فكيف - لعمري - أطقت المقام
بأرض تضيق بأحرارها؟
وأنت المشمر إثر المظال
م تسعى إلى محو آثارها
ثأرت الليالي وأقعدتها
بمصقول عزمك عن ثارها
إذا ثرت ماجت هضاب الشآم
وباتت ترامى بثوارها
ألست فتاها ومختارها
وشبل فتاها ومختارها؟
وإن قلت أصغت ملوك الكلام
ومالت إليك بأبصارها (أداود) حسبك أن المعال
ي تحسب دارك في دارها
وأن ضمائر هذا الوجود
تبوح إليك بأسرارها
وأنك إما حللت الشآم
رأيناك جذوة أفكارها
وإن كنت في مصر نعم النصير
إذا ما أهابت بأنصارها (4) أبيات داود بك التي أجاب بها حافظا
أمن ذكر سلمى وتذكارها
نثرت الدموع على دارها
وعفت القصور لأجل الطلول
تطالع طامس آثارها
وقفت بها ليلتي ناشدا
عساها تبوح بأسرارها
وللدار أنطق آياتها
من الراويات وأخبارها
تعيد عليك ليالي الحمى
بأنجمها وبأقمارها
سلام عليك زمان الشباب
ربيع الحياة بآذارها
لأنت مخفف أحزانها
وأنت مسوغ أكدارها
ولولا الشباب وذكرى الشباب
لعاش الفتى عمره كارها
قطفنا الحياة به حلوة
وقد جاء إبان إمرارها
أطوف في الشرق علي أرى
بلادا تطيب لأحرارها
فلم أر إلا أمورا تسوء
وتصدع أكباد نظارها
فظلم بتلك وذل بهذي
وجهل مغش لأبصارها
تعق مراحم رعيانها
وترعى الولاء لجزارها
إذا شاء (قاسم) رفع الحجاب
تسميه هاتك أستارها
فلا قول إلا لجهالها
ولا رأي إلا لأغرارها
يدب التراخي على تربها
ويجري الخمول بأنهارها
منال الترقي بإرغامها
ومرجى الفلاح بإجبارها
أهذا الذي أورثت أهلها
بلاد العلوم وأنوارها؟
عدمت حياتي إذا لم أقف
حياتي على نفع أمصارها (أحافظ) هذا مجال العلا
فشمر لسبق بمضمارها (أشوقي) (أحافظ) طال السكوت
وترك الأمور لأقدارها
فصوغا القوافي مصقولة
وشقا الجلود ببتارها
عساها تحرك أوطاننا
وتنشر ميت أحيائها
أقول وأعلم أني سأرمى
بأني محرك ثوارها
وأني الدخيل وأني الغريب
وأني النصير لقهارها
أحب بلادي على رغمها
وإن لم ينلني سوى عارها
ولست بأول ذي همة
تصدى الزمان لإنكارها (5) (إلى إسماعيل صبري باشا) عند استقالته من وكالة الحقانية (نشرت في 9 فبراير سنة 1907م)
يا صارما أنف الثواء بغمده
وأبى القرار، ألا تزال صقيلا
فالبيض تصدأ في الجفون إذا ثوت
والماء يأسن إن أقام طويلا
أهلا بمولاي الرئيس وليس من
شرف الرآسة أن أراك وكيلا
فاطرح معاذير السكوت وقل لنا
هلا وجدت إلى الكلام سبيلا؟
واضرب على الوتر الذي اهتزت له
أعطافنا زمنا وغن النيلا
واردد على ملك القريض جماله
تصنع بصاحبك القديم جميلا
ما زال يرجو أن يقال عثاره
حتى أقال الله (إسماعيلا) (6) ذكرى وتشوق (نشرت في 15 يوليه سنة 1908م)
كتب بها إلى صديقه أحمد بك بدر وهو في كلية أدنبره بإنجلترا
ملكت علي مذاهبي
وعصاني الطبع السليم
وجفا يراعي الصاحبا
ن فلا النثير ولا النظيم
أشقى وأكتم شقوتي
والله بي وبها عليم
حلم الأديم وما الذي
أرجو وقد حلم الأديم
لا مصر تنصفني ولا
أنا عن مودتها أريم
وإذا تحول بائس
عن ربعها فأنا المقيم
فيها صحبتك واصطفي
تك أيها الخل الحميم
أنا من عرفت ومن خبر
ت ومن مودته تدوم
لله ذياك الجوا
ر وذلك العيش الرخيم
بالجانب الغربي فو
ق النيل والدنيا نعيم
أيام يعرفنا السرو
ر بها وتنكرنا الهموم
أيام نلهو بالظبا
ء وفي مسارحها نهيم
لا أنت تصغي للعذو
ل ولا أبالي من يلوم
لله أندية لنا
قد زانها الخلق الكريم
لم يغشها وغد ولم
ينزل بساحتها لئيم
تمشي الخلاعة في نوا
حيها تراقبها الحلوم
لهو كما شاء الصبا
وحجا كما شاء الحكيم
ومدامة يسعى بها
متأدب ويطوف ريم
يجري على كاساتها
أنس يخف له الحليم
لا تشتكي منا ولا
يشكو عواقبها النديم
والنيل مرآة تنف
س في صحيفتها النسيم
سلب السماء نجومها
فهوت بلجته تعوم
نشرت عليه غلالة
بيضاء حاكتها الغيوم
شفت لأعيننا سوى
ما شابه منها الأديم
وكأننا فوق السما
ء وتحتنا ذاك السديم
تجري الحوادث حيث تج
ري لا نضام ولا نضيم
لا الصبح يزعجنا بأن
باء الزمان ولا الصريم
يا ليت شعري كيف أن
ت وكيف حالك يا زعيم
أما أنا فكما أنا
أبلى كما يبلى الرديم
لا خل بعدك مؤنس
نفسي ولا قلب رحيم
كاد الزمان لنا ولا
عجب إذا كاد الغريم
أمسى احتواك الزمهري
ر وظل يصهرني الجحيم
فشرابك الماء الشنا
ن وشربي الماء الحميم
ومناك لو طلعت ذكا
ء عليك في يوم يصوم
ومناي لو محقت ذكا
ء وغالها ليل بهيم
فبليتي الحر الألي
م وخطبك القر الأليم
فكأنني فرعون مص
ر وأنت شيطان رجيم
فابعث إلي بنفحة
بردا بها يحدو الهزيم
أبعث إليك بلفحة
حرى بها تجري السموم
أما تحيتنا إلي
ك فسوف يشرحها الرقيم (7) شكر
أنشد هذه القصيدة في فندق الكونتننتال في الحفل الذي أقيم لتكريمه في يوم الجمعة 31 مايو 1912م
ملكتم علي عنان الخطب
وجزتم بقدري سماء الرتب
فمن أنا بين ملوك الكلام
ومن أنا بين كرام الحسب
أتسعى إلي حماة القريض
وتمشي إلي سراة العرب
وتنظم في عقود الجمان
وتنثر فوقي نثار الذهب
وأكرم حتى كأني نبغت
وقمت لمصر بما قد وجب؟
فماذا أتيت من الباقيات
وهذا شبابي ضياعا ذهب
عملت لقومي جهد المقل
على أنه عمل مقتضب
فلم يغن شيئا ولم يجدهم
ولم يبق إلا بقاء الحبب
وهل أنا إلا امرؤ شاعر
كثير الأماني قليل النشب
يقول ويطرب أترابه
ويقنع منهم بذاك الطرب
تعلقت حينا بذيل البيان
وأدخلت نفسي فيمن كتب
فلا السبق لي في مجال النهى
ولا لي يوم الفخار الغلب
ولا أنا من علية الكاتبين
ولا أنا بالشاعر المنتخب
ولكن سما بي عطف الأمير
ورأي الوزير وفضل الأدب
وما كنت أحلم - لولا الوزير -
بهذا الهناء وهذا اللقب
علي أياد له جمة
وفضل قديم شريف السبب
فآنا أقال به عثرتي
وأورى زنادي وآنا وهب
تفيأت منه ظلال النعيم
وأصبحت أعرف لبس القصب
وأمشي اختيالا إلى عابدين
يطالعني بدرها عن كثب
وألثم كف كريم الجدود
غياث العفاة مزيل الكرب
وأحتث بين وفود السراة
مطايا الرجاء لذاك الرحب
أتوا خالصين لوجه الأمير
فلا عن رياء ولا عن رهب
لهم ما يشاءون من ربهم
رضاء الأمير ونيل الأرب
وللكاشحين نكال الزمان
ونحس النجوم ذوات الذنب
فعهد الأمير كعهد الرشيد
يمت إليه بحبل النسب
إليك (أبا حسن) أنتمي
فما زل مولى إليك انتسب
عرفت مكاني فأدنيتني
وشرفت قدري (بدار الكتب)
وعرفت دهري مكان الأديب
وقد كان دهري شديد الكلب
فلو أن لي مرقصات (الخليل)
وإعجاز (شوقي) إذا ما رغب
لقمت بشكرك حق القيام
ولكن طلبت فعز الطلب
فشكري لصنعك شكر النبات
ببطن الفلاة لقطر السحب
وشكرا (لشوقي) رسول القريض ال
كريم الإخاء المتين السبب
وشكرا (لداود) رب اليراع
وشكرا (لسركيس) رب العجب
وشكرا لكل كريم سعى
إلي وكل أديب خطب
هم شجعوني على أن أقول
وما كان لي بينهم مضطرب
هم ألهموني فصيح الكلام
هم علموني طريق النخب
فعنهم أخذت وعنهم صدرت
ومن عندهم فضلي المكتسب
فحيوا عزيز البلاد الذي
على السحب ذيل المعالي سحب
وحيوا (سعيدا) وزير الأمير
قريب الصواب بعيد الغضب
تولى الرآسة والحادثات
تروع النفوس بوقع النوب
فساس البلاد وأرضى العباد
وأرضى الأمير وأرضى الأدب (8) إلى حفني ناصف بك (نشرت في 5 أكتوبر سنة 1912م)
قالها في حفل أقامه أعضاء نادي طنطا لتكريم حفني بك؛ لانتقاله من القضاء إلى التفتيش بنظارة المعارف
يا يوم تكريم (حفني)
أرهفت للقول ذهني
فيا قريض أجبني
ويا بيان أعني
علي أفي بعض ديني
إن كان ذلك يغني
يا من ضربت بسهم
في كل علم وفن
بنيت للشعر فينا
والنثر أعظم ركن
وما خلقت لعمري
في الشرق إلا لتبني
فكل رب يراع
في مصر خريج (حفني)
إن قال شعرا فراح
تدار في يوم دجن
أو قال نثرا فروح
يجتازنا غب مزن
فإن بدأت بقول
منه فبالكأس ثن
وطر إلى اللهو وارغب
عن حكمة المتأني
فالعيش في بنت فكر
تجلى وفي بنت دن
وإن طلبت مزيدا
ففي مناجاة خدن
لولا الحياء ولولا
ديني وعقلي وسني
لقمت في يوم (حفني)
أدعو لسكرة «يني»
ولا أقول (لحفني)
ما قيل قدما (لمعن)
لا تنس عيشا تولى
ما بين شرح ومتن
ولى شبابك فيه
ما بين مد وغن
وذقت من «جاء زيد»
ومن شروح (الشمني)
ومن حواشي الحواشي
على متون (ابن جني)
ما لم تذقك الليالي
قلبن ظهر المجن
أيام (سلطان) يلهو (بمشه) ويغني
يبيت يقصع ما لم
أسمه أو أكني
يشكو إليك وتشكو
إليه عيشة غبن
أيام يدعوك (حفني):
من الحياة أجرني
هات المسدس إني
سئمت (مشي) و(جبني)
من لي بدرهم لحم
عليه حبة سمن
قرمت والله حتى
صاحت عصافير بطني
أيام عيدك يوم
تفوز فيه بدهن
أيام (مهيأ) أشهى
إليك من (سن جون)
أقول هذا وإني
لمحسن فيك ظني
فإن غدوت وزيرا
يوما وجئنا نهني
فلا تكن ذا حجاب
ولا تطل في التجني
ولا تقل من غرور
يأيها الناس إني
أخشى عليك المنايا
حتى كأنك مني
إذا شكوت صداعا
أطلت تسهيد جفني
وإن عراك هزال
هيأت لحدي وقطني
وإن دعوت لحي
يوما فإياك أعني
عمري بعمرك رهن
فعش أعش ألف قرن
نبقى وإبليس فيها
نبلي الليالي ونفني
أسرفت في المزح فاصفح
يا سيدي واعف عني
فالذنب ذنب (شدودي)
فالعن (شدودي) ودعني
قد سن فينا مزاحا
على الحقيقة يجني
ذقت الأمرين منه
فسل (سليما) وسلني
واسمع مديح محب
يطري بحق ويثني
لقد جمعت خلالا
تضمنت كل حسن
مفتشا وفقيها
وقاضيا وابن فن
إن (المعارف) فازت
بمنية المتمني (بحشمت) و(علي
أبي الفتوح) و(حفني) (9) اعتذار إلى أحمد شوقي بك (نشرت في 15يناير سنة 1913م)
كتب به إليه حينما أقيم حفل زواج كريمته السيدة أمينة هانم بحامد العلايلي بك في كرمة ابن هانئ ولم يحضره حافظ لمرض ألم به
يا سيدي وإمامي
ويا أديب الزمان
قد عاقني سوء حظي
عن حفلة المهرجان
وكنت أول ساع
إلى رحاب (ابن هاني)
لكن مرضت لنحسي
في يوم ذاك القران
وقد كفاني عقابا
ما كان من حرماني
حرمت رؤية (شوقي)
ولثم تلك البنان
فاصفح فأنت خليق
بالصفح عن كل جاني
وعش لعرش المعاني
ودم لتاج البيان
إن فاتني أن أوفي
بالأمس حق التهاني
فاقبله مني قضاء
وكن كريم الجنان
والله يقبل منا الص
لاة بعد الأوان (10) دعابة (نشرت في 15 يوليه سنة 1913م)
رزق الشيخ أمين تقي الدين الأديب السوري بمولود سماه حافظا، وقال فيه:
لي ولد سميته حافظا
تيمنا بحافظ الشاعر
فقال حافظ:
كحافظ إبراهيم لكنه
أجمل خلقا منه في الظاهر
فلعنة الله على (حافظ)
إن لم يكن بالشاعر الماهر
لعل أرض الشام تزهى به
على بلاد الأدب الزاهر
على بلاد النيل تلك التي
تاهت بأصحاب الذكا النادر (شوقي) و(مطران) و(صبري) ومن
سميته في مطلعي الباهر
فقال الشيخ أمين:
واخجلتي إن لم يجئ شاعرا
ينسي أباه حكمة الناثر
شعر نظمناه ولولا الذي
رزقته ما مر بالخاطر
فقال حافظ:
فيا وليدي كن غدا شاعرا
وابدأ بهجو الوالد الآمر
فالذنب ذنبي وأنا المعتدي
هل يسلم الشاعر من شاعر (11) بين شوقي وحافظ (نشرت في سنة 1917م)
كان (أحمد شوقي بك) قد بعث بأبيات ثلاثة وهو في منفاه بالأندلس إلى حافظ، وهي:
يا ساكني مصر إنا لا نزال على
عهد الوفاء - وإن غبنا - مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم
شيئا نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة
ما أبعد النيل إلا عن أمانينا (12) فأجابه حافظ بهذه الأبيات (نشرت في 8 مايو سنة 1917م)
عجبت لليل يدري أن بلبله
صاد ويسقي ربا مصر ويسقينا
والله ما طاب للأصحاب مورده
ولا أرتضوا بعدكم من عيشهم لينا
لم تنأ عنه وإن فارقت شاطئه
وقد نأينا وإن كنا مقيمينا (13) بين حافظ والهراوي
احتجب المرحوم حافظ إبراهيم بك حين كان بدار الكتب المصرية بعض أيام في بيته بالجيزة سنة 1918م فذهب صديقه محمد الهراوي الشاعر المعروف ليزوره، ولما رآه على غير حالته المألوفة جالت بعض المعاني في خاطره، فارتجل هذه الأبيات:
يا رئيس الشعر قل لي
ما الذي يقضي الرئيس
أنت في الجيزة خاف
مثلما تخفى الشموس
قابع في كسر بيت
قد أظلته الغروس
زاهد في كل شيء
مطرق ساه عبوس
أين شعر منك نضر
فلنا فيه مسيس
وحديث منك حلو
يتشهاه الجلوس
وفكاهات عذاب
تتمناها النفوس
قد جفوت الشعر حتى
حدثت عنك الطروس
وهجرت الناس حتى
ساءلوا أين الأنيس؟
فأجابه حافظ على البديهة أيضا:
أنا في الجيزة ثاو
ليس لي فيها أنيس
أنكر الأنس مكاني
ونأى عني الجليس
ليس يدري من رآني
أطليق أم حبيس (14) دعابة كتب بها إلى السيد محمد الببلاوي نقيب الأشراف (لما ولي نقابة الأشراف في سنة 1920م)
قل للنقيب لقد زرنا فضيلته
فذادنا عنه حراس وحجاب
قد كان بابك مفتوحا لقاصده
واليوم أوصد دون القاصد الباب
هلا ذكرت (بدار الكتب) صحبتنا
إذ نحن رغم صروف الدهر أحباب
لو أنني جئت (للبابا) لأكرمني
وكان يكرمني لو جئته (الباب)
لا تخش جائزة قد جئت أطلبها
إني شريف وللأشراف أحساب
فاهنأ بما نلت من فضل وإن قطعت
بيني وبينك بعد اليوم أسباب (15) استئذان الرئيس (نشرا في 25 نوفمبر سنة 1924م)
بيتان ارتجلهما في الاستئذان على المغفور له سعد زغلول باشا
قل للرئيس أدام الله دولته
بأن شاعره بالباب منتظر
إن شاء حدثه أو شاء أطربه
بكل نادرة تجلى بها الفكر (16) دعابة
قالها في الدكتور محجوب ثابت سنة 1927م، وكان كلاهما في ضيافة المرحوم سعد زغلول باشا في مسجد وصيف، وكان الدكتور - فيما قالوا - مشغولا بأمرين إذ ذاك: وزارة يتولاها، وفتاة غنية من بيت عريق يتزوجها وإلى هذا يشير الشاعر في هذه القصيدة:
يرغي ويزبد بالقافات تحسبها
قصف المدافع في أفق البساتين
من كل قاف كأن الله صورها
من مارج النار تصوير الشياطين
قد خصه الله بالقافات يعلكها
واختص سبحانه بالكاف والنون
يغيب عنه الحجا حينا ويحضره
حينا فيخلط مختلا بموزون
لا يأمن السامع المسكين وثبته
من (كردفان) إلى أعلى (فلسطين)
بينا تراه ينادي الناس في (حلب)
إذا به يتحدى القوم في (الصين)
ولم يكن ذاك عن طيش ولا خبل
لكنها عبقريات الأساطين
يبيت ينسج أحلاما مذهبة
تغني تفاسيرها عن (ابن سيرين)
طورا وزيرا مشاعا في وزارته
يصرف الأمر في كل الدواوين
وتارة زوج عطبول خدلجة
حسناء تملك آلاف الفدادين
يعفى من المهر إكراما للحيته
وما أظلته من دنيا ومن دين (17) دمع السرور
قال هذين البيتين عند زيارته للمجمع العلمي بدمشق
شكرت جميل صنعكم بدمعي
ودمع العين مقياس الشعور
لأول مرة قد ذاق جفني - على ما ذاقه - دمع السرور (18) دعابة كتب بها إلى صديق له
وكانت جوابا عن قصيدة دعابية أيضا بعث بها إليه هذا الصديق
وافى كتابك يزدري
بالدر أو بالجوهر
فقرأت فيه رسالة
مزجت بذوب السكر
أجريت في أثنائها
نهر انسجام الكوثر
وفرطت بين سطورها
منظوم تاج القيصر
وخبأت في ألفاظها
من كل معنى مسكر
فترى المعاني الفارسي
ية في مغاني الأسطر
كالغانيات تقنعت
خوف المريب المجتري
معنى ألذ من الشما
تة بالعدو المدبر
أو من عتاب بين مح
بوب وحب معذر
أو فترة أضاعها ال
مقامر عند الميسر
أو مجلس للخمر مع
قود بيوم ممطر
تسعون بيتا شدتها
فوق سنان السمهري
والسمهري قلم
في كف ليث قسور
أفتى القوافي كيف أن
ت؟ فقد أطلت تحسري؟
أترى أراك أم اللقا
ء يكون يوم المحشر
ما كان ظني أن تعي
ش أيا لئيم المكسر
ولقد قذفت إلى الجحي
م وبئس عقبى المنكر
تالله لو أصبحت (أف
لاطون) تلك الأعصر
وغدا (أبقراط) ببا
بك كالعديم المعسر
وبرعت (جالينوس) أو (لقمان) بين الحضر
ما كنت إلا تافه ال
آداب عند المعشر
غفرانك اللهم إذ
ني من ظلامته بري
سويته كالكركد
ن وجاءنا كالأخدري
وجه ولا وجه الخطو
ب وقامة لم تشبر
ومن العجائب أن مث
ل لسانه لم يبتر
كم بات يلتحم العرو
ض وجاء بالأمر الفري
فافعل به اللهم كالن
مروذ فهو بها حري
وأنزل عليه السخط إن
أمسى ولم يستغفر
فهو الذي ابتدع الربا
وأقام ركن الفجر
وأقام دين عبادة الد
ينار بين الأظهر
ولقد عجبت لبخله
ولكفه المستحجر
لا يصرف السحتوت إل
لا وهو غير مخير
لو أن في إمكانه
عيشا بغير تضور
لاختار سد الفتحتي
ن وقال: يا جيب احذر (19) عتاب كتب به إلى محمد سليمان أباظة بك
طال الحديث عليكم أيها السمر
ولاح للنوم في أجفانكم أثر
وذلك الليل قد ضاعت رواحله
فليس يرجى له من بعدها سفر
هذي مضاجعكم يا قوم فالتقطوا
طيب الكرى بعيون شابها السهر
هل ينكر النوم جفن - لو أتيح له -
إلا أنا ونجوم الليل والقمر؟
أبيت أسأل نفسي كيف قاطعني
هذا الصديق ومالي عنه مصطبر
فما مطوقة قد نالها شرك
عند الغروب إليه ساقها القدر
باتت تجاهد هما وهي آيسة
من النجاة وجنح الليل معتكر
وبات زعلولها في وكرها فزعا
مروعا لرجوع الأم ينتظر
يحفز الخوف أحشاه وتزعجه
إذا سرت نسمة أو وسوس الشجر
مني بأسوأ حالا حين قاطعني
هذا الصديق فهلا كان يدكر
يابن الكرام أتنسى أنني رجل
لظل جاهك بعد الله مفتقر
إني فتاك فلا تقطع مواصلتي
هبني جنيت فقل لي كيف أعتذر؟ (20) استعطاف
بعث به للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
لقد بت محسودا عليك لأنني
فتاك، وهل غير المنعم يحسد
فلا تبلغ الحساد مني شماتة
ففعلك محمود وأنت محمد (21) وداع محمد المويلحي بك حين سفره إلى معرض باريس
يا كاتب الشرق ويا خير من
تتلو بنو الشرق مقاماته
سافر وعد يحفظك رب الورى
وابعث لنا عيسى بآياته
وقال يستقبله عند عودته من هذا المؤتمر:
من لم ير المعرض في اتساع
وفاته ما فيه من إبداع
فمعرض القوم بلا نزاع
في نفثة من ذلك اليراع (22) عتاب كتب به إلى جماعة من أصحابه
تناءيت عنكم فحلت عرا
وضاعت عهود على ما أرى
وأصبح حبل أتصالي بكم
كخيط الغزالة بعد النوى
وقد زال ما كان من ألفة
وود زوال شهاب الدجى
كأن بقاء الوفا بينكم
وبيني بقاء حباب الحيا
سكنت إليكم ولم تسكنوا
إلي وقد كنت نعم الفتى
ونفسي فريقان: هذا به
مزجت الوفاء، وذاك الندى
أصبتم تراثا وألهاكم الت
كاثر عنا فسر العدا
ومن كان ينسيه إثراؤه
صديق الخصاصة لا يصطفى (23) ذكرى
كتب بها من السودان إلى طائفة من إخوانه
من واجد منفر المنام
طريد دهر جائر الأحكام
مشتت الشمل على الدوام
ملازم للهم والسقام
إليكم يا نزهة الأنام
وفتية الإيناس والمدام
من أقسموا بألزم الأقسام
بأن يقضوا دولة الظلام
ما بين بنت الحان والأنغام
ومطرب من خيرة الأقوام
أرق من شعر (أبي تمام)
ومجلس في غفلة الأيام
قد مل فيه كاتب الآثام
تحية كالورد في الكمام
أزهى من الصحة في الأجسام
يسوقها شوق إليكم نامي
تقصر عنه همة الأقلام
يا ليت شعري بعد هذا العام
إليكم ترمي بي المرامي
أم ينتويني رائد الحمام
فأنطوي في هذه الآكام
وتولم الضبع على عظامي
ولائما للوحش في الإظلام
فإن أتى يومي وأودى لامي
وبات زاد الدود والرغام
بالله أدعوكم وبالإسلام
أن تذكروا ناظم ذا الكلام
إذا جلستم مجلسا للجام
وكان ساقيكم من الآرام
في ليلة والبدر في تمام (24) وداع لصديقيه محمد بدر وأحمد بدر عند سفرهما إلى بلاد الإنجليز للتعلم
سيرا أيا بدري سماء العلا
واستقبلا التم ولا تأفلا
سيرا إلى مهد العلوم التي
كانت لنا ثم ازدهاها البلى
سيرا إلى الأرض التي أنبتت
عزا وأضحت للملا موئلا
يمشي عليها الدهر مستخذيا
وتجزع الأحداث أن تنزلا
شعار أهليها وأبنائها
أن يعلم المرء وأن يعملا
فزينا المجد بنور النهى
وجملا الجاه بأن تكملا
واستبقا العلياء واستمسكا
بعروة الصبر ولا تعجلا
وخبرا الغرب وأبناءه
بأننا نحن الرجال الألى
لئن غدا الدهر بنا مدبرا
لا بد للمدبر أن يقبلا
لا زلتما فرعين في دوحة
تظل من رجى ومن أملا
نمتكما مصر ورباكما
أب كريم جد حتى علا
مضى وقد أولاكما نعمة
لا تبسطا فيها ولا تغللا
فرحمة الله على والد
كساكما الإعزاز بين الملا (25) إلى أحمد شوقي بك يودعه حين سفره إلى مؤتمر المستشرقين
يا شاعر الشرق اتئد
ماذا تحاول بعد ذاك
هذي النجوم نظمتها
درر القريض وما كفاك
والبدر قد علمته
أدب المثول إذا رآك
وسموت في أفق السعو
د فكدت تعثر بالسماك
وحباك عباس المحا
مد بالمواهب واصطفاك
ودعتك مصر رسولها
للغرب مذ عرفت علاك
فارحل وعد بوديعة الر
رحمن أنت وصاحباك (26) إلى صديقه محمد عبده البابلي بك يعاتبه
كتب بها إليه من السودان
إن عضيك يا أخي بالملام
لا يؤدي لمثل هذا الخصام
أنت و(الشمس) (والضحى) والليالي ال
عشر (والفجر) غير راعي الذمام
ما عهدناك يا كريم السجايا
تصرف النفس عن هنات الكرام
ليس في كتبنا سؤال نوال
منك حتى خشيت رد السلام
نحن نرضى بالقوت من هذه الدن
يا وإن بات دون قوت النعام
وإذا خان قسمنا ما شكونا
لسوى الله أعدل القسام
كيف تنسى يا (بابلي) غريبا
بات بين الظنون والأوهام
وحزينا إذا تنفس عادت
فحمة الليل جمرة من ضرام
وإذا أن كاد ينصدع الأف
ق وتعتل دورة الأجرام
بات تحت البلاء حتى تمنى
لو يكون المبيت تحت الرغام
وكتب إليه أيضا يعاتبه ويداعبه:
أدلال ذاك أم كسل
أم تناس منك أم ملل
أم غريق أنت في جذل
أم بكاسات الهنا ثمل
أم - وقاك الله - في كدر
أم على الأعذار متكل
أم مشوق مغرم وله
شفه التشبيب والغزل
أم غني بات يشغله
ماله والكسب والأمل
أم وشى واش إليك بنا
فاحتواك الشك (يا بطل)
قد مضى شهر وأعقبه
ضعفه والفكر مشتغل
لا كتاب منك يطفئ ما
في فؤادي بات يشتعل
لا ولا رد يعللني
أو على التسليم يشتمل
يا صديقي لا مؤاخذة
أنت يابن البابلي ... ...
وكتب إليه أيضا يتشوق:
نمى يا بابلي إليك شوقي
وعيني لازمت سكب الدموع
ولو أني تركت سراح قلبي
لطار إليك من قفص الضلوع (27) شكر وزير زار حافظا في منزله
لا غرو إن أشرق في منزلي
في ليلة القدر محيا الوزير
فالبدر في أعلى مداراته
للعين يبدو وجهه في الغدير (28) دعابة كتب بها إلى الأستاذ حامد سري
في يوم زفافه (2 نوفمبر 1917) يستهديه من طعام العرس وثيابا يلبسها، وكانا إذ ذاك متجاورين بالجيزة:
أحامد كيف تنساني وبيني
وبينك يا أخي صلة الجوار
سأشكو للوزير فإن توانى
شكوتك بعده للمستشار
أيشبع مصطفى الخولي وأمسي
أعالج جوعتي في كسر داري
وبيتي فارغ لا شيء فيه
سواي وإنني في البيت عاري
ومالي جزمة سوداء حتى
أوافيكم على قرب المزار
وعندي من صحابي الآن رهط
إذا أكلوا فآساد ضواري
فإن لم تبعثن إلي حالا
بمائدة على متن البخار
تغطيها من الحلوى صنوف
ومن حمل تتبل بالبهار
فإني شاعر يخشى لساني
وسوف أريك عاقبة احتقاري
الوصف
(1) وصف كساء له (نشرت في سنة 1900م)
قالها ارتجالا في مجلس من إخوانه
لي كساء أنعم به من كساء
أنا فيه أتيه مثل الكسائي
حاكه العز من خيوط المعالي
وسقاه النعيم ماء الصفاء
وتبدى في صبغة من أديم ال
ليل مصقولة بحسن الطلاء
خاطه ربه بإبرة يمن
أوجروا سمها خيوط الهناء
فكأني - وقد أحاط بجسمي -
في لباس من العلا والبهاء
تكبر العين رؤيتي وتراني
في صفوف الولاة والأمراء
ألف الناس - حيث كنت - مكاني
ألفة المعدمين شمس الشتاء
يا ردائي وأنت خير رداء
أرتجيه لزينة وازدهاء
لا أحالت لك الحوادث لونا
وتعدتك ناسجات الجواء
غفلت عنك للبلى نظرات
وتخطتك إبرة الرفاء
صحبتني قبل اصطحابك دهرا
بدلة في تلون الحرباء
نسبوها لطيلسان (ابن حرب)
نسبة لم تكن بذات افتراء
كنت فيها إذا طرقت أناسا
أنكروني كطارق من وباء
كسف الدهر لونها واستعارت
لون وجه الكذوب عند اللقاء
يا ردائي جعلتني عند قومي
فوق ما أشتهي وفوق الرجاء
إن قومي تروقهم جدة الثو
ب ولا يعشقون غير الرواء
قيمة المرء عندهم بين ثوب
باهر لونه وبين حذاء
قعد الفضل بي وقمت بعزي
بين صحبي، جزيت خير الجزاء (2) الحاكي (نشرت في سنة 1900م)
وجدوا السبيل إلى التقاطع بيننا
والسمع يملكه الكذوب الحاذق
لا تجعلي الواشين رسلك في الهوى
فلأصدق الرسل الجماد الناطق (3) الشمس (نشرت في 15 نوفمبر سنة 1900م)
لاح منها حاجب للناظرين
فنسوا بالليل وضاح الجبين
ومحت آيتها آيته
وتبدت فتنة للعالمين
نظر إبراهام فيها نظرة
فأرى الشك وما ضل اليقين
قال: ذا ربي، فلما أفلت (قال: إني لا أحب الآفلين)
ودعا القوم إلى خالقها
وأتى القوم بسلطان مبين
رب إن الناس ضلوا وغووا
ورأوا في الشمس رأي الخاسرين
خشعت أبصارهم لما بدت
وإلى الأذقان خروا ساجدين
نظروا آياتها مبصرة
فعصوا فيها كلام المرسلين
نظروا بدر الدجى مرآتها
تتجلى فيه حينا بعد حين
ثم قالوا: كيف لا نعبدها
هل لها فيما ترى العين قرين؟
هي أم الأرض في نسبتها
هي أم الكون والكون جنين
هي أم النار والنور معا
هي أم الريح والماء المعين
هي طلع الروض نورا وجنى
هي نشر الورد، طيب الياسمين
هي موت وحياة للورى
وضلال وهدى للغابرين
صدقوا لكنهم ما علموا
أنها خلق سيبلى بالسنين
أإله لم ينزه ذاته
عن كسوف، بئس زعم الجاهلين
إنما الشمس وما في آيها
من معان لمعت للعارفين
حكمة بالغة قد مثلت
قدرة الله لقوم عاقلين (4) دولة السيف ودولة المدفع (نشرت في 23 نوفمبر في 1900م)
يا دولة القواضب الصقال
وصولة الذوابل الطوال
كم شدت بين الأعصر الخوالي
ممالكا عزيزة المنال
قامت بحد الأبيض القصال
وسن ذاك الأسمر العسال
راحت بها الأيام والليالي
وخلفتها دولة الجلال
مملكة المدفع ذات الخال
قامت بحول النار والزلزال
فأرهبت أفئدة الأبطال
أرهبها مزعزع الجبال
ومفزع الليوث في الدحال
وقاطع الآجال والآمال
وخاطف الأرواح من أميال
يثور كالبركان في النزال
فيتبع الأهوال بالأهوال
ويرسل النار على التوالي
فيحطم الهام ولا يبالي
ما كوكب الرجم هوى من عالي
فمر كالفكر سرى بالبال
على عنيد مارد محتال
مسترق للسمع في ضلال
من عالم التسبيح والإهلال
أمضى وأنكى منه في القتال
إذا سرت قنبلة الوبال
من فمه المحشو بالنكال
ينذرهم في ساحة المجال
بالبرق والرعد وبالآجال
ولم يكن كذلك الختال
يحز في الهام وفي الأوصال
صامت قول ناطق الفعال
رأيته كالقوم في المثال
مالوا عن القول إلى الأعمال
فامتلكوا ناصية المعالي (5) ليلة عيد جلوس الخديوي
يصف فيها الزينة الكبرى التي أقيمت بحديقة الأزبكية في مساء 8يناير سنة 1901م
يا ليلة ألهمتني ما أتيه به
على حماة القوافي أينما تاهوا
إني أرى عجبا يدعو إلى عجب
الدهر أضمره والعيد أفشاه
هل ذاك ما وعد الرحمن صفوته
روض وحور وولدان وأمواه
أم الحديقة ذات الوشي قد حليت
في منظر يستعيد الطرف مرآه
أرى المصابيح فيها وهي مشرقة
كأنها النور والوسمي حياه
أو إنما هي ألفاظ مدبجة
وكل لفظ تجلى فيه معناه
أرى عليها قلوب القوم حائمة
كالطير لاح له ورد فوافاه
أرى بني مصر تحت الليل قد نسلوا
إلى سعود به ضاح محياه
أرى على الأرض حليا قد نسيت به
حلي السماء وحسنا لست أنساه
أرى أريكة (عباس) تحف بها
وقاية الله والإقبال والجاه
أرى سمو خديوينا وقد بسطت
بالعدل والبذل يمناه ويسراه
قل للألي جعلوا للشعر جائزة
فيم الخلاف! ألم يرشدكم الله!
إني فتحت لها صدرا تليق به
إن لم تحلوه فالرحمن حلاه
لم أخش من أحد في الشعر يسبقني
إلا فتى ما له في السبق إلاه
ذاك الذي حكمت فينا يراعته
وأكرم الله (والعباس) مثواه (6) البورصة (نشرت في 24 ديسمبر سنة 1904)
ببابك النحس والسعود
وموقف اليأس والرجاء
وفيك قد حارت اليهود
يا مطلع السعد والشقاء
ووجهك الضاحك العبوس
قد ضاق عن وصفه البيان
كم سطرت عنده طروس
بقسمة العز والهوان
وطؤطئت دونه رءوس
يهتز من خوفها الزمان
وكم أطافت به وفود
وأكثروا حوله الدعاء
فرابح نجمه سعيد
وطامع بالخسار باء
لما علت صيحة المنادي
وأصبح القوم في عناء
وشمرت ثروة البلاد
وضجت الأرض والسماء
قنعت بالقطن في الوساد
وفي الحشيات والغطاء
وإنما العاقل الرشيد
من سار في منهج النجاء
بالله يا قوم لا تزيدوا
فإن آمالكم هباء
مضاربات هي المنايا
ورسلها أحرف البروق
صبوح أصحابها الرزايا
وما لهم دونها غبوق
قد أتلفت أنفس البرايا
بأسهم الغدر والعقوق
هبوطها الموت، والصعود
ضرب من البؤس والبلاء
وما لها عندهم عهود
إلا كما تعهد النساء
كم «بالة» سببت وبالا
وأشبهت لامع السراب
وبذرة أنبتت خبالا
وأثمرت عاجل الخراب
وكم غني أضاع مالا
وشاب في موقف الحساب
فليتعظ منكم البعيد
وليتق الله ذو الثراء
فذلك التاجر الشهيد
قد عاف من أجلها البقاء (7) زلزال مسينا سنة 1908م
نبئاني إن كنتما تعلمان
ما دهى الكون أيها الفرقدان
غضب الله أم تمردت الأر
ض فأنحت على بني الإنسان؟
ليس هذا - سبحان ربي - ولا ذا
ك ولكن طبيعة الأكوان
غليان في الأرض نفس عنه
ثوران في البحر والبركان
رب، أين المفر والبحر والبر
ر على الكيد للورى عاملان؟
كنت أخشى البحار والموت فيها
راصد غفلة من الربان
سابح تحتنا، مطل علينا
حائم حولنا، مناء مداني
فإذا الأرض والبحار سواء
في خلاق كلاهما غادران
ما (لمسين) عوجلت في صباها
ودعاها من الردى داعيان
ومحت تلكم المحاسن منها
حين تمت آياتها - آيتان
خسفت، ثم أغرقت، ثم بادت
قضي الأمر كله في ثواني
وأتى أمرها فأضحت كأن لم
تك بالأمس زينة البلدان
ليتها أمهلت فتقضي حقوقا
من وداع اللدات والجيران
لمحة يسعد الصديقان فيها
باجتماع ويلتقي العاشقان
بغت الأرض والجبال عليها
وطغى البحر أيما طغيان
تلك تغلي حقدا عليها فتنشق
ق انشقاقا من كثرة الغليان
فتجيب الجبال رجما وقذفا
بشواظ من مارج ودخان
وتسوق البحار ردا عليها
جيش موج نائي الجناحين داني
فهنا الموت أسود اللون جون
وهنا الموت أحمر اللون قاني
جند الماء والثرى لهلاك ال
خلق ثم استعان بالنيران
ودعا السحب عاتيا فأمدت
ه بجيش من الصواعق ثاني
فاستحال النجاء واستحكم اليأ
س وخارت عزائم الشجعان
وشفى الموت غله من نفوس
لا تباليه في مجال الطعان
أين (ردجو) وأين ما كان فيها
من مغان مأهولة وغواني
عوجلت مثل أختها ودهاها
ما دهاها من ذلك الثوران
رب طفل قد ساخ في باطن الأر
ض ينادي: أمي، أبي، أدركاني
وفتاة هيفاء تشوى على الجم
ر تعاني من حره ما تعاني
وأب ذاهل، إلى النار يمشي
مستميتا تمتد منه اليدان
باحثا عن بناته وبنيه
مسرع الخطو مستطير الجنان
تأكل النار منه لا هو ناج
من لظاها ولا اللظى عنه واني
غصت الأرض.. أتخم البحر مما
طوياه من هذه الأبدان
وشكا الحوت للنسور شكاة
رددتها النسور للحيتان
أسرفا في الجسوم نقرا ونهشا
ثم باتا من كظة يشكوان
لا رعى الله ساكن القمم الشم
م ولا حاط ساكن القيعان
قد أغارا على أكف براها
بارئ الكائنات للإتقان
كيف لم يرحما أناملها الغر
ر ولم يرفقا بتلك البنان
لهف نفسي وألف لهف عليها
من أكف كانت صناع الزمان
مولعات بصيد كل جميل
ناصبات حبائل الألوان
حافرات في الصخر أو ناقشات
شائدات روائع البنيان
منطقات لسان كل جماد
مفحمات سواجع الأفنان
ملهمات من دقة الصنع ما لا
يلهم الشعر من دقيق المعاني
من تماثيل كالنجوم الدراري
يهرم الدهر وهي في عنفوان
عجب صنعها وأعجب منه
صنعه، تلك قدرة الرحمن
إيه «مسين» آنسي اليوم «بمبي
ي» فقد أوحشت بذاك المكان
آنسي الدرة التي كانت الحل
ية في تاج دولة (الرومان)
غالها قبلك الزمان اغتيالا
وهي تلهو في غبطة وأمان
جاءها الأمر والسراة عكوف
في الملاهي على غناء القيان
بين صب مدله وطروب
وخليع في اللهو مرخى العنان
فانطووا كانطواء أهلك بالأم
س وزالت بشاشة العمران
أنت (مسين) لن تزولي كما زا
لت ولكن أمسيت رهن الأوان
إن إيطاليا بنوها بناة
فاطمئني ما دام في الحي باني
فسلام عليك يوم تولي
ت بما فيك من مغان حسان
وسلام عليك يوم تعودي
ن كما كنت جنة الطليان
وسلام من كل حي على الأر
ض على كل هالك فيك فاني
وسلام على الألى أكل الذئ
ب وناشت جوارح العقبان
وسلام على امرئ جاد بالدم
ع وثنى بالأصفر الرنان
ذاك حق الإنسان عند بني الإن
سان لم أدعكم إلى إحسان
فاكتبوا في سماء (ردجو) و(مسي
نا) و(كالبريا) بكل لسان
ها هنا مصرع الصناعة والتص
وير والحذق والحجا والأغاني (8) براعة غناء (نشرت في 15 نوفمبر سنة 1908م)
قالها في جاك رومانو المغني الإسرائيلي المعروف
ارحمونا - بني اليهود - كفاكم
ما جمعتم بحذقكم من نقود
واصفحوا عن عقولنا ودعوا الخل
ق بسر التوراة والتلمود
لا تزيدوا على الصكوك فخاخا
من غناء ما بين دف وعود
ويحكم إن (جاك) أسرف حتى
زاد في قومه على (داود)
أسكتوه لا أسكت الله ذاك الص
وت صوت المتيم الغريد
أو دعوه، فداؤه إن تغنى
كل نفس وكل ما في الوجود
وقال فيه أيضا:
يا (جاك) إنك في زمانك واحد
ولكل عصر واحد لا يلحق
إن الألى قد عاصروك وفاتهم
أن يسمعوك كأنهم لم يخلقوا
قد جاء (موسى) بالعصا وأتيتنا
بالعود يشدو في يديك وينطق
فإذا ارتجلت لنا الغناء فكلنا
مهج تسيل وأنفس تتحرق
فمطالب بإعادة ومطالب
بزيادة ومهلل ومصفق
تتسابق الأسماع صوبك كلما
غنيتها شوقا إليك وتعنق
وتود أفئدة هتكت شغافها
لو أنها بذيولها تتعلق
خلق كما شاء الجليس وشيمة
يذكو بها صدر الندي ويعبق
ومروءة لو أنها قد قسمت
بين اليهود لأحسنوا وتصدقوا (9) نادي الألعاب الرياضية (ليلة السبت 8 أبريل 1916م)
أنشدها في ليلة أحياها نادي الألعاب الرياضية بالأوبرا السلطانية
بنادي الجزيرة قف ساعة
وشاهد بربك ما قد حوى
ترى جنة من جنان الربيع
تبدت مع الخلد في مستوى
جمال الطبيعة في أفقها
تجلى على عرشه واستوى
فقل للحزين وقل للعليل
وقل للملول: هناك الدوا
وقل للأديب: ابتدر ساحها
إذا ما البيان عليك التوى
وقل للمكب على درسه
إذا نهك الدرس منه القوى:
تنسم صباها تجدد قواك
فأرض الجزيرة لا تجتوى
ففيها شفاء لمرضى الهموم
وملهى كريم لمرضى الهوى
وفيها وفي نيلها سلوة
لكل غريب رمته النوى
وفيها غذاء لأهل العقول
إذا الرأس إثر كلال خوى
ويا رب يوم شديد اللظى
روى عن جهنم ما قد روى
به الريح لفاحة للوجوه
به الشمس نزاعة للشوى
قصدت الجزيرة أبغي النجاة
وجسمي شواه اللظى فاشتوى
فألفيت ناديها زاهرا
وألفيت ثم نعيما ثوى
فأنزلني منزلا طيبا
وروى فؤادي حتى ارتوى
وأطفأ وارف تلك الظلال
سعير الهجير وحر الجوى
وحل الأصيل عقال الشمال
فهبت بنشر إليها انضوى
فأحيت بنفسي ذكرى الشباب
وما كان منها ومنه انطوى
وعاود قلبي ذاك الخفوق
وقد كان بعد المشيب ارعوى
فما بال قومي لا يأخذون
لتلك الجنان طريقا سوا
وما بال قومي لا ينزلون
بغير (جربي) و(بار اللوا)
تراهم على نردهم عكفا
يبادر كل إلى ما غوى
ولو أنصفوا الجسم لاستظهروا
له بالمران وطيب الهوا
فيا ناديا ضم أنس النديم
ولهو الكريم وقيت البلى
لياليك أنس جلاها الصفا
فأسرت إليك وفود الملا
فكم ليلة طاب فيك الحديث
فكان الكئوس وكان الطلا
فمن مشجيات إلى مطربات
إلى مضحكات تسلي، إلى ...
وقد زان لهوك ثوب الوقار
فلهوك في كل ذوق حلا
تخف إليه رزان الحجا
وتمشي إليه السراة الألى
فقل للذي بات تحت العقود
بحرب على نفسه مبتلى:
أتلك الأماكن لا تستراد
أتلك المناظر لا تجتلى؟
أتحت السماء وبدر السماء
وبين الرياض وبين الخلا
يمل الجلوس ويفنى الحديث
فهذا النعيم وإلا فلا؟
سألت الألى يقدرون الحياة
ألم تفتتنكم؟ فقالوا: بلى
مكان لعمرك ما حل في
نواحيه ذو الحزن إلا سلا
فما أنت في مصر إن لم تطر
إليه فتشهد تلك الحلى
له ملعب فيه ما يشتهي
محب الرياضة مهما غلا
لكل فريق به لعبة
تلائم من سنه ما خلا
ولعب هو الجد لو أننا
نظرنا إليه بعين النهى
لدى غير (مصر) له حظوة
فكم راح يلهو به من لها
وفي أرض (يونان) شاهدته
فأي جمال إليه انتهى
وشاهدت موسمه قد حوت
نواحيه غاية ما يشتهى
وماج بزواره المولعين
وأضحى بعرش الملوك ازدهى
وقد زاد ألعابه بهجة
مكان فسيح معد لها
صراع وعدو بعيد المدى
ووثب يكاد ينال السها
وشاهدت عداءهم قد عدا
ثلاثين ميلا وما إن وهى
وقامت ملاكمة اللاعبين
فأنست تناطح وحش المها
بأوحى من اللمح كان النزال
فيا ويل من منهما قد سها
ولو رحت أنعت تلك الضروب
لضاق القريض وأعيا بها
على أن في أفقنا نهضة
ستبلغ رغم القعود المدى
وإن لم تكن بلغت أوجها
كذا كل شيء إذا ما ابتدا
ونادي الرياضة أولى بأن
يكون عليها منار الهدى
أظلت جلائل أعماله
ظلال (حسين) حليف الندى
مليك رعاه بإقباله
وحسن عنايته والجدا
ففي عهده فليجد المجد
فإن السعود به قد بدا (10) رحلته إلى إيطاليا (نشرت في نوفمبر سنة 1923م)
عاصف يرتمي وبحر يغير
أنا بالله منهما مستجير
وكأن الأمواج، وهي توالى
محنقات، أشجان نفس تثور
أزبدت، ثم جرجرت، ثم ثارت
ثم فارت كما تفور القدور
ثم أوفت مثل الجبال على الفل
ك وللفلك عزمة لا تخور
تترامى بجؤجؤ لا يبالي
أمياه تحوطه أم صخور؟
أزعج البحر جانبيها من الشد
د فجنب يعلو وجنب يغور
وهو آنا ينحط من عل كالسي
ل وآنا يحوطها منه سور
وهي تزور كالجواد إذا ما
ساقه للطعان ندب جسور
وعليها نفوسنا خائرات
جازعات كادت شعاعا تطير
في ثنايا الأمواج والزبد المن
دوف لاحت أكفائنا والقبور
مر يوم وبعض يوم علينا
والمنايا إلى النفوس تشير
ثم طافت عناية الله بالفل
ك فزالت عمن تقل الشرور
ملكت دفة النجاة يد الل
ه فسبحان من إليه المصير
أمر البحر فاستكان وأمسى
منه ذاك العباب وهو حصير
أيها البحر لا يغرنك حول
واتساع وأنت خلق كبير
إنما أنت ذرة قد حوتها
ذرة في فضاء ربي تدور
إنما أنت قطرة في إناء
ليس يدري مداه إلا القدير
إيه (إسبيريا) فدتك الجواري
منشآت كأنهن القصور
يا عروس البحار إنك أهل
أن تحليك بالجمان البحور
فالبسي اليوم من ثنائي عقدا
تشتهيه من الحسان النحور
إيه إيطاليا عدتك العوادي
وتنحى عن ساكنيك الثبور
فيك يا مهبط الجمال فنون
ليس فيها عن الكمال قصور
ودمى جمع المحاسن فيها
صنع الكف عبقري شهير
قد أقيمت من الجماد ولكن
من معاني الحياة فيها سطور
فهي تبدو من الملائك يكسو
ها جمال على حفافيه نور
أمرت بالسكوت من جانب الح
ق بدنيا فيها الأحاديث زور
أرضهم جنة وحور وولدا
ن كما تشتهي وملك كبير
تحتها - والعياذ بالله - نار
وعذاب ومنكر ونكير
إن يوما كيوم (ردجو) و(مسي
نا) و(كالبريا) ليوم عسير
ساعة منه تهلك الحرث والنس
ل وتمحو ما سطرته الدهور
ذاك (فيزوف) قائما يتلظى
قد تعالى شهيقه والزفير
ينذر القوم بالرحيل ولكن
ليس يغني مع القضاء النذير
وكذاك الأوطان مهما تجنت
ليس للحر عن حماها مسير
شمسهم غادة عليها حجاب
فهي شرقية حوتها الخدور
شمسنا غادة أبت أن توارى
فهي غربية جلاها السفور
جوهم في تقلب واختلاف
غير أن الثبات فيهم وفير
جونا أثبت الجواء ولكن
ليس فينا على الثبات صبور
ولديهم من الفنون لباب
ولدينا من الفنون قشور
أنكر الوقف شرعهم فلهذا
كل ربع بأرضهم معمور
ليس فيها مستنقع أو جدار
قد تداعى أو مسكن مهجور
كل شبر فيها عليه بناء
مشمخر أو روضة أو غدير
قسموا الوقت بين لهو وجد
في مدى اليوم قسمة لا تجور
كلهم كادح بكور إلى الرز
ق ولاه إذا دعاه السرور
لا ترى في الصباح لاعب نرد
حوله للرهان جم غفير
لا ولا باهلا سليم النواحي
للقهاوي رواحه والبكور
لم يحل بينهم وبين الملاهي
أو شئون الحياة جو مطير
لا يبالون بالطبيعة حنت
أم تجنت أم احتواها النعور
عصفت فوقهم رياح عوات
أم أجازت بهم صبا أم دبور
قد أعدوا الحادثات الليالي
عدة لا يحوزها التقدير
نضروا الصخر في رءوس الرواسي
ولدينا في موطن الخصب بور
قد وقفنا عند القديم وساروا
حيث تسري إلى الكمال البدور
والجواري في النيل من عهد (نوح)
لم يقدر لصنعها تغيير
ولع القوم بالنظافة حتى
جن فيها غنيهم والفقير
فإذا سرت في الطريق نهارا
خلت أني على المرايا أسير
أفرط القوم في النظام وعندي
أن فرط النظام أسر ونير
ولذيذ الحياة ما كان فوضى
ليس فيها مسيطر أو أمير
فإذا ما سألتني قلت عنهم:
أمة حرة وفرد أسير
ذاك رأيي وهل أشارك فيه
إنه قول شاعر لا يضير
في جبال التيرول إن أقبل الصي
ف نعيم وإن مضى زمهرير
أذكرتني ما قاله عربي
طارقي أمسى احتواه (شلير):
حل ترك الصلاة في هذه الأر
ض وحلت عليها الخمور
إن صدر السعير أحنى علينا
من (شلير) وأين منا السعير
قد بلوت الحياة في الشرق والغر
ب فما في الحياة أمر يسير
من ثواء فيه الملال لزام
أو رحيل فيه العناء كثير (11) حريق
قال هذه الأبيات في حريق رآه بمنزل عبد الله أباظه بك
عجب الناس منك يابن سليما
ن وقد أبصروا لديك عجيبا
أبصروا في حماك غيثا ونارا
ذاك يهمي وتلك تذكو لهيبا
ونسوا أن جود كفك غيث
ظل للمرتجي الورود قريبا
وهي ضيف أصابه عنت الده
ر وألقى هذا الفناء رحيبا
فأتى يبرد الغليل بقطر
من ندى سيد يواسي الغريبا (12) خنجر مكبث
قصيدة مترجمة عن الشاعر الإنجليزي شكسبير، قالها على لسان مكبث يخاطب خنجرا تخيله حينما هم باغتيال ابن عمه (دانكان) الملك ليخلفه في ملكه؛ ويصف تردده أولا ثم تصميمه بعد ذلك على تنفيذ ما أراد:
كأني أرى في الليل نصلا مجردا
يطير بكلتا صفحتيه شرار
تقلبه للعين كف خفية
ففيه خفوق تارة وقرار
يماثل نصلي في صفاء فرنده
ويحكيه منه رونق وغرار
أراه فتدنيني إليه شراستي
فينأى وفي نفسي إليه أوار
وأهوي بزندي طامعا في التقاطه
فيدركه عند الدنو نفار
تخبطني مس من الجن أم سرت
بأجزاء نفسي نشوة وخمار
أراني في ليل من الشك مظلم
فيا ليت شعري هل يليه نهار؟
سأقتل ضيفي وابن عمي ومالكي
ولو أن عقبى القاتلين خسار
وأرضي هوى نفسي وإن صح قولهم
هوى النفس ذل، والخيانة عار
فيأيها النصل الذي لاح في الدجى
وفي طي نفسي للشرور مثار
ترى خدعتني العين أم كنت مبصرا
وهذا دم، أم في شباتك نار؟
وهل أنت تمثال لكيد نويته
وذاك الدم الجاري عليك شعار؟
فإن لم تكن وهما فكن خير مسعد
فإني وحيد والخطوب كثار
وكن لي دليلا في الظلام وهاديا
فليلي بهيم والطريق عثار
على الفتك يا (دنكان) صحت عزيمتي
وإن لم يكن بيني وبينك ثار
فإن يك حب التاج أعمى بصيرتي
فما لي على هذا القضاء خيار
أعرني فؤادا منك يا دهر قاسيا
لو ان القلوب القاسيات تعار
ويا حلم قاطعني ويا رشد لا تثب
ويا شر مالي من يديك فرار
ويا ليل أنزلني بجوفك منزلا
يضل به سرب القطا ويحار
وإن كنت ليل (المانوية) فليكن
على سر أهل الشر منك ستار
ويا قدمي سيري حذارا وخافتي
من المشي لو ينجي الأثيم حذار
وقفت بجوف الليل وقفة ساحر
له الجن أهل والمكايد دار
إذا اشتمل الليل البهيم على الورى
تجرد للإيذاء حيث يثار
فمالي كأني فاتك ذو عشيرة
خيارهم تحت الظلام شرار
إذا ما عوى ذئب الفلا هب جمعهم
إلى الشر واستلت ظبا وشفار (13) طول الليل
يا ساهد النجم هل للصبح من خبر
إني أراك على شيء من الضجر
أظن ليلك مذ طال المقام به
كالقوم في مصر، لا ينوي على سفر
وقال في هذا المعنى أيضا:
أقضيه في الأشواق إلا أقله
بطيء سرى أبدى إلى اللبث ميله
وليس اشتياقي عن غرام بشادن
ولكنه شوق امرئ فات أهله
فيا لك من ليل أعرت نجومه
توقد أنفاسي وعانيت مثله
ومل كلانا من أخيه وهكذا
إذا طال عهد المرء بالشيء مله (14) الشعر
ضعت بين النهى وبين الخيال
يا حكيم النفوس يابن المعالي
ضعت في الشرق بين قوم هجود
لم يفيقوا وأمة مكسال
قد أذالوك بين أنس وكأس
وغرام بظبية أو غزال
ونسيب ومدحة وهجاء
ورثاء وفتنة وضلال
وحماس أراه في غير شيء
وصغار يجر ذيل اختيال
عشت ما بينهم مذالا مضاعا
وكذا كنت في العصور الخوالي
حملوك العناء من حب (ليلى)
و(سليمى) ووقفة الأطلال
وبكاء على عزيز تولى
ورسوم راحت بهن الليالي
وإذا ما سموا بقدرك يوما
أسكنوك الرحال فوق الجمال
آن يا شعر أن نفك قيودا
قيدتنا بها دعاة المحال
فارفعوا هذه الكمائم عنا
ودعونا نشم ريح الشمال (15) خزان أسوان
قال هذين البيتين في العام الذي أسس فيه خزان أسوان ونقص فيه الفيضان:
أنكر النيل موقف الخزان
فانثنى قافلا إلى السودان
راعه أن يرى على جانبيه
رصدا من مكايد الإنسان (16) معونة الدمع
يا من خلقت الدمع لط
فا منك بالباكي الحزين
بارك لعبدك في الدمو
ع فإنها نعم المعين
الخمريات
(نشرت في سنة 1900م)
قال:
هذا الظلام أثار كامن دائي
يا ساقيي علي بالصهباء
بالكاس أو بالطاس أو باثنيهما
أو بالدنان فإن فيه شفائي
مشمولة لولا التقى لعجبت من
تحريمها والذنب للقدماء
قربوا الصلاة وهم سكارى بعدما
نزل الكتاب بحكمة وجلاء
يا زوجة ابن المزن يا أخت الهنا
يا ضرة الأحزان في الأحشاء
يا طب (جالينوس) في أنواعه
مالي أراك كثيرة الأعداء
عصروك من خدي سهيل خلسة
ثم اختبأت بمهجة الظلماء
فلبثت فيها قبل نوح حقبة
وتداولتك أنامل الآناء
حتى أتاح الله أن تتجملي
بيد الكريم وراحة الأدباء
يا صاحبي كيف النزوع عن الطلا
ولقد بليت من الهموم بداء
والليل أرشده أبوه لشقوتي
وكذا البنون على هوى الآباء
ألفت بين ابن السحاب وبينها
فرأيت صحة ما حكاه (الطائي): (صعبت وراض المزج سيئ خلقها
فتعلمت من حسن خلق الماء) (1) وقال وقد بعث بها إلى محمد المويلحي بك الكاتب المعروف (نشرت في سنة 1900م)
أوشك الديك أن يصيح ونفسي
بين هم وبين ظن وحدس
يا غلام، المدام والكاس، والطا
س، وهيئ لنا مكانا كأمس
أطلق الشمس من غياهب هذا الد
ن واملأ من ذلك النور كأسي
وأذن الصبح أن يلوح لعيني
من سناها فذاك وقت التحسي
وادع ندمان خلوتي وائتناسي
وتعجل واسبل ستور الدمقس
واسقنا يا غلام حتى ترانا
لا نطيق الكلام إلا بهمس
خمرة قيل إنهم عصروها
من خدود الملاح في يوم عرس
مذ رآها فتى العزيز مناما
وهو في السجن بين هم ويأس
أعقبته الخلاص من بعد ضيق
وحبته السعود من بعد نحس
يا نديمي بالله قل لي لماذا
هذه الخندريس تدعى برجس؟
هي نفس زكية وأبوها
غرسه في الحنان أكرم غرس
هي نفس تعلمت حسن أخلا
ق (المولحي) في صفاء وأنس
خصه الله حيث يصبح بالإق
بال، والعز، والعلا، حيث يمسي (2) مجلس شراب
وفتيان أنس أقسموا أن يبددوا
جيوش الدجى ما بين أنس وأفراح
فهبوا إلى خمارة قيل إنها
قعيدة خمر تمزج الروح بالراح
وقالوا لها: إنا أتينا على ظما
نحاول ورد الراح رغما عن اللاحي
فقامت وفي أجفانها كسل الكرى
وفي ردفها واستعرضت جيش أقداح
وقال أيضا:
مرت كعمر الورد بينا أجتلي
إصباحها إذ آذنت برواح
لم أقض من حق المدام ولم أقم
في الشاربين بواجب الأقداح
والزهر يحتث الكئوس بلحظه
ويشوبها بأريجه الفياح
أخشى عواقبها وأغبط شربها
وأجيد مدحتها مع المداح
وأميل من طرب إذا مالت بهم
فاعجب لنشوان الجوانح صاحي
أستغفر الله العظيم فإنني
أفسدت في ذاك النهار صلاحي
وقال:
خمرة في (بابل) قد صهرجت
هكذا أخبر حاخام اليهود
أودعوها جوف دن مظلم
ولديه بشروها بالخلود
سألوا الكهان عن شاربها
وعن الساقي وفي أي العهود؟
فأجابوهم: فتى ذو مرة
من بني مصر له فضل وجود
مغرم بالعود والناي معا
مولع الشرب والناس هجود
همه فصد دنان وندى
وأبوه همه جمع النقود (3) ذكرى مجلس شراب
بعث بها من السودان إلى بعض أصدقائه بمصر
فتية الصهباء خير الشاربين
جددوا بالله عهد الغائبين
واذكروني عند كاسات الطلا
إنني كنت إمام المدمنين
وإذا ما استنهضتكم ليلة
دعوة الخمر فثوروا أجمعين
رب ليل قد تعاهدنا على
ما تعاهدنا وكنا فاعلين
فقضيناه ولم نحفل بما
سطرت أيدي الكرام الكاتبين
بين أقداح وراح عتقت
ورياحين وولدان وعين
وسقاة صففت أكوابها
بعضها البلور والبعض لجين
آنست منا عطاشا كالقطا
صادفت وردا به ماء معين
فمشت بالكاس والطاس لنا
مشية الأفراح للقلب الحزين
وتواثبنا إلى مشمولة
ذات ألوان تسر الناظرين
عمد الساقي لأن يقتلها
وهي بكر أحصنت منذ سنين
ثم لما أن رأى عفتها
خاف فيها الله رب العالمين
وأجلنا الكاس فيما بيننا
وعلى الصهباء بتنا عاكفين
وشفينا النفس من كل رشا
نطقت عيناه بالسحر المبين
وطوى مجلسنا بعد الهنا
وانشراح الصدر تكبير الأذين
هكذا كنا بأيام الصفا
ننهب اللذات في الوقت الثمين
ليت شعري هل لنا بعد النوى
من سبيل للقا أم لات حين
الغزل
(نشرا في 23 نوفمبر سنة 1900م)
قال ترجمة عن جان جاك روسو:
يأيها الحب امتزج بالحشى
فإن في الحب حياة النفوس
واسلل حياة من يمين الردى
أوشك يدعوها ظلام الرموس
وقال ترجمة عنه أيضا
تمثلي إن شئت في منظر (يا جوليا) أنكر فيه الغرام
أو فابعثي قلبا إلى أضلع
راح به الوجد وأودى السقام
وقال ترجمة عنه أيضا:
غضي جفون السحر أو فارحمي
متيما يخشى نزال الجفون
ولا تصولي بالقوام الذي
تميس فيه يا مناي المنون
إني لأدري منك معنى الهوى (يا جوليا) والناس لا يعرفون (1) في جندي مليح (نشرت في سنة 1906م)
ومن عجب قد قلدوك مهندا
وفي كل لحظ منك سيف مهند
إذا أنت قد جردته أو غمدته
قتلت به واللحظ لا يتعمد
وقال:
أنا العاشق العاني وإن كنت لا تدري
أعيذك من وجد تغلغل في صدري
خليلي هذا الليل في زيه أتى
فقم نلتمس للسهد درعا من الصبر
وهذا السرى نحو الحمى يستفزنا
فهيا وإن كنا على مركب وعر
خليلي هذا الليل قد طال عمره
وليس له غير الأحاديث والذكر
فهات لنا أذكى حديث وعيته
ألذ به إن الأحاديث كالخمر
وقال:
قالت الجوزاء حين رأت
جفنه قد واصل السهر
ما لهذا الصب في وله
أتراه يعشق القمرا
وقال يتغزل في مليح ويعرض باحتلال الإنجليز:
ظبي الحمى بالله ما ضركا
إذا رأينا في الكرى طيفكا
وما الذي تخشاه لو أنهم
قالوا فلان قد غدا عبدكا؟
قد حرموا الرق ولكنهم
ما حرموا رق الهوى عندكا
وأصبحت مصر مراحا لهم
وأنت في الأحشا مراح لكا
ما كان سهلا أن يروا نيلها
لو أن في أسيافنا لحظكا (2) يقين الحب
أذنتك ترتابين في الشمس والضحى
وفي النور والظلماء والأرض والسما
ولا تسمحي للشك يخطر خطرة
بنفسك يوما أنني لست مغرما (3) الخال
قالهما في مليح رأى خالا على غرته
سألته ما لهذا الخال منفردا
واختار غرتك الغرا له سكنا
أجابني: خاف من سهم الجفون ومن
نار الخدود، لهذا هاجر الوطنا (4) رسائل الشوق
سور عندي له مكتوبة
ود لو يسري بها الروح الأمين
إنني لا آمن الرسل ولا
آمن الكتب على ما تحتوين
مستهين بالذي كابدته
وهو لا يدري بماذا يستهين
أنا في هم ويأس وأسى
حاضر اللوعة موصول الأنين
الاجتماعيات
(1) حريق ميت غمر (نشرت في 7 مايو سنة 1902م)
سائلوا الليل عنهم والنهارا
كيف باتت نساؤهم والعذارى
كيف أمسى رضيعهم فقد الأم
م وكيف اصطلى مع القوم نارا
كيف طاح العجوز تحت جدار
يتداعى وأسقف تتجارى
رب إن القضاء أنحى عليهم
فاكشف الكرب واحجب الأقدارا
ومر النار أن تكف أذاها
ومر الغيث أن يسيل انهمارا
أين طوفان صاحب الفلك يروي
هذه النار؟ فهي تشكو الأوارا
أشعلت فحمة الدياجي فباتت
تملأ الأرض والسماء شرارا
غشيتهم والنحس يجري يمينا
ورمتهم والبؤس يجري يسارا
فأغارت وأوجه القوم بيض
ثم غارت وقد كستهن قارا
أكلت دورهم فلما استقلت
لم تغادر صغارهم والكبارا
أخرجتهم من الديار عراة
حذر الموت يطلبون الفرارا
يلبسون الظلام حتى إذا ما
أقبل الصبح يلبسون النهارا
حلة لا تقيهم البرد والحر
ر ولا عنهم ترد الغبارا
أيها الرافلون في حلل الوش
ي يجرون للذيول افتخارا
إن فوق العراء قوما جياعا
يتوارون ذلة وانكسارا
أيهذا السجين لا يمنع السج
ن كريما من أن يقيل العثارا
مر بألف لهم وإن شئت زدها
وأجرهم كما أجرت النصارى
قد شهدنا بالأمس في مصر عرسا
ملأ العين والفؤاد ابتهارا
سال فيه النضار حتى حسبنا
أن ذاك الفناء يجري نضارا
بات فيه المنعمون بليل
أخجل الصبح حسنه فتوارى
يكتسون السرور طورا وطورا
في يد الكأس يخلعون الوقارا
وسمعنا في (ميت غمر) صياحا
ملأ البر ضجة والبحارا
جل من قسم الحظوظ فهذا
يتغنى وذاك يبكي الديارا
رب ليل في الدهر قد ضم نحسا
وسعودا وعسرة ويسارا (2) إلى الأرض (بركان مارتنيك سنة 1902م)
ألبسوك الدماء فوق الدماء
وأروك العداء بعد العداء
فلبست النجيع من عهد قابي
ل وشاهدت مصرع الأبرياء
فلك العذر إن قسوت وإن خن
ت وإن كنت مصدرا للشقاء
غلط الناس، ما طغي جبل النا
ر بإرسال نفثة في الهواء
أحرجوا صدر أمه فأراهم
بعض ما أضمرت من البرحاء
أسخطوها فصابرتهم زمانا
ثم أنحت عليهم بالجزاء
أيها الناس إن يكن ذاك سخط ال
أرض، ماذا يكون سخط السماء؟
إن في علو مسرحا للمقادي
ر وفي الأرض مكمنا للقضاء
فاتقوا الأرض والسماء سواء
واتقوا النار في الثرى والفضاء (3) اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها (نشرت في سنة 1903م)
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي
رجالا وأكفاء وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة
وكم عز أقوام بعز لغات
أتوا أهلهم بالمعجزات تفننا
فيا ليتكم تأتون بالكلمات
أيطربكم من جانب الغرب ناعب
ينادي بوأدي في ربيع حياتي
ولو تزجرون الطير يوما علمتم
بما تحته من عثرة وشتات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
بما تحته من عثرة وشتات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
يعز عليها أن تلين قناتي
حفظن ودادي في البلى وحفظته
لهن بقلب دائم الحسرات
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق
حياء بتلك الأعظم النخرات
أرى كل يوم بالجرائد مزلقا
من القبر يدنيني بغير أناة
وأسمع للكتاب في مصر ضجة
فأعلم أن الصائحين نعاتي
أيهجرني قومي - عفا الله عنهم -
إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى
لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة
مشكلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتاب والجمع حافل
بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الميت في البلى
وتنبت في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده
ممات لعمري لم يقس بممات (4) زواج الشيخ علي يوسف صاحب (المؤيد) (نشرت في سبتمبر سنة 1904م)
قالها ينعي فيها على المصريين بعض العيوب الاجتماعية، وما يراه من فوضى الرأي وقلة الثبات عليه
حطمت اليراع فلا تعجبي
وعفت البيان فلا تعتبي
فما أنت يا مصر دار الأديب
ولا أنت بالبلد الطيب
وكم فيك يا مصر من كاتب
أقال اليراع ولم يكتب
فلا تعذليني لهذا السكوت
فقد ضاق بي منك ما ضاق بي
أيعجبني منك يوم الوفاق
سكوت الجماد ولعب الصبي؟
وكم غضب الناس من قبلنا
لسلب الحقوق ولم نغضب
أنابتة العصر إن الغريب
مجد بمصر فلا تلعبي
يقولون: في النشء خير لنا
وللنشء شر من الأجنبي
أفي (الأزبكية) مثوى البنين
وبين المساجد مثوى الأب؟ (وكم ذا بمصر من المضحكات)
كما قال فيها (أبو الطيب)
أمور تمر وعيش يمر
ونحن من اللهو في ملعب
وشعب يفر من الصالحات
فرار السليم من الأجرب
وصحف تطن طنين الذباب
وأخرى تشن على الأقرب
وهذا يلوذ بقصر الأمير
ويدعو إلى ظله الأرحب
وهذا يلوذ بقصر السفير
ويطنب في ورده الأعذب
وهذا يصيح مع الصائحين
على غير قصد ولا مأرب
وقالوا: دخيل عليه العفاء
ونعم الدخيل على مذهبي
رآنا نياما ولما نفق
فشمر للسعي والمكسب
وماذا عليه إذا فاتنا
ونحن على العيش لم ندأب
ألفنا الخمول ويا ليتنا
ألفنا الخمول ولم نكذب
وقالوا: (المؤيد) في غمرة
رماه بها الطمع الأشعبي
دعاه الغرام بسن الكهول
فجن جنونا ببنت النبي
فضج لها العرش والحاملوه
وضج لها القبر في يثرب
ونادى رجال بإسقاطه
وقالوا: تلون في المشرب
وعدوا عليه من السيئات
ألوفا تدور مع الأحقب
وقالوا لصيق ببيت الرسول
أغار على النسب الأنجب
وزكى (أبو خطوة) قولهم
بحكم أحد من المضرب
فما للتهاني على داره
تساقط كالمطر الصيب؟
وما للوفود على بابه
تزف البشائر في موكب؟
وما للخليفة أسدى إليه
وساما يليق بصدر الأبي؟
فيا أمة ضاق عن وصفها
جنان المفوه والأخطب
تضيع الحقيقة ما بيننا
ويصلى البريء مع المذنب
ويهضم فينا الإمام الحكيم
ويكرم فينا الجهول الغبي
على الشرق مني سلام الودود
وإن طأطأ الشرق للمغرب
لقد كان خصبا بجدب الزمان
فأجدب في الزمن المخصب (5) إلى رجال الدنيا الجديدة (في 26 مايو سنة 1906م)
أنشدها في الحفل الذي أقامته كلية البنات الأمريكية بمصر لتوزيع الشهادات على خريجاتها
أي رجال الدنيا الجديدة مدوا
لرجال الدنيا القديمة باعا
وأفيضوا عليهم من أيادي
كم علوما وحكمة واختراعا
كل يوم لكم روائع آثا
ر توالون بينهن تباعا
كم خلبتم عقولنا بعجيب
وأمرتم زمانكم فأطاعا
وبذرتم في أرضنا وزرعتم
فرأينا ما يعجب الزراعا
ولمحنا من نوركم في نواصي
حفلة اليوم لمعة وشعاعا
وشهدنا من فضلكم أثرا في
ها يروق العيون والأسماعا
ليتنا نقتدي بكم أو نجاري
كم عسى نسترد ما كان ضاعا
إن فينا - لولا التخاذل - أبطا
لا إذا ما هم استقلوا اليراعا
وعقولا لولا الخمول تولا
ها لفاضت غرابة وابتداعا
ودعاة للخير لو أنصفوهم
ملئوا الشرق عزة وامتناعا
كاشف الكهرباء ليتك تعنى
باختراع يروض منا الطباعا
آلة تسحق التواكل في الشر
ق وتلقي عن الرياء القناعا
قد مللنا وقوفنا فيه نبكي
حسبا زائلا ومجدا مضاعا
وسمعنا مقالهم: كان زيد
عبقريا وكان عمرو شجاعا
ليت شعري متى تنازع مصر
غيرها المجد في الحياة نزاعا
ونراها تفاخر الناس بالأح
ياء فخرا في الخافقين مذاعا (أرض كولمب) أي نبتيك أغلى
قيمة في الملا وأبقى متاعا
أرجال بهم ملكت المعالي
أم نضار به ملكت البقاعا
لا عداك السماء والخصب والأم
ن ولا زلت للسلام رباعا
طالعي الكون وانظري ما دهاه
إن ركن السلام فيه تداعى (6) مدرسة مصطفى كامل
أنشدها في الحفل الذي أقامته المدرسة لتوزيع الجوائز على المتقدمين من تلاميذها في 30 نوفمبر سنة 1906م
سمعنا حديثا كقطر الندى
فجدد في النفس ما جددا
فأضحى لآمالنا منعشا
وأمسى لآلامنا مرقدا
فديناك يا شرق لا تجزعن
إذا اليوم ولى فراقب غدا
فكم محنة أعقبت محنة
وولت سراعا كرجع الصدى؟!
فلا ييئسنك قيل العداة
وإن كان قيلا كحز المدى
أتودع فيك كنوز العلوم
ويمشي لك الغرب مسترفدا؟
وتبعث في أرضك الأنبياء
ويأتي لك الغرب مسترشدا؟
وتقضي عليك قضاة الضلال
طوال الليالي بأن ترقدا؟
أتشقى بعهد سما بالعلوم
فأضحى الضعيف بها أيدا؟
إذا شاء بز السها سره
وأدرك من جريه المقصدا
وإن شاء أدنى إليه النجوم
فناجى المجرة والفرقدا
وإن شاء زعزع شم الجبال
فخرت لأقدامه سجدا
وإن شاء شاهد في ذرة
عوالم لم تحي فيها سدى
زمان تسخر فيه الرياح
ويغدو الجماد به منشدا
وتعنو الطبيعة للعارفين
بمعنى الوجود وسر الهدى
إذا ما أهابوا أجاب الحديد
وقام البخار له مسعدا
وطارت إليهم من الكهربا
بروق على السلك تطوي المدى
أيجمل من بعد هذا وذاك
بأن نستكين وأن نجمدا
وها أمة (الصفر) قد مهدت
لنا النهج فاستبقوا الموردا
فيأيها الناشئون اعملوا
على خير مصر وكونوا يدا
ستظهر فيكم ذوات الغيوب
رجالا تكون لمصر الفدا
فيا ليت شعري من منكم
إذا هي نادت يلبي الندا
لك الله يا (مصطفى) من فتى
كثير الأيادي، كثير العدا
إذا ما حمدتك بين الرجال
فأنت الخليق بأن تحمدا
سيحصي عليك سجل الزمان
ثناء يخلد ما خلدا
ويهتف باسمك أبناؤنا
إذا آن للزرع أن يحصدا (7) إلى ناظر المعارف سعد زغلول باشا (نشرت في 13ديسمبر سنة 1906م)
مالي أرى بحر السيا
سة لا يني جزرا ومدا
وأرى الصحائف أيبست
ما بيننا أخذا وردا
هذا يرى رأي العمي
د وذا يعد عليه عدا
وأرى الوزارة تجتني
من مر هذا العيش شهدا
نامت بمصر وأيقظت
لحوادث الأيام (سعدا)
فطرحتها وسألت عن
ه فقيل لي: لم يأل جهدا
يا (سعد) أنت (مسيحها)
فاجعل لهذا الموت حدا
يا (سعد) إن (بمصر) أي
تاما تؤمل فيك سعدا
قد قام بينهم وبي
ن العلم ضيق الحال سدا
ما زلت أرجو أن أرا
ك أبا وأن ألقاك جدا
حتى غدوت أبا له
أضحت عيال القطر ولدا
فاردد لنا عهد (الإما
م) وكن بنا الرجل المفدى
أنا لا ألوم المستشا
ر إذا تعلل أو تصدى
فسبيله أن يستبد
د وشأننا أن نستعدا
هي سنة المحتل في
كل العصور وما تعدى (8) الحث على تعضيد مشروع الجامعة (نشرت في 19 مارس سنة 1907م)
أنشدها في الحفل الذي أقامه محفل الصدق الماسوني في دار التمثيل العربي، وخصص إيراده لمشروع الجامعة المصرية
إن كنتم تبذلون المال عن رهب
فنحن ندعوكم للبذل عن رغب
ذر الكتاتيب منشيها بلا عدد
ذر الرماد بعين الحاذق الأرب
فأنشئوا ألف كتاب وقد علموا
أن المصابيح لا تغني عن الشهب
هبوا الأجير أو الحراث قد بلغا
حد القراءة في صحف وفي كتب
من المداوي إذا ما علة عرضت
من المدافع عن عرض وعن نشب
ومن يروض مياة النيل إن جمحت
وأنذرت مصر بالويلات والحرب
ومن يوكل بالقسطاس بينكم
حتى يرى الحق ذا حول وذا غلب
ومن يطل على الأفلاك يرصدها
بين المناطق عن بعد وعن كثب
يبيت ينبئنا عما تنم به
سرائر الغيب عن شفافة الحجب
ومن يبز أديم الأرض ما ركزت
فيها الطبيعة من بدع ومن عجب
يظل ينشد من ذراتها نبأ
ضنت به الأرض في ماض من الحقب
ومن يميط ستار الجهل إن طمست
معالم القصد بين الشك والريب
فما لكم أيها الأقوام جامعة
إلا بجامعة موصولة السبب
قد قام (سعد) بها حينا وأسلمها
إلى (أمين) فلم يحجم ولم يهب
فعاونوه يعاونكم على عمل
فيه الفخار وما ترجون من أرب
وبينوا لرجال الغرب أنكم
إذا طلبتم بلغتم غاية الطلب
لا تلجئوا في العلا إلا إلى همم
وثابة لا تبالي همة النوب
فإن تأميلكم في غيركم وهن
في النفس يرخي عنان السعي والدأب
إن قام منا مناد قال قائلهم
لا تصخبوا فهلاك الشعب في الصخب
أو نابنا حادث نرجو إزالته
قال: استكينوا وخلوا سورة الغضب
فما سمونا إلى نجد نحاوله
إلا هبطنا إلى غور من العطب
يا مصر هل بعد هذا اليأس متسع
يجري الرجاء به في كل مضطرب
لا نحن موتى ولا الأحياء تشبهنا
كأننا فيك لم نشهد ولم نغب
نبكي على بلد سال النضار به
للوافدين وأهلوه على سغب
متى نراه وقد باتت خزائنه
كنزا من العلم لا كنزا من الذهب
هذا هو العمل المبرور فاكتتبوا
بالمال إنا اكتتبنا فيه بالأدب (9) سورية ومصر (نشرت في 25 مارس سنة 1908م)
أنشدها في الحفل الذي أقامه لتكريمه جماعة من السوريين بفندق شبرد
لمصر أم لربوع الشام تنتسب
هنا العلا وهناك المجد والحسب
ركنان للشرق لا زالت ربوعهما
قلب الهلال عليها خافق يجب
خدران للضاد لم تهتك ستورهما
ولا تحول عن مغناهما الأدب
أم اللغات غداة الفخر أمهما
وإن سألت عن الآباء فالعرب
أيرغبان عن الحسنى وبينهما
في رائعات المعالي ذلك النسب
ولا يمتان بالقربى وبينهما
تلك القرابة لم يقطع لها سبب؟
إذا ألمت بوادي النيل نازلة
باتت لها راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألم
أجابه في ذرا لبنان منتحب
لو أخلص النيل والأردن ودهما
تصافحت منهما الأمواه والعشب
بالواديين تمشى الفخر مشيته
يحف ناحيتيه الجود والدأب
فسال هذا سخاء دونه ديم
وسال هذا مضاء دونه القضب
نسيم لبنان كم جادتك عاطرة
من الرياض وكم حياك منسكب
في الشرق والغرب أنفاس مسعرة
تهفو إليك وأكباد بها لهب
لولا طلاب العلا لم يبتغوا بدلا
من طيب رياك لكن العلا تعب
كم غادة بربوع الشام باكية
على أليف لها يرمي به الطلب!
يمضي ولا حيلة إلا عزيمته
وينثني وحلاه المجد والذهب
يكر صرف الليالي عنه منقلبا
وعزمه ليس يدري كيف ينقلب
بأرض (كولمب) أبطال غطارفة
أسد جياع إذا ما ووثبوا وثبوا
لم يحمهم علم فيها ولا عدد
سوى مضاء تحامى ورده النوب
أسطولهم أمل في البحر مرتجل
وجيشهم عمل في البر مغترب
لهم بكل خضم مسرب نهج
وفي ذرا كل طود مسلك عجب
لم تبد بارقة في أفق منتجع
إلا وكان لها بالشام مرتقب
ما عابهم أنهم في الأرض قد نثروا
فالشهب منثورة مذ كانت الشهب
ولم يضرهم سراء في مناكبها
فكل حي له في الكون مضطرب
رادوا المناهل في الدنيا ولو وجدوا
إلى المجرة ركبا صاعدا ركبوا
أو قيل في الشمس للراجين منتجع
مدوا لها سببا في الجو وانتدبوا
سعوا إلى الكسب محمودا وما فتئت
أم اللغات بذاك السعي تكتسب
فأين كان الشاميون كان لها
عيش جديد وفضل ليس يحتجب
هذي يدي عن بني مصر تصافحكم
فصافحوها تصافح نفسها العرب
فما الكنانة إلا الشام عاج على
ربوعها من بنيها سادة نجب
لولا رجال تغالوا في سياستهم
منا ومنهم لما لمنا ولا عتبوا
إن يكتبوا لي ذنبا في مودتهم
فإنما الفخر في الذنب الذي كتبوا (10) في الحث على تعضيد مشروع الجامعة
أنشدها في الحفل الذي أقيم في «تياترو برنتانيا» في 8 مايو سنة 1908م
حياكم الله أحيوا العلم والأدبا
إن تنشروا العلم ينشر فيكم العربا
ولا حياة لكم إلا بجامعة
تكون أما لطلاب العلا وأبا
تبني الرجال وتبني كل شاهقة
من المعالي وتبني العز والغلبا
ضعوا القلوب أساسا لا أقول لكم
ضعوا النضار فإني أصغر الذهبا
وابنوا بأكبادكم سورا لها ودعوا
قيل العدو؛ فإني أعرف السببا
لا تقنطوا إن قرأتم ما يزوقه
ذاك العميد ويرميكم به غضبا
وراقبوا يوم لا تغني حصائده
فكل حي سيجزى بالذي اكتسبا
بنى على الإفك أبراجا مشيدة
فابنوا على الحق برجا ينطح الشهبا
وجاوبوه بفعل لا يقوضه
قول المفند أنى قال أو خطبا
لا تهجعوا إنهم لن يهجعوا أبدا
وطالبوهم ولكن أجملوا الطلبا
هل جاءكم نبأ القوم الألى درجوا
وخلفوا للورى من ذكرهم عجبا
عزت (بقرطاجة) الأمراس فارتهنت
فيها السفين وأمسى حبلها اضطربا
والحرب في لهب والقوم في حرب
قد مد نقع المنايا فوقهم طنبا
ودوا بها وجواريهم معطلة
لو أن أهدابهم كانت لها سببا
هنالك الغيد جادت بالذي بخلت
به دلالا فقامت بالذي وجبا
جزت غدائر شعر سرحت سفنا
واستنقذت وطنا واسترجعت نشبا
رأت حلاها على الأوطان فابتهجت
ولم تحسر على الحلي الذي ذهبا
وزادها ذاك حسنا وهي عاطلة
تزهى على من مشى للحرب أو ركبا
و(برثران) الذي حاك الإباء له
ثوبا من الفخر أبلى الدهر والحقبا
أقام في الأسر حينا ثم قيل له:
ألم يئن أن تفدي المجد والحسبا
قل واحتكم أنت مختار، فقال لهم:
إنا رجال نهين المال والنشبا
خذوا القناطير من تبر مقنطرة
يخور خازنكم في عدها تعبا
قالوا: حكمت بما لا تستطيع له
حملا نكاد نرى ما قلته لعبا
فقال: والله ما في الحي غازلة
من الحسان ترى في فديتي نصبا
لو أنهم كلفوها بيع مغزلها
لآثرتني وصحت قوتها رغبا
هذا هو الأثر الباقي فلا تقفوا
عند الكلام إذا حاولتم أربا
ودونكم مثلا أوشكت أضربه
فيكم وفي مصر إن صدقا وإن كذبا
سمعت أن امرءا قد كان يألفه
كلب فعاشا على الإخلاص واصطحبا
فمر يوما به والجوع ينهبه
نهبا فلم يبق إلا الجلد والعصبا
فظل يبكي عليه حين أبصره
يزول ضعفا ويقضي نحبه سغبا
يبكي عليه وفي يمناه أرغفة
لو شامها جائع من فرسخ وثبا
فقال قوم وقد رقوا لذي ألم
يبكي، وذي ألم يستقبل العطبا
ما خطب ذا الكلب؟ قال: الجوع يخطفه
مني وينشب فيه الناب مغتصبا
قالوا وقد أبصروا الرغفان زاهية:
هذا الدواء فهل عالجته فأبى؟
أجابهم ودواعي الشح قد ضربت
بين الصديقين من فرط القلى حجبا
لذلك الحد لم تبلغ مودتنا
أما كفى أن يراني اليوم منتحبا
هذي دموعي على الخدين جارية
حزنا وهذا فؤادي يرتعي لهبا
أقسمت بالله إن كانت مودتنا
كصاحب الكلب ساء الأمر منقلبا
أعيذكم أن تكونوا مثله فنرى
منكم بكاء ولا نلفي لكم دأبا
إن تقرضوا الله في أوطانكم فلكم
أجر المجاهد، طوبى للذي اكتتبا (11) رعاية الأطفال
أنشدها في الحفل الذي أقامته هذه الجمعية في الأوبرا في 8 أبريل سنة 1910م
شبحا أرى أم ذاك طيف خيال
لا، بل فتاة بالعراء حيالي
أمست بمدرجة الخطوب فما لها
راع هناك وما لها من والي
حسرى، تكاد تعيد فحمة ليلها
نارا بأنات ذكين طوال
ما خطبها، عجبا، وما خطبي بها؟
مالي أشاطرها الوجيعة مالي؟
دانيتها ولصوتها في مسمعي
وقع النبال عطفن إثر نبال
وسألتها: من أنت؟ وهي كأنها
رسم على طلل من الأطلال
فتململت جزعا وقالت : حامل
لم تدر طعم الغمض منذ ليالي
قد مات والدها، وماتت أمها
ومضى الحمام بعمها والخال
وإلى هنا حبس الحياء لسانها
وجرى البكاء بدمعها الهطال
فعلمت ما تخفي الفتاة وإنما
يحنو على أمثالها أمثالي
ووقفت أنظرها كأني عابد
في هيكل يرنو إلى تمثال
ورأيت آيات الجمال تكفلت
بزوالهن فوادح الأثقال
لا شيء أفعل في النفوس كقامة
هيفاء روعها الأسى بهزال
أو غادة كانت تريك إذا بدت
شمس النهار فأصبحت كالآل
قلت: انهضي، قالت: أينهض ميت
من قبره ويسير شن بالي
فحملت هيكل عظمها وكأنني
حملت حين حملت عود خلال
وطفقت أنتهب الخطا متيمما
بالليل (دار رعاية الأطفال)
أمشي وأحمل بائسين: فطارق
باب الحياة ومؤذن بزوال
أبكيهما وكأنما أنا ثالث
لهما من الإشفاق والإعوال
وطرقت باب الدار لا متهيبا
أحدا ولا مترقبا لسؤال
طرق المسافر آب من أسفاره
أو طرق رب الدار غير مبالي
وإذا بأصوات تصيح: ألا افتحوا
دقات مرضى مدلجين عجال
وإذا بأيد طاهرات عودت
صنع الجميل تطوعت في الحال
جاءت تسابق في المبرة بعضها
بعضا لوجه الله لا للمال
فتناولت بالرفق ما أنا حامل
كالأم تكلأ طفلها وتوالي
وإذا الطبيب مشمر وإذا بها
فوق الوسائد في مكان عالي
جاءوا بأنواع الدواء وطوفوا
بسرير ضيفتهم كبعض الآل
وجثا الطبيب يجس نبضا خافتا
ويرود مكمن دائها القتال
لم يدر حين دنا ليبلو قلبها
دقات قلب أم دبيب نمال
ودعتها وتركتها في أهلها
وخرجت منشرحا رضي البال
وعجزت عن شكر الذين تجردوا
للباقيات وصالح الأعمال
لم يخجلوها بالسؤال عن اسمها
تلك المروءة والشعور العالي
خير الصنائع في الأنام صنيعة
تنبو بحاملها عن الإذلال
وإذا النوال أتى ولم يهرق له
ماء الوجوه فذاك خير نوال
من جاد من بعد السؤال فإنه - وهو الجواد - يعد في البخال
لله درهم فكم من بائس
جم الوجيعة سيئ الأحوال
ترمي به الدنيا، فمن جوع، إلى
عري، إلى سقم، إلى إقلال
عين مسهدة وقلب واجف
نفس مروعة وجيب خالي
لم يدر ناظره أعريانا يرى
أم كاسيا في تلكم الأسمال
فكأن ناحل جسمه في ثوبه
خلف الخروق يطل من غربال
يا برد، فاحمل، قد ظفرت بأعزل
يا حر، تلك فريسة المغتال
يا عين سحي، يا قلوب تفطري
يا نفس رقي يا مروءة والي
لولاهم لقضى عليه شقاؤه
وخلا المجال لخاطف الآجال
لولاهم كان الردى وقفا على
نفس الفقير ثقيلة الأحمال
لله در الساهرين على الألى
سهروا من الأوجاع والأوجال
القائمين بخير ما جاءت به
مدنية الأديان والأجيال
أهل اليتيم وكهفه وحماته
وربيع أهل البؤس والإمحال
لا تهملوا في الصالحات فإنكم
لا تجهلون عواقب الإهمال
إني أرى فقراءكم في حاجة - لو تعلمون - لقائل فعال
فتسابقوا الخيرات فهي أمامكم
ميدان سبق للجواد النال
والمحسنون لهم على إحسانهم
يوم الإثابة عشرة الأمثال
وجزاء رب المحسنين يجل عن
عد وعن وزن وعن مكيال (12) مدرسة البنات ببورسعيد
أنشدها في حفل أقيم ببورسعيد في 29 مايو سنة 1910م لإعانة تلك المدرسة
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي
في حب مصر كثيرة العشاق
إني لأحمل في هواك صبابة
يا مصر قد خرجت عن الأطواق
لهفي عليك متى أراك طليقة
يحمي كريم حماك شعب راقي
كلف بمحمود الخلال متيم
بالبذل بين يديك والإنفاق
إني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هزة المشتاق
ما البابلية في صفاء مزاجها
والشرب بين تنافس وسباق
والشمس تبدو في الكئوس وتختفي
والبدر يشرق من جبين الساقي
بألذ من خلق كريم طاهر
قد مازجته سلامة الأذواق
فإذا رزقت خليقة محمودة
فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
فالناس هذا حظه مال، وذا
علم، وذاك مكارم الأخلاق
والمال إن لم تدخره محصنا
بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل
تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لم يتوج ربه بخلاق
كم عالم مد العلوم حبائلا
لوقيعة وقطيعة وفراق
وفقيه قوم ظل يرصد فقهه
لمكيدة أو مستحل طلاق
يمشي وقد نصبت عليه عمامة
كالبرج لكن فوق تل نفاق
يدعونه عند الشقاق وما دروا
أن الذي يدعون خدن شقاق
وطبيب قوم قد أحل لطبه
ما لا تحل شريعة الخلاق
قتل الأجنة في البطون وتارة
جمع الدوانق من دم مهراق
أغلى وأثمن من تجارب علمه
يوم الفخار تجارب الحلاق
ومهندس للنيل بات بكفه
مفتاح رزق العامل المطراق
تندى وتيبس للخلائق كفه
بالماء طوع الأصفر البراق
لا شيء يلوي من هواه فحده
في السلب حد الخائن السراق
وأديب قوم تستحق يمينه
قطع الأنامل أو لظى الإحراق
يلهو ويلعب بالعقول بيانه
فكأنه في السحر رقية راقي
في كفه قلم يمج لعابه
سما وينفثه على الأوراق
يرد الحقائق وهي بيض نصع
قدسية علوية الإشراق
فيردها سودا على جنباتها
من ظلمة التمويه ألف نطاق
عريت عن الحق المطهر نفسه
فحياته ثقل على الأعناق
لو كان ذا خلق لأسعد قومه
ببيانه ويراعه السباق
من لي بتربية النساء فإنها
في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا
بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أردن لا من وازع
يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا
عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شئونهن كثيرة
كشئون رب السيف والمزراق
كلا ولا أدعوكم أن تسرفوا
في الحجب والتضييق والإرهاق
ليست نساؤكم حلى وجواهرا
خوف الضياع تصان في الأحقاق
ليست نساؤكم أثاثا يقتنى
في الدور بين مخادع وطباق
تتشكل الأزمان في أدوارها
دولا وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا
فالشر في التقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها
في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم أن تستبين بناتكم
نور الهدى وعلى الحياء الباقي (13) ملجأ رعاية الأطفال (نشرت في أول فبراير سنة 1911م)
أنشدها في حفل أقامته جماعة رعاية الأطفال بالأوبرا، وقد استهلها بوصف القطار
صفحة البرق أومضت في الغمام
أم شهاب يشق جوف الظلام
أم سليل البخار طار إلى القص
د فأعيا سوابق الأوهام
مر كاللمح لم تكد تقف العي
ن على ظل جرمه المترامي
أو كشرخ الشباب لم يدر كاسي
ه تولى في يقظة أو منام
لا يبالي السرى إذا اعتكر اللي
ل وخانت مواقع الأقدام
يقطع البيد والفيافي وحيدا
لم تضعضعه وحشة الإظلام
ليس يثنيه ما يذيب دماغ الض
ب يوم الهجير بين الموامي
لا ولا يعتريه ما يخرس النا
بح في الزمهرير بين الخيام
هائم كالظليم أزعجه الصي
د وراعته طائشات السهام
فهو يشتد في النجاء ويهوي
حيث ترمى بجانبيه المرامي
يا حديدا ينساب فوق حديد
كانسياب الرقطاء فوق الرغام
قد مسحت البلاد شرقا وغربا
بذراعي مشمر مقدام
بين جنبيك ما بجنبي لكن
ما بجنبي مستديم الضرام
أنت لا تعرف الغرام وإن كن
ت ترينا زفير أهل الغرام
أنت لا تعرف الحنين إلى الإل
ف فما هذه الدموع الهوامي
أنت قاسي الفؤاد جلد على الأي
ن شديد القوى شديد العرام
لا تبالي أرعت بالبين أحبا
با وأسرفت في أذى المستهام
أم جمعت الأعداء فوق صعيد
وخلطت الأسود بالآرام
إنني قد شهدت فيك عجيبا
ضاق عن وصفه نطاق الكلام
جزت يوما بنا ونحن على الجس
ر قيام والليل ليل التمام
وإذا راكب إلى الجسر يهوي
بين صفين من ممات زؤام
مر كالسهم بين تلك الحنايا
قد رماه من المقادير رامي
فتردى في الماء والماء غمر
يتقيه القضاء والنهر طامي
وإذا سابح قد انقض في الما
ء انقضاض العقاب فوق الحمام
غاص في لجة الحتوف بعزم
لم يعود مواقف الإحجام
غاب فيها وعاد يحمل جسما
سله من يد الهلاك اللزام
كافح الموج، صارع الهول، أبلى
كبلاء المهند الصمصام
وانثنى راجعا إلى شاطئ النه
ر رجوع الكمي غب اغتنام
وقف الناس ذاهلين وصاحوا
تلك إحدى عجائب الأيام
أنجاة من القطار، من الجس
ر، من النهر، جل رب الأنام
وإذا صيحة علت من فتاة
برزت من صفوف ذاك الزحام
وقفت موقف الخطيب ونادت
تلك عقبى رعاية الأيتام
بسطت تحته أكفا تلقت
ه وحاطته رغم أنف الحمام
دعوة البائس المعذب سور
يدفع الشر عن حياض الكرام
وهي حرب على البخيل وذي البغ
ي وسيف على رقاب اللئام
إن هذا الكريم قد صان عرضي
وحماني من عاديات السقام
عال طفلي وعالني وحباني
بكساء وبدرة وطعام
وهو من معشر أغاثوا ذوي البؤ
س وقاموا في الله خير القيام
وأقاموا للبر دارا فكانت
خير ورد يؤمه كل ظامي
ملئت رحمة وفاضت حنانا
فهي للبائسات دار السلام
زرتها والشقاء يجري ورائي
وشعاع الرجاء يسري أمامي
لم يقولوا: من الفتاة؟ ولكن
سألوني هناك عن آلامي
ثم أهوت إلى الغريق تواسي
ه بأحلى من منعشات المدام
قبلت راحتيه شكرا وصاحت
قد نجا صاحب الأيادي العظام
قد نجا المنعم الجواد من المو
ت بفضل الزكاة والإنعام
فأطفنا بها وقد ملأ الأن
فس منا جلال ذاك المقام
وشهدنا ثغر الوفاء تجلى
إذ تجلى في ثغرها البسام
ورأينا شخص المروءة والبر
ر تبدى في شخص ذاك الهمام
وعلمنا أن الزكاة سبيل الل
ه قبل الصلاة قبل الصيام
خصها الله في الكتاب بذكر
فهي ركن الأركان في الإسلام
بدأت مبدأ اليقين وظلت
لحياة الشعوب خير قوام
لو وفى بالزكاة من جمع الدن
يا وأهوى على اقتناء الحطام
ما شكا الجوع معدم أو تصدى
لركوب الشرور والآثام
راكبا رأسه طريدا شريدا
لا يبالي بشرعة أو ذمام
سائلا عن وصية الله فيه
آخذا قوته بحد الحسام
لم أقف موقفي لأنشد شعرا
صب في قالب بديع النظام
إنما قمت فيه والنفس نشوى
من كئوس الهموم والقلب دامي
ذقت طعم الأسى وكابدت عيشا
دون شربي قذاه شرب الحمام
فتقلبت في الشقاء زمانا
وتنقلت في الخطوب الجسام
ومشى الهم ثاقبا في فؤادي
ومشى الحزن ناخرا في عظامي
فلهذا وقفت أستعطف النا
س على البائسين في كل عام (14) إلى الخديوي عباس
قالها عند عودة سموه من دار الخلافة وقد عرض ليها لما كان في مصر من الخلاف بين المسلمين والأقباط في سنة 1911م
كم تحت أذيال الظلام متيم
دامي الفؤاد وليله لا يعلم
ما أنت في دنياك أول عاشق
راميه لا يحنو ولا يترحم
أهرمتني يا ليل في شرخ الصبا
كم فيك ساعات تشيب وتهرم
لا أنت تقصر لي ولا أنا مقصر
أتعبتني وتعبت، هل من يحكم؟
لله موقفنا وقد ناجيتها
بعظيم ما يخي الفؤاد ويكتم
قالت: من الشاكي؟ تسائل سربها
عني، ومن هذا الذي يتظلم؟
فأجبتها وعجبن كيف تجاهلت:
هو ذلك المتوجع المتألم
أنا من عرفت ومن جهلت ومن له - لولا عيونك - حجة لا تفحم
أسلمت نفسي للهوى وأظنها
مما يجشمها الهوى لا تسلم
وأتيت يحدو بي الرجاء ومن أتى
متحرما بفنائكم لا يحرم
أشكو لذات الخال ما صنعت بنا
تلك العيون وما جناه المعصم
لا السهم يرفق بالجريح ولا الهوى
يبقي عليه ولا الصبابة ترحم
لو تنظرين إليه في جوف الدجى
متململا من هول ما يتجشم
يمشي إلى كنف الفراش محاذرا
وجلا يؤخر رجله ويقدم
يرمي الفراش بناظريه وينثني
جزعا ويقدم بعد ذاك ويحجم
فكأنه - واليأس ينشف نفسه -
للقتل فوق فراشه يتقدم
رشقت به في كل جنب مدية
وانساب فيه بكل ركن أرقم
فكأنه في هوله وسعيره
واد قد أطلعت عليه جهنم
هذا وحقك بعض ما كابدته
من ناظريك، وما كتمتك أعظم
قالوا: أهذا أنت! ويحك فائتد
حتام تنجد في الغرام وتتهم؟
كم نفثة لك تستثير بها الهوى (هاروت) في أثنائها يتكلم
إنا سمعنا عنك ما قد رابنا
وأطال فيك وفي هواك اللوم
فاذهب بسحرك قد عرفتك واقتصد
فيما تزين للحسان وتوهم
أصغت إلى قول الوشاة فأسرفت
في هجرها وجنت علي وأجرموا
حتى إذا يئس الطبيب وجاءها
أني تلفت تندمت وتندموا
وأتت تعود مريضها لا بل أتت
مني تشيع راحلا لو تعلم
أقسمت (بالعباس)، إني صادق
فمريهم بجلاله أن يقسموا
تلك عدوت على الزمان بحوله
وغدوت في آلائه أتنعم
النجم من حراسه، والدهر من
خدامه، وهو العزيز المنعم
هللت حين رأيت ركبك سالما
ورأيت (عباسا) به يتبسم
وحمدت ربي حين حل عرينه
متجدد العزمات ذاك الضيغم
خفقت قلوب المسلمين وأشفقت
دار الخلافة والمليك الأعظم
ودعا لك البيت الحرام فأمنت
بطحاء مكة والحطيم وزمزم
ودوى بمصر لك الدعاء فنيلها
وسهولها وفصيحها والأعجم
ومشى الصغير إلى الكبير مسائلا
يتسقط الأخبار أو يتنسم
حتى اطمأنت بالشفاء نفوسهم
وطلعت بالسعد العميم عليهم
مولاي أمتك الوديعة أصبحت
وعرا المودة بينها تتفصم
نادى بها القبطي ملء لهاته
أن لا سلام وضاق فيها المسلم
وهم أغار على النهى وأضلها
فجرى الغبي وأقصر المتعلم
فهموا من الأديان ما لا يرتضي
دين ولا يرضى به من يفهم
ماذا دها قبطي مصر فصده
عن ود مسلمها وماذا ينقم؟
وعلام يخشى المسلمين وكيدهم
والمسلمون عن المكايد نوم
قد ضمنا ألم الحياة وكلنا
يشكو، فنحن على السواء وأنتم
إني ضمين المسلمين جميعهم
أن يخلصوا لكم إذا أخلصتم
رب الأريكة، إننا في حاجة
لجميل رأيك والحوادث حوم
فأفض علينا من سمائك حكمة
تأسو القلوب فإن رأيك أحكم
وأجمع شتات العنصرين بعزمة
تأتي على هذا الخلاف وتحسم
فكلاهما لعزيز عرشك مخلص
وكلاهما برضاك صب مغرم (15) محاورة بين حافظ وخليل مطران في حفل أقامته جمعية رعاية الطفل بالأوبرا (نشرت في 31 مارس سنة 1913م)
حافظ :
هذا صبي هائم
تحت الظلام هيام حائر
أبلى الشقاء جديده
وتقلمت منه الأظافر
فانظر إلى أسماله
لم يبق منها ما يظاهر
هو لا يريد فراقها
خوف القوارس والهواجر
لكنها قد فارقت
ه فراق معذور وعاذر
إني أعد ضلوعه
من تحتها والليل عاكر
أبصرت هيكل عظمه
فذكرت سكان المقابر
فكأنما هو ميت
أحياه (عيسى) بعد (عازر)
قد كان يهدمه النسي
م وكاد تدروه الأعاصر
وتراه من فرط الهزا
ل تكاد تثقبه المواطر
عجبا أيفرسه الطوى
في قلب حاضرة الحواضر
وتغوله البؤسى وطر
ف (رعاية الأطفال) ساهر!
كم مثله تحت الدجى
أسوان بادي الضر طائر
خزيان، يخرج في الظلا
م خروج خفاش المغاور
متلفعا جلبابه
مترقبا معروف عابر
يقذى برؤيته فلا
تلوي عليه عين ناظر
ومنها:
قعدت شعوب الشرق عن
كسب المحامد والمفاخر
فونت وفي شرع التنا
حر من ونى لا شك خاسر
تمشي الشعوب لقصدها
قدما وشعب النيل آخر
كم في الكنانة من فتى
ندب وكم في الشأم قادر
لكنهم لم يرزقوا
رأيا ولم يردوا المخاطر
هذا يطير مع الخيا
ل وذاك يرتجل النوادر
جهلوا الحياة وما الحيا
ة لغير كداح مغامر
يجتاب أجواز القفا
ر ويمتطي متن الزواخر
لا يستشير سوى العزي
مة في الموارد والمصادر
يرمي وراء الباقيا
ت بنفسه رمي المقامر
ما هد عزم القادري
ن بمصر إلا قول: (باكر)
كم ذا نحيل على غد
وغد مصير اليوم صائر
خوت الديار فلا اخترا
ع ولا اقتصاد ولا ذخائر
دع ما يجشمها الجمو
د وما يجر من الجرائر
في الاقتصاد حياتنا
وبقاؤنا رغم المكابر
تربو به فينا المصا
نع والمزارع والمتاجر
سل (حشمتا) عنه فه
ذا (حشمت) في الجمع حاضر
أحيا الصناعة والتجا
رة مثلما أحيا الضمائر
مطران :
عجبا تعرفني به
وأنا بهمته أفاخر!
لي فيه ما لك فيه من
أمل على الأيام كابر
أنسيت (موجز الاقتصا
د) وفضله أم أنت ذاكر
أو لم يكن هذا الوزي
ر بذلك التعريب آمر
أنسيت ما عانيته
واللفظ مستعص ونافر
حافظ :
لم أنس ما سالت به
من خاطري تلك المقاطر
مطران :
لم أنس إدلال الكلا
م وذلتي بين المحابر
حافظ :
لم أنس نحتي لاصطلا
ح دونه نحت المحاجر
مطران :
لم أنس تشذيب الفضو
ل ومقرض التثقيف دائر (16) دعوة إلى الإحسان (نشرت في سنة 1915م)
أجاد (مطران) كعاداته
وهكذا يؤثر عن (قس)
فإن أقف من بعده منشدا
فإنما من طرسه طرسي
وإن رأيتم في يدي زهرة
فإنها من ذلك الغرس
رثى (حبيبا) ورثى بعده
لذلك الموفي على الرمس
كانا إذا ما ظهرا منبرا
حلا من السامع في النفس
فأصبحا هذا طواه الردى
وذاك نهب في يد البؤس
لولا (سليم) لم يقل قائل
ولم يجد من جاد بالأمس
لله ما أشجعه إنه
ذو مرة فينا وذو بأس
يقوم في مشروعه نافذا
كأنه (عنترة العبسي)
تلقاه في الجد كما تبتغي
وتارة تلقاه في (الهلس) (سركيس) إن راقك ما قلته
في معرض الهزل فقل «مرسي»
أقسم بالله وآلائه
بعرشه باللوح بالكرسي
بالخنس الكنس في سبحها
بالبدر في مرآه بالشمس
بأن هذا عمل صالح
قام به هذا الفتى القدسي
ذكرنا والمرء من نفسه
وعيشه في شاغل ينسي
بالواجب الأقدس في حق من
باعته مصر بيعة الوكس
هذا (أبو العدل) فمن خاله
حيا فما خال سوى العكس
كانت له في حلقه ثروة
من نبرة تشجي ومن جرس
فغالها الدهر كما غاله
حتى غدا كالطلل الدرس
فاكتسبوا الأجر ولا تبتغوا
شراءه بالثمن البخس
إني أرى التمثيل في غمرة
غامرة تدعو إلى اليأس
لم يرمه في شرخه ما رمى
لو كان مبنيا على أس
أكلما خفت به صحوة
من دائه عوجل بالنكس
إن تغفلوا دارس آثاره
عفى عليها الدهر بالطمس
أعجزها النطق فجاءت بنا
تنوب عن ألسنها الخرس (17) العدو والصديق ترجمة عن ڤولتير (نشر هذا البيت في 15يناير سنة 1916م)
لا أبالي أذى العدو فحطني
أنت يا رب من ولاء الصديق (18) جمعية الاتحاد السوري
أنشدها في حفل خيري أقامته هذه الجماعة في الأوبرا السلطانية لإعانة الطلبة الشاميين بالأزهر ليلة الثلاثاء 15 يناير سنة 1916م
أيها الوسمي زر نبت الربا
واسبق الفجر إلى روض الزهر
حيه وانثر على أكمامه
من نطاف الماء أشباه الدرر
أيها الزهر أفق من سنة
واصطبح من حمرة لم تعتصر
من رحيق أمه غدية
ساقها تحت الدجى روح السحر
وانفح الروض بنشر طيب
عله يوقظ سكان الشجر
إن بي شوقا إلى ذي غنة
يؤنس النفس وقد نام السمر
إيه يا طير ألا من مسعد؟
إنني قد شفني طول السهر
قم وصفق واستحر واسجع ونح
وارو عن إسحاق مأثور الخبر
ظهر الفجر وقد عودتني
أن تغنيني إذا الفجر ظهر
غنني كم لك عندي من يد
سرت الأشجان عني والفكر
إخرق السمع سوى من نبإ
خرق السمع فأدمى فوقر
كل يوم نبأة تطرقنا
بعجيب من أعاجيب العبر
أمم تفنى وأركان تهي
وعروش تتهاوى وسرر
وجيوش بجيوش تلتقي
كسيول دفقت في منحدر
ورجال تتبارى للردى
لا تبالي غاب عنها أم حضر
من رآها في وغاها خالها
صبية خفت إلى لعب الأكر
وحروب طاحنات كلما
أطفئت شب لظاها واستعر
ضجت الأفلاك من أهوالها
واستعاذ الشمس منها والقمر
في الثرى، في الجو، في شم الذرا
في عباب البحر، في مجرى النهر
أسرفت في الخلق حتى أوشكوا
أن يبيدوا قبل ميعاد البشر
فاصمدوا ثم احمدوا الله على
نعمة الأمن وطيب المستقر
نعمة الأمن وما أدراك ما
نعمة الأمن إذا الخطب اكفهر
واشكروا سلطان مصر واشكروا
صاحب الدولة محمود الأثر
نحن في عيش تمنى دونه
أمم في الغرب أشقاها القدر
تتمنى هجعة في غبطة
لم تساورها الليالي بالكدر
إن في الأزهر قوما نالهم
من لظى نيرانها بعض الشرر
أصبحوا - لا قدر الله لنا -
في عناء وشقاء وضجر
نزلاء بيننا إن يرهقوا
أو يضاموا إنها إحدى الكبر
فأعينوهم فهم إخوانكم
مسهم ضر ونابتهم غير
أقرضوا الله يضاعف أجركم
إن خير الأجر أجر مدخر (19) الجمعية الخيرية الإسلامية (نشرت في 28 مارس سنة 1916م)
أنشد هذه القصيدة بين يدي المغفور له السلطان حسين كامل في ليلة أحيتها الجمعية الخيرية بالأوبرا السلطانية. وقد قالها على لسان صنيعة من صنائع الجمعية كان يتيما بائسا، فكفلته الجمعية حتى اكتمل عقلا وعلما.
قضيت عهد حداثتي
ما بين ذل واغتراب
لم يغن عني بين مش
رقها ومغربها اضطراب
صفرت يدي فخوى لها
رأسي وجوفي والوطاب
وأنا ابن عشر ليس في
طوقي مكافحة الصعاب
لم يبق من أهلي سوى
ذكر تناساه الصحاب
أمشي يرنحني الأسى
والبؤس ترنيح الشراب
فلكم ظللت على طوى
يومي وبت على تبات
والجوع فراس له
ظفر يصول به وناب
فكأنه في مهجتي
نصل تغلغل للنصاب
ولكم صحبت الأبيضي
ن فأبليا برد الشباب
فإذا ظفرت بكسرة
فإدامها مني لعاب
وعلي طمر لو هفت
ريح الشمال به لذاب
فخروقه ومصائبي
في العد يخطئها الحساب
ما زلت أوسع محنتي
صبرا وأحتمل العذاب
حتى تنفس صبح إق
بالي ونجم النحس غاب
ولكل سيف مصلت
لحوادث الدنيا قراب
والعيش في إقباله
شهد وفي الإدبار صاب
فتلقفتني فتية
رحب الشمائل والجناب
مهدوا لأنفسهم بما
صنعوه زلفى واحتساب
وعدوا إلى الحسنى كما
تعدو المطهمة العراب
كم أسرة ضاق الرجا
ء بها وأعياها الطلاب
دقوا عليها بابها
والليل مسدول النقاب
وتعاهدوها مثلما
يتعاهد النبت السحاب
وجمال صنع البر أل
لا يستشف له حجاب
فتحوا المدارس حسبة
وتنظروا حسن المآب
فيها تبينت الهدى
وقرأت (فاتحة الكتاب)
وبها صدفت عن الضلا
لة واهتديت إلى الصواب
وغدوت إنسانا تجم
مله الفضائل لا الثياب
متبصرا ذا فطنة
تنفي القشور عن اللباب (جمعية خيرية)
قامت لتخفيف المصاب
قد كان فيها (عبده)
غوثا يلبي من أهاب
لم يدع مسماحا إلى
إنعاشها إلا أجاب
ما غاب عنها مرة
حتى تغيب في التراب
و(لعاصم) أثر بها
باق وذكر مستطاب
قد كان يحميها كما
تحمي مجاثمها العقاب
ثبتت وكان ثباتها
يدعو إلى العجب العجاب
والشرق أورث أهله
حب التقلب والخلاب
فينا على كرم الطبا
ع ونبلها طبع يعاب
داء التواكل وهو في ال
عمران داعية الخراب
ثبتت لأن لها إلى
أعتاب مولانا انتساب
لولا (حسين) لم تدم
إلا كما دام الحباب
الله أدركها به
بحرا موارده عذاب
يا واهب الآلاف كم
طوقت بالمنن الرقاب
لك ساحة علوية
ما أمها أمل وخاب
مهدت للأخيار مي
دان السباق إلى الثواب
لا زلت في القطرين مح
روس الأريكة والركاب (20) جمعية إعانة العميان
قالها في حفل أقامته الجمعية لبناء مدرسة للعميان الأحداث بالأوبرا في 19ديسمبر سنة 1916م ونشرت في اليوم التالي
إن يوم احتفالكم زاد حسنا
وجلالا بيوم عيد الجلوس
فاقتران اليومين رمز إلى يم
ن وبشرى تسر رهن الحبوس
فكأني أشيم عاطفة البر
ر عيانا تجول بين الجلوس
وأرى في الوجوه سيما ارتياح
وابتهاج لسعي تلك العروس
إن حق الضرير عند ذوي الأب
صار حق مستوجب التقديس
لم يضره فقدانه نور عيني
ه إذا اعتاض عنهما بأنيس
أنسوا نفسه إذا أظلم العي
ش بعلم فالعلم أنس النفوس
وجهوه إلى الفلاح يفدكم
فوق ما يستفيده من دروس
أكملوا نقصه يكن عبقريا
مثل (طه) مبرزا في الطروس
كم رأينا من أكمه لا يجارى
وضرير يرجى ليوم عبوس
لم تقف آفة العيون حجازا
بين وثباته وبين الشموس
عدم الحس قائدا فحداه
هدي وجدانه إلى المحسوس
مثل هذا إذا تعلم أغنى
عن كثير وجاءنا بالنفيس
ذاك أن الذكاء والحفظ حلا
في جوار النهى بتلك الرءوس
فعلى كل أكمه وبصير
شكر أعضائكم وشكر الرئيس (21) ملجأ الحرية (نشرت في 19 مايو سنة 1919م)
أيها الطفل لك البشرى فقد
قدر الله لنا أن ننشرا
قدر الله حياة حرة
وأبى سبحانه أن تقبرا
لا تخف جوعا وعريا ولا
تبك عيناك إذا خطب عرا
لك عند البر في ملجئه
حيث تأوي خاطر لن يكسرا
حيث تلقى فيه حدبا وترى
بين أترابك عيشا أنضرا
لا تسئ ظنا بمثرينا فقد
تاب عن آثامه واستغفرا
كان بالأمس وأقصى همه
إن أتى عارفة أن يظهرا
فغدا اليوم يواسي شعبه
وهو لا يرغب في أن يشكرا
نبهت عاطفة البر به
محنة عمت ومقدار جرى
جمعتنا في صعيد واحد
وأرادتنا على أن نقهرا
فتعاهدنا على دفع الأذى
بركوب الحزم حتى نظفرا
وتواصينا بصبر بيننا
فغدونا قوة لا تزدرى
أنشرت في مصر شعبا صالحا
كان قبل اليوم منفك العرا
كم محب هائم في حبها
ذاد عن أجفانه سرح الكرى
وشباب وكهول أقسموا
أن يشيدوا مجدها فوق الذرا
يا رجال الجد هذا وقته
آن أن يعمل كل ما يرى
ملجأ أو مصرفا أو مصنعا
أو نقابات لزراع القرى
أنا لا أعذر منكم من ونى
وهو ذو مقدرة أو قصرا
فابدءوا بالملجإ الحر الذي
جئت للأيدي له مستمطرا
واكفلوا الأيتام فيه واعلموا
أن كل الصيد في جوف الفرا
أيها المثري ألا تكفل من
بات محروما يتيما معبرا
أنت ما يدريك لو أنبته
ربما أطلعت بدرا نيرا
ربما أطلعت (سعدا) آخرا
يحكم القول ويرقى المنبرا
ربما أطلعت منه (عبده)
من حمى الدين وزان (الأزهرا)
ربما أطلعت منه شاعرا
مثل (شوقي) نابها بين الورى
ربما أطلعت منه فارسا
يدخل الغيل على أسد الشرى
كم طوى البؤس نفوسا لو رعت
منبتا خصبا لكانت جوهرا
كم قضى العدم على موهبة
فتوارت تحت أطباق الثرى
كل من أحيا يتيما ضائعا
حسبه من ربه أن يؤجرا
إنما تحمد عقبى أمره
من لأخراه بدنياه اشترى (22) جمعية الطفل
أنشدها في الحفل الذي أقامته هذه الجمعية في يوم الثلاثاء أول مايو سنة 1928م
أيها ا لطفل لا تخف عنت الده
ر ولا تخش عاديات الليالي
قيض الله للضعيف نفوسا
تعشق البر من ذوات الحجال
أي ذوات الحجال عشتن للبر
ر ودمتن قدوة للرجال
لم يكونوا ليدركوا المجد لولا
كن أو يسلكوا سبيل المعالي
بسمة تجعل الجبان شجاعا
وتعيد البخيل أكرم نال
وعظام الرجال من كل جنس
في رضاكن أرخصوا كل غالي
راعني من نفوسكن جمال
يتجلى في هالة من جلال
وجمال النفوس والشعر والأخ
لاق عندي أسمى مجالي الجمال
قمن علمننا المروءة والعط
ف على البائسين والسؤال
قمن علمننا الحنان على الطف
ل شريدا فريسة المغتال
قد أجبنا نداءكن وجئنا
نسأل القادرين بعض النوال
لو ملكنا غير المقال لجدنا
إن جهد المقل حسن المقال
أنقذوا الطفل إن في شقوة الطف
ل شقاء لنا على كل حال
إن يعش بائسا ولم يطوه البؤ
س يعش نكبة على الأجيال
رب بؤس يخبث النفس حتى
يطرح المرء في مهاوي الضلال
أنقذوه فربما كان فيه
مصلح أو مغامر لا يبالي
ربما كان تحت طمريه عزم
ذو مضاء يدك شم الجبال
رب سر قد حل جسم صغير
وتأبى على شديد المحال
فخفاف الأفيال أرفق وقعا
لو تبينت من دبيب النمال
شاع بؤس الأطفال والبؤس داء - لو أتيح الطبيب - غير عضال
أيدوا كل مجمع قام للبر
ر بجاه يظله أو بمال
كم يتيم كادت به البأ
ساء لولا (رعاية الأطفال)
ورجال الإسعاف أنبل - لولا
شهوة الحرب - من رجال القتال
يسهرون الدجى لتخفيف ويل
أو بلاء مصوب أو نكال
كم جريح لولاهم مات نزفا
في يد الجهل أو يد الإهمال
كم صريع من صدمة أو صريع
من سموم مخدر الأوصال
كم حريق قد أحجم الناس فيه
عن ضحايا تئن تحت التلال
يترامون في اللهيب سراعا
كترامي القطا لورد الزلال
لا لشيء سوى المروءة يحلو
طعمها في فم المريء الموالي
فاصنعوا البر منعمين وجودوا
أيها القادرون قبل السؤال
لانتشار العلوم أو لانطواء ال
بؤس والشر أو لترفيه حال (23) كلية البنات الأمريكية (نشرت في 26 مايو سنة 1928م)
قالها في الحفل الذي أقامته الكلية لتوزيع الشهادات والجوائز على الفائزات
أي رجال الدنيا الجديدة مهلا
قد شأوتم بالمعجزات الرجالا
وفهمتم معنى الحياة فأرصد
تم عليها لكل نقص كمالا
وحرصتم على العقول فحرم
تم عصيرا يراه قوم حلالا
وقدرتم دقيقة العمر حرصا
وسواكم لا يقدر الأجيالا
كم أحالوا على غد كل أمر
ومحيل الأمور يبغي المحالا
قد تحديتم المنية حتى
هم أن يغلب البقاء الزوالا
وطويتم فراسخ الأرض طيا
ومشيتم على الهواء اختيالا
ثم سخرتم الرياح فسستم
حيث شئتم جنوبها والشمالا
تسرجون الهواء إن رمتم السي
ر وفي الأرض من يشد الرحالا
وتخذتم موج الأثير بريدا
حين خلتم أن البروق كسالى
ثم حاولتم الكلام مع النج
م فحملتم الشعاع مقالا
ومحا (فورد) آية المشي حتى
شرع الناس ينبذون النعالا
وانتزعتم من كل شبر بظهر ال
أرض أو بطنها المحجب مالا
وأقمتم في كل أرض صروحا
تنطح السحب شامخات طوالا
وغرستم للعلم روضا أنيقا
فوق دنيا الورى يمد الظلالا
وحللتم بأرضنا فعرفنا
كيف تنمون بيننا الأطفالا
ورأينا البنات كيف يثقف
ن بعلم يزيدهن جمالا
ليت شعري متى أرى أرض مصر
في حمى الله تنبت الأبطالا
وأرى أهلها يبارونكم عل
ما ووثبا إلى العلا ونضالا
قد نفضنا عنا الكرى وابتدرنا
فرص العيش وانتقلنا انتقالا
وعلمنا بأن غفلة يوم
تحرم المرء سعيه أحوالا
فشققنا إلى الحياة طريقا
وأصبنا على الزحام مجالا
ونهضنا في ظل عرش (فؤاد)
ورفعنا لعهده تمثالا
قد أبى الله أن نعيش على النا
س - وإن ضاقت الوجوه - عيالا (24) الأزبكية
كم وارث غض الشباب رميته
بغرام راقصة وحب هلوك
ألبسته الثوبين في حاليهما
تيه الغني وذلة المفلوك (25) نشيد الشبان المسلمين
أعيدوا مجدنا دنيا ودينا
وذودوا عن تراث المسلمينا
فمن يعنو لغير الله فينا
ونحن بنو الغزاة الفاتحينا
ملكنا الأمر فوق الأرض دهرا
وخلدنا على الأيام ذكرى
أتى (عمر) فأنسى عدل (كسرى)
كذلك كان عهد الراشدينا
جبينا السحب في عهد الرشيد
وبات الناس في عيش رغيد
وطوقت العوارف كل جيد
وكان شعارنا رفقا ولينا
سلوا (بغداد) والإسلام دين
أكان لها على الدنيا قرين
رجال للحوادث لا تلين
وعلم أيد الفتح المبينا
فلسنا منهم والشرق عاني
إذا لم نكفه عنت الزمان
ونرفعه إلى أعلى مكان
كما رفعوه أو نلقى المنونا (26) غلاء الأسعار
أيها المصلحون ضاق بنا العي
ش ولم تحسنوا عليه القياما
عزت السلعة الذليلة حتى
بات مسح الحذاء خطبا جساما
وغدا القوت في يد الناس كاليا
قوت حتى نوى الفقير الصياما
يقطع اليوم طاويا ولديه
دون ريح القتار ريح الخزامى
ويخال الرغيف في البعد بدرا
ويظن اللحوم صيدا حراما
إن أصاب الرغيف من بعد كد
صاح: من لي بأن أصيب الإداما؟
أيها المصلحون أصلحتم الأر
ض وبتم عن النفوس نياما
أصلحوا أنفسا أضر بها الفق
ر وأحيا بموتها الآثاما
ليس في طوقها الرحيل ولا الجد
د ولا أن تواصل الإقداما
تؤثر الموت في ربا النيل جوعا
وترى العار أن تعاف المقاما
ورجال الشآم في كرة الأر
ض يبارون في المسير الغماما
ركبوا البحر، جاوزوا القطب، فاتوا
موقع النيرين خاضوا الظلاما
يمتطون الخطوب في طلب العي
ش ويبرون للنضال السهاما
وبنو مصر في حمى النيل صرعى
يرقبون القضاء عاما فعاما
أيها النيل كيف نمسي عطاشا
في بلاد رويت فيها الأناما
يرد الواغل الغريب فيروى
وبنوك الكرام تشكو الأواما
إن لين الطباع أورثنا الذل
ل وأغرى بنا الجناة الطغاما
إن طيب المناخ جر علينا
في سبيل الحياة ذاك الزحاما
أيها المصلحون رفقا بقوم
قيد العجز شيخهم والغلاما
وأغيثوا من الغلاء نفوسا
قد تمنت مع الغلاء الحماما
أوشكت تأكل الهبيد من الفق
ر وكادت تذود عنه النعاما
فأعيدوا لنا المكوس فإنا
قد رأينا المكوس أرخى زماما
ضاق في مصر قسمنا فاعذرونا
إن حسدنا على الجلاء الشآما
قد شقينا - ونحن كرمنا الل
ه - بعصر يكرم الأنعاما (27) أضرحة الأولياء
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
وبألف ألف ترزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة
قامت على أحجارها الصلوات
يسعى الأنام لها، ويجري حولها
بحر النذور، وتقرأ الآيات
ويقال: هذا القطب باب المصطفى
ووسيلة تقضى بها الحاجات
وقال على لسان طفلة:
أخشى مربيتي إذا
طلع النهار وأفزع
وأظل بين صواحبي
لعقابها أتوقع
لا الدمع يشفع لي ولا
طول التضرع ينفع
وأخاف والدتي إذا
جن الظلام وأجزع
وأبيت أرتقب الجزا
ء وأعيني لا تهجع
ما ضرني لو كنت أس
تمع الكلام وأخضع
ما ضرني لو صنت أث
وابي فلا تتقطع
وحفظت أوراقي بمح
فظتي فلا تتوزع
فأعيش آمنة وأم
رع في الهناء وأرتع (28) إلى باني الهرم
من شاعر مصر الكبير حافظ إبراهيم إلى فرعون مصر العظيم، باني الهرم ومسخر الملايين.
من الشاعر في عهد الحرية الشخصية وحكم الديمقراطية، إلى فرعون في عهد الملوك الآلهة والرعايا العبيد.
من ابن مصر في القرن العشرين بعد الميلاد، إلى سيد مصر في القرن العشرين قبل الميلاد. (29) البلاغ الأسبوعي
سخر العلم ليبني آية
فوق شط النيل تبدو كالعلم
هي ذكر خالد لكنه
عابس الوجه إذا الذكر ابتسم
كل ما فيها على إعجازها
أنها قبر لجبار حطم
ليته سخر ما في عهده
من قوى في غير تقديس الرمم
من فنون أعجزت أطواقنا
وعلوم عندها الفكر وجم
وبنان مبدعات صورت
أوجه العذر لعباد الصنم
أبدعت ما أبدعت ثم انطوت
وعلى أسرارها الدهر ختم (30) من شاعر مصر إلى أبناء مصر
قيلت بعد ائتلاف حزبي الوفد والأحرار الدستوريين البلاغ الأسبوعي 26 نوفمبر سنة 1926
قد غفونا وانتبهنا فإذا
نحن غرقى، وإذا الموت أمم
ثم كانت فترة مقدورة
غر فينا الدهر ضعف فهجم
فتماسكنا فكانت قوة
زلزلت ركن الليالي فانهدم
كان في الأنفس جرح من هوى
نظر الله إليه فالتأم
فنشدنا العيش حرا طلقا
تحت ظل الله لا ظل الأمم
وحقيق أن يوفى حقه
من بحبل الله والصبر اعتصم
آفة المرء إذا المرء ونى
آفة الشعب إذا الشعب انقسم
ليس منا من يني أو ينثني
أو يعق النيل في رعي الذمم
نشء مصر، نبئوا مصرا: بكم
تشترون المقصد الأسمى، بكم؟
بنضال يصقل العزم به
وسهاد في العلا حلو الألم
أنا لا أفخر بالماضي، ولا
أحسب الحاضر يطرى أو يذم
كل همي أن أراكم في غد
مثل ما كنتم أسودا في أجم
فالفتى كل الفتى من لو رأى
في اقتحام النار عزا لاقتحم
لا تظنوا العيش أحلام المنى
ذاك عهد قد تولى وانصرم
هو حرب بين فقر وغنى
وصراع بين برء وسقم
هو نار ووقود فإذا
غفل الموقد فالنار حمم
فانفضوا النوم وجدوا للعلا
فالعلا وقف على من لم ينم
ليس يجني من تمنى وصلها
وانيا أو وادعا غير الندم
والأماني شر ما تمنى به
همة المرء إذا المرء اعتزم
تحمد العزم وتثني حده
فهي كالماء لإخماد الضرم
وانظروا اليابان في الشرق وقد
ركزت أعلامها فوق القمم
حاربوا الجهل وكانوا قبلنا
في دجى عميائه حتى انهزم
فاسألوا عنها الثريا لا الثرى
إنها تحتل أبراج الهمم
همم يمشي بها العلم إلى
أنبل الغايات لا تدري السأم
فهي أنى حاولت أمرا مشت
خلفها الأيام في صف الخدم
لا تبالي زلزلت من تحتها
أم عليها النجم بالنجم اصطدم
تخذت شمس الضحى رمزا لها
وكفى بالشمس رمزا للعظم
فهي لا تألو صعودا تبتغي
جانب الشمس مكانا لم يرم (31) التبرع للتعليم .أقامت نقابة المعلمين حفلا في دار الجامعة المصرية مساء الجمعة 29 من أكتوبر سنة 1920 تكريما لمحسني المنوفية: حسنين عبد الغفار وعبد العزيز حبيب ومحمود السيد أبي حسين لتبرعهم بسبعين فدانا من أطيانهم في المنوفية أوقفوها على التعليم.
ودعي حافظ للاشتراك في تكريمهم، فألقى هذه القصيدة:
ثلاثة من سراة النيل قد حبسوا
على مدارسنا سبعين فدانا
أحيوا بها أملا قد كان يخنقه
بخل الغني وجهل قد تغشانا
وخالفوا سنة في مصر شائعة
جرت على العلم والآداب خسرانا
فإن هم سراة النيل أن يقفوا
على القبور وإن لم تحو إنسانا
فكم ضريح خلاء لا رفات به
ترى له في مناحي النيل «أطيانا»
وكم حبوس على الموتى، وغلتها
يشري الجباة به خوصا وريحانا
والعلم في حسرة، والعقل في أسف
والدين في خجل مما تولانا
ما كان ضر سراة النيل لو فعلوا
شرواكم، فبنوا للعلم أركانا
تقذى عيون بني مصر بمظهرهم
في «الرمل» حينا، وفي «حلوان» أحيانا
يبغون أن تحتوي الدنيا خزائنهم
ويزرعوا فلوات الله أقطانا
وليس فيهم أخو نفع وصالحة
ولا ترى لهم برا وإحسانا
يا مصر حتام يشكو الفل في زمن
يجنى عليه ويمسي فيك أسوانا
قد سال واديك خصبا ممتعا فمتى
تسيل أرجاؤه علما وعرفانا (32) إلى الدكتور طه حسين
عندما أصدر الدكتور طه حسين مؤلفه «في الشعر الجاهلي» شن عليه جامدو الفكر حملة بتكفيره وبخروجه على الإسلام، وتغالى بعضهم فطالبوا بإهدار دمه، وكان منهم المرحوم الدكتور عبد الحميد سعيد الذي كان عضوا بمجلس النواب ورئيسا لجمعية الشبان المسلمين وقتئذ فقال حافظ:
إن صح ما قالوا، وما أرجفوا
وألصقوا زورا بدين العميد
فكفر «طه» عند ديانه
أحب من إسلام عبد الحميد (33) من حافظ إلى الشيخ عبد الرحيم الدمرداشي
لما ترجم حافظ كتاب البؤساء لفيكتور هوجو، أقبل الفضلاء على تعضيده بالاشتراك في أعداد من نسخ الكتاب، عدا شيخ الطريقة الدمرداشية وكان من أغنى أغنياء البلاد.
فلما انتهى طبع الكتاب، أرسل إليه حافظ نسخة هدية، وكتب عليها إهداءه:
هدية من شاعر بائس
إلى الدمرداشي ولي النعم
يشرك بالله ولا يشترك
في نسخة فيها ضروب الحكم (34) مداعبة لحافظ
كان حافظ مدعوا لإلقاء قصيدة في حفل جمعية رعاية الأطفال بحديقة الأزبكية. وعند دخوله أراد المشرف أن يداعبه، فطلب منه التذكرة، فقال له إنه حافظ إبراهيم، وجاء للمشاركة في الاحتفال السنوي كعادته بقصيدة، فزعم المشرف أنه لا يعرفه، وعليه أن يثبت شخصيته ببيتين يرتجلهما.
فضحك حافظ وقال له: لم أر أخبث منك مشرفا ... وارتجل هذين البيتين:
رياض الأزبكية قد تحلت
بأنجاب كرام أنت منهم
فهبها جنة فتحت لخير
وأدخلنا مع المعفو عنهم
وضحك المشرف وقال: تفضل يا حافظ بك ...
السياسيات
(1) العلمان المصري والإنجليزي في مدينة الخرطوم
رويدك حتى يخفق العلمان
وتنظر ما يجري به الفتيان
فما مصر كالسودان لقمة جائع
ولكنها مرهونة لأوان
دعاني وما أرجفتما باحتماله
فإني بمكر القوم «شق» زماني
أرى مصر والسودان والهند واحدا
بها اللرد والفيكنت يستبقان
وأكبر ظني أن يوم جلائهم
ويوم نشور الخلق مقترنان
إذا غاضت الأمواه من كل مزبد
وخرت بروج الرجم للحدثان
وعاد زمان السمهري وربه
وحكم في الهيجاء كل يماني
هناك اذكرا يوم الجلاء ونبها
نياما عليهم يندب الهرمان (2) إلى مولاي عبد العزيز سلطان مراكش (نشرت في 4 أبريل سنة 1904م)
قالها وقد اقترح المؤيد على الشعراء أن ينظموا في عتاب مولاي عبد العزيز سلطان مراكش (عبد العزيز) لقد ذكرتنا أمما
كانت جوارك في لهو وفي طرب
ذكرتنا يوم ضاعت أرض أندلس
الحرب في الباب والسلطان في اللعب
فاحذر على التخت أن يسري الخراب له
فتخت (سلطانة) أعدى من الجرب (3) غادة اليابان (نشرت في 6 أبريل سنة 1904م)
ضمنها غرامه بغادة يابانية، وأشاد بالشجاعة التي ظهرت بها أمة اليابان في الحرب بينها وبين روسيا
لا تلم كفي إذا السيف نبا
صح مني العزم والدهر أبى
رب ساع مبصر في سعيه
أخطأ التوفيق فيما طلبا
مرحبا بالخطب يبلوني إذا
كانت العلياء فيه السببا
عقني الدهر ولولا أنني
أوثر الحسنى عققت الأدبا
إيه يا دنيا اعبسي أو فابسمي
لا أرى برقك إلا خلبا
أنا لولا أن لي من أمتي
خاذلا ما بت أشكو النوبا
أمة قد فت في ساعدها
بغضها الأهل وحب الغربا
تعشق الألقاب في غير العلا
وتفدي بالنفوس الرتبا
وهي والأحداث تستهدفها
تعشق اللهو وتهوى الطربا
لا تبالي لعب القوم بها
أم بها صرف الليالي لعبا
ليتها تسمع مني قصة
ذات شجو وحديثا عجبا
كنت أهوى في زماني غادة
وهب الله لها ما وهبا
ذات وجه مزج الحسن به
صفرة تنسي اليهود الذهبا
حملت لي ذات يوم نبأ
لا رعاك الله يا ذاك النبا
وأتت تخطر والليل فتى
وهلال الأفق في الأفق حبا
ثم قالت لي بثغر باسم
نظم الدر به والحببا:
نبئوني برحيل عاجل
لا أرى لي بعده منقلبا
ودعاني موطني أن أغتدي
علني أقضي له ما وجبا
نذبح الدب ونفري جلده
أيظن الدب ألا يغلبا
قلت والآلام تفري مهجتي:
ويك! ما تصنع في الحرب الظبا؟
ما عهدناها لظبي مسرحا
يبتغي ملهى به أو ملعبا
ليست الحرب نفوسا تشترى
بالتمني أو عقولا تستبى
أحسبت القد من عدتها
أم ظننت اللحظ فيها كالشبا؟
فسليني، إنني مارستها
وركبت الهول فيها مركبا
وتقحمت الردى في غارة
أسدل النقع عليها هيدبا
قطبت ما بين عينيها لنا
فرأيت الموت فيها قطبا
جال عزرائيل في أنحائها
تحت ذاك النقع يمشي الهيدبى
فدعيها للذي يعرفها
والزمي يا ظبية البان الخبا
فأجابتني بصوت راعني
وأرتني الظبي ليثا أغلبا:
إن قومي استعذبوا ورد الردى
كيف تدعوني ألا أشربا؟
أنا يابانية لا أنثني
عن مرادي أو أذوق العطبا
أنا إن لم أحسن الرمي ولم
تستطع كفاي تقليب الظبا
أخدم الجرحى وأقضي حقهم
وأواسي في الوغى من نكبا
هكذا (الميكاد) قد علمنا
أن نرى الأوطان أما وأبا
ملك يكفيك منه أنه
أنهض الشرق فهز المغربا
وإذا مارسته ألفيته
حولا في كل أمر قلبا
كان والتاج صغيرين معا
وجلال الملك في مهد الصبا
فغدا هذا سماء للعلا
وغدا ذلك فيها كوكبا
بعث الأمة من مرقدها
ودعاها للعلا أن تدأبا
فسمت للمجد تبغي شأوه
وقضت من كل شيء مأربا (4) الحرب اليابانية الروسية (نشرت في 10 نوفمبر سنة 1904م)
أساحة للحرب أم محشر
ومورد الموت أم الكوثر؟
وهذه جند أطاعوا هوى
أربابهم، أم نعم تنحر؟
لله ما أقسى قلوب الألى
قاموا بأمر الملك واستأثروا!
وغرهم في الدهر سلطانهم
فأمعنوا في الأرض واستعمروا
قد أقسم البيض بصلبانهم
لا يهجرون الموت أو ينصروا
وأقسم الصفر بأوثانهم
لا يغمدون السيف أو يظفروا
فمادت الأرض بأوتادها
حين التقى الأبيض والأصفر
وأثملتها خمرة من دم
يلهو بها (الميكاد) والقيصر
وأشبهت يوم الوغى أختها
إذ لاح فيها الشفق الأحمر
وأصبحت تشتاق طوفانها
لعلها من رجسها تطهر
أشبعت يا حرب ذئاب الفلا
وغصت العقبان والأنسر
وميرت الحيتان في بحرها
ومطمع الإنسان لا يقدر
إن كان هذا الدب لا ينثني
وذلك التنين لا يقهر
والبيض لا ترضى بخذلانها
والصفر بعد اليوم لا تكسر
فما لتلك الحرب قد شمرت
عن ساقها حتى قضى العسكر
سالت نفوس القوم فوق الظبا
فسالت البطحاء والأنهر
وأصبحت (مكدن) ياقوتة
يغار منها الدر والجوهر
ياقوتة قد قومت بينهم
بأنفس كالقطر لا تحصر
أضحى رسول الموت ما بينها
حيران لا يدري بما يؤمر
عزريل، هل أبصرت فيما مضى - وأنت ذاك الكيس الأمهر -
كذلك المدفع في بطشه
إذا تعالى صوته المنكر؟
تراه إن أوفى على مهجة
لا الدرع يثنيه ولا المغفر
أمسى (كروبتكين) في غمرة
وبات (أوياما) له ينظر
وظلت (الروس) على جمرة
والمجد يدعوهم ألا فاصبروا
وذلك الأسطول ما خطبه
حتى عراه الفزع الأكبر؟
أكلما لاح له سابح
تحت الدجى أو قارب يمخر
ظن به (طوجو) فأهدى له
تحية (طوجو) بها أخبر؟
تحية من واجد شيق
أنفاسه من حرها تزفر
فهل درى القيصر في قصره
ما تعلن الحرب وما تضمر؟
فكم قتيل بات فوق الثرى
ينتابه الأظفور والمنسر
وكم جريح باسط كفه
يدعو أخاه وهو لا يبصر
وكم غريق راح في لجة
يهوي بها الطود فلا يظهر
وكم أسير بات في أسره
ونفسه من حسرة تقطر
إن لم تروا في الصلح خيرا لكم
فالدهر من أطماعكم أقصر
تسوءنا الحرب وإن أصبحت
تدعو رجال الشرق أن يفخروا
أتى على الشرقي حين إذا
ما ذكر الأحياء لا يذكر
ومر بالشرق زمان وما
يمر بالبال ولا يخطر
حتى أعاد (الصفر) أيامه
فانتصف الأسود والأسمر
فرحمة الله على أمة
يروي لها التاريخ ما يؤثر (5) إلى الإمبراطورة أوجيني (نشرت في 26 يناير سنة 1905م)
نظم هذه القصيدة إجابة لاقتراح صحيفة المؤيد على الشعراء أن ينظموا في هذه الإمبراطورة، ويوازنوا بين مجيئها إلى مصر متنكرة تنزل في فندق سافواي ببورسعيد، ومجيئها قبل ذلك في سنة 1869 في افتتاح قناة السويس، واستقبال الخديوي إسماعيل إياها استقبالا فخما.
أين يوم (القنال) يا ربة التا
ج ويا شمس ذلك المهرجان؟
أين مجري القنال أين مميت ال
مال أين العزيز ذو السلطان؟
أين هارون مصر؟ أين أبو الأش
بال رب القصور رب القيان؟
أين ليث الجزيرة (ابن علي)
واهب الألف مكرم الضيفان؟
أين ذا القصر بالجزيرة تجري
فيه أرزاقنا وتحبو الأماني؟
فيه للنحس كوكب مسرع السي
ر وللسعد كوكب متواني
قد جرى النيل تحته بخشوع
وانكسار وهابه الفتيان
كنت بالأمس جنة الحور يا قص
ر فأصبحت جنة الحيوان
خطر الليث في فنائك يا قص
ر وقد كنت مسرحا للحسان
وعوى الذئب في نواحيك يا قص
ر وقد كنت معقلا للسان
وحباك الزوار بالمال يا قص
ر وقد كنت مصدر الإحسان
كنت تعطي، فمالك اليوم تعطى
أين بانيك؟ أين رب المكان؟
إن أطافت بك الخطوب فهذي
سنة الكون من قديم الزمان
رب بان نأى، ورب بناء
أسلمته النوى إلى غير باني
تلك حال الإيوان يا ربة التا
ج فما حال صاحب الإيوان؟
قد طواه الردى ولو كان حيا
لمشى في ركابك الثقلان
وتولت حراسة الموكب الأس
نى نجوم السماء والنيران
إن يكن غاب عن جبينك تاج
كان بالغرب أشرف التيجان
فلقد زانك المشيب بتاج
لا يدانيه في الجلال مداني
ذاك من صنعة الأنام وهذا
من صنيع المهيمن الديان
كنت بالأمس ضيفة عند ملك
فانزلي اليوم ضيفة في خان
واعذرينا على القصور، كلانا
غيرته طوارئ الحدثان (6) عيد تأسيس الدولة العلية
أنشدها في الحفل الذي أقيم في فندق (الكونتننتال) في مساء الجمعة 26 يناير سنة 1906م
أيحصي معانيك القريض المهذب
على أن صدر الشعر للمدح أرحب
لقد مكن الرحمن في الأرض دولة
لعثمان لا تعفو ولا تتشعب
بناها فظنتها الدراري منازلا
لبدر الدجى تبنى وللسعد تنصب
وقام رجال بالإمامة بعده
فزادوا على ذاك البناء وطنبوا
وردوا على الإسلام عهد شبابه
ومدوا له جاها يرجى ويرهب
أسود على البسفور تحمي عرينها
وترعى نيام الشرق والغرب يرقب
لها وثبات تحت ظل هلالها
كما مر سهم أو كما انقض كوكب
إذا راعها مس من الضيم خلتها
كمن راعه بالمس سلك مكهرب
وإن هزها ذاك الهلال لحادث
رأيت قضاء الله يمشي ويركب
إذا ضاءت الأحساب يوما لمعرق
فعثمان خير الفاتحين لهم أب
وإن تاه بالأبناء والبأس والد
فأولى الورى بالتيه ذاك المعصب
فهذا سليمان وقانون عدله
على صفحات الدهر بالتبر يكتب
وذاك الذي أجرى السفين على الثرى
وسار له في البر والبحر مركب
على بابه العالي هناك تألقت
سطور لأقلام الجلالة تنسب
هنا - فاخفضوا الأبصار - عرش محمد
هنا الفاتح الغازي الكمي المدرب
وما كان من (عبد المجيد) إذ احتمى
بأكنافه (كوشوط) والخطب غيهب
يناديهم: أما نزيلي فدونه
حياتي، وأما صارمي فمشطب
فإن كانت الحسنى فإني سماؤها
وإن كانت الأخرى فشدوا وجربوا
كذلك كانوا يستقرون في الذرا
وأعداؤهم في الغرب تشقى وتنكب
فكم طلبوا منهم أمانا فأمنوا
وأمسى لهم في الشرق مسرى ومسرب
فكان أمان القوم والشرق مشرق
فأضحى امتياز القوم والشرق مغرب
يقولون: في هذي الربوع تعصب
وأي مكان ليس فيه تعصب؟!
فيا شرق إن الغرب إن لان أو قسا
ففيه من الصهباء طبع مذوب
فخف بأسها في الرأس والرأس يصطلي
وخف ضعفها في الكأس والكأس تطرب
ويا غرب إن الدهر يطفو بأهله
ويطويه تيار الفضاء فيرسب
أراك مقر الطامعين كأنما
على كل عرش من عروشك (أشعب) (7) حادثة دنشواي (نشرت في 2 يوليه سنة 1906م)
أيها القائمون بالأمر فينا
هل نسيتم ولاءنا والودادا
خفضوا جيشكم وناموا هنيئا
وابتغوا صيدكم وجوبوا البلادا
وإذا أعوزتكم ذات طوق
بين تلك الربا فصيدوا العبادا
إنما نحن والحمام سواء
لم تغادر أطواقنا الأجيادا
لا تظنوا بنا العقوق ولكن
أرشدونا إذا ضللنا الرشادا
لا تقيدوا من أمة بقتيل
صادت الشمس نفسه حين صادا
جاء جهالنا بأمر وجئتم
ضعف ضعفيه قسوة واشتدادا
أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو
أقصاصا أردتم أم كيادا؟
أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو
أنفوسا أصبتم أم جمادا؟
ليت شعري أتلك (محكمة التف
تيش) عادت أم عهد (نيرون) عادا؟
كيف يحلو من القوي التشفي
من ضعيف ألقى إليه القيادا؟
إنها مثلة تشف عن الغي
ظ ولسنا لغيظكم أندادا
أكرمونا بأرضنا حيث كنتم
إنما يكرم الجواد الجوادا
إن عشرين حجة بعد خمس
علمتنا السكون مهما تمادى
أمة النيل أكبرت أن تعادي
من رماها وأشفقت أن تعادى
ليس فيها إلا كلام وإلا
حسرة بعد حسرة تتهادى
أيها المدعي العمومي مهلا
بعض هذا فقد بلغت المرادا
قد ضمنا لك القضاء بمصر
وضمنا لنجلك الإسعادا
فإذا ما جلست للحكم فاذكر
عهد (مصر) فقد شفيت الفؤادا
لا جرى النيل في نواحيك يا (مص
ر) فأضحى عليك شوكا قتادا
أنت أنبت ناعقا قام بالأم
س فأدمى القلوب والأكبادا
إيه يا مدره القضاء ويا من
ساد في غفلة الزمان وشادا
أنت جلادنا فلا تنس أنا
قد لبسنا على يديك الحدادا (8) استقبال اللورد كرومر عند عودته من مصيفه بعد حادثة دنشواي (نشرت في 17 أكتوبر سنة 1906م) (قصر الدبارة) هل أتاك حديثنا
فالشرق ريع له وضج المغرب
أهلا بساكنك الكريم ومرحبا
بعد التحية إنني أتعتب
نقلت لنا الأسلاك عنك رسالة
باتت لها أحشاؤنا تتلهب
ماذا أقول وأنت أصدق ناقل
عنا ولكن السياسة تكذب
علمتنا معنى الحياة فما لنا
لا نشرئب لها وما لك تغصب
أنقمت منا أن نحس؟ وإنما
هذا الذي تدعو إليه وتندب
أنت الذي يعزى إليه صلاحنا
فيما تقرره لديك وتكتب
إن ضاق صدر النيل عما هاله
يوم الحمام فإن صدرك أرحب
أو كلما باح الحزين بأنة
أمست إلى معنى التعصب تنسب!
رفقا عميد الدولتين بأمة
ليست بغير ولائها تتعذب
إن أرهقوا صيادكم فلعلهم
للقوت لا للمسلمين تعصبوا
ولربما ضن الفقير بقوته
وسخا بمهجته على من يغصب
في (دنشواي) وأنت عنا غائب
لعب القضاء بنا وعز المهرب
حسبوا النفوس من الحمام بديلة
فتسابقوا في صيدهن وصوبوا
نكبوا وأقفرت المنازل بعدهم
لو كنت حاضر أمرهم لم ينكبوا
خليتهم والقاسطون بمرصد
وسياطهم وحبالهم تتأهب
جلدوا ولو منيتهم لتعلقوا
بحبال من شنقوا ولم يتهيبوا
شنقوا ولو منحوا الخيار لأهلوا
بلظى سياط الجالدين ورحبوا
يتحاسدون على الممات، وكأسه
بين الشفاه وطعمه لا يعذب
موتان: هذا عاجل متنمر
يرنو، وهذا آجل يترقب
والمستشار مكاثر برجاله
ومعاجز ومناجز ومحزب
يختال في أنحائها متبسما
والدمع حول ركابه يتصبب
طاحوا بأربعة فأردوا خامسا
هو خير ما يرجو العميد ويطلب
حب يحاول غرسه في أنفس
يجنى بمغرسها الثناء الطيب
كن كيف شئت ولا تكل أرواحنا
للمستشار فإن عدلك أخصب
وأفض على (بند) إذا ولي القضا
رفقا يهش له القضاء ويطرب
قد كان حولك من رجالك نخبة
ساسوا الأمور فدربوا وتدربوا
أقصيتهم عنا وجئت بفتية
طاش الشباب بهم وطار المنصب
فاجعل شعارك رحمة ومودة
إن القلوب مع المودة تكسب
وإذا سئلت عن الكنانة قل لهم
هي أمة تلهو وشعب يلعب
واستبق غفلتها ونم عنها تنم
فالناس أمثال الحوادث قلب (9) شكوى مصر من الاحتلال (نشرت في أول يناير سنة 1907م)
لقد كان فينا الظلم فوضى فهذبت
حواشيه حتى بات ظلما منظما
تمن علينا اليوم أن أخصب الثرى
وأن أصبح المصري حرا منعما
أعد عهد (إسماعيل) جلدا وسخرة
فإني رأيت المن أنكى وآلما
عملتم على عز الجماد وذلنا
فأغليتم طينا وأرخصتم دما
إذا أخصبت أرض وأجدب أهلها
فلا أطلعت نبتا ولا جادها السما
نهش إلى الدينار حتى إذا مشى
به ربه للسوق ألفاه درهما
فلا تحسبوا في وفرة المال - لم تفد
متاعا ولم تعصم من الفقر - مغنما
فإن كثير المال - والخفض وارف -
قليل إذا حل الغلاء وخيما (10) وداع اللورد كرومر (نشر في 27 أبريل سنة 1907م)
قالها عند استقالة اللورد وضمنها آراء الناس في سياسته
فتى الشعر هذا موطن الصدق والهدى
فلا تكذب التاريخ إن كنت منشدا
لقد حان توديع العميد وإنه
حقيق بتشييع المحبين والعدا
فودع لنا الطود الذي كان شامخا
وشيع لنا البحر الذي كان مزبدا
وزوده عنا بالكرامة كلها
وإن لم يكن بالباقيات مزودا
فلم لا نرى الأهرام يا نيل ميدا
وفرعون عن واديك مرتحل غدا؟
كأنك لم تجزع عليه ولم تكن
ترى في حمى فرعون أمنا ولا جدا
سلام ولو أنا نسيء إلى الألى
أساءوا إلينا ما مددنا لهم يدا
سنطري أياديك التي قد أفضتها
علينا فلسنا أمة تجحد اليدا
أمنا فلم يسلك بنا الخوف مسلكا
ونمنا فلم يطرق لنا الذعر مرقدا
وكنت رحيم القلب تحمي ضعيفنا
وتدفع عنا حادث الدهر إن عدا
ولولا أسى في (دنشواي) ولوعة
وفاجعة، أدمت قلوبا وأكبدا
ورميك شعبا بالتعصب غافلا
وتصويرك الشرقي غرا مجردا
لذبنا أسى يوم الوداع لأننا
نرى فيك ذاك المصلح المتوددا
تشعبت الآراء فيك فقائل
أفاد الغنى أهل البلاد وأسعدا
وكانت له في المصلحين سياسة
ترخص فيها تارة وتشددا
رأى العز كل العز في بسطة الغنى
فحارب جيش الفقر حتى تبددا
وأمتعكم بالنيل فهو مبارك
على أهله، خصبا وريا وموردا
وسن لكم حرية القول عندما
رأى القول في أسر السكوت مقيدا
وآخر لم يقصر على المال همه
يرى أن ذاك المال لا يكفل الهدى
فلا يحمد الإثراء حتى يزينه
بعلم، وخير العلم ما كان مرشدا
يناديك قد أزريت بالعلم والحجا
ولم تبق للتعليم يا (لرد) معهدا
وأنك أخصبت البلاد تعمدا
وأجدبت في مصر العقول تعمدا
قضيت على أم اللغات وإنه
قضاء علينا أو سبيل إلى الردى
ووافيت والقطران في ظل راية
فما زلت (بالسودان) حتى تمردا
فطاح كما طاحت (مصوع) بعده
وضاعت مساعينا بأطماعكم سدى
حجبت ضياء الصحف عن ظلماته
ولم تستقل حتى حجبت (المؤيدا)
وأودعت تقرير الوداع مغامزا
رأينا جفاء الطبع فيها مجسدا
غمزت بها دين النبي وإننا
لنغضب إن أغضبت في القبر (أحمدا)
يناديك أين النابغون بعهدكم
وأي بناء شامخ قد تجددا
فما عهد (إسماعيل) والعيش ضيق
بأجدب من عهد لكم سال عسجدا
يناديك وليت الوزارة هيئة
من الصم لم تسمع لأصواتنا صدى
فليس بها عند التشاور من فتى
أبي إذا ما أصدر الأمر أوردا
بربك ماذا صدنا ولوى بنا
عن القصد إن كان السبيل ممهدا؟
أشرت برأي في كتابك لم يكن
سديدا ولكن كان سهما مسددا
وحاولت إعطاء الغريب مكانة
تجر علينا الويل والذل سرمدا
فيا ويل مصر يوم تشقى بندوة
يبيت بها ذاك الغريب مسودا
ألم يكفنا أنا سلبنا ضياعنا
على حين لم نبلغ من الفطنة المدى
وزاحمنا في العيش كل ممارس
خبير وكنا جاهلين ورقدا
وما الشركات السود في كل بلدة
سوى شرك يلقي به من تصيدا
فهذا حديث الناس والناس ألسن
إذا قال هذا، صاح ذاك مفندا
ولو كنت من أهل السياسة بينهم
لسجلت لي رأيا وبلغت مقصدا
ولكنني في معرض القول شاعر
أضاف إلى التاريخ قولا مخلدا
فيأيها الشيخ الجليل تحية
ويأيها القصر المنيف تجلدا
لئن غاب هذا الليث عنك لعلة
لقد لبثت آثاره فيك شهدا (11) استقبال السير غورست (نشرت في 10 أكتوبر سنة 1907م)
قالها في استقباله عند مجيئه إلى مصر معتمدا للدولة الإنجليزية، خلفا للورد كرومر يبث فيها آلام المصريين وآمالهم
بنات الشعر بالنفحات جودي
فهذا يوم شاعرك المجيد
أطلي واسفري ودعيه يحيي
بما توحين أيام الرشيد
إذا ما جل قدرك عن هبوط
مريه إلى سمائك بالصعود
وأولي ذلك الفاني بيانا
يتيه به على أهل الخلود
وحلي عقدة من أصغريه
يلن لهتافه قاسي الحديد
فما أنا واقف برسوم دار
أسائلها ولا كلف برود
ولا مستنزل هبة بمدح
ولا مستنجز حر الوعود
ولكني وقفت أنوح نوحا
على قومي وأهتف بالنشيد
وأدفع عنهم بشبا يراع
يصول بكل قافية شرود
بنات الشعر إن هي أسعدتني
شكوت من العميد إلى العميد
ولم أجحد عوارفه ولكن
رأيت المن داعية الجحود
أذيقونا الرجاء فقد ظمئنا
بعهد المصلحين إلى الورود
ومنوا بالوجود فقد جهلنا
بفضل وجودكم معنى الوجود
إذا اعلولى الصياح فلا تلمنا
فإن الناس في جهد جهيد
على قدر الأذى والظلم يعلو
صياح المشفقين من المزيد
جراح في النفوس نغرن نغرا
وكن قد اندملن على صديد
إذا ما هاجهن أسى جديد
هتكن سرائر القلب الجليد
إلى من نشتكي عنت الليالي
إلى (العباس) أم (عبد الحميد)؟
ودون حماهما قامت رجال
تروعنا بأصناف الوعيد
فما جئنا نطاولكم بجاه
يطولكم ولا ركن شديد
ولا بتنا نعاجزكم بعلم
يبين به الغوي من الرشيد
ولكنا نطالبكم بحق
أضر بأهله نقض العهود
رمانا صاحب التقرير ظلما
بكفران العوارف والكنود
وأقسم لا يجيب لنا نداء
ولو جئنا بقرآن مجيد
وبشر أهل مصر باحتلال
يدوم عليهم أبد الأبيد
وأنبت في النفوس لكم جفاء
تعهده بمنهل الصدود
فأثمر وحشة بلغت مداها
وزكاها بأربعة شهود
قتيل الشمس أورثنا حياة
وأيقظ هاجع القوم الرقود
فليت (كرومرا) قد دام فينا
يطوق بالسلاسل كل جيد
ويتحف (مصر) آنا بعد آن
بمجلود ومقتول شهيد
لننزع هذه الأكفان عنا
ونبعث في العوالم من جديد
رمى (دار المعارف) بالرزايا
وجاء بكل جبار عنيد
يدل بحوله ويتيه تيها
ويعبث بالنهى عبث الوليد
فبدد شملها وأدال منها
وصاح بها: سبيلك أن تبيدي
هبوا (دنلوب) أرحبكم جنانا
وأحكم من فلاسفة (الهنود)
فإنا لا نطيق له جوارا
وقد أودى بنا أو كاد يودي
مللنا طول صحبته وملت
سوابقنا من المشي الوئيد
بحمد الله ملككم كبير
وأنتم أهل مرحمة وجود
خذوه فأمتعوا شعبا سوانا
بهذا الفضل والعلم المفيد
إذا استوزرت فاستوزر علينا
فتى (كالفضل) أو (كابن العميد)
ولا تثقل مطاه بمستشار
يحيد به عن القصد الحميد
وفي الشورى بنا داء عهيد
قد استعصى على الطب العهيد
شيوخ كلما همت بأمر
زأرتم دونه زأر الأسود
لحى بيضاء يوم الرأي هانت
على حمر الملابس والخدود
أترضى أن يقال - وأنت حر -
بأنك قين هاتيك القيود؟
وهل في دار ندوتكم أناس
بهذا الموت أو هذا الجمود؟
فنح غضاضة التاميز عنا
كفانا سائغ النيل السعيد
أرى أحداثكم ملكوا علينا (بمصر) موارد العيش الرغيد
وقد ضقنا بهم وأبيك ذرعا
وضاق بحملهم ذرع البريد
أكل موظف منكم قدير
على التشريع في ظل العميد؟
فضع حدا لهم وانظر إلينا
إذا أنصفتنا نظر الودود
وخبرهم وأنت بنا خبير
بأن الذل شنشنة العبيد
وأن نفوس هذا الخلق تأبى
لغير إلها ذل السجود
وول أمورنا الأخيار منا
نثب بهم إلى الشأو البعيد
وأشركنا مع الأخيار منكم
إذا جلسوا لإيقام الحدود
وأسعدنا بجامعة وشيد
لنا من مجد دولتك المشيد
وإن أنعمت بالإصلاح فابدأ
بتلك؛ فإنها بيت القصيد
وفرج أزمة الأموال عنا
بما أوتيت من رأي سديد
وسل عنها (اليهود) ولا تسلنا
فقد ضاقت بها حيل (اليهود)
إذا ما ناح في (أسوان) باك
سمعت أنين شاك في (رشيد)
جميع الناس في البلوى سواء
بأدنى الثغر أو أعلى الصعيد
تدارك أمة بالشرق أمست
على الأيام عاثرة الجدود
وأيد مصر والسودان واغنم
ثناء القوم من بيض وسود
وما أدري وقد زودت شعري
وظني فيك بالأمل الوطيد
أجئت تحوطنا وترد عنا
وترفعنا إلى أوج السعود؟
أم اللرد الذي أنحى علينا
أتى في ثوب معتمد جديد؟ (12) تحية العام الهجري (سنة 1327ه-يناير سنة 1909م)
أطل على الأكوان والخلق تنظر
هلال رآه المسلمون فكبروا
تجلى لهم في صورة زاد حسنها
على الدهر حسنا أنها تتكرر
وبشرهم من وجهه وجبينه
وغرته والناظرين مبشر
وأذكرهم يوما أغر محجلا
به توج التاريخ والسعد مسفر
وهاجر فيه خير داع إلى الهدى
يحف به من قوة الله عسكر
يماشيه جبريل وتسعى وراءه
ملائكة ترعى خطاه وتخفر
بيسراه برهان من الله ساطع
هدى، وبيمناه الكتاب المطهر
فكان على أبواب (مكة) ركبه
وفي (يثرب) أنواره تتفجر
مضى العام ميمون الشهور مباركا
تعدد آثار له وتسطر
مضى غير مذموم فإن يذكروا له
هنات فطبع الدهر يصفو ويكدر
وإن قيل أودى بالألوف أجابهم
مجيب: لقد أحيا الملايين فانظروا
إذا قيس إحسان امرئ بإساءة
فأربى عليها؛ فالإساءة تغفر
ففيه أفاق النائمون وقد أتت
عليهم كأهل الكهف في النوم أعصر
وفي عالم الإسلام في كل بقعة
له أثر باق وذكر معطر
سلوا (الترك) عما أدركوا فيه من منى
وما بدلوا في المشرقين وغيروا
وإن لم يقم إلا (نيازي) و(أنور)
فقد ملأ الدنيا (نيازي) و(أنور)
تواصوا بصبر ثم سلوا من الحجا
سيوفا وجدوا جدهم وتدبروا
فسادوا وشادوا للهلال منازلا
على هامها سعد الكواكب ينثر
تجلى بها (عبد الحميد) بوجهه
على شعبه والشاه خزيان ينظر
سلام على (عبد الحميد) وجيشه
وأمته ما قام في الشرق منبر
سلوا (الفرس) عن ذكرى أياديه عندهم
فقد كان فيه (الفرس) عميا فأبصروا
جلا لهم وجه الحياة فشاقهم
فباتوا على أبوابها وتجمهروا
ينادون أن مني علينا بنظرة
وأحيى قلوبا أوشكت تتفطر
كلانا مشوق والسبيل ممهد
إلى الوصل لولا ذلك المتغشمر
أطلي علينا لا تخافي فإننا
بسرك أوفى منه حولا وأقدر
سلام عليكم أمة (الفرس) إنكم
خليقون أن تحيوا كراما وتفخروا
ولا أقرئ (الشاه) السلام فإنه
يريق دماء المصلحين ويهدر
وفيه هوى (عبد العزيز) وعرشه
وأخنى عليه الدهر والأمر مدبر
ولا عجب أن ثل عرش مملك
قوائمه عود ودف ومزهر
فألقى إلى (عبد الحفيظ) بتاجه
ومر على أدراجه يتعثر
وقام بأمر المسلمين موفق
على عهده (مراكش) تتخضر
وفي دولة (الأفغان) كانت شهوره
وأيامه بالسعد واليمن تزهر
اقام بها والعود ريان أخضر
وفارقها والعود فينان مثمر
وعوذها بالله من شر طامع
إذا ما رمآ (إدورد) أو راش (قيصر)
وفيه نمت في (الهند) للعلم نهضة
أرى تحتها سرا خفيا سيظهر
فتجري إلى العلياء والمجد شوطها
ويخصب فيها كل جدب وينضر
وفيه بدت في أفق (جاوة) لمعة
أضاءت لأهليها السبيل فبكروا
فيا ليته أولى (الجزائر) منة
تفك لها تلك القيود وتكسر
وفي (تونس) الخضراء يا ليته بنى
له أثرا في لوحة الدهر يذكر
وفيه سرت في (مصر) روح جديدة
مباركة من غيرة تتسعر
خبت زمنا حتى توهمت أنها
تجافت عن الإيراء لولا (كرومر)
تصدى فأوراها وهيهات أن يرى
سبيلا إلى إخمادها وهي تزفر
مضى زمن التنويم يا نيل وانقضى
ففي (مصر) أيقاظ على (مصر) تسهر
وقد كان «مرفين» الدهاء مخدرا
فأصبح في أعصابنا يتخدر
شعرنا بحاجات الحياة فإن ونت
عزائمنا عن نيلها كيف نعذر؟
شعرنا وأحسسنا وباتت نفوسنا
من العيش إلا في ذرا العز تسخر
إذا الله أحيا أمة لن يردها
إلى الموت قهار ولا متجبر
رجال الغد المأمول إنا بحاجة
إلى قادة تبني وشعب يعمر
رجال الغد المأمول إنا بحاجة
إلى عالم يدعو وداع يذكر
رجال الغد المأمول إنا بحاجة
إلى عالم يدري وعلم يقرر
رجال الغد المأمول إنا بحاجة
إلى حكمة تملى وكف تحرر
رجال الغد المأمول إنا بحاجة
إليكم فسدوا النقص فينا وشمروا
رجال الغد المأمول لا تتركوا غدا
يمر مرور الأمس والعيش أغبر
رجال الغد المأمول إن بلادكم
تناشدكم بالله أن تتذكروا
عليكم حقوق للبلاد أجلها
تعهد روض العلم فالروض مقفر
قصارى منى أوطانكم أن ترى لكم
يدا تبتني مجدا ورأسا يفكر
فكونوا رجالا عاملين أعزة
وصونوا حمى أوطانكم وتحرروا
ويا طالبي الدستور لا تسكنوا ولا
تبيتوا على يأس ولا تتضجروا
أعدوا له صدر المكان، فإنني
أراه على أبوابكم يتخطر
فلا تنطقوا إلا صوابا، فإنني
أخاف عليكم أن يقال تهوروا
فما ضاع حق لم ينم عنه أهله
ولا ناله في العالمين مقصر
لقد ظفر الأتراك عدلا بسؤلهم
ونحن على الآثار لا شك نظفر
هم لهم العام القديم مقدر
ونحن لنا العام الجديد مقدر
ثقوا بالأمير القائم اليوم إنه
بكم وبما ترجون أدرى وأخبر
فلا زال محروس الأريكة جالسا
على عرش (وادي النيل) ينهى ويأمر (13) الانقلاب العثماني (نشرت في 12 مايو سنة 1909م)
قالها في ثورة الأتراك التي انتهت بخلع السلطان عبد الحميد وتولية السلطان محمد الخامس
لا رعى الله عهدها من جدود
كيف أمسيت يا بن (عبد المجيد)
مشبع الحوت من لحوم البرايا
ومجيع الجنود تحت البنود
كنت أبكي بالأمس منك فمالي
بت أبكي عليك (عبد الحميد)؟
فرح المسلمون قبل النصارى
فيك قبل الدروز قبل اليهود
شمتوا كلهم وليس من الهم
مة أن يشمت الورى في طريد
أنت (عبد الحميد) والتاج معقو
د و(عبد الحميد) رهن القيود
خالد أنت رغم أنف الليالي
في كبار الرجال أهل الخلود
لك في الدهر - والكمال محال -
صفحات ما بين بيض وسود
حاولوا طمس ما صنعت وودوا
لو يطيقون طمس خط الحديد
ذاك (عبد الحميد) ذخرك عند الل
ه باق إن ضاع عند العبيد
أكرموه وراقبوا الله في الشي
خ ولا ترهقوه بالتهديد
لا تخافوا أذاه فالشيخ هاو
ليس فيه بقية للصعود
ولي الأمر ثلث قرن ينادي
باسمه كل مسلم في الوجود
كلما قامت الصلاة دعى الدا
عي (لعبد الحميد) بالتأييد
فاسم هذا الأسير قد كان مقرو
نا بذكر الرسول والتوحيد
بت أخشى عليكم أن يقولوا
إن أثرتم من كامنات الحقود
كان (عبد الحميد) بالأمس فردا
فغدا اليوم ألف (عبد الحميد)
يا أسيرا في (سنت هيلين) رحب
بأسير في (سالنيك) جديد
قل له كيف زال ملكك لم يع
صمك إعداد عدة أو عديد
لم تصنك الجنود تفديك بالأر
واح والمال يا غرام الجنود
قل له كيف كنت؟ كيف امتلكت ال
أرض؟ كيف انفردت بالتمجيد؟
فثللت العروش عرشا فعرشا
وصبغت الصعيد بعد الصعيد
كلما نلت غاية لم تنلها
همة الدهر قلت: هل من مزيد؟
ضاقت الأرض عن مداك فأرسل
ت بطرف إلى السماء عتيد
قل له: جل من له الملك لا مل
ك لغير المهيمن المعبود
أنت مهما شقيت أرفه حالا
من أسير الجزيرة المكمود
وأسير الأقفاص قد كان أشقى
لو سألت الأسفار عن (با يزيد)
كان (عبد الحميد) في القصر أشقى
منه في الأسر والبلاء الشديد
كان لا يعرف القرار بليل
لا ولا يستلذ طعم الهجود
حذرا يرهب الظلام ويخشى
خطرة الريح أو بكاء الوليد
نفق تحت طابق الأرض أخفى
في تدجيه من ضمير الكنود
يعجز الوهم عن تلمس ذاك ال
باب باب الخليفة المنكود
أصحيح ما قيل عنك وحق
ما سمعنا من الرواة الشهود
أن (عبد الحميد) قد هدم الشر
ع وأربى على فعال (الوليد)؟
إن بريئا وإن أثيما ستجزى
يوم تجزى أمام رب شهيد
أصحيح بكيت لما أتى الوف
د ونابتك رعشة الرعديد؟
ونسيت الآباء والمجد والسؤ
دد والعز يا كريم الجدود؟
ما عهدنا الملوك تبكي ولكن
علها نزوة الفؤاد الجليد
علها دمعة الوداع لذاك ال
ملك أو ذكرة لتلك العهود
غسل الدمع عنك حوبة ماضي
ك ووقاك شر يوم الوعيد
شفع الدمع فيك عند البرايا
ليس ذاك الشفيع بالمردود
دمعك اليوم مثل أمرك بالأم
س مطاع في سيد ومسود
كان (عبد العزيز) أجمل أمرا
منك في يوم خلعه المشهود
خاف مأثور قوله فتعالى
عن صغار ومات موت الأسود
ضم مقراضه إليه ونادى
دون ذل الحياة قطع الوريد
حي عهد الرشاد يا شرق وابلغ
ما تمنيت من زمان بعيد
قد تولى (محمد الخامس) المل
ك فأعظم بتاجه المعقود
وتجلى في مهرجان تجلى
سيف (عثمان) فيه بالتقليد
وقف الدهر خاشعا إذ رأى السي
فين في قبضة العزيز المجيد
طأطئي للجلال يا أمم الأر
ض سجودا، هذا مقام السجود
علم الله أن عهد (رشاد)
خير فأل برد عهد (الرشيد) (14) عيد الدستور العثماني
أنشدها في الحفل الذي أقيم في حديقة الأزبكية في مساء الجمعة 23 يوليه سنة 1909م
أجل هذه أعلامه ومواكبه
هنيئا لهم فليسحب الذيل ساحبه
هنيئا لهم فالكون في يوم عيدهم
مشارقه وضاءة ومغاربه
رعى الله شعبا جمع العدل شمله
وتمت على عهد الرشاد رغائبه
تحالف في ظل الهلال إمامه
وحاخامه - بعد الخلاف - وراهبه
خذوا بيد الإصلاح والأمر مقبل
فإني أرى الإصلاح قد طر شاربه
وردوا على الملك الشباب الذي ذوى
فإني رأيت الملك شابت ذوائبه
فمن يطلب الدستور بالسوء بعدما
حمته يد (الفاروق) فالله طالبه
إذا (شوكت الفاروق) قام مناديا
إلى الحق لباه (نيازي) وصاحبه
ثلاثة آساد يجانبها الردى
وإن هي لاقاها الردى لا تجانبه
يصارعها صرف المنون فتلتقي
مخالبها فيه وتنبو مخالبه
روت قول (بشار) فثارت وأقسمت
وقامت إلى (عبد الحميد) تحاسبه: (إذا الملك الجبار صعر خده
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه)
وسار على أعقابها كل سابح
على متنه برج مشيد يداعبه
يصيح به: لا ري أو نبلغ المنى
ولا شبع أو يرجع الحق غاصبه
هنالك فانهل واتخذ ثم مربطا (بيلدز) وأحمد في الوغى من تصاحبه
رجال من الإيمان ملأى نفوسهم
وجيش من الأتراك ظمآى قواضبه
صوالحه سمر القنا، وكراته
رءوس الأعادي، والحصون ملاعبه
إذا ثار دكت أجبل وتخشعت
بحار وأمضى الله ما هو كاتبه
وثلت عروش واستقرت ممالك
ولو أن ذا القرنين فيها يناصبه
فمن لم يشاهد (يلدزا) بعد ربها
وقد زال عنه الملك واندك جانبه
وأسلمه أحبابه لقضاته
وفر - ولم يخش المعرة - كاتبه
وقلمت الأقدار أظفار بطشه
ودل على ما تجهل الجن حاجبه
فما شهد الدنيا تزول ولا رأى
بلاء قضاء الله فيمن يحاربه
أبيح حماها وانطوى مجد ربها
وقامت على البيت (الحميدي) نوائبه
ولم يغن عن (عبد الحميد) دهاؤه
ولا عصمت (عبد الحميد) تجاربه
ولم يحمه حصن ولم ترم دونه
دنانيره والأمر بالأمر حازبه
لم يخفه عن أعين الحق مخدع
ولا نفق في الأرض جم مساربه
أقام عليه مهلكا عند مهلك
يمر به روح الصبا فيواثبه
تحاماه حتى الوهم خوف اغتياله
فلو مسه طيف لدارت لوالبه
وأسرف في حب الحياة فحاطها
بسور من الأهوال لم ينج راكبه
ففي كل قفل للمنية مكمن
وفي كل مفتاح قضاء يراقبه
وفي كل ركن صورة لو تكلمت
لما شك في (عبد الحميد) مخاطبه
تماثيل إيهام أنيمت وأقعدت
تراءى بها أعطافه ومناكبه
تمثله في نومه وجلوسه
وتخدع فيه الموت حين يقاربه
أقام عليه ألف موت محجب
ليغلب موتا واحدا عز غالبه
سلوه أأعنت عنه في يوم خلعه
عجائبه؟ أو أحرزته غرائبه؟
وقد نزل المقدار بالأمر صادعا
فضاقت على شيخ الملوك مذاهبه
وأخرجه من (يلدز) رب (يلدز)
وجرده من سيف (عثمان) واهبه
وأصبح في منفاه والجيش دونه
يغالب ذكرى ملكه وتغالبه
يناديه صوت الحق: ذق ما أذقتهم
فكل امرئ رهن بما هو كاسبه
هم منحوك اليوم ما أنت مشته
فرد لهم بالأمس ما أنت سالبه
ودع عنك ما أملت إن كنت حازما
فلم يبق للآمال فضل تجاذبه
مضى عهد الاستبداد واندك صرحه
وولت أفاعيه وماتت عقاربه
لك الله يا (تموز) إنك بلسم
لجرحى الأسى والدهر تعدو نوائبه
فكم رعت جبارا وأرهقت ظالما
وأنصفت مظلوما توالت مصائبه
فديناك من شهر أغر محجل
أوائله ميمونة وعواقبه
تقابله الأعياد في الأرض كلما
تجلى هلال الشهر أو لاح حاجبه
ففي الغرب عيد ينظم الغرب حسنه
فتهتز من وقع السرور جوانبه
وفي الشرق عيد لم ير الشرق مثله
تدفق في دار السلام مواكبه
يطيفون بالعرش الكريم وربه
تطيف بهم آلاؤه ومناقبه
لتهنأ - أمير المؤمنين - محمدا
خلافته فالعرش سعد كواكبه
ستملك أمواج البحار سفينه
كما ملكت شم الجبال كتائبه
ممالكه محروسة وثغوره
ركائبه منصورة ومراكبه (15) إلى البرنس حسين كامل باشا (نشرت في 10 نوفمبر سنة 1909م)
رئيس مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، عبر فيها عن آلام الأمة المصرية وآمالها
لقد نصل الدجى فمتى تنام
أهم ذاد نومك أم هيام
عفا المحزون والشاكي وأغفى
أخو البلوى ونام المستهام
وأنت تقلب الكفين آنا
وآونة يقلبك السقام
تحدرت المدامع منك حتى
تعلم من محاجرك الغمام
وضجت من تقلبك الحشايا
وأشفق من تلهفك الظلام
تبيت تساجل الأفلاك سهدا
وعين الكون رنقها المنام
وتكتمنا حديث هواك حتى
أذاع الصمت ما أخفى الكلام
بربك هل رجعت إلى رسيس
من الذكرى وهل رجع الغرام؟
وقد لمع المشيب وذاك سيف
على فوديك علقه الحمام
أيجمل بالأديب أديب مصر
بكاء الطفل أرهقه الفطام
ويصرفه الهوى عن ذكر مصر
ومصر في يد الباغي تضام؟
عدمت يراعتي إن كان ما بي
هوى بين الضلوع له ضرام
وما أنا والغرام - وشاب رأسي
وغال شبابي الخطب الجسام
ورباني الذي ربى (لبيدا)
فعلمني الذي جهل الأنام
لعمرك ما أرقت لغير مصر
ومالي دونها أمل يرام
ذكرت جلالها أيام كانت
تصول بها الفراعنة العظام
وأيام الرجال بها رجال
وأيام الزمان لها غلام
فأقلق مضجعي ما بات فيها
وباتت مصر فيه، فهل ألام؟
أرى شعبا بمدرجة العوادي
تمخخ عظمه داء عقام
إذا ما مر بالبأساء عام
أطل عليه بالبأساء عام
سرى داء التواكل فيه حتى
تخطف رزقه ذاك الزحام
قد استعصى على الحكماء منا
كما استعصى على الطب الجذام
هلاك الفرد منشؤه توان
وموت الشعب منشؤه انقسام
وإنا قد ونينا وانقسمنا
فلا سعي هناك ولا وئام
فساء مقامنا في أرض (مصر)
وطاب لغيرنا فيها المقام
فلا عجب إذا ملكت علينا
مذاهبنا وأكثرنا نيام (حسين حسين) أنت لها فنبه
رجالا عن طلاب الحق ناموا
وكن بأبيك لابن أخيك عونا
فأنت بكفه نعم الحسام
أفض في قاعة الشورى وئاما
فقد أودى بنا وبها الخصام
وعلمهم مصادمة العوادي
فمثلك لا يروعه الصدام
ففي حزب اليمين لديك قوم
وإن قلوا فإنهم كرام
وفي حزب الشمال لديك أسد
كماة لا يطيب لها انهزام
فكونوا للبلاد ولا يفتكم
من النهزات والفرص اغتنام
فما سادوا بمعجزة علينا
ولكن في صفوفهم انضمام
فلا تثقوا بوعد القوم يوما
فإن سحاب ساستهم جهام
وخافوهم إذا لانوا فإني
أرى السواس ليس لهم ذمام
فكم ضحك العميد على لحانا
وغر سراتنا منه ابتسام
أبا الفلاح إن الأمر فوضى
وجهل الشعب والفوضى لزام
فأسعدنا بنشر العلم واعلم
بأن النقص يعقبه التمام
وليس العلم يمسكنا وحيدا
إذا لم ينصر العلم اعتزام
وإن لم يدرك الدستور (مصرا)
فما لحياتها أبدا قوام
حمونا ورد ماء (النيل) عذبا
وقالوا: إنه موت زؤام
وما الموت الزؤام إذا عقلنا
سوى الشركات حل لها الحرام
لقد سعدت بغفلتنا فراحت
بثروتنا وأولها (الترام)
فيا ويل القناة إذا احتواها (بنو التاميز) وانحسر اللثام
لقد بقيت من الدنيا حطاما
بأيدينا وقد عز الحطام
وقد كنا جعلناها زماما
فوا لهفي إذا قطع الزمام (فيا قصر الدبارة) لست أدري
أحرب في جرابك أم سلام
أجبنا، هل يراد بنا وراء
فنقضي أم يراد بنا أمام
ويا حزب اليمين إليك عنا
لقد طاشت نبالك والسهام
ويا حزب الشمال عليك منا
ومن أبناء نجدتك السلام (16) تحية العام الهجري (سنة 1328ه-يناير سنة 1910م)
لي فيك حين بدا سناك وأشرقا
أمل سألت الله أن يتحققا
أشرق علينا بالسعود ولا تكن
كأخيك مشئوم المنازل أخرقا
قد كان جراح النفوس فداوها
مما بها وكن الطبيب موفقا
هللت حين لمحت نور جبينه
ورجوت فيه الخير حين تألقا
وهززته بقصيدة لو أنها
تليت على الصخر الأصم لأغدقا
فنأى بجانبه وخص بنحسه
مصرا وأسرف في النحوس وأغرقا
لو كنت أعلم ما يخبئه لنا
لسألت ربي ضارعا أن يمحقا
أولى الأعاجم منة مذكورة
وأعاد للأتراك ذاك الرونقا
وتغيرت فيه الخطوب بفارس
حتى رأيت الشاه يخشى البيدقا
وأدال من (عبد الحميد) لشعبه
فهوى وحاول أن يعود فأخفقا
أمسى يبالي حارسا من جنده
ولقد يكون وما يبالي الفيلقا
ورمى على أرض الكنانة جرمه
بالنازلات السود حتى أرهقا
حصدت مناجله غراس رجائنا
ولو انها أبقت عليه لأورقا
فتقيدت فيه الصحافة عنوة
ومشى الهوى بين الرعية مطلقا
وأتى يساوم في (القناة) خديعة
ولو أنها تمت لتم بها الشقا
إن البلية أن تباع وتشترى (مصر) وما فيها وألا تنطقا
كانت تواسينا على آلامنا
صحف إذا نزل البلاء وأطبقا
فإذا دعوت الدمع فاستعصى بكت
عنا أسى حتى تغص وتشرقا
كانت لنا يوم الشدائد أسهما
نرمي بها وسوابقا يوم اللقا
كانت صماما للنفوس إذا غلت
فيها الهموم وأوشكت أن تزهقا
كم نفست عن صدر حر واجد
لولا الصمام من الأسى لتمزقا
مالي أنوح على الصحافة جازعا
ماذا ألم بها وماذا أحدقا؟
قصوا حواشيها وظنوا أنهم
أمنوا صواعقها فكانت أصعقا
وأتوا بحاذقهم يكيد لها بما
يثني عزائمها فكانت أحذقا
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا
جددتم العهد الذي قد أخلقا
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم
فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى
مدت له الآمال من أفلاكها
خيط الرجاء إلى العلا فتسلقا
فتجشموا للمجد كل عظيمة
إني رأيت المجد صعب المرتقى
من رام وصل الشمس حاك خيوطها
سببا إلى آماله وتعلقا
عار على ابن النيل سباق الورى - مهما تقلب دهره - أن يسبقا
أو كلما قالوا تجمع شملهم
لعب الشقاق بجمعنا فتفرقا
فتدفقوا حججا وحوطوا نيلكم
فلكم أفاض عليكم وتدفقا
حملوا علينا بالزمان وصرفه
فتأنقوا في سلبنا وتأنقا
هزوا مغاربها فهابت بأسهم
يا ويلكم إن لم تهزوا المشرقا
فتعلموا فالعلم مفتاح العلا
لم يبق بابا للسعادة مغلقا
ثم استمدوا منه كل قواكم
إن القوي بكل أرض يتقى
وابنوا حوالي حوضكم من يقظة
سورا وخطوا من حذار خندقا
وزنوا الكلام وسددوه فإنهم
خبئوا لكم في كل حرف مزلقا
وامشوا على حذر فإن طريقكم
وعر أطاف به الهلاك وحلقا
نصبوا لكم فيه الفخاخ وأرصدوا
للسالكين بكل فج موبقا
الموت في غشيانه وطروقه
والموت كل الموت ألا يطرقا
فتحينوا فرص الحياة كثيرة
وتعجلوها بالعزائم والرقي
أو فاخلقوها قادرين فإنما
فرص الحياة خليقة أن تخلقا
وتفيئوا ظل الأريكة واقصدوا
ملكا بأمته أبر وأرفقا
لا زال تاج الملك فوق جبينه
تحت الهلال يزين ذاك المفرقا (17) تحية الأسطول العثماني
أنشدها في حفل أقيم بتياترو عباس في 9 مارس سنة 1910م برآسة رءوف باشا المعتمد العثماني
بالذي أجراك يا ريح الخزامى
بلغي البسفور عن مصر السلاما
واقطفي من كل روض زهرة
واجعليها لتحايانا كماما
وانشري رياك في ذاك الحمى
والثمي الأرض إذا جئت الإماما
ملك للشرق في أيامه
همة الغرب نهوضا واعتزاما
أيها القائم بالأمر لقد
قمت في الناس فأحسنت القياما
جرد الرأي فكم رأي إذا
سل من غمد النهى فل الحساما
وابعث الأسطول ترمي دونه
قوة الله وراء وأماما
يكلا الشرق ويرعى بقعة
رفع الله بها (البيت الحراما)
وثغورا هي أبهى منظرا
من ثغور الغيد يبدين ابتساما
خصها الله بأفق مشرق
ضم في الآلاء (مصرا) و(الشآما)
حي يا مشرق أسطول الألى
ضربوا الدهر بسوط فاستقاما
ملكوا البر فلما لم يسع
مجدهم نالوا من البحر المراما
بجوار منشآت كالدمى
أينما سارت صبا البحر وهاما
كلما أوفت على أمواجه
سجد الموج خشوعا واحتشاما
كان بالبحر إليها ظمأ
وعجيب يشتكي البحر الأواما
فهي في السلم جوار تجتلى
تبهر العين رواء ونظاما
وهي في الحرب قضاء سابح
يدع الحصن تلالا ورجاما
ما نجوم الرجم من أبراجها
إثر عفريت من الجن ترامى
من مراميها بأنكى موقعا
لا ولا أقوى مراسا وعراما
وهي بركان إذا ما هاجها
هائج الشر عداء وخصاما
جبل النار لقد رعت الورى
أنت في حاليك لا ترعى ذماما
أنت في البر بلاء فإذا
ركب البحر غدا موتا زؤاما
فاتقوا الطود مكينا راسيا
واتقوا الطود إذا ما الطود عاما
حملت حربا فكانت حقبة
نذرا للموت تجتاح الأناما
خافها العالم حتى أصبحت
رسلا تحمل أمنا وسلاما
بعث المشرق من مرقده
بعد حين، جل من يحيي العظاما
أيها الشرقي شمر لا تنم
وانفض العجز؛ فإن الجد قاما
وامتط العزم جوادا للعلا
واجعل الحكمة للعزم زماما
وإذا حاولت في الأفق منى
فاركب البرق ولا ترض الغماما
لا تضق ذرعا بما قال العدا
رب ذي لب عن الحق تعامى
سابق الغربي واسبق واعتصم
بالمروءات وبالبأس اعتصاما
جانب الأطماع وانهج نهجه
واجعل الرحمة والتقوى لزاما
طلبوا من علمهم أن يعجزوا
قادر الموت وأن يثنوا الحماما
وأرادوا منه أن يرفعهم
فوق هام الشهب في الغيب مقاما (قتل الإنسان ما أكفره)
طاول الخالق في الكون وسامى
أحرج الغيب إلى أن بزه
سره بزا ولم يخش انتقاما
قوة الرحمن زيدينا قوى
وأفيضي في بني الشرق الوئاما
أفرغي من كل صدر حقده
املئي التاريخ والدنيا كلاما
أسأل الله الذي ألهمنا
خدمة الأوطان شيخا وغلاما
أن أرى في البحر والبر لنا
في الوغى أنداد (طوجو) و(أياما) (18) حرب طرابلس (في سنة 1912م)
طمع ألقى عن الغرب اللثاما
فاستفق يا شرق واحذر أن تناما
واحملي أيتها الشمس إلى
كل من يسكن في الشرق السلاما
واشهدي يوم التنادي أننا
في سبيل الحق قد متنا كراما
مادت الأرض بنا حين انتشت
من دم القتلى حلالا وحراما
عجز الطليان عن أبطالنا
فأعلوا من ذرارينا الحساما
كبلوهم، قتلوهم، مثلوا
بذوات الخدر، طاحوا باليتامى
ذبحوا الأشياخ والزمنى ولم
يرحموا طفلا ولم يبقوا غلاما
أحرقوا الدور، استحلوا كل ما
حرمت (لاهاي) في العهد احتراما
بارك المطران في أعمالهم
فسلوه بارك القوم علاما؟
أبهذا جاءهم إنجيلهم
آمرا يلقي على الأرض سلاما؟
كشفوا عن نية الغرب لنا
وجلوا عن أفق الشرق الظلاما
فقرأناها سطورا من دم
أقسمت تلتهم الشرق التهاما
أطلقوا الأسطول في البحر كما
يطلق الزاجل في الجو الحماما
فمضى غير بعيد وانثنى
يحمل الأنباء شؤما وانهزاما
قد ملأنا البر من أشلائهم
فدعوهم يملئوا الدنيا كلاما
أعلنوا الحرب وأضمرنا لهم
أينما حلوا هلاكا واختراما
خبروا (فكتور) عنا أنه
أدهش العالم حربا ونظاما
أدهش العالم لما أن رأوا
جيشه يسبق في الجري النعاما
لم يقف في البر إلا ريثما
يسلم الأرواح أو يلقي الزماما
حاتم الطليان قد قلدتنا
منة نذكرها عاما فعاما
أنت أهديت إلينا عدة
ولباسا وشرابا وطعاما
وسلاحا كان في أيديكم
ذا كلال فغدا يفري العظاما
أكثروا النزهة في أحيائنا
وربانا إنها تشفي السقاما
وأقيموا كل عام موسما
يشبع الأيتام منا والأيامى
لست أدري بت ترعى أمة
من بني (التليان) أم ترعى سواما
ما لهم - والنصر من عاداتهم -
لزموا الساحل خوفا واعتصاما
أفلتوا من نار (فيزوف) إلى
نار حرب لم تكن أدنى ضراما
لم يكن (فيزوف) نم عنهم فقد
نفضت إفريقيا عنها المناما
فهي بركان لهم سخره
مالك الملك جزاء وانتقاما
لو دروا ما خبأ الشرق لهم
آثروا (فيزوف) واختاروا المقاما
تلك عقبى أمة غادرة
تنكث العهد ولا ترعى الذماما
تلك عقبى كل جبار طغى
أو تعال أو عن الحق تعامى
لو درت (رومة) ما قد نابها
في (طرابلس) أبت إلا انقساما
وأبى كل اشتراكي بها
أن يرى التاج على رأس أقاما
أعلنوا ضم مغانينا إلى
ملك (ڤكتور) ولم يخشوا ملاما
أعلنوا الضم ولما يفتحوا
قيد أظفور وراء أو أماما
فاعجبوا من فاتح ذي مرة
يحسب النزهة في البحر صداما
ويرى الفتح ادعاء باطلا
وافتراء واحتجاجا واحتكاما
أيها الحائر في البحر اقترب
من حمى (البسفور) إن كنت هماما
كم سمعنا عن لسان البرق ما
يزعج الدنيا إذا الأسطول عاما
عام شهرين ولم يفتح سوى
هوة فيها الملايين ترامى
دفنوا تاريخهم في قاعها
ورموا في إثره المجد غلاما
فاطمئني أمم الشرق ولا
تقنطي اليوم فإن الجد قاما
إن في أضلاعنا أفئدة
تعشق المجد وتأبى أن تضاما (19) منظومة تمثيلية
قالها الشاعر عقب ضرب الأسطول الطلياني لمدينة بيروت انتقاما من الأتراك؛ وذلك في عهد نشوب الحرب الطرابلسية التي وقعت بين الإيطاليين والترك في سنة 1912م، وقد فرض الشاعر هذه الرواية بين جريح من أهل بيروت، وزوج له اسمها (ليلى)، وطبيب، ورجل عربي.
الجريح : (ليلاي) ما أنا حي
يرجى ولا أنا ميت
لم أقض حق بلادي
وهأنا قد قضيت
شفيت نفسي لو أني
لما رميت رميت (بيروت) لو أن خصما
مشى إلي مشيت
أو داس أرضك باغ
لدسته وبغيت
أو حل فيك عدو
منازل ما اتقيت
لكن رماك جبان
لو بان لي لاشتفيت (ليلاي) لا تحسبيني
على الحياة بكيت
ولا تظني شكاتي
من مصرعي إن شكوت
ولا يخيفنك ذكري (بيروت) أني سلوت (بيروت) مهد غرامي
فيها وفيك صبوت
جررت ذيل شبابي
لهوا وفيها جريت
فيها عرفتك طفلا
ومن هواك انتشيت
ومن عيون رباها
وعذب فيك ارتويت
فيها (لليلى) كناس
ولي من العز بيت
فيها بنى لي مجدا
أوائلي وبنيت (ليلى) سراج حياتي
خبا فما فيه زيت
قد أطفأته كرات
ما من لظاهن فوت
رمى بهن بغاة
أصبنني فتويت
ليلى :
لو تفتدى بحياتي
من الردى لفديت
ولو وقاك وفي
بمهجة لوقيت
إن عشت أو مت إني
كما نويت نويت
الجريح : (ليلاي) عيشي وقري
إذا الحمام دعاني (ليلاي) ساعات عمري
معدودة بالثواني
فكفكفي من دموع
تفري حشاشة فاني
ومهدي لي قبرا
على ذرا (لبنان)
ثم اكتبي فوق لوح
لكل قاص وداني:
هنا الذي مات غدرا
هنا فتى الفتيان
رمته أيدي جناة
من جيرة النيران
قرصان بحر تولوا
من حومة الميدان
لم يخرجوا قيد شبر
عن مسبح الحيتان
ولم يطيقوا ثباتا
في أوجه الفرسان
فشمروا لانتقام
من غافل في أمان
وسودوا وجه (روما)
بالكيد للجيران
تبا لهم من بغاث
فروا من العقبان
لو أنهم نازلونا
في الشام يوم طعان
رأوا طرابلس تبدو
لهم بكل مكان
يا ليتني لم أعاجل
بالموت قبل الأوان
حتى أرى الشرق يسمو
رغم اعتداء الزمان
ويسترد جلالا
له ورفعة شان
وليعلم الغرب أنا
كأمة (اليابان)
لا نرتضي العيش يجري
في ذلة وهوان
أراهم أنزلونا
منازل الحيوان
وأخرجونا جميعا
عن رتبة الإنسان
وسوف تقضي عليهم
طبائع العمران
فيصبح الشرق غربا
ويستوي الخافقان
لاهم جدد قوانا
لخدمة الأوطان
فنحن في كل صقع
نشكو بكل لسان
يا قوم إنجيل (عيسى)
وأمة القرآن
لا تقتلوا الدهر حقدا
فالملك للديان
ليلى :
إني أرى من بعيد
جماعة مقبلينا
لعل فيهم نصيرا
لعل فيهم معينا
العربي :
هون عليك، تماسك
إني سمعت أنينا
أظن هذا جريحا
يشكو الأسى أو طعينا
بالله ماذا دهاه
يا هذه خبرينا؟
ليلى :
لقد دهته المنايا
من غارة الخائنينا
صبوا علينا الرزايا
لم يتقوا الله فينا
فخففوا من أذاه
إن كنتم فاعلينا
العربي :
لا تيأسي، وتجلد
أراك شهما ركينا
أبشر فإنك ناج
واصبر مع الصابرينا
الطبيب :
أواه إني أراه
بالموت أمسى رهينا
جراحه بالغات
تعيي الطبيب الفطينا
وعن قريب سيقضي
غض الشباب حزينا
العربي :
أف لقوم جياع
قد أزعجوا العالمينا
قراهم أين حلوا
ضرب يقد المتونا
عقوا المروءة هدوا
مفاخر الأولينا
عاثوا فسادا وفروا
يستعجلون السفينا
وألبسوا الغرب خزيا
في قرنه العشرينا
وألجموا كل داع
وأحرجوا المصلحينا
فيا (أربة) مهلا
أين الذي تدعينا
ماذا تريدين منا
والداء أمسى دفينا
أين الحضارة إنا
بعيشنا قد رضينا
لم نؤذ في الدهر جارا
ولم نخاتل خدينا (مسرة) الشام إنا
إخوانكم ما حيينا
ثقوا فإنا وثقنا
بكم وجئنا قطينا
إنا نرى فيك (عيسى)
يدعو إلى الخير فينا
قربت بين قلوب
قد أوشكت أن تبينا
فأنت فخر النصارى
وصاحب المسلمينا
الجريح :
رأيت يأس طبيبي
وهمسه في فؤادي
لا تندبيني فإني
أقضي وتحيا بلادي
العربي :
أستودع الله شهما
ندبا طويل النجاد
أستودع الله روحا
كانت رجاء البلاد
فيا شهيدا رمته
غدرا كرات الأعادي
نم هانئا مطمئنا
فلم تنم أحقادي
فسوف يرضيك ثأر
يذيب قلب الجماد (20) استقبال الطيار العثماني فتحي بك
نشرت في سنة 1914م ويلاحظ أن هذه القصيدة كانت قد أعدت لاستقبال الطيار المذكور، فسقطت به طائرته، ومات قبل إتمام رحلته إلى مصر فرأى حافظ من الوفاء نشر هذه القصيدة بعد موته؛ لتكون له حيا وميتا.
أهلا بأول مسلم
في المشرقين علا وطار
النيل والبسفور في
ك تجاذبا ذيل الفخار
يوم امتطيت براقك ال
ميمون واجتزت القفار
تلهو وتعبث بالريا
ح على المفاوز والبحار
لو سابقتك سوابق ال
أفكار أدركها العشار
حسدتك في الأفق البرو
ق وغار في الأرض البخار
تجري بسابحة تش
ق سبيلها شق الإزار
وتكاد تقدح في الأثي
ر فيستحيل إلى شرار
مثل الشهاب انقض في
آثار عفريت وثار
فإذا علت فكدعوة ال
مضطر تخترق الستار
وإذا هوت فكما هوت
أنثى العقاب على الهزار
وتسف آونة وآ
ونة يحيد بها ازورار
فيخالها الراءون قد
قرت وليس بها قرار
لعب الجواد أقل لي
ثا من قضاعة أو نزار
أو كاللعوب من الحما
ئم فوق ملعبه استطار
وكأنها في الأفق حي
ن يميل ميزان النهار
والشمس تلقي فوقها
حلل احمرار واصفرار
ملك تمثله لنا (الس
سما) فيأخذنا انبهار (فتحي) بربك ما رأي
ت بذلك الفلك المدار
أبلغت تسبيح الملا
ئك أو دنوت من السرار
أم خفت تلك الراصدا
ت هناك من شهب ونار
أرأيت سكان النجو
م وأنت في ذاك الجوار
أهناك في (المريخ) ما
في الأرض من علل الشجار
أهناك يستعدي الضعي
ف على القوي فلا يجار
ما لابن آدم زاد في
غلوائه فطغى وجار
يا ليت شعري هل له
في عالم الملكوت ثار
أم لاذ معتصما بكر
سي المهيمن واستجار
فاستل من قلب الجما
د الصلب أجنحة وطار
وتسلق الأجواء مم
تطيا عواصفها وسار
يرجو النجاء من المظا
لم والمغارم والدمار
يأيها الطيار طر
فإذا بلغت مدى المطار
فزر السها والفرقدي
ن إذا أتيح لك المزار
وسل النجوم عن الحيا
ة ففي السؤال لك اعتبار
هم ينبئونك أن كل
ل الكائنات إلى بوار
والظلم من طبع النظا
م فإن ظلمت فلا تمار
إن الذي برأ السدي
م هو الذي برأ الغبار
في العالم العلوي والس
سفلي أحكام تدار
خلق الضعيف لخدمة ال
أقوى وليس له خيار
فتقو يرهبك القو
ي وهن يلازمك الصغار
في الأرض ما تبغون من
عز وآمال كبار
فيها الحديد وفيه بأ
س يوم يمتهن الذمار
فيها الكنوز الحافلا
ت لمن تبصر واستنار
منها استمد قواه من
قهر الممالك واستعار
وبما احتوت رد الحصي
ف الرأي غارة من أغار
في ذمة الآفاق سر
وارجع إلى تلك الديار
واجعل تحيتنا إلى
بلد به للملك دار
دار عليها للخلا
فة والهدى رفع المنار
دار الغزاة الفاتحي
ن الصفوة الغر الخيار
في كل حاضرة لهم
غزو ففتح فانتصار
ضربوا الزمان بسوط عز
زتهم فلان لهم فدار
يمشون في غاب القنا
مشي المرنح بالعقار
من كل أروع فاتك
لا يستشير سوى الغرار
ذي مرة تشجيه ذا
ت النقع لا ذات الخمار
يغشى المعامع ضاربا
بحياته ضرب القمار
لا ينثني أو تخرج ال
أجرام عن فلك المدار
عبست لهم أيامهم
والعبس يعقبه افترار
ما عابهم أن الصعو
د يليه في الدهر انحدار
فلكل غاد روحة
ولكل وضاء سرار
ولسوف يعلو نجمهم
ويسود ذياك الشعار (21) إلى معتمد بريطانيا في مصر (نشرت في يناير سنة 1915م)
قالها عند تعيين معتمد جديد لبريطانيا، وهو السير مكماهون
أي (مكمهون) قدمت بال
قصد الحميد وبالرعايه
ماذا حملت لنا عن ال
ملك الكبير وعن (غرايه)؟
أوضح (لمصر) الفرق ما
بين السيادة والحمايه
وأزل شكوكا بالنفو
س تعلقت منذ البدايه
ودع الوعود فإنها
فيما مضى كانت روايه
أضحت ربوع النيل سل
طنة وقد كانت ولايه
فتعهدوها بالصلا
ح وأحسنوا فيها الوصايه
إنا لنشكو واثقي
ن بعدل من يشكي الشكايه
نرجو حياة حرة
مضمونة في ظل رايه
ونروم تعليما يكو
ن له من الفوضى وقايه
ونود ألا تسمعوا
فينا السعاية والوشايه
أنتم أطباء الشعو
ب وأنبل الأقوام غايه
أنى حللتم في البلا
د لكم من الإصلاح آيه
رسخت بناية مجدكم
فوق الروية والهدايه
وعدلتم فملكتم الد
نيا وفي العدل الكفايه
إن تنصروا المستضعفي
ن فنحن أضعفهم نكايه
أو تعملوا لصلاحنا
فتداركوه إلى النهايه
إنا بلغنا رشدنا
والرشد تسبقه الغوايه
لا تأخذونا بالكلا
م فليس في الشكوى جنايه
هذا (حسين) فوق عر
ش (النيل) تحرسه العنايه
هو خير من يبني لنا
فدعوه ينهض بالبنايه (22) إلى غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا (نشرت في يناير سنة 1915م)
قالها ينكر عليه إثارته الحرب العظمى وما ارتكبه فيها من الفظائع
لله آثار هناك كريمة
حسدت روائع حسنها (برلين )
طاحت بها تلك المدافع تارة
لما أمرت وتارة (زبلين)
ماذا رأيت من النبالة والعلا
في عدمهن وكلهن غيون
لو أن في (برلين) عندك مثلها
لعرفت كيف تجلها وتصون
إن كنت أنت هدمت (رمس) فإنه
أودى بمجدك ركنها الموهون
لم يغن عنها معبد خربته
ظلما ولم يمسك عنانك دين
لا تحسبن الفخر ما أحرزته
الفخر بالذكر الجميل رهين
هل شدت في (برلين) غير معسكر
قامت عليه معاقل وحصون
وجمعت شعبك كله في قبضة
إن لم تكن لانت فسوف تلين
نظمت تجارتك المدائن والقرى (فالنيل) ناء بها وناء (السين)
فبكل أرض من رجالك عصبة
وبكل بحر من لدنك سفين
تسري ونسرك أين لحن يظلها
لا الليث يزعجها ولا التنين
فالأمر أمرك والمهند مغمد
والنهي نهيك والسرى مأمون
قد كان في (برلين) شعبك وادعا
يستعمر الأسواق وهي سكون
فتحت له أبوابها فسبيلها
وقف عليه ورزقه مضمون
فعلام أرهقت الورى وأثرتها
شعواء فيها للهلاك فنون؟
تالله لو نصرت جيوشك لانطوى
أجل السلام وأقفر المسكون
سبعون مليونا إذا وزعتها
بين الحواضر نالنا مليون
ويل لمن يستعمرون بلاده
القحط أيسر خطبه والهون
أكثرت من ذكر الإله تورعا
وزعمت أنك مرسل وأمين
عجبا أتذكره وتملأ كونه
ويلا لينعم شعبك المغبون
وكذلك القصاب يذكر ربه
والنصل في عنق الذبيح دفين (23) الحرب العظمى (نشرت في 15 يوليه سنة 1915م)
لاهم إن الغرب أصبح شعلة
من هولها أم الصواعق تفرق
العلم يذكي نارها وتثيرها
مدنية خرقاء لا تترفق
ولقد حسبت العلم فينا نعمة
تأسو الضعيف ورحمة تتدفق
فإذا بنعمته بلاء مرهق
وإذا برحمته قضاء مطبق
عجز الرماة عن الرماة فأرسلوا
كسفا يموج بها دخان يخنق
تتعود الآفاق منه وتنثني
عنه الرياح ويتقيه الفيلق
وتنابلوا بالكيمياء فأسرفوا
وتساجلوا بالكهرباء فأغرقوا
وتنازلوا في الجو حين بدا لهم
أن البسيطة عن مداهم أضيق
نفسوا على الحيتان واسع ملكها
فتفننوا في سلبه وتأنقوا
ملكوا مسابحها عليها بعدما
غلبوا النسور على الجواء وحلقوا
إن كان عهد العلم هذا شأنه
فينا فعهد الجاهلية أرفق (24) مظاهرات السيدات
قالها في مظاهرة قامت بها السيدات في الثورة الوطنية في سنة 1919م ونشرت إذ ذاك في منشورات وطنية، وتأخر نشرها في الصحف إلى 12 مارس سنة 1929م
خرج الغواني يحتجج
ن ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن تخذن من
سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب
يسطعن في وسط الدجنه
وأخذن يجتزن الطري
ق ودار (سعد) قصدهنه
يمشين في كيف الوقا
ر وقد أبن شعورهنه
وإذا بجيش مقبل
والخيل مطلقة الأعنه
وإذا الجنود سيوفها
قد صوبت لنحورهنه
وإذا المدافع والبنا
دق والصوارم والأسنه
والخيل والفرسان قد
ضربت نطاقا حولهنه
والورد والريحان في
ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشان سا
عات تشيب لها الأجنه
فتضعضع النسوان والن
سوان ليس لهن منه
ثم انهزمن مشتتا
ت الشمل نحو قصورهنه
فليهنأ الجيش الفخو
ر بنصره وبكسرهنه
فكأنما الألمان قد
لبسوا البراقع بينهنه
وأتوا (بهندنبرج) مخ
تفيا بمصر يقودهنه
فلذاك خافوا بأسهن
ن وأشفقوا من كيدهنه (25) أياصوفيا
قالها حين خيف على الأستانة أن تمتلكها دول الحلفاء وتنزعها من يد الأتراك وذلك عقب الحرب العظمى، وكانت جيوش تلك الدول قد احتلت هذه المدينة (وتأخر نشر هذه القصيدة إلى سنة 1932م) (أياصوفيا) حان التفرق فاذكري
عهود كرام فيك صلوا وسلموا
إذا عدت يوما للصليب وأهله
وحلى نواحيك المسيح ومريم
ودقت نواقيس وقام مزمر
من الروم في محرابه يترنم
فلا تنكري عهد المآذن إنه
على الله من عهد النواقيس أكرم
تباركت، (بيت القدس) جذلان آمن
ولا يأمن (البيت العتيق) المحرم
أيرضيك أن تغشى سنابك خيلهم
حماك وأن يمنى (الحطيم) و(زمزم)؟
وكيف يذل المسلمون وبينهم
كتابك يتلى كل يوم ويكرم؟
نبيك محزون وبيتك مطرق
حياء وأنصار الحقيقة نوم
عصينا وخالفنا فعاقبت عادلا
وحكمت فينا اليوم من ليس يرحم (26) مصر
أنشدها في الحفل الذي أقيم بفندق الكونتننتال لتكريم المرحوم عدلي يكن باشا بعد عودته من أوربا قاطعا المفاوضة مع الإنجليز ومستقيلا من الوزارة.
نشرت في 15 ديسمبر سنة 1921م وهذه القصيدة على لسان مصر تتحدث عن نفسها
وقف الخلق ينظرون جميعا
كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الأهرام في سالف الده
ر كفوني الكلام عند التحدي
أنا تاج العلاء في مفرق الشر
ق ودراته فرائد عقدي
أي شيء في الغرب قد بهر النا
س جمالا ولم يكن منه عندي؟
فترابي تبر ونهري فرات
وسمائي مصقولة كالفرند
أينما سرت جدول عند كرم
عند زهر مدنر عند رند
ورجالي لو أنصفوهم لسادوا
من كهول ملء العيون ومرد
لو أصابوا لهم مجالا لأبدوا
معجزات الذكاء في كل قصد
إنهم كالظبا ألح عليها
صدأ الدهر من ثواء وغمد
فإذا صيقل القضاء جلاها
كن كالموت ما له من مرد
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة علي وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدي
إنني حرة كسرت قيودي
رغم رقبى العدا وقطعت قدي
وتماثلت للشفاء وقد دا
نيت حيني وهيأ القوم لحدي
قل لمن أنكروا مفاخر قومي
مثل ما أنكروا مآثر ولدي
هل وقفتم بقمة الهرم الأك
بر يوما فريتم بعض جهدي ؟
هل رأيتم تلك النقوش اللواتي
أعجزت طوق صنعة المتحدي؟
حال لون النهار من قدم العه
د وما مس لونها طول عهد
هل فهمتم أسرار ما كان عندي
من علوم مخبوءة طي بردي؟
ذاك فن التحنيط قد غلب الده
ر وأبلى البلى وأعجز ندي
قد عقدت العهود من عهد فرعو
ن ففي (مصر) كان أول عقد
إن مجدي في الأوليات عريق
من له مثل أولياتي ومجدي؟
أنا أم التشريع قد أخذ الرو
مان عني الأصول في كل حد
ورصدت النجوم منذ أضاءت
في سماء الدجى فأحكمت رصدي
وشدا (بنتئور) فوق ربوعي
قبل عهد اليونان أو عهد (نجد)
وقديما بنى الأساطيل قومي
ففرقن البحار يحملن بندي
قبل أسطول (نلسن) كان أسطو
لي سريا وطالعي غير نكد
فسلوا البحر عن بلاء سفيني
وسلوا البر عن مواقع جردي
أتراني وقد طويت حياتي
في مراس لم أبلغ اليوم رشدي؟
أي شعب أحق مني بعيش
وارف الظل أخضر اللون رغد؟
أمن العدل أنهم يردون ال
ماء صفوا وأن يكدر وردي؟
أمن الحق أنهم يطلقون ال
أسد منهم وأن تقيد أسدي؟
نصف قرن إلا قليلا أعاني
ما يعاني هوانه كل عبد
نظر الله لي فأرشد أبنا
ئي فشدوا إلى العلا أي شد
إنما الحق قوة من قوى الدي
يان أمضى من كل أبيض هندي
قد وعدت العلا بكل أبي
من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي
أمهروها بالروح فهي عروس
تشنأ المهر من عروض ونقد
وردوا بي مناهل العز حتى
يخطب النجم في المجرة ودي
وارفعوا دولتي على العلم والأخ
لاق فالعلم وحده ليس يجدي
وتواصوا بالصبر فالصبر إن فا
رق قوما فما له من مسد
خلق الصبر وحده نصر القو
م وأغنى عن اختراع وعد
شهدوا حومة الوغى بنفوس
صابرات وأوجه غير ربد
فمحا الصبر آية العلم في الحر
ب وأنحى على القوي الأشد
إن في الغرب أعينا راصدات
كحلتها الأطماع فيكم بسهد
فوقها مجهر يريها خفايا
كم ويطوي شعاعه كل بعد
فاتقوها بجنة من وئام
غير رث العرا وسعي وكد
واصفحوا عن هنات من كان منكم
رب هاف هفا على غير عمد
نحن نجتاز موقفا تعثر الآ
راء فيه وعثرة الرأي تردي
ونعير الأهواء حربا عوانا
من خلاف والخلف كالسل يعدي
ونثير الفوضى على جانبيه
فيعيد الجهول فيها ويبدي
ويظن الغوي أن لا نظام
ويقول القوي قد جد جدي
فقفوا فيه وقفة الحزم وارموا
جانبيه بعزمة المستعد
إننا عند فجر ليل طويل
قد قطعناه بين سهد ووجد
غمرتنا سود الأهاويل فيه
والأماني بين جزر ومد
وتجلى ضياؤه بعد لأي
وهو رمز لعهدي المسترد
فاستبينوا قصد السبيل وجدوا
فالمعالي مخطوبة للمجد (27) تصريح 28 فبراير (نشرت في أول أبريل سنة 1922م)
مالي أرى الأكمام لا تفتح
والروض لا يذكو ولا ينفح
والطير لا تلهو بتدويمها
في ملكها الواسع أو تصدح
والنيل لا ترقص أمواهه
فرحى ولا يجري بها الأبطح
والشمس لا تشرق وضاءة
تجلو هموم الصدر أو تنزح
والبدر لا يبدو على ثغره
من بسمات اليمن ما يشرح
والنجم لا يزهر في أفقه
كأنه في غمرة يسبح
ألم يجئها نبأ جاءنا
بأن مصرا حرة تمرح؟
أصبحت لا أدري على خبرة
أجدت الأيام أم تمزح؟
أموقف للجد نجتازه
أم ذاك للاهي بنا مسرح؟
ألمح لاستقلالنا لمعة
في حالك الشك فأستروح
وتطمس الظلمة آثارها
فأنثني أنكر ما ألمح
قد حارت الأفهام في أمرهم
إن لمحوا بالقصد أو صرحوا
فقائل لا تعجلوا إنكم
مكانكم بالأمس لم تبرحوا
وقائل أوسع بها خطوة
وراءها الغاية والمطمح
وقائل أسرف في قوله:
هذا هو استقلالكم فافرحوا
إن تسألوا العقل يقل: عاهدوا
واستوثقوا في عهدكم تربحوا
وأسسوا دارا لنوابكم
للرأي فيها والحجا أفسحوا
ولتذكر الأمة ميثاقها
ألا ترى عزتها تجرح
وتنتخب صفوة أبنائها
فمنهم المخلص والمصلح
وليتق الله أولو أمرها
أن يسكتوا الأصوات أو يرفحوا
أو تسألوا القلب يقل: حاذروا
وصابروا أعداءكم تفلحوا
إني أرى قيدا فلا تسلموا
أيديكم؛ فالقيد لا يسجح
إن هيئوه من حرير لكم
فهو على لين به أفدح
حتام - والصبر له غاية -
لغيرنا من بئرنا نمتح؟
حتام - والأموال مشفوهة -
نمنح إلا (مصر) ما نمنح؟
حتام يمضي أمرنا غيرنا
وذاك بالأحرار لا يملح؟
أساء بعض الناس في بعضهم
ظنا وقد أمسوا وقد أصبحوا
فانتهزت أعداؤنا نهزة
فينا وما كانت لهم تسنح
فالرأي كل الرأي أن تجمعوا
فإنما إجماعكم أرجح
وكل من يطمع في صدعكم
فإنه في صخرة ينطح
أخشى إذا استكثرتم بينكم
من قادة الآراء أن تفضحوا
فلتقصدوا ما اسطعتم فيهم
فإنما في القلة المنجح (28) عيد الاستقلال (نشرت في 15 مارس سنة 1923م تحت عنوان: «بين اليقظة والمنام»)
أشرق فدتك مشارق الإصباح
وأمط لثامك عن نهار ضاحي
بوركت يا يوم الخلاص ولا ونت
عنك السعود بغدوة ورواح
بالله كن يمنا وكن بشرى لنا
في رد مغترب وفك سراح
أقبلت والأيام حولك مثل
صفين تخطر خطرة المياح
وخرجت من حجب الغيوب محجلا
في كل لحظ منك ألف صباح
لو صح في هذا الوجود تناسخ
لرأيت فيك تناسخ الأرواح
ولكنت يوم (اللابرنت) بعينه
في عزة وجلالة وسماح
يوم يريك جلاله ورواؤه
في الحسن قدرة فالق الإصباح
خلعت عليه الشمس حلة عسجد
وحباه (آذار) أرق وشاح
الله أثبته لنا في لوحه
أبد الأبيد فما له من ماحي
حييه عنا يا أزاهر واملئي
أرجاءه بأريجك الفواح
وانفحه عنا يا ربيع بكل ما
أطلعت من رند ونور أقاح
ته يا (فؤاد) فحول عرشك أمة
عقدت خناصرها على الإصلاح
أبناؤنا - وهم أحاديث الندى -
ليسوا على أوطانهم بشحاح
صبروا على مر الخطوب فأدركوا
حلو المنى معسولة الأقداح
شاكي سلاح الصبر ليس بأعزل
يغزوه رب عوامل وصفاح
الصبر - إن فكرت - أعظم عدة
والحق - لو يدرون - خير سلاح
قد أنكروا حق الضعيف فهل أتى
إنكار ذاك الحق في إصحاح؟
كم خدرت أعصاب مصر نوافح
لوعودهم كنوافح التفاح
فتعلل المصري مغتبطا بها
أرأيت طفلا عللوه بداح؟
وتأنقوا في الخلف حتى أصبحت
أقوالهم تذرى بغير رياح
لما تنبه بالكنانة نائم
وأصات بالشكوى الأليمة صاحي
وتكشفت تلك الغياهب وانطوت
وبدت شموس الحق وهي ضواحي
علموا بحمد الله أن قرارنا
في ظل غير الله غير متاح
فاليوم قري يا كنانة واهدئي
حرم الكنانة لم يكن بمباح
من ذا يغير على الأسود بغابها
أو من يعوم بمسبح التمساح؟
للنيل مجد في الزمان مؤثل
من عهد (آمون) وعهد (فتاح)
فسل العصور به وسل آثاره
في (مصر) كم شهدت من السياح
يا صاحب القطرين غير مدافع
ما مثل ساحك في العلا من ساح
لم يبد نور فوق نور يجتلى
كالتاج فوق جبينك الوضاح
ذكرت بعرشك (مصر) يوم وليته
عرش (المعز) بها وعرش (صلاح)
في كل قطر من جلالك روعة
ولكل قطر منك ظل جناح
لك (مصر) و(السودان) والنهر الذي
يختال بين ربى وبين بطاح
وبواسق (السودان) تشهد أنها
غرست بعهد جدودك الفتاح
لا غرو إن غنى بمدحك صائح
أو مسجح في حلبة المداح
حسن الغناء مع الصياح كحسنه
عند الخبير به مع الإسجاح
أو لم يكن لك ملك مصر ونيلها
ينساب بين مروجها الأفياح؟
منضورة الجنات حالية الربا
مطلولة السرحات والأرواح
قد قال (عمرو) في ثراها آية
مأثورة نقشت على الألواح:
بينا تراه لآلئا وكأنما
نثرت بتربتها عقود ملاح
وإذا به للناظرين زمرد
يشفيك أخضره من الأتراح
وإذا به مسك تشق سواده
شق الأديم محارث الفلاح
البرلمان تهيأت أسبابه
لم يبق من سبب سوى المفتاح
هو في يديك وديعة لرعية
تثنى بألسنة عليك فصاح
رد الوديعة يا (فؤاد) فإنما
رد الوديعة شيمة المسماح
وانهض بشعبك يا (فؤاد) إلى العلا
وإلى مكان في الوجود براح
فالله يشهد والخلائق أننا
طلاب حق في الحياة صراح
هذا منار البرلمان أمامكم
لهدى السبيل كإبرة الملاح
فتيمموه مخلصين فما لكم
من دونه من غبطة وفلاح
الفصل للشورى وتلك هي التي
تزع الهوى وترد كل جماح
هي لا تضل سبيلها فكأنما
خلق السبيل لها بغير نواحي
هي - لا براح - ترد كيد عدوكم
وتفل غرب الغاصب المجتاح
فتكنفوا الشورى على استقلالكم
في الرأي لا توحيه نزعة واحي
ويد الإله مع الجماعة فاضربوا
بعصا الجماعة تظفروا بنجاح
كونوا رجالا عاملين وكذبوا
والصبح أبلج، حامل المصباح
ودعوا التخاذل في الأمور فإنما
شبح التخاذل أنكر الأشباح
والله ما بلغ الشقاء بنا المدى
بسوى خلاف بيننا وتلاحي
قم يابن (مصر) فأنت حر واستعد
مجد الجدود ولا تعد لمراح
شمر وكافح في الحياة فهذه
دنياك دار تناحر وكفاح
وانهل مع النهال من عذب الحيا
فإذا رقا فامتح مع المتاح
وإذا ألح عليك خطب لا تهن
واضرب على الإلحاح بالإلحاح
وخض الحياة وإن تلاطم موجها
خوض البحار رياضة السباح
واجعل عيانك قبل خطوك رائدا
لا تحسبن الغمر كالضحضاح
وإذا اجتوتك محلة وتنكرت
لك فاعدها وانزح مع النزاح
في البحر لا تشنيك نار بوارج
في البر لا يلويك غاب رماح
وانظر إلى الغربي كيف سمت به
بين الشعوب طبيعة الكداح
والله ما بلغت بنو الغرب المنى
إلا بنيات هناك صحاح
ركبوا البحار وقد تجمد ماؤها
والجو بين تناوح الأرواح
والبر مصهور الحصى متأججا
يرمي بنزاع الشوى لواح
يلقى فتيهم الزمان بهمة
عجب ووجه في الخطوب وقاح
ويشق أجواز القفار مغامرا
وعر الطريق لديه كالصحصاح
وابن الكنانة في الكنانة راكد
يرنو بعين غير ذات طماح
لا يستغل - كما علمت - ذكاءه
وذكاؤه كالخاطف اللماح
أمسى كماء النهر ضاع فراته
في البحر بين أجاجه المنداح
فانهض ودع شكوى الزمان ولا تنح
في فادح البؤسى مع الأنواح
واربح لمصر برأس مالك عزة
إن الذكاء حبالة الأرباح
وإذا رزقت رآسة فانسج لها
بردين من حزم ومن إسجاح
واشرب من الماء القراح منعما
فلكم وردت الماء غير قراح (29) من قصيدة في شؤون مصر السياسية (نشرت في 9 مارس سنة 1932م)
قالها في عهد وزارة إسماعيل صدقي باشا وقد نظمها حافظ بعد إحالته إلى المعاش في سنة 1932م وكانت تبلغ نحو مائتي بيت لم نعثر منها إلا على هذه الأبيات
قد مر عام يا سعاد وعام
وابن الكنانة في حماه يضام
سبوا البلاء على العباد فنصفهم
يجبي البلاد ونصفهم حكام
أشكو إلى (قصر الدبارة) ما جنى (صدقي الوزير) وما جبى (علام)
ومنها في الإنجليز:
قل للمحايد هل شهدت دماءنا
تجري وهل بعد الدماء سلام؟
سفكت مودتنا لكم وبدا لنا
أن الحياد على الخصام لثام
إن المراجل شرها لا يتقى
حتى ينفس كربهن صمام
لم يبق فينا من يمني نفسه
بودادكم فودادكم أحلام
أمن السياسة والمروءة أننا
نشقى بكم في أرضنا ونضام؟
إنا جمعنا للجهاد صفوفنا
سنموت أو نحيا ونحن كرام
ومنها في مخاطبة إسماعيل صدقي باشا:
ودعا عليك الله في محرابه
الشيخ والقسيس والحاخام
لا هم أحي ضميره ليذوقها
غصصا وتنسف نفسه الآلام
إلى الإنجليز:
بنيتم على الأخلاق أساس ملككم
فكان لكم بين الشعوب ذمام
فمالي أرى الأخلاق قد شاب قرنها
وحل بها ضعف ودب سقام
أخاف عليكم عثرة بعد نهضة
فليس لملك الظالمين دوام
أضعتم ودادا لو رعيتم عهوده
لما قام بين الأمتين خصام
أبعد حياد لا رعى الله عهده
وبعد الجروح الناغرات وئام
إذا كان في حسن التفاهم موتنا
فليس على باغي الحياة ملام (30) إلى المندوب السامي (نشرت في 11مارس سنة 1932م)
ألم تر في الطريق إلى (كياد)
تصيد البط بؤس العالمينا؟
ألم تلمح دموع الناس تجري
من البلوى ألم تسمع أنينا؟
ألم تخبر بني التاميز عنا
وقد بعثوك مندوبا أمينا
بأنا قد لمسنا الغدر لمسا
وأصبح ظننا فيكم يقينا؟
كشفنا عن نواياكم فلستم
وقد برح الخفاء محايدينا
سنجمع أمرنا وترون منا
لدى الجلى كراما صابرينا
ونأخذ حقنا رغم العوادي
تطيف بنا ورغم القاسطينا
ضربتم حول قادتنا نطاقا
من النيران يعيي الدارعينا
على رغم المروءة قد ظفرتم
ولكن بالأسود مصفدينا (31) الأخلاق والحياد (نشرا في 4 أبريل سنة 1932م)
قالها وكان الإنجليز إذ ذاك يدعون الحياد في الشئون المصرية
لا تذكروا الأخلاق بعد حيادكم
فمصابكم ومصابنا سيان
حاربتم أخلاقكم لتحاربوا
أخلاقنا فتألم الشعبان (32) ثمن الحياد (نشرا في 4 أبريل سنة 1932م)
لقد طال الحياد ولم تكفوا
أما أرضاكم ثمن الحياد؟
أخذتم كل ما تبغون منا
فما هذا التحكم في العباد؟
بلونا شدة منكم ولينا
فكان كلاهما ذر الرماد
وسالمتم وعاديتم زمانا
فلم يغن المسالم والمعادي
فليس وراءكم غير التجني
وليس أمامنا غير الجهاد (33) إلى الإنجليز (نشرت في 28 أبريل سنة 1932م)
حولوا النيل واحجبوا الضوء عنا
واطمسوا النجم واحرمونا النسيما
واملئوا البحر إن أردتم سفينا
واملئوا الجو إن أردتم رجوما
وأقيموا للعسف في كل شبر (كنستبلا) بالسوط يفري الأديما
إننا لن نحول عن عهد مصر
أو ترونا في الترب عظما رميما
عاصف صان ملككم وحماكم
وكفاكم بالأمس خطبا جسيما
غال (أرمادة) العدو ففزتم
وبلغتم في الشرق شأوا عظيما
فعدلتم هنيهة وبغيتم
وتركتم في النيل عهدا ذميما
فشهدنا ظلما يقال له العد
ل وودا يسقي الحميم الحميما
فاتقوا غضبة العواصف إني
قد رأيت المصير أمسى وخيما (34) الحياد الكاذب (نشرت في سنة 1932م) (قصر الدبارة) قد نقض
ت العهد نقض الغاصب
أخفيت ما أضمرته
وأبنت ود الصاحب
الحرب أروح للنفو
س من الحياد الكاذب (35) جلاء الإنجليز عن مصر
قالهما تنديدا بكاتب فرنسي كان قد زعم أن جلاء الإنجليز عن مصر سيكون في أكتوبر
كم حددوا يوم الجلاء الذي
أصبح في الإبهام كالمحشر
وسن قوم الطيش من جهلهم
كذبة (إبريل لأكتوبر) (36) الامتيازات الأجنبية
سكت فأصغروا أدبي
وقلت فأكبروا أربي
وما أرجوه من بلد
به ضاق الرجاء وبي؟
وهل (في مصر) مفخرة
سوى الألقاب والرتب؟
وذي إرث يكاثرنا
بمال غير مكتسب
وفي الرومي موعظة
لشعب جد في اللعب
يقتلنا بلا قود
ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته
فتحميه من العطب
فقل للفاخرين: أما
لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلا
ركينا واضح الحسب
أروني نصف مخترع
أروني ربع محتسب؟
أروني ناديا حفلا
بأهل الفضل والأدب؟
وماذا في مدارسكم
من التعليم والكتب؟
وماذا في مساجدكم
من التبيان والخطب؟
وماذا في صحائفكم
سوى التمويه والكذب؟
حصائد ألسن جرت
إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم
فإن الوقت من ذهب
فهذي أمة (اليابا
ن) جازت دارة الشهب
فهامت بالعلا شغفا
وهمنا بابنة العنب (37) من شعر حافظ في ثورة سنة 1919
ولت بشاشة دنيانا ودنياك
وفارق الأنس مغنانا ومغناك
حماك دوني أسود لا يطاولها
شاكي السلاح فكيف الأعزل الشاكي
وجشموني على ضعفي وقوتهم
أن أمسك القول حتى عن تحاياك
وأرصدوا لي رقيبا ليس يخطئه
هجس الفؤاد إذا حاولت ذكراك
يحصي تردد أنفاسي ويمنعني
نفح الشمائل إن جازت برياك
منعت حتى من النجوى وسلوتها
وكم تعللت في البلوى بنجواك
ما كاد يأتي على نفسي ويوردني
موارد الحتف إلا حبك الزاكي
تناولت ما وراء النفس غايته
وقر في خلجات القلب مثواك
وظن أهلك بي سوءا وأرمضني
قول الوشاة ودعوى كل أفاك
قالوا سلا عنك غدرا وابتغى بدلا
وكان بالأمس من أوفى رعاياك
كم لي أحاديث شوق لا تنافحها
زهر الرياض ولا يسمو بها الحاكي
إن تنكريها فكم طار الرواة بها
إلى حماك وكم قد عطرت فاك
ستعلمين إذا ما الغمرة انحسرت
من صد عنك ومن بالنفس فداك
رميت عنك على أن خانني وتري
ولم أخن في إساري عهد نعماك (38) برقية من حافظ إلى الخديو عباس
جاءت الأنباء بسقوط مدينة أدرنة التابعة لدولة الخلافة العثمانية يوم الاحتفال بزفاف كريمة الخديو إلى نجل الصدر الأعظم جلال باشا، فأرسل حافظ هذه البرقية إلى الخديو:
عيد هنا، وهناك قام المأتم
ملك ينوح، وتابع يترنم
عجبا أرى تلك الدماء فها هنا
دم فرحة، وهناك للقتل دم
فأمر الخديو بإزالة معالم الزينات مشاركة للخليفة وللعالم الإسلامي في تلك النكبة. (39) قصر الدوبارة وقصير عابدين
قصر الدوبارة هو القصر الذي يقيم فيه المعتمد البريطاني ممثل الاحتلال وصاحب السلطة الفعلية في البلاد.
وقصر عابدين هو قصر الخديو صاحب السلطة الشرعية والخاضع للسلطان الإنجليزي.
وفي هذين البيتين بعقد حافظ مقارنة بين كلا الحاكمين.
قصر الدوبارة ما لليثك رابضا
والذئب في قصر الإمارة يحجل
إني سمعت بعابدين عواءه
فعجبت كيف يسود من لا يعقل
من حافظ شاعر مصر إلى فؤاد ملك مصر:
يا مليكا برغمه يلبس التا
ج ويرقى لعرشه مملوكا
إن أتمت يداك تخريب مصر
فلقد مهد الخراب أبوكا
أبق شيئا - إذا مضيت ذميما
عن قريب - يأتي عليه بنوكا
الشكوى
(1) إلى محمد الشيمي بك المحامي بطنطا
قال حافظ هذين البيتين، وكان يعمل بمكتبه في أول شبابه قبل انتظامه في سلك المدرسة الحربية، ثم تركه لخلاف وقع بينهما
جراب حظي قد أفرغته طمعا
بباب أستاذنا (الشيمي) ولا عجبا
فعاد لي وهو مملوء فقلت له:
مم؟ فقال من الحسرات واحربا (2) إلى آدم أبي البشر
سليل الطين كم نلنا شقاء
وكم خطت أناملنا ضريحا
وكم أزرت بنا الأيام حتى
فدت بالكبش (إسحاق) الذبيحا
وباعت (يوسفا) بيع الموالي
وألقت في يد القوم (المسيحا)
ويا (نوحا) جنيت على البرايا
ولم تمنحهم الود الصحيحا
علام حملتهم في الفلك هلا
تركتهم فكنت لهم مريحا
أصاب رفاقي القدح المعلى
وصادف سهمي القدح المنيحا (3) النفس الحزينة (نشرا في 23 نوفمبر سنة 1900م)
بيتان مترجمان عن (جان جاك روسو)
خلقت لي نفسا فأرصدتها
للحزن والبلوى وهذا الشقاء
فامنن بنفس لم يشبها الأسى
لعلها تعرف طعم الهناء (4) سعي بلا جدوى (نشرت في 31 ديسمبر سنة 1900م)
يصف سعيه المتواصل وبؤسه وإباءه، ويتمنى الراحة من ذلك بالموت
سعيت إلى أن كدت أنتعل الدما
وعدت وما أعقبت إلا التندما
لحى الله عهد القاسطين الذي به
تهدم من بنياننا ما تهدما
إذا شئت أن تلقى السعادة بينهم
فلا تك مصريا ولا تك مسلما
سلام على الدنيا سلام مودع
رأى في ظلام القبر أنسا ومغنما
أضرت به الأولى فهام بأختها
فإن ساءت الأخرى فويلاه منهما
فهبي رياح الموت نكبا وأطفئي
سراج حياتي قبل أن يتحطما
فما عصمتني من زماني فضائلي
ولكن رأيت الموت للحر أعصما
فيا قلب لا تجزع إذا عضك الأسى
فإنك بعد اليوم لن تتألما
ويا عين قد آن الجمود لمدمعي
فلا سيل دمع تسكبين ولا دما
ويا يد ما كلفتك البسط مرة
لذي منة أولى الجميل وأنعما
فلله ما أحلاك في أنمل البلى
وإن كنت أحلى في الطروس وأكرما
ويا قدمي ما سرت بي لمذلة
ولم ترتقي إلا إلى العز سلما
فلا تبطئي سيرا على الموت واعلمي
بأن كريم القوم من مات مكرما
ويا نفس كم جشمتك الصبر والرضا
وجشمتني أن ألبس المجد معلما
فما اسطعت أن تستمرئي مر طعمه
وما اسطعت بين القوم أن أتقدما
فهذا فراق بيننا فتجملي
فإن الردى أحلى مذاقا ومطعما
ويا صدر كم حلت بذاتك ضيقة
وكم جال في أنحائك الهم وارتمى
فهلا ترى في ضيقة القبر فسحة
تنفس عنك الكرب إن بت مبرما؟
ويا قبر لا تبخل برد تحية
على صاحب أوفى علينا وسلما
وهيهات يأتي الحي للميت زائرا
فإني رأيت الود في الحي أسقما
ويأيها النجم الذي طال سهده
وقد أخذت منه السرى أين يمما
لعلك لا تنسى عهود منادم
تعلم منك السهد والأين كلما (5) الإخفاق بعد الكد (نشرت سنة 1318ه-سنة 1900م)
وفيها ينعي مجد الترك والعرب، ويشير إلى معان أخرى في الشكوى
ماذا أصبت من الأسفار والنصب
وطيك العمر بين الوخد والخبب؟
نراك تطلب لا هونا ولا كثبا
ولا نرى لك من مال ولا نشب
لا تطعماني أنياب الملام على
هذا العثار فإني مهبط العجب
وددت لو طرحوا بي يوم جئتهم
في مسبح الحوت أو في مسرح العطب
لعل (ماني) لاقى ما أكابده
فود تعجيلنا من عالم الشجب
غني أحتسبت شبابا بت أنفقه
وعزمة شابت الدنيا ولم تشب
كم همت في البيد والآرام قائلة
والشمس ترمي أديم الأرض باللهب
وكم لبست الدجى والترب ناعسة
والليل أهدأ من جأشي لدى النوب
والنجم يعجب من أمري ويحسبني
لدى السرى ثامنا للسبعة الشهب
لكنني غير مجدود وما فتئت
يد المقادير تقصيني عن الأرب
وقد غدوت وآمالي مطرحة
وفي أموري ما للضب في الذنب
فإن تكن نسبتي للشرق مانعتي
حظا فواها لمجد الترك والعرب
وقاضبات لهم كانت إذا اخترطت
تدثر الغرب في ثوب من الرهب
وجمرة لهم في الشرق ما همدت
ولا علاها رماد الختل والكذب
متى أرى (النيل) لا تحلو موارده
لغير مرتهب لله مرتقب
فقد غدت (مصر) في حال إذا ذكرت
جادت جفوني لها باللؤلؤ الرطب
كأنني عند ذكري ما ألم بها
قرم تردد بين الموت والهرب
إذا نطقت فقاع السجن متكأ
وإن سكت فإن النفس لم تطب
أيشتكي الفقر غادينا ورائحنا
ونحن نمشي على أرض من الذهب
والقوم في (مصر) كالإسفنج قد ظفرت
بالماء لم يتركوا ضرعا لمحتلب (يا آل عثمان) ما هذا الجفاء لنا
ونحن في الله إخوان وفي الكتب
تركتمونا لأقوام تخالفنا
في الدين والفضل والأخلاق والأدب (6) حسرة على فائت (نشرت في يونيه سنة 1902م)
لم يبق شيء من الدنيا بأيدينا
إلا بقية دمع في مآقينا
كنا قلادة جيد الدهر فانفرطت
وفي يمين العلا كنا رياحينا
كانت منازلنا في العز شامخة
لا تشرق الشمس إلا في مغانينا
وكان أقصى منى نهر (المجرة) لو
من مائه مزجت أقداح ساقينا
والشهب لو أنها كانت مسحرة
لرجم من كان يبدو من أعادينا
فلم نزل وصروف الدهر ترمقنا
شزرا وتخدعنا الدنيا وتلهينا
حتى غدونا ولا جاه ولا نشب
ولا صديق ولا خل يواسينا (7) وداع الشباب (نشرت في 26 فبراير سنة 1932م)
قال هذه القصيدة في دار وسط مزارع في الجيزة قضى فيها بعض أيام شبابه، ثم مر بها بعد عهد طويل من تحوله عنها فتحركت في نفسه ذكريات، وجاش صدره بهذه الأبيات
كم مر بي فيك عيش لست أذكره
ومر بي فيك عيش لست أنساه
ودعت فيك بقايا ما علقت به
من الشباب وما ودعت ذكراه
أهفو إليه على ما أقرحت كبدي
من التباريح أولاه وأخراه
لبسته ودموع العين طيعة
والنفس جياشة والقلب أواه
فكان عوني على وجد أكابده
ومر عيش على العلات ألقاه
إن خان ودي صديق كنت أصحبه
أو خان عهدي حبيب كنت أهواه
قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به
وا لهفتي، ونضوب الشيب أغلاه
كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت
منه السوابق حزنا في حناياه
لم أدر ما يده حتى ترشفه
فم المشيب على رغمي فأفناه
قالوا تحررت من قيد الملاح فعش
حرا ففي الأسر ذل كنت تأباه
فقلت يا ليته دامت صرامته
ما كان أرفقه عندي وأحناه
بدلت منه بقيد لست أفلته
وكيف أفلت قيدا صاغه الله
أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا
أما المشيب ففي الأموات أسراه
وقال: (كتب بها من السودان إلى بعض أصدقائه يشكو حظه ويتشوق إلى مصر)
رميت بها على هذا التباب
وما أوردتها غير السراب
وما حملتها إلا شقاء
تقاضيني به يوم الحساب
جنيت عليك يا نفسي وقبلي
عليك جنى أبي فدعي عتابي
فلولا أنهم وأدوا بياني
بلغت بك المنى وشفيت ما بي
سعيت وكم سعى قبلي أديب
فآب بخيبة بعد اغتراب
وما أعذرت حتى كان نعلي
دما ووسادتي وجه التراب
وحتى صيرتني الشمس عبدا
صبيغا بعد ما دبغت إهابي
وحتى قلم الإملاق ظفري
وحتى حطم المقدار نابي
متى أنا بالغ يا (مصر) أرضا
أشم بتربها ريح الملاب
رأيت ابن البخار على رباها
يمر كأنه شرخ الشباب
كأن بجوفه أحشاء صب
يؤجج نارها شوق الإياب
إذا ما لاح ساءلنا الدياجي
أبرق الأرض أم برق السحاب
وقال:
ما لهذا النجم في السحر
قد سها من شدة السهر؟
خلته يا قوم يؤنسني
إن جفاني مؤنس السحر
يا لقومي إنني رجل
أفنت الأيام مصطبري
أسهرتني الحادثات وقد
نام حتى هاتف الشجر
والدجى يخطو على مهل
خطو ذي عز وذي خفر
فيه شخص اليأس عانقني
كحبيب آب من سفر
وأثارت بي فوادحه
كامنات الهم والكدر
وكأن الليل أقسم لا
ينقضي أو ينقضي عمري
أيها الزنجي مالك لم
تخش فينا خالق البشر؟
لي حبيب هاجر وله
صورة من أبدع الصور
أتلاشى في محبته
كتلاشي الظل في القمر (8) شكوى الظلم
لقد كانت الأمثال تضرب بيننا
بجور (سدوم) وهو من أظلم البشر
فلما بدت في الكون آيات ظلمهم
إذا (بسدوم) في حكومته (عمر)
وقال في مرض له:
مرضنا فما عادنا عائد
ولا قيل: أين الفتى الألمعي؟
ولا حن طرس إلى كاتب
ولا خف لفظ على مسمع
سكتنا فعز علينا السكوت
وهان الكلام على المدعي
فيا دولة آذنت بالزوال
رجعنا لعهد الهوى فارجعي
ولا تحسبينا سلونا النسيب
وبين الضلوع فؤاد يعي (9) سجن الفضائل
نعمن بنفسي وأشقينني
فيا ليتهن ويا ليتني
خلال نزلن بخصب النفوس
فروينهن وأظمأنني
تعودن مني إباء الكريم
وصبر الحليم وتيه الغني
وعودتهن نزال الخطوب
فما ينثنين وما أنثني
إذا ما لهوت بليل الشباب
أهبن بعزمي فنبهنني
فما زلت أمرح في قدهن
ويمرحن مني بروض جني
إلى أن تولى زمان الشباب
وأوشك عودي أن ينحني
فيا نفس إن كنت لا توقنين
بمعقود أمرك فاستيقني
فهذي الفضيلة سجن النفوس
وأنت الجديرة أن تسجني
فلا تسأليني متى تنقضي
ليالي الإسار؟ ولا تحزني (10) كتاب إلى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
كتب به إليه من السودان
كتابي إلى سيدي، وأنا من وعده بين الجنة والسلسبيل، ومن تيهي به فوق النثرة والإكليل؛ وقد تعجلت السرور، وتسلفت الحبور؛ وقطعت ما بيني وبين النوائب
وبشرت أهلي بالذي قد سمعته
فما محنتي إلا ليال قلائل
وقلت لهم: للشيخ فينا مشيئة
فليس لنا من دهرنا ما ننازل
وجمعت فيه بين ثقة الزبيدي بالصمصامة، والحارث بالنعامة؛ فلم أقل ما قال الهذلي لصاحبه حين نسي وعده، وحجب رفده:
يا دار عاتكة التي أتعزل
بل أناديه نداء الأخيذة في عمورية، شجاع الدولة العباسية؛ وأمد صوتي بذكر إحسانه، مد المؤذن صوته في أذانه؛ وأعتمد عليه في البعد والقرب، اعتماد الملاح على نجمة القطب.
وقال أصيحابي وقد هالني النوى
وهالهم أمري: متى أنت قافل؟
فقلت: إذا شاء الإمام فأوبتي
قريب وربعي بالسعادة آهل
وهأنا متماسك حتى تنحسر هذه الغمرة، وينطوي أجل تلك الفترة؛ وينظر لي سيدي نظرة ترفعني من ذات الصدع، إلى ذات الرجع؛ وتردني إلى وكري الذي فيه درجت رد الشمس قطرة المزن إلى أصلها، ورد الوفي الأمانات إلى أهلها.
فإن شاء فالقرب الذي قد رجوته
وإن شاء فالعز الذي أنا آمل
وإلا فإني قاف (رؤبة) لم أزل
بقيد النوى حتى تغول الغوائل
فلقد حللت السودان حلول الكليم في التابوت، والمغاضب في جوف الحوت؛ بين الضيق والشدة، والوحشة والوحدة. لا، بل حلول الوزير في تنور العذاب والكافر في موقف يوم الحساب؛ بين نارين: نار القيظ، ونار الغيظ.
فناديت باسم الشيخ والقيظ جمره
يذيب دماغ الضب والعقل ذاهل
فصرت كأني بين روض ومنهل
تدب الصبا فيه وتشدو البلابل
واليوم أكتب إليه وقد قعدت همة النجمين، وقصرت يد الجديدين؛ عن إزالة ما في نفس ذلك الجبار العنيد، فلقد نمى ضب ضغنه علي، وبدرت بوادر السوء منه إلي؛ فأصبحت كما سر العدو وساء الحميم، وآلامي كأنها جلود أهل الجحيم، كلما نضج منها أديم تجدد أديم؛ وأمسيت وملك آمالي إلى الزوال أسرع من أثر الشهاب في السماء، ودولة صبري إلى الاضمحلال أحث من حباب الماء؛ فنظرت في وجوه تلك العباد، وإني لفارس العين والفؤاد؛ فلم تقف فراستي على غير بابك.
وإني أهديك سلاما لو امتزج بالسحاب، واختلط منه باللعاب؛ لأصبحت تتهادى بقطره الأكاسره، وأمست تدخر منه الرهبان في الأديرة؛ ولأغنى ذات الحجاب، عن الغالية والملاب؛ ولا بدع إذا جاد السيد بالرد، فقد يرى وجه المليك في المرآة، وخيال القمر في الأضاة؛ وإن حال حائل، دون أمنية هذا السائل؛ فهو لا يذم يومك، ولا ييأس من غدك؛ فأنت خير ما تكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا؛ والسلام.
المراثي
(1) رثاء عثمان السيد أباظه بك سنة 1986م
ردا كئوسكما عن شبه مفؤود
فليس ذلك يوم الراح والعود
يا ساقيي أراني قد سكنت إلى
ماء المدامع عن ماء العناقيد
وبت يرتاح سمعي حين يفتقه
صوت النوادب لا صوت الأغاريد
فأمسكا الراح إني لا أخامرها
وبلغا الغيد عني سلوة الغيد
ثم أمضيا ودعاني إنني رجل
قد آل أمري إلى هم وتسهيد
أبعد (عثمان) أبغي مأربا حسنا
من الحياة وحظا غير منكود؟
إني ليحزنني أن جاء ينشده
داعي المنون وأني غير منشود
أمست تنافس فيك الشهب من شرف
أرض تواريت فيها يا فتى الجود
لو لم تكن سبقتك الأنبياء لها
قلنا بأنك فيها خير ملحود
وودت الريح لو كانت مسخرة
لحمل نعشك عن هام الأماجيد
والشمس لو أنها من أفقها هبطت
وآثرت معك سكنى القفر والبيد
وقد تمنى الضحى لو أنهم درجوا
هذا الفقيد بثوب منه مقدود
يا راحلا أكبرتك الحادثات وما
أكبرتها عند تليين وتشديد
أبكيت حتى العلا والمكرمات وما
جفت عليك مآقي الحرد الخود
وبات آلك والأصحاب كلهم
عليك ما بين محزون ومعمود
يبكون فقد امرئ للخير منتسب
بالبشر منتقب في الناس محمود (بني أباظة) لا زالت دياركم
أفق البدور وغابا للصناديد
لا قدر الله بعد اليوم تعرية
إلا هناء على عز وتخليد
وعظم الله في (عثمان) أجركم
في رحمة الله أمسى خير مغمود (2) رثاء سليمان أباظه باشا (قيلت في سنة 1897م)
أيهذا الثرى إلام التمادي
بعد هذا أأنت غرثان صادي
أنت تروى من مدمع كل يوم
وتغذى من هذه الأجساد
قد جعلت الأنام زادك في الده
ر وقد آذن الورى بالنفاد
فالتمس بعده المجرة وردا
وتزود من النجوم بزاد
لست أدعوك بالتراب ولكن
بقدود الملاح والأجياد
بخدود الحسان، بالأعين النج
ل، بتلك القلوب والأكباد
لم تلدنا (حواء) إلا لنشقى
ليتها عاطل من الأولاد
أسلمتنا على صروف زمان
ثم لم توصها بحفظ الوداد
أيها اليم كم بقاعك نفس
فيك أودت من عهد ذي الأوتاد
قد تحالفت والتراب علينا
وتقاسمتما فناء العباد
خبرينا جهين لا تكذبينا
ما الذي يفعل البلى بالجواد؟
كيف أمسى وكيف أصبح فيه
ذلك المنعم الكثير الرماد
رحم الله منه لفظا شهيا
كان أحلى من رد كيد الأعادي
رحم الله منه طرفا تقيا
ويمينا تسيل سيل الغوادي
رحم الله منه شهما وفيا
كان ملء العيون في كل نادي
ألهم الله فيك صبرا جميلا
كل من بات ناطقا بالضاد
بت في حلة النعيم وبتنا
في ثياب من الأسى والسهاد
وسكنت القصور في بيت خلد
وسكنا عليك بيت الحداد
وقال يرثيه أيضا:
لا والأسى وتلهب الأحشاء
ما بات بعدك معجب فوفاء
أني حللت أرى عليك مآتما
فلمن أوجه فيك حسن عزائي؟
لبنيك، أم لذويك، أم للكون، أم
للدهر، أم لجماعة الجوزاء؟
أودى (سليمان) فأودى بعده
حسن الوفاء وبهجة العلياء
لا تحملوه على الرقاب فقد كفى
ما حملت من منة وعطاء
وذروا على نهر المدامع نعشه
يسري به للروضة الفيحاء
تالله لو علمت به أعواده
مذ لامسته لأورقت للرائي
خلق كضوء البدر، أو كالروض، أو
كالزهر، أو كالخمر، أو كالماء
وشمائل لو مازجت طبع الدجى
ما بات يشكوه المحب النائي
ومحامد نسجت له أكفانه
من عفة، وسماحة، وإباء
ومناقب لولا المهابة والتقى
قلنا مناقب صاحب الإسراء
وعزائم كانت تفل عزائم ال
أحداث، والأيام، والأعداء
عطلت فن الشعر بعدك وانطوى
أجل القريض وموسم الشعراء
والللؤ استعصى علينا نظمه
بسموط مدح أو سموط هناء
إلا على طرف بكاك وشاعر
أحيا عليك مراثي الخنساء
شوقتنا للترب بعدك واشتهى
فيه الإقامة واحد العذراء
ثبت فؤادك يا قليل تصبري
واشرح (لآل أباظة) برحائي
في جنة الفردوس بات عزيزهم
ضيفا بساحة أكرم الكرماء (3) رثاء الملكة فكتوريا (نشرت في 24 يناير سنة 1901م)
أعزي القوم لو سمعوا عزائي
وأعلن في مليكتهم رثائي
وأدعو الإنجليز إلى الرضاء
بحكم الله جبار السماء
فكل العالمين إلى فناء
أشمس الملك أم شمس النهار
هوت أم تلك مالكة البحار
فطرف الغرب بالعبرات جاري
وعين اليم تنظر للبخار
بنظرة واجد قلق الرجاء
أمالكة البحار ولا أبالي
إذا قالوا تغالى في المقال
فمثل علاك لم أر في المعالي
ولا تاجا كتاجك في الجلال
ولا قوما كقومك في الدهاء
ملأت الأرض أعلاما وجندا
وشدت لأمة (السكسون) مجدا
وكنت لفألها يمنا وسعدا
ترى في نور وجهك إن تبدى
سعود البدر في برج الهناء
وكنت إذا عمدت لأخذ ثار
أسلت البر بالأسد الضواري
وسيرت المدائن في البحار
وأمطرت العدو شواظ نار
وذريت المعاقل في الهواء
أعزي فيك تاجك والسريرا
أعزي فيك ذا الملك الكبيرا
أعزي فيك ذا الأسد الهصورا
على العلم الذي ملك الدهورا
وظلل تحته أهل الولاء
أعزي فيك أبطال النزال
ومن قاسوا الشدائد في القتال
وألقوا بالعدو إلى الوبال
ولم يمنعهم فوق الجبال
لهيب الصيف أو قر الشتاء (4) بيتان كتبا على قبر السيد عبد الرحمن الكواكبي (في سنة 1902)
هنا رجل الدنيا، هنا مهبط التقى
هنا خير مظلوم، هنا خير كاتب
قفوا واقرءوا أم الكتاب وسلموا
عليه فهذا القبر قبر (الكواكبي) (5) رثاء محمود سامي البارودي باشا (نشرت في 22 يناير سنة 1905م)
ردوا علي بياني بعد (محمود)
إني عييت وأعيا الشعر مجهودي
ما للبلاغة غضبى لا تطاوعني
وما لحبل القوافي غير ممدود؟
ظنت سكوتي صفحا عن مودته
فأسلمتني إلى هم وتسهيد
ولو درت أن هذا الخطب أفحمني
لأطلقت من لساني كل معقود
لبيك يا مؤنس الموتى وموحشنا
يا فارس الشعر والهيجاء والجود
ملك القلوب - وأنت المستقل به -
أبقى على الدهر من ملك (ابن داود)
لقد نزحت عن الدنيا كما نزحت
عنها لياليك من بيض ومن سود
أغمضت عينيك عنها وازدريت بها
قبل الممات ولم تحفل بموجود
لبيك يا شاعرا ضن الزمان به
على النهى والقوافي والأناشيد
تجري السلاسة في أثناء منطقه
تحت الفصاحة جري الماء في العود
في كل بيت له ماء يرف به
تغار من ذكره ماء العناقيد
لو حنطوك بشعر أنت قائله
غنيت عن نفحات المسك والعود
حليته بعد أن هذبته بسنا
عقد بمدح رسول الله منضود
كفاك زادا وزينا أن تسير إلى
يوم الحساب وذاك العقد في الجيد
لبيك يا خير من هز اليراع ، ومن
هز الحسام، ومن لبى، ومن نودي
إن هد ركنك منكوبا فقد رفعت
لك الفضيلة ركنا غير مهدود
إن المناصب في عزل وتولية
غير المواهب في ذكر وتخليد
أكرم بها زلة في العمر واحدة
إن صح أنك فيها غير محمود
سلوا الحجا هل قضت أربابه وطرا
دون المقادير أو فازت بمقصود
كنت الوزير وكنت المستعان به
وكان همك هم القادة الصيد
كم وقفة لك والأبطال طائرة
والحرب تضرب صنديدا بصنديد
تقول للنفس إن جاشت إليك بها
هذا مجالك سودي فيه أو بيدي
نسخت (يوم كريد) كل ما نقلوا
في يوم (ذي قار) عن (هاني بن مسعود)
نظمت أعداك في سلك الفناء به
على روي ولكن غير معهود
كأنهم كلم والموت قافية
يرمي به عربي غير رعديد
أودى (المعري) تقي الشعر مؤمنه
فكاد صرح المعالي بعده يودي
وأوحش الشرق من فضل ومن أدب
وأقفر الروض من شدو وتغريد
وأصبح الشعر والأسماع تنبذه
كأنه دسم في جوف ممعود
ألوى به الضعف واسترخت أعنته
فراح يعثر في حشو وتعقيد
وأنكرت نسمات الشوق مربعه
تثيرها خطرات الخرد الخود
لو أنصفوا أودعوه جوف لؤلؤة
من كنز حكمته لا جوف أخدود
وكفنوه بدرج من صحائفه
أو واضح من قميص الصبح مقدود
وأنزلوه بأفق من مطالعه
فوق الكواكب لا تحت الجلاميد
وناشدوا الشمس أن تنعى محاسنه
للشرق والغرب والأمصار والبيد
أقول للملإ الغادي بموكبه
والناس ما بين مكبود ومفؤود
غضوا العيون فإن الروح يصحبكم
مع الملائك تكريما (لمحمود)
يا ويح للقبر قد أخفى سنا قمر
مقسم الوجه محسود التجاليد
يا ويحه حل فيه ذو قريحته
لها بخدر المعالي ألف مولود
فرائد خرد لو شاء أودعها
محصي الجديد سجلات المواليد
كأنها وهي بالألفاظ كاسية
وحسنها بين مشهود ومحسود
لآلئ خلف بلور قد اتسقت
في بيت دهقان تستهوي نهى الغيد (محمود) إني لأستحييك في كلمي
حيا وميتا وإن أبدعت تقصيدي
فاعذر قريضي واعذر فيك قائله
كلاهما بين مضعوف ومحدود (6) رثاء الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (نشرت في 22 أغسطس سنة 1905م)
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
على الدين والدنيا، على العلم والحجا
على البر والتقوى، على الحسنات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
فوا لهفي - والقبر بيني وبينه -
على نظرة من تلكم النظرات
وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا
كأني حيال القبر في عرفات
لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا
تجاليده في موحش بفلاة
ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا
بخير بقاع الأرض خير رفات
تباركت هذا الدين دين محمد
أيترك في الدنيا بغير حماة؟
تباركت هذا عالم الشرق قد قضى
ولانت قناة الدين للغمزات
زرعت لنا زرعا فأخرج شطأه
وبنت ولما نجتن الثمرات
فواها له ألا يصيب موفقا
يشارفه والأرض غير موات
مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا
فردت إلى أعطافنا صفرات
وجالت بنا تبغي سواك عيوننا
فعدن وآثرن العمى شرقات
وآذوك في ذات الإله وأنكروا
مكانك حتى سودوا الصفحات
رأيت الأذى في جانب الله لذة
ورحت ولم تهمم له بشكاة
لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب
ومعرفة في أنفس نكرات
أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة
وفرقت بين النور والظلمات
ووفقت بين الدين والعلم والحجا
فأطلعت نورا من ثلاث جهات
وقفت (لهانوتو) و(رينان) وقفة
أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف
فخافك أهل الشك والنزعات
وكم لك في إغفاءة الفجر يقظة
نفضت عليها لذة الهجعات
ووليت شطر البيت وجهك خاليا
تناجي إله البيت في الخلوات
وكم ليلة عاندت في جوفها الكرى
ونبهت فيها صادق العزمات
وأرصدت للباغي على دين أحمد
شباة يراع ساحر النفثات
إذا مس خد الطرس فاض جبينه
بأسطار نور باهر اللمعات
كأن قرار الكهرباء بشقه
يريك سناه أيسر اللمسات
فيا سنة مرت بأعواد نعشه
لأنت علينا أشأم السنوات
حطمت لنا سيفا، وعطلت منبرا
وأذويت روضا ناضر الزهرات
وأطفأت نبراسا وأشعلت أنفسا
على جمرات الحزن منطويات
رأى في لياليك المنجم ما رأى
فأنذرنا بالويل والعثرات
ونبأه علم النجوم بحادث
تبيت له الأبراج مضطربات
رمى السرطان الليث والليث خادر
ورب ضعيف نافذ الرميات
فأودى به ختلا فمال إلى الثرى
ومالت له الأجرام منحرفات
وشاعت تعازي الشهب باللمح بينها
عن النير الهاوي إلى الفلوات
مشى نعشه يختال عجبا بربه
ويخطر بين اللمس والقبلات
تكاد الدموع الجاريات تقله
وتدفعه الأنفاس مستعرات
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي (مصر) باك دائم الحسرات
وفي الشأم مفجوع، وفي الفرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات
ملاذ عيايل ثمال أرامل
غياث ذوي عدم إمام هداة
فلا تنصبوا للناس تمثال (عبده)
وإن كان ذكرى حكمة وثبات
فإني لأخشى أن يضلوا فيومئوا
إلى نور هذا الوجه بالسجدات
فيا ويح للشورى إذا جد جدها
وطاشت بها الآراء مشتجرات
ويا ويح للفتيا إذا قيل من لها؟
ويا ويح للخيرات والصدقات
بكينا على فرد وإن بكاءنا
على أنفس لله منقطعات
تعهدها فضل الإمام وحاطها
بإحسانه والدهر غير مواتي
فيا منزلا في (عين شمس) أظلني
وأرغم حسادي وغم عداتي
دعائمه التقوى وآساسه الهدى
وفيه الأيادي موضع اللبنات
عليك سلام الله، ما لك موحشا
عبوس المغاني مقفر العرصات؟!
لقد كنت مقصود الجوانب آهلا
تطوف بك الآمال مبتهلات
مشابة أرزاق، ومهبط حكمة
ومطلع أنوار، وكنز عظات (7) رثاء مصطفى كامل باشا (نشرت في 12 فبراير سنة1908)
أيا قبر هذا الضيف آمال أمة
فكبر وهلل والق ضيفك جاثيا
عزيز علينا أن نرى فيك (مصطفى)
شهيد العلا في زهرة العمر ذاويا
أيا قبر لو أنا فقدناه وحده
لكان التأسي من جوى الحزن شافيا
ولكن فقدنا كل شيء بفقده
وهيهات أن يأتي به الدهر ثانيا
فيا سائلي أين المروءة والوفا
وأين الحجا والرأي؟ ويحك هاهيا
هنيئا لهم فليأمنوا كل صائح
فقد أسكت الصوت الذي كان عاليا
ومات الذي أحيا الشعور وساقه
إلى المجد فاستحيا النفوس البواليا
مدحتك لما كنت حيا فلم أجد
وإني أجيد اليوم فيك المراثيا
عليك، وإلا ما لذا الحزن شاملا
وفيك، وإلا ما لذا الشعب باكيا
يموت المداوي للنفوس ولا يرى
لما فيه من داء النفوس مداويا
وكنا نياما حينما كنت ساهدا
فأسهدتنا حزنا وأمسيت غافيا
شهيد العلا، لا زال صوتك بيننا
يرن كما قد كان بالأمس داويا
يهيب بنا: هذا بناء أقمته
فلا تهدموا بالله ما كنت بانيا
يصيح بنا: لا تشعروا الناس أنني
قضيت وأن الحي قد بات خاليا
يناشدنا بالله ألا تفرقوا
وكونوا رجالا لا تسروا الأعاديا
فروحي من هذا المقام مطلة
تشارفكم عني وإن كنت باليا
فلا تحزنوها بالخلاف فإنني
أخاف عليكم في الخلاف الدواهيا
أجل، أيها الداعي إلى الخير إننا
على العهد ما دمنا فنم أنت هانيا
بناؤك محفوظ، وطيفك ماثل
وصوتك مسموع، وإن كنت نائيا
عهدناك لا تبكي وتنكر أن يرى
أخو البأس في بعض المواطن باكيا
فرخص لنا اليوم البكاء وفي غد
ترانا كما تهوى جبالا رواسيا
فيا نيل إن لم تجر بعد وفاته
دما أحمرا لا كنت يا نيل جاريا
ويا (مصر) إن لم تحفظي ذكر عهده
إلى الحشر لا زال انحلالك باقيا
ويأهل (مصر) إن جهلتم مصابكم
ثقوا أن نجم السعد قد غار هاويا
ثلاثون عاما بل ثلاثون درة
بجيد الليالي ساطعات زواهيا
ستشهد في التاريخ أنك لم تكن
فتى مفردا بل كنت جيشا مغازيا (8) رثاء مصطفى كامل باشا أيضا
أنشدها في حفل الأربعين في 20 مارس سنة 1908م
نثروا عليك نوادي الأزهار
وأتيت أنثر بينهم أشعاري
زين الشباب وزين طلاب العلا
هل أنت بالمهج الحزينة داري؟
غادرتنا والحادثات بمرصد
والعيش عيش مذلة وإسار
ما كان أحوجنا إليك إذا عدا
عاد وصاح الصائحون: بدار
أين الخطيب وأين خلاب النهى؟
طال انتظار السمع والأبصار
بالله ما لك لا تجيب مناديا
ماذا أصابك يا أبا المغوار
قم وامح ما حطت يمين (كرومر)
جهلا بدين الواحد القهار
قد كنت تغضب للكنانة كلما
همست وهم رجاؤها بعثار
غضب التقي لربه وكتابه
أو غضبة (الفاروق للمختار)
قد ضاق جسمك عن مداك فلم يطق
صبرا عليك وأنت شعلة نار
أودى به ذاك الجهاد وهده
عزم يهد جلائل الأخطار
لعبت يمينك باليراع فأعجزت
لعب الفوارس بالقنا الخطار
وجريت للعلياء تبغي شأوها
فجرى القضاء وأنت في المضمار
أو كلما هز الرجاء مهندا
بدرت إليه غوائل الأقدار
عز القرار علي ليلة نعيه
وشهدت موكبه فقر قراري
وتسابقت فيه النعاة فطائر
بالكهرباء، وطائر ببخار
شاهدت يوم الحشر يوم وفاته
وعلمت منه مراتب الأقدار
ورأيت كيف تفي الشعوب رجالها
حق الولاء وواجب الإكبار
تسعون ألفا حول نعشك خشع
يمشون تحت (لوائك) السيار
خطوا بأدمعهم على وجه الثرى
للحزن أسطارا على أسطار
آنا يوالون الضجيج كأنهم
ركب الحجيج بكعبة الزوار
وتخالهم آنا لفرط خشوعهم
عند المصلى ينصتون لقاري
غلب الخشوع عليهم فدموعهم
تجري بلا كلح ولا استنثار
قد كنت تحت دموعهم وزفيرهم
ما بين سيل دافق وشرار
أسعى فيأخذني اللهيب فأنثني
فيصدني متدفق التيار
لو لم ألذ بالنعش أو بظلاله
لقضيت بين مراجل وبحار
كم ذات خدر يوم طاف بك الردى
هتكت عليك حرائر الأستار
سفرت تودع أمة محمولة
في النعش لا خبرا من الأخبار
أمنت عيون الناظرين فمزقت
وجه الخمار فلم تلذ بخمار
قد قام ما بين العيون وبينها
ستر من الأحزان والأكدار
أدرجت في العلم الذي أصفيته
منك الوداد فكان خير شعار
علمان من فوق الرءوس كلاهما
في طيه سر من الأسرار
ناداهما داعي الفراق فأمسيا
يتعانقان على شفير هاري
تالله ما جزع المحب ولا بكى
لنوى مروعة وبعد مزار
جزع (الهلال) عليك يوم تركته
ما بين حر أسى وحر أوار
متلفتا متحيرا متخيرا
رجلا يناضل عنه يوم فخار
إن الثلاثين التي بك فاخرت
باتت تقاس بأطول الأعمار
ضمت إلى التاريخ بضع صحائف
بيضاء مثل صحائف الأبرار
شبهتهن بنقطة عطرية
وسعت محصل روضة معطار
خلفتها كالمشق يحذو حذوها
راجي الوصول ومقتفي الآثار
ماذا على الساري - وهن منائر -
لو سار بين مجاهل وقفار
ما زلت تختار المواقف وعرة
حتى وقفت لذلك الجبار
وهدمت سورا قد أجاد بناءه
فرعون ذو الأوتاد والأنهار
ووصلت بين شكاتنا ومشايخ
في (البرلمان) أعزة أخيار
كشفوا الغطاء عن العيون فأبصروا
ما في الكنانة من أذى وضرار
نبذوا كلام (اللرد) حين تبينوا
خنق المغيظ ولهجة الثرثار
ورماهم بمجلدين رموهما
في رتبة الأصفار لا الأسفار
واها على تلك المواقف إنها
كانت مواقف ليث غاب ضاري
لم يلوه عنها الوعيد ولا ثنى
من عزمه قول المريب: حذار
فاهنأ بمنزلك الجديد ونم به
في غبطة وانعم بخير جوار
واستقبل الأجر الكبير جزاء ما
ضحيت للأوطان من أوطار
نعم الجزاء ونعم ما بلغته
في منزليك ونعم عقبى الدار (9) رثاء قاسم أمين بك (نشرت في 6 يونيه سنة 1908م)
لله درك كنت من رجل
لو أمهلتك غوائل الأجل
خلق كأنفاس الرياض إذا
أسحرن غب العارض الهطل
وشمائل لو أنها مزجت
بطبائع الأيام لم تحل
جم المحامد غير متهم
جم التواضع غير مبتذل
يا دولة الأخلاق رافلة
من (قاسم) في أبهج الحلل
كيف انطويت به على عجل
أكذا تكون مصارع الدول؟
يا طالعا للشرق لج به
نحس النحوس فقر في (زحل)
هلا وصلت سراك منتقلا
عل السعود تكون في النقل
مالي أرى الأجداث حالية
وأرى ربوع النيل في عطل
فإذا الكنانة أطلعت رجلا
طاح القضاء بذلك الرجل
أو كلما أرسلت مرثية
من أدمعي في إثر مرتحل
هاجت بي الأخرى دفين أسى
فوصلت بين مدامع المقل
إن خانني فيما فجعت به
شعري فهذا الدمع يشفع لي
ولقد أقول وما يطاولني
عند البديهة قول مرتجل:
يا مرسل الأمثال يضربها
قد عز بعدك مرسل المثل
يا رائش الآراء صائبة
يرمي بهن مقاتل الخطل
لله آراء شأوت بها
في الخالدين نوابغ الأول
قد كنت أشقانا بنا وكذا
يشقى الأبي بصحبة الوكل
لهفي عليك قضيت مرتجلا
لم تشك، لم تستوص، لم تقل
غل القضاء يد القضاء فذا
يبكي عليك وذاك في جذل
شغلتك عن دنياك أربعة
والمرء من دنياه في شغل:
حق تناصره ومفخرة
تمشي إليها غير منتحل
وحقائق للعلم تنشدها
ما للحكيم بهن من قبل
وفضيلة أعيت سواك فلم
تمدد إليه يدا ولم يصل
إن ريت رأيا في الحجاب ولم
تعصم، فتلك مراتب الرسل
الحكم للأيام مرجعه
فيما رأيت فنم ولا تسل
وكذا طهاة الرأي تتركه
للدهر ينضجه على مهل
فإذا أصبت فأنت خير فتى
وضع الدواء مواضع العلل
أو لا، فحسبك ما شرفت به
وتركت في دنياك من عمل
واها على دار مررت بها
قفرا وكانت ملتقى السبل
أرخصت فيها كل غالية
وذكرت فيها وقفة الطلل
ساءلتها عن (قاسم) فأبت
رد الجواب فرحت في خبل
متعثرا ينتابني وهن
مترنحا كالشارب الثمل
متذكرا يوم (الإمام) به
يوم انتويت بذلك البطل
يوم احتسبت - وكنت ذا أمل -
تحت التراب بقية الأمل
جاور أحبتك الألى ذهبوا
بالعزم والإقدام والعمل
واذكر لهم حاج البلاد إلى
تلك النهى في الحادث الجلل
قل (للإمام) إذا التقيت به
في الجنتين بأكرم النزل:
إن الحقيقة أصبحت هدفا
للراكبين مراكب الزلل
لله آثار لكم خلدت
صاح الزوال بها فلم تزل
لله أيام لكم درجت
طالت عوارفها ولم تطل
نعم الظلال لو انها بقيت
أو أن ظلا غير منتقل (10) ذكرى مصطفى كامل باشا (نشرت في 12 فبراير سنة 1909م)
أنشدها في الحفل الذي أقيم عند قبره لإحياء ذكراه الأولى
طوفوا بأركان هذا القبر واستلموا
واقضوا هنالك ما تقضي به الذمم
هنا جنان تعالى الله بارئه
ضاقت بآماله الأقدار والهمم
هنا فم وبنان لاح بينهما
في الشرق فجر تحيي ضوءه الأمم
هنا فم وبنان طالما نثرا
نثرا تسير به الأمثال والحكم
هنا الكمي الذي شادت عزائمه
لطالب الحق ركنا ليس ينهدم
هنا الشهيد، هنا رب اللواء هنا
حامي الذمار، هنا الشهم الذي علموا
يأيها النائم الهاني بمضجعه
ليهنك النوم لا هم ولا سقم
باتت تسائلنا في كل نازلة
عنك المنابر والقرطاس والقلم
تركت فينا فراغا ليس يشغله
إلا أبي ذكي القلب مضطرم
منفر النوم سباق لغايته
آثاره عمم آماله أمم
إني أرى وفؤادي ليس يكذبني
روحا يحف بها الإكبار والعظم
أرى جلالا، أرى نورا، أرى ملكا
أرى محيا يحيينا ويبتسم
الله أكبر، هذا الوجه أعرفه
هذا فتى النيل هذا المفرد العلم
غضوا العيون وحيوه تحيته
من القلوب إذا لم تسعد الكلم
وأقسموا أن تذودوا عن مبادئه
فنحن في موقف يحلو به القسم
لبيك نحن الألى حركت أنفسهم
لما سكنت ولما غالك العدم
جئنا نؤدي حسابا عن مواقفنا
ونستمد ونستعدي ونحتكم
قيل اسكتوا فسكتنا ثم أنطقنا
عسف الجفاة وأعلى صوتنا الألم
قد اتهمنا ولما نطلب جللا
إن الضعيف على الحالين متهم
قالوا: لقد ظلموا بالحق أنفسهم
والله يعلم أن الظالمين هم
إذا سكتنا تناجوا: تلك عادتهم
وإن نطقنا تنادوا: فتنة عمم
قد مر عام بنا والأمر يحزبنا
آنا وآونة تنتابنا النقم
فالناس في شدة والدهر في كلب
والعيش قد حار فيه الحاذق الفهم
وللسياسة فينا كل آونة
لون جديد وعهد ليس يحترم
بينا نرى جمرها تخشى ملامسه
إذا به عند لمس المصطلي فحم
تصغي لأصواتنا طورا لتخدعنا
وتارة يزدهيها الكبر والصمم
فمن ملاينة أستارها خدع
إلى مصالبة أستارها وهم
ماذا يريدون؟ لا قرت عيونهم
إن الكنانة لا يطوي لها علم
كم أمة رغبت فيها فما رسخت
لها - على حولها - في أرضها قدم
ما كان ربك (رب البيت) تاركها
وهي التي بحبال منه تعتصم
لبيك إنا على ما كنت تعهده
حتى نسود وحتى تشهد الأمم
فيعلم النيل أنا خير من وردوا
ويستطيل اختيالا ذلك الهرم
هذا الغراس الذي واليت منبته
بخير ما والت الأضواء والنسم
أمسى وأضحى وعين الله تحرسه
حتى نما وحلاه المجد والشمم
فانظر إليه وقد طالت بواسقه
تهنأ به ولأنف الحاسد الرغم
يأيها النشء سيروا في طريقته
وثابروا، رضي الأعداء أو نقموا
فكلكم (مصطفى) لو سار سيرته
وكلكم (كامل) لو جازه السأم
قد كان لا وانيا يوما ولا وكلا
يستقبل الخطب بساما ويقتحم
وأنت يا قبر قد جئنا على ظمإ
فجد لنا بجواب، جادك الديم
أين الشباب الذي أودعت نضرته
أين الخلال - رعاك الله - والشيم؟
وما صنعت بآمال لنا طويت
يا قبر فيك وعفى رسمها القدم؟
ألا جواب يروي من جوانحنا
ما للقبور إذا ما نوديت تجم؟
نم أنت، يكفيك ما عانيت من تعب
فنحن في يقظة والشمل ملتئم
هذا (لواؤك) خفاق يظللنا
وذاك شخصك في الأكباد مرتسم (11) رثاء تولستوي (نشرت في نوفمبر سنة 1910م)
رثاك أمير الشعر في الشرق وانبرى
لمدحك من كتاب مصر كبير
ولست أبالي حين أرثيك بعده
إذا قيل عني قد رثاه صغير
فقد كنت عونا للضعيف وإنني
ضعيف ومالي في الحياة نصير
ولست أبالي حين أبكيك للورى
حوتك جنان أم حواك سعير
فإني أحب النابغين لعلمهم
وأعشق روض الفكر وهو نضير
دعوت إلى عيسى فضجت كنائس
وهز لها عرش وماد سرير
وقال أناس إنه قول ملحد
وقال أناس إنه لبشير
ولولا حطام رد عنك كيادهم
لضقت به ذرعا وساء مصير
ولكن حماك العلم والرأي والحجا
ومال - إذا جد النزال - وفير
إذا زرت رهن المحبسين بحفرة
بها الزهد ثاو والذكاء ستير
وأبصرت أنس الزهد في وحشة البلى
وشاهدت وجه الشيخ وهو منير
وأيقنت أن الدين لله وحده
وأن قبور الزاهدين قصور
فقف ثم سلم واحتشم إن شيخنا
مهيب على رغم الفناء وقور
وسائله عما غاب عنك فإنه
عليم بأسرار الحياة بصير
يخبرك الأعمى وإن كنت مبصرا
بما لم تخبر أحرف وسطور
كأني بسمع الغيب أسمع كل ما
يجيب به أستاذنا ويحير
يناديك: أهلا بالذي عاش عيشنا
ومات ولم يدرج إليه غرور
قضيت حياة ملؤها البر والتقى
فأنت بأجر المتقين جدير
وسموك فيهم فيلسوفا وأمسكوا
وما أنت إلا محسن ومجير
وما أنت إلا زاهد صاح صيحة
يرن صداها ساعة ويطير
سلوت عن الدنيا ولكنهم صبوا
إليها بما تعطيهم وتمير
حياة الورى حرب وأنت تريدها
سلاما وأسباب الكفاح كثير
أبت سنة العمران إلا تناحرا
وكدحا ولو أن البقاء يسير
تحاول رفع الشر والشر واقع
وتطلب محض الخير وهو عسير
ولولا امتزاج الشر بالخير لم يقم
دليل على أن الإله قدير
ولم يبعث الله النبيين للهدى
ولم يتطلع للسرير أمير
ولم يعشق العلياء حر ولم يسد
كريم ولم يرج الثراء فقير
ولو كان فينا الخير محضا لما دعا
إلى الله داع أو تبلج نور
ولا قيل هذا فيلسوف موفق
ولا قيل هذا عالم وخبير
فكم في طريق الشر خير ونعمة
وكم في طريق الطيبات شرور
ألم تر أني قمت قبلك داعيا
إلى الزهد لا يأوي إلي ظهير
أطاعوا (أبيقورا) و(سقراط) قبله
وخولفت فيما أرتئي وأشير
ومت وما ماتت مطامع طامع
عليها ولا ألقى القياد ضمير
إذا هدمت للظلم دور تشيدت
له فوق أكتاف الكواكب دور
أفاض كلانا في النصيحة جاهدا
ومات كلانا والقلوب صخور
فكم قيل عن كهف المساكين: باطل
وكم قيل عن شيخ (المعرة) زور
وما صد عن فعل الأذى قول مرسل
وما راع مفتون الحياة نذير (12) رثاء رياض باشا (نشرت في 29 يوليه سنة 1911م)
أنشدها على قبره في حفل الأربعين (رياض) أفق من غمرة الموت واستمع
حديث الورى عن طيب ما كنت تصنع
أفق واستمع مني رثاء جمعته
تشاركني فيه البرية أجمع
لتعلم ما تطوي الصدور من الأسى
وتنظر مقروح الحشا كيف يجزع
لئن تك قد عمرت دهرا لقد بكى
عليك مع الباكي خلائق أربع:
مضاء وإقدام وحزم وعزمة
من الصارم المصقول أمضى وأقطع
رحمت، فما جاه ينوه في العلا
بصاحبه إلا وجاهك أوسع
ولا قام في أيامك البيض ماجد
ينازعك الباب الذي كنت تقرع
إذا قيل: من للرأي في الشرق أومأت
إلى رأيك الأعلى من الغرب إصبع
وإن طلعت في (مصر) شمس نباهة
فمن بيتك المعمور تبدو وتطلع
حكمت فما حكمت في قصدك الهوى
طريقك في الإنصاف والعدل مهيع
وقد كنت ذا بطش ولكن تحته
نزاهة نفس في سبيلك تشفع
وقفت (لإسماعيل) والأمر أمره
وفي كفه سيف من البطش يلمع
إذا صاح لباه القضاء وأسرعت
إلى بابه الأيام، والناس خشع
يذل - إذا شاء - العزيز وترتئي
إرادته رفع الذليل فيرفع
ففي كرة من لحظه وهو عابس
تدك جبال لم تكن تتزعزع
وفي كرة من لحظه وهو باسم
تسيل بحار بالعطاء فتمرع
فما أغلب شاكي العزيمة أروع
يصارعه في الغاب أغلب أروع
بأجرأ من ذاك الوزير مصادما
إرادة (إسماعيل) والموت يسمع
وفي الثورة الكبرى وقد أحدقت بنا
صروف الليالي والمنية مشرع
نظرت إلى (مصر) فساءك أن ترى
حلاها بأيدي المستطيلين تنزع
ولم تستطع صبرا على هتك خدرها
ففارقتها أسوان والقلب موجع
وعدت إليها حين ناداك نيلها:
أقل عثرتي؛ فالقوم في الظلم أبدعوا
فكنت (أبا محمود) غوثا وعصمة
إليك دعاة الحق تأوي وتفزع
وكم نابغ في أرض (مصر) حميته
ومثلك من يحمي الكريم ويمنع
رعيت (جمال الدين) ثم اصطفيته
فأصبح في أفياء جاهك يرتع
وقد كان في دار الخلافة ثاويا
وفي صدره كنز من العلم مودع
فجئت به والناس قد طال شوقهم
إلى ألمعي بالبراهين يصدع
فحرك من أفهامهم وعقولهم
وعاودهم ذاك الذكاء المضيع
ووليت تحرير الوقائع (عبده)
فجاء بما يشفي الغليل وينقع
وكانت لرب الناس فيه مشيئة
فأمست إليه الناس في الحق ترجع
وجاءوا (بإبراهيم) في القيد راسفا
عليه من الإملاق ثوب مرقع
فألفيت ملء الثوب نفسا طموحة
إلى المجد من أطمارها تتطلع
فأطلقته من قيده وأقلته
وما كان في تلك السعادة يطمع
وكم لك في (مصر) وفي (الشأم) من يد
لها أين حلت نفحة تتضوع
رفعت عن الفلاح عبء ضريبة
ينوء بها أيام لا غوث ينفع
وأرهبت حكام الأقاليم فارعووا
وكانوا أناسا في الجهالة أوضعوا
فخافوك حتى لو تناجوا بنجوة
لخالوا (رياضا) فوقهم يتسمع
أقمت عليهم زاجرا من نفوسهم
إذا سولت أمرا لهم قام يردع
سل الناس أيام الرشا مستفيضة
وأيام لا تجني الذي أنت تزرع
أكان (رياض) عنهم غير غافل
يرد الأذى عن أهل (مصر) ويدفع (أمؤتمر الإصلاح) والعرف، قد مضى (رياض) وأودى الوازع المتورع
وكان على كرسيه خير جالس
لهيبته تعنو الوجوه وتخشع
فيا ويلنا إن لم تسدوا مكانه
بذي مرة في الخطب لا يتضعضع
بعيد مرام الفكر أما جنانه
فرحب، وأما عزه فممنع
فيا ناصر المستضعفين إذا عدا
عليهم زمان بالعداوة مولع
عليك سلام الله ما قام بيننا
وزير على دست العلا يتربع (13) رثاء الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد (نشرت في 5 ديسمبر سنة 1913م)
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتأبينه بمنزل السادات
صونوا يراع (علي) في متاحفكم
وشاوروه لدى الأرزاء والنوب
واستلهموه إذا ما الرأي أخطأكم
يوم النضال عن الأوطان والنشب
قد كان سلوة (مصر) في مكارهها
وكان جمرة (مصر) ساعة الغضب
في شقه ومراميه وريقته
ما في الأساطيل من بطش ومن عطب
كم رد عنا وعين الغرب طامحة
من الرزايا وكم جلى من الكرب
له صرير إذا جد النزال به
ينسي الكماة صليل البيض والقضب
ما ضر من كان هذا في أنامله
أن يشهد الحرب لم يسكن إلى يلب
فلو رآه (ابن أوس) ما قرأت له: (السيف أصدق أنباء من الكتب)
ألا فتى عربي يستقل به
بعد الفقيد ويحمي حوزة الأدب
ويمنع الحق أن يغشي تبلجه
ما في السياسة من زور ومن كذب
أودى فتى الشرق، بل شيخ الصحافة بل
شيخ الوفائية الوضاحة الحسب
أقام فينا عصاميا فعلمنا
معنى الثبات ومعنى الجد والدأب
وراح عنا ولم تبلغ عزائمنا
مدى مناها ولم تقرب من الأرب
قالوا: عجبنا لمصر يوم مصرعه
وقد عجبت لهم من ذلك العجب
إن الألى حسبوها غير جازعة
لا ينظرون إلى الأشياء من كثب
تالله ما جهلت فيه مصيبتها
ولا الذي فقدت من كاتب العرب
لكنها ألفت والأمر يحزبها
فقد الرجال وموت السادة النجب
وعلمتها الليالي أن تصابرها
في الحادثات وإن أمعن في الحرب
كم أرجفوا بعد موت الشيخ وارتقبوا
موت (المؤيد) فينا شر مرتقب
وإن يمت تمت الآمال في بلد
لولا (المؤيد) لم ينشط إلى طلب
صبابة من رجاء بين أضلعنا
قد بات يرشف منها كل مغتصب
ألم يكن لبني (مصر) وقد دهموا
من ساسة الغرب مثل المعقل الأشب
كم انبرت فيه أقلام وكم رفعت
فيه منائر من نظم ومن خطب!
وكان ميدان سبق للألى غضبوا
للدين والحق من داع ومحتسب
فكم يراع حكيم في مشارعه
قد التقى بيراع الكاتب الأرب
أي الصحائف في القطرين قد وسعت
رد (الإمام) مزيل الشك والريب
أيام يحصب (هانوتو) بفريته
وجه الحقيقة والإسلام في نحب
مالي أعدد آثار الفقيد لكم
والشرق يعرف رب السبق والغلب
لولا (المؤيد) ظل المسلمون على
تناكر بينهم في ظلمة الحجب
تعارفوا فيه أرواحا وضمهم
رغم التنائي زمام غير منقضب
في مصر في تونس في الهند في عدن
في الروس في الفرس في البحرين في حلب
هذا يحن إلى هذا وقد عقدت
مودة بينهم موصولة السبب (أبا بثينة) نم يكفيك ما تركت
فينا يداك وما عانيت من تعب
جاهدت في الله والأوطان محتسبا
فارجع إلى الله مأجورا وفز وطب
واحمل بيمناك يوم النشر ما نشرت
تلك الصحيفة في دنياك وانتسب (14) رثاء علي أبي الفتوح باشا (نشرت في 9 فبراير سنة 1914م)
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتأبينه في الجامعة
جل الأسى فتجملي
وإذا أبيت فأجملي
يا مصر قد أودى فتا
ك ولا فتى إلا (علي)
قد مات نابغة القضا
ء وغاب بدر المحفل
وعدا القضاء على القضا
ء فصابه في المقتل
حلال عقد المعضلا
ت قضى بداء معضل
ويح الكنانة ما لها
في غمرة لا تنجلي
باتت وكارثة تمر
ر بها وكارثة تلي
يا زهرة الماضي ويا
ريحانة المستقبل
كنا نعدك للشدا
ئد في الزمان المقبل
يا لابس الخلق الكري
م المطمئن الأمثل
فارقتنا في حين حا
جتنا ولم تتمهل
يا راميا صدر الصعا
ب رماك رامي الأجدل
يا حافظا غيب الصدي
ق ويا كريم المقول
أي المحامد غصة
بحلاك لم تتجمل
تلهو لداتك بالصبا
لهوا وأنت بمعزل
تسعى وراء الباقيا
ت الصالحات وتعتلي
بين المحابر والدفا
تر دائبا لا تأتلي
أدركت علم الآخري
ن وحزت فضل الأول
أدنى مرامك همة
فوق السماك الأعزل
وأجل قصدك أن ترى (مصرا) تسود وتعتلي
درج الأحبة بعدما
تركوا الأسى والحزن لي
لم يحل لي من بعدهم
عيش ولم أتعلل
لي كل عام وقفة
حرى على مترحل
أبكي بكاء الثاكلا
ت وأصطلي ما أصطلي
لم يبق لي يوم الفقي
د عزيمة لم تفلل
يوم عبوس قد مضى
بفتى أغر محجل
من لم يشاهد هوله
عند القضاء المنزل
لم يدر ما قصم الظهو
ر ولا انخزال المفصل
يا قبر ويحك ما صنع
ت بوجهه المتهلل
عبست منه نضرة
كانت رياض المجتلي
وعبثت منه بطرة
سوداء لما تنصل
يا قبر هل لعب البلى
بلطاف تلك الأنمل؟
لهفي عليها في الطرو
س تسيل سيل الجدول
لهفي عليها في الجدا
ل تحل عقد المشكل
لهفي عليها للرجا
ء وللعفاة السؤل
يا قبر ضيفك بيننا
قد كان خير مؤمل
لم ينقبض كبرا بنا
ديه ولم يتبذل
إني حللت رحابه
فنزلت أكرم منزل
ونهلت من أخلاقه
فوردت أعذب منهل (15) رثاء فتحي وصادق (نشرت في أول أبريل سنة 1914م)
قالها في رثاء الطيارين العثمانيين فتحي بك وصادق بك اللذين سقطت بهما الطيارة قرب دمشق، وكانا يعتزمان الطيران من دمشق إلى القدس ثم إلى مصر، ويؤمل فيها وصول الطيار الآخر نوري بك سالما
أخت الكواكب ما رما
ك وأنت رامية النسور؟
ماذا دهاك وفوق ظه
رك مربض الأسد الهصور؟
خضعت لإمرته الريا
ح من الصبا ومن الدبور
فغدا يصرف من أعن
تها تصاريف القدير (فتحي) وهل لي إن سأل
ت عن المصيبة من محير؟
ويلاه هل جزت الحدو
د وأنت مخترق الستور؟
فرماك حراس السما
ء وتلك قاصمة الظهور
أم غار منك السابحا
ت وأنت تسبح في الأثير
حسدتك حين رأتك وح
دك ثم كالفلك المنير
والعين مثل السهم تن
فذ في الترائب والنحور
حاولت أن ترد المجر
رة والورود من العسير
فوردت يا (فتحي) الحما
م وأنت منقطع النظير
وهويت من كبد السما
ء وهكذا مهوى البدور
إن كان أعياك الصعو
د بذلك الجسد الطهور
فاسبح بروحك وحدها
واصعد إلى الملك الكبير
إن راعنا صوت النعي
ي وفاتنا نبأ البشير
فلعل من ضنت يدا
ه على الكنانة بالسرور
أن يستجيب دعاءها
في حفظ صاحبك الأخير
باتت تراقب في المشا
رق والمغارب وجه (نوري) (16) رثاء الدكتور شبلي شميل
أنشدها في الحفل الذي أقيم في نادي جمعية الاتحاد السوري في مساء الأحد 9 فبراير سنة 1917م
سكن الفيلسوف بعد اضطراب
إن ذاك السكون فصل الخطاب
لقي الله ربه فاتركوا المر
ء لديانه فسيح الرحاب
حزن العلم يوم مت ولكن
أمن الدين صيحة المرتاب
كنت تبغي برد اليقين على الأر
ض وتسعى وراء لب اللباب
فاسترح أيها المجاهد واهدأ
قد بلغت المراد تحت التراب
وعرفت اليقين وانبلج الح
ق لعينيك ساطعا كالشهاب
ليت شعري وقد قضيت حياة
بين شك وحيرة وارتياب
هل أتاك اليقين من طرق الش
ك فشك الحكيم بدء الصواب
كم سمعنا مسائلا قبل (شبلي)
عاش في البحث طارقا كل باب
أطلق الفكر في العوالم حرا
مستطيرا يريغ هتك الحجاب
يقرع النجم سائلا ثم يرتد
د إلى الأرض باحثا عن جواب
أعجزته من قدرة الله أسبا
ب طواها مسبب الأسباب
وقفت دونها العقول حيارى
وانثنى هبرزيها وهو كابي
لم يكن ملحدا ولكن تصدى
لشؤون المهيمن الوهاب
رام إدراك كنه ما أعجز النا
س قديما فلم يفز بالطلاب
إيه شبلي قد أكثر الناس فيك ال
قول حتى تفننوا في عتابي
قيل: ترثي ذاك الذي ينكر النو
ر ولا يهتدي بهدي الكتاب؟
قلت: كفوا فإنما قمت أرثي
منه خلا أمسى طويل الغياب
أنا والله لا أحابيه في القو
ل فقد كان صاحبي لا يحابي
أنا أرثي شمائلا منه عندي
كن أحلى من الشهاد المذاب
كان حر الآراء لا يعرف الخت
ل ولا يستبيح غيب الصحاب
مفضلا محسنا على العسر واليس
ر جميع الفؤاد رحب الجناب
عاش ما عاش لا يليق على الأي
ام مالا ولم يلن للصعاب
كان في الود موضع الثقة الكب
رى وفي العلم موضع الإعجاب
نكب الطب فيه يوم تولى
وأصيبت روائع الآداب
وخلا ذلك الندي من الأن
س وقد كان مرتع الكتاب
وبكت فقده الشآم وناءت
فوق ما نابها بهذا المصاب
كل يوم يهد ركن من الشأ
م، لقد آذنت إذا بالخراب
فهي (باليازجي) و(جرجي) و(شبلي)
فجعت بالثلاثة الأقطاب
فعلى الراحل الكريم سلام
كلما غيب الثرى ليث غاب (17) رثاء جورجي زيدان سنة 1914
دعاني رفاقي والقوافي مريضة
وقد عقدت هوج الخطوب لساني
فجئت وبي ما يعلم الله من أسى
ومن كمد قد شفني وبراني
مللت وقوفي بينكم متلهفا
على راحل فارقته فشجاني
أفي كل يوم يبضع الحزن بضعة؟
من القلب إني قد فقدت جناني
كفاني ما لقيت من لوعة الأسى
وما نابني يوم (الإمام) كفاني
تفرق أحبابي وأهلي وأخرت
يد الله يومي فانتظرت أواني
ومالي صديق إن عثرت أقالني
ومالي قريب إن قضيت بكاني
أراني قد قصرت في حق صحبتي
وتقصير أمثالي جناية جاني
فلا تعذروني يوم (فتحي) فإنني
لأعلم ما لا يجهل الثقلان
فقد غاب عنا يوم غاب ولم يكن
له بين هالات النوابغ ثاني
وفي ذمتي (لليازجي) وديعة
وأخرى (لزيدان) وقد سبقاني
فيا ليت شعري ما يقولان في الثرى
إذا التقيا يوما وقد ذكراني
وقد رميا بالطرف بين جموعكم
ولم يشهدا في المشهدين مكاني
أيجمل بي هذا العقوق وإنما
على غير هذا العهد قد عرفاني
دعاني وفائي يوم ذاك فلم أكن
ضنينا ولكن القريض عصاني
وقد تخرس الأحزان كل مفوه
يصرف في الإنشاد كل عنان
أأنساهما والعلم فوق ثراهما
تنكس من أعلامه علمان
وكم فزت من رب (الهلال) بحكمة
وكم زنت من رب (الضياء) بياني (أزيدان) لا تبعد وتلك علالة
ينادي بها الناعون كل حسان
لك الأثر الباقي وإن كنت نائيا
فأنت على رغم المنية داني
ويا قبر (زيدان) طويت مؤرخا
تجلى له ما أضمر الفتيان
وعقلا ولوعا بالكنوز فإنه
على الدر غواص ببحر (عمان)
وعزما شآميا له أينما مضى
شبا هندواني وحد يماني
وكفا إذا جالت على الطرس جولة
تمايل إعجابا بها البلدان
أشادت بذكر الراشدين كأنما
فتى (القدس) مما ينبت الحرمان
سألت حماة النثر عد خلاله
فمالي بما أعيا القريض يدان (18) رثاء إبراهيم حسن باشا ومحمد شكري باشا
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتأبينهما في مدرسة القصر العيني في 23 فبراير سنة 1917م
لا مرحبا بك أيهذا العام
لم يرع عندك للأساة ذمام
في مستهلك رعتنا بمآتم
للنافعين من الرجال تقام
علمان من أعلام (مصر) طواهما
فيك الردى فبكتهما (الأهرام)
غيبت (شكري) وهو نابه عصره
وأصبت (إبراهيم) وهو إمام
خدما ربوع النيل في عهديهما
والطب نبت لم يجده غمام
والناس بالغربي في تطبيبه
ولعوا على بعد المزار وهاموا
حتى انبرى (شكري) فأثبت سبقه
أن ابن (مصر) مجرب مقدام
وأقام (إبراهيم) أبلغ حجة
أن العرين يحله ضرغام
وترسم المتعلمون خطاهما
فانشق من علميهما أعلام
قد أقسموا للطب أن يسموا به
فوق السماك فبرت الأقسام
وغدت ربوع الطب تحكي جنة
فيها (لبقراط) الحكيم مقام
ورأى عليل النيل أن أساته
بذوا الأساة فلم يرعه سقام
يا (مصر) حسبك ما بلغت من المنى
صدق الرجاء وصحت الأحلام
ومشى بنوك كما اشتهيت إلى العلا
وعلى الولاء - كما علمت - أقاموا
ومددت صوتك بعد طول خفوته
فدعا بعافية لك الإسلام
ورفعت رأسك عند مفتخر النهى
بين الممالك حيث تحنى الهام
كم فيك جراح كأن يمينه
عند الجراحة بلسم وسلام
قد صيغ مبضعه وإن أجرى دما
من رحمة فجريحه بسام
وموفق جم الصواب إذا التوى
داء العليل وحارت الأفهام
يلقي بسمع لا يخون إذا هفت
أذن وخان المسمعين صمام
وإذا عضال الداء أبهم أمره
عرفت خفي دبيبه الإبهام
يستنطق الآلام وهي دفينة
خرساء حتى تنطق الآلام
كم سل من أيدي المنايا أنفسا
وثنى عنان الموت وهو زؤام
ومطبب للعين يحمل ميله
نورا إذا غشى العيون قتام
وكأن إثمده ضياء ذره (عيسى بن مريم) فانجلى الإظلام
ومطبب للطفل لم تنبت له
سن ولم يدرج إليه فطام
يشكو السقام بناظريه وما له
غير التفرز والأنين كلام
فكم استشف وكم أصاب كأنما
في نظرتيه الوحي والإلهام
ومولد عرف الأجنة فضله
إن أعسرت بولادها الأرحام
كم قد أنار لها بحالكة الحشا
سبلا تضل سلوكها الأوهام
لولا يداه سطا على أبدانها
كرب المخاض وشفها الإيلام
فبهؤلاء الغر يا (مصر) اهنئي
فبمثلهم تتفاخر الأيام
وعلى طبيبيك اللذين رماهما
رامي المنون تحية وسلام (19) رثاء المغفور له الشيخ سليم البشري (نشرت في 17 أكتوبر سنة 1917م)
أنشدها عند دفنه
أيدري المسلمون بمن أصيبوا
وقد واروا (سليما) في التراب
هوى ركن الحديث فأي قطب
لطلاب الحقيقة والصواب (موطأ مالك) عز (البخاري)
ودع لله تعزية (الكتاب)
فما في الناطقين فم يوفي
عزاء الدين في هذا المصاب
قضى الشيخ المحدث وهو يملي
على طلابه فصل الخطاب
ولم تنقص له التسعون عزما
ولا صدته عن درك الطلاب
وما غالت قريحته الليالي
ولا خانته ذاكرة الشباب
أشيخ المسلمين نأيت عنا
عظيم الأجر موفور الثواب
لقد سبقت لك الحسنى فطوبى
لموقف شيخنا يوم الحساب
إذا ألقى السؤال عليك ملق
تسدى عنك برك للجواب
ونادى العدل والإحسان إنا
نزكي ما يقول ولا نحابي
قفوا يأيها العلماء وابكوا
ورووا لحده قبل الحساب
فهذا يومنا ولنحن أولى
ببدل الدمع من ذات الخضاب
عليك تحية الإسلام وقفا
وأهليه إلى يوم المآب (20) رثاء المغفور له السلطان حسين كامل (نشرت في أول نوفمبر سنة 1917م)
دك ما بين ضحوة وعشي
شامخ من صروح (آل علي)
وهوى عن سماوة العرش ملك
لم نمتع بعهده الذهبي
قد تساءلت يوم مات (حسين)
أفقدنا بفقده كل شي؟
أم ترى يسعد الكنانة باري
ها ويقضي لها بلطف خفي؟
لم تكد تدرك النفوس مرادا
في زمان المتوج العلوي
لم تكد تبلغ البلاد مناها
تحت أفياء عدله الكسروي
لم يكد ينعم الفقير بعيش
من نداه وفيضه الحاتمي
حجب الموت مطلع الجود يا (مص
ر) فجودي له بدمع سخي
ومضى واهب الألوف فولت
يوم ولى بشاشة الأريحي
وقضى كافل اليتامى فويل
لليتامى من الزمان العتي
كم تمنى لو عاش حتى يرانا
أمة ذات منعة ورقي
غاله الضعف حين شمر للإص
لاح في ملكه بعزم فتي
حبس الخطب فيك ألسنة القو
ل وأعيا قريحة العبقري
وإذا جلت الخطوب وطمت
أعجزت في القريض طوق الروي
إن شر المصاب ما أطلق الدم
ع وراع المفوهين بعي
لهف نفسي على انبساطك للضي
ف وذيالك الحديث الشهي
يحسب الدار داره وهو يمشي
فوق زاهي بساطك الأحمدي
خلق مثلما نشقت أريج الز
زهر جادته زورة الوسمي
واهتزاز للعرف مثل اهتزاز الس
يف في قبضة الشجاع الكمي
وحياء عند العطية ينفي
خجل السائل الكريم الأبي
واختبار يثني عنان العوادي
ووقار يزين صدر الندي
رحم الله (يا حسين) خلالا
فيك لم يجتمعن في نفس حي
يا كريما حللت ساح كريم
وضعيفا حللت ساح القوي
قد كفاك السهاد في العيش فاهنأ
يا أليف الضنى بنوم هني
ويح (مصر) فأي خيط رجاء
قطعته رنات صوت النعي (21) رثاء باحثة البادية (نشرت في سنة 1918م) (ملك) النهى لا تبعدي
فالخلق في الدنيا سير
إني أرى لك سيرة
كالروض أرجه الزهر
ربى أبوك الناشئي
ن فعاش محمود الأثر
وسلكت أنت سبيله
في الناشئات من الصغر
ربيتهن على الفضي
لة والطهارة والخفر
وعلى اتباع شريعة
نزلت بها آي السور
فلبيتكم فضل على ال
احياء أنثى أو ذكر
لله درك إن نثر
ت ودر (حفني) إن نثر
قد كنت زوجا طبة
في البدو عاشت والحضر
سادت على أهل القصو
ر وسودت أهل الوبر
غربية في علمها
مرموقة بين الأسر
شرقية في طبعها
مخدورة بين الحجر
بينا تراها في الطرو
س تخط آيات العبر
وتريك حكمة نابه
عرك الحوادث واختبر
فإذا بها في مطبخ
تطهو الطعام على قدر
وإذا بها قعدت تخي
ط وترتضي وخز الإبر
فخرت بوالدها ووا
لدها بحليتها افتخر
بالعلم حلت صدرها
لا باللآلئ والدرر
فانظر شمائل فكرها
بالله يوم (المؤتمر)
واقرأ (محاضرة الجري
دة) والمقالات الغرر
وارجع إلى ما أودعت
عند المجلات الكبر
تعلم بأنا قد فقد
نا خير ربات الفكر
ذنب المنية في اغتيا
ل شبابها لا يغتفر
يا ليتها عاشت (لمص
ر) ولم تغيبها الحفر
كانت مثالا صالحا
يرجى وكنزا يدخر
إني رأيت الجاهلا
ت السافرات على خطر
ورأيت فيهن الصيا
نة والعفاف على سفر
لا وازع - وقد انطوت (ملك) يقيهن الضرر
لا كان يومك يوم لا
ح الحزن مختلف الصور
علمت هاتفة القصو
ر نواح هاتفة الشجر
وتركت أتراب الصبا
حزنا يقطعن الشعر
يبكين عهدك في الصبا
ح وفي المساء وفي السحر
وتركت شيخك لا يعي
هل غاب زيد أو حضر
ثملا ترنحه الهمو
م إذا تحامل أو خطر
كالفرع هزته العوا
صف فالتوى ثم انكسر
أو كالبناء يريد أن
ينقض من وقع الخور
قد زعزعته يد القضا
ء وزلزلته يد القدر
أنا لم أذق فقد البني
ن ولا البنات على الكبر
لكنني لما رأي
ت فؤاده وقد انفطر
ورأيته قد كاد يح
رق زائريه إذا زفر
وشهدته أنى خطا
خطوا تخبل أو عثر
أدركت معنى الحزن حز
ن الوالدين، فما أمر
وشهدت زوجك مطرقا
مستوحشا بين السمر
كالمدلج الحيران في ال
بيداء أخطأه القمر
فعلمت أنك كنت عق
د هنائه وقد انتثر
صبرا أبا (ملك) فإن
ن الباقيات لمن صبر
وبقدر صبر المبتلى
طول المصيبة والقصر
كن أنت أنت إذا تسا
ء كأنت أنت إذا تسر
يا برة بالوالدي
ن أبوك بعدك لا يقر
فسلي إلهك سلوة
لأبيك فهو به أبر
وليهنك الخدر الجدي
د فذاك دار المستقر (22) رثاء محمد فريد بك (في سنة 1919م)
من ليوم نحن فيه من لغد
مات ذو العزمة والرأي الأسد
حل (بالجمعة) حزن وأسى
ومشى الوجد إلى يوم (الأحد)
وبدا شعري على قرطاسه
لوعة سالت على دمع جمد
أيها النيل لقد جل الأسى
كن مدادا لي إذا الدمع نفد
واذبلي يا زهرة الروض ولا
تبسمي للطل فالعيش نكد
والزم النوح أيا طير ولا
تبتهج بالشدو فالشدو حدد
فلقد ولى (فريد) وانطوى
ركن (مصر) وفتاها والسند
خالد الآثار لا تخش البلى
ليس يبلى من له ذكر خلد
زرت (برلين) فنادى سمتها:
نزلت شمس الضحى برج الأسد
واختفت شمسك فيها وكذا
تختفي في الغرب أقمار الأبد
يا غريب الدار والقبر ويا
سلوة (النيل) إذا ما الخطب جد
وحساما فل حديه الردى
وشهابا ضاء وهنا وخمد
قل لصب (النيل) إن لاقيته
في جوار الدائم الفرد الصمد
إن (مصرا) لا تني عن قصدها
رغم ما تلقى وإن طال الأمد
جئت عنها أحمل البشرى إلى
أول البانين في هذا البلد
فاسترح واهنأ ونم في غبطة
قد بذرت الحب والشعب حصد
آثر (النيل) على أمواله
وقواه وهواه والولد
يطلب الخير (لمصر) وهو في
شقوة أحلى من العيش الرغد
ضارب في الأرض يبغي مأربا
كلما قاربه، عنه ابتعد
لم يعبه أن تجنى دهره
رب جد حاد عن مجراه جد
يستجم العزم حتى إن بدت
فرصة شد إليها وصمد
فهو لا يثني عنانا عن منى
وهو هجيراه (من جد وجد)
فأياديه إذا ما أنكرت
إنما تنكرها عين الحسد
فقدت (مصر فريدا) وهي في
موطن يعوزها فيه المدد
فقدت (مصر فريدا) وهي في
لهوة الميدان والموت رصد
فقدت منه خبيرا حولا
وهي والأيام في أخذ ورد
لم يكد يمتعها الدهر به
في ربوع (النيل) حيا لم يكد
ليته عاش قليلا فترى
شعب (مصر) عينه كيف اتحد
ويح (مصر) بل فويحا للثرى
إنه أبلغ حزنا وأشد
كم تمنى وتمنى أهله
لو يوارى فيه ذياك الجسد
لهف نفسي هل (ببرلين) امرؤ
فوق ذاك القبر صلى وسجد؟
هل بكت عين فروت تربه
هل على أحجاره خط أحد؟
ها هنا قبر شهيد في هوى
أمة أيقظها، ثم رقد (23) رثاء عبد الله أباظه بك (أنشد هذين البيتين على قبره في سنة 1919م)
يا عابد الله نم في القبر مغتبطا
ما كنت عن ذكر رب العرش باللاهي
يا رحمة الله هذا قبره فقفي
وآنسي روحه يا رحمة الله (24) رثاء عبد الحميد رمزي (نشرت في 6 مارس سنة 1920م)
قالها على لسان إبراهيم رمزي بك في حفل تأبين ابنه عبد الحميد، وكان طالبا بالمدارس الثانوية، ولم يقو أبوه على الكلام في هذا الحفل، فناب عنه حافظ وقال هذه القصيدة:
ولدي، قد طال سهدي ونحيبي
جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟
جئت أروي بدموعي مضجعا
فيه أودعت من الدنيا نصيبي
لا تخف من وحشة القبر ولا
تبتئس إني مواف عن قريب
أنا لا أترك شبلي وحده
في جديب موحش غير رحيب
أو حين ابتز دهري قوتي
وذوى عودي ووافاني مشيبي
واكتسى غصنك من أوراقه
تحت شمس العز والجاه الخصيب
ورجونا فيك ما لم يرجه
منجب الأشبال في الشبل النجيب
ينتويك الموت في شرخ الصبا
والشباب الغض في البرد القشيب
لم يدع آسيك جهدا إنما
غاب علم الله عن علم الطبيب
إيه يا (عبد الحميد) انظر إلى
والد جم الأسى بادي الشحوب
ذاهل من فرط ما حل به
بين أترابك يمشي كالغريب
كلما أبصر منهم واحدا
هزه الشوق إلى وجه الحبيب
يسأل الأغصان في إزهارها
عن أخيها ذلك الغصن الرطيب
يسأل الأقمار في إشراقها
عن محيا غاب من قبل المغيب
غمر الحزن نواحي نفسه
وأذابت لبه سود الخطوب
فهو لا ينفعه العيش وهل
تصلح الأبدان من غير قلوب؟
طالعي يا شمس قبرا ضمه
بالتحايا في شروق وغروب
واسكني يا رحمة الله به
واجعلي فيضك منهل السكوب (25) رثاء عبد الحليم المصري الشاعر المعروف (نشرت في 8 يوليه سنة 1922م)
لك الله قد أسرعت في السير قبلنا
وآثرت يا«مصري» سكنى المقابر
وقد كنت فينا يا فتى الشعر زهرة
تفتح للأذهان قبل النواظر
فلهفي على تلك الأنامل في البلى
فكم نسجت قبل البلى من مفاخر
ويا ويح للأشعار بعد نجيها
وويح القوافي ساقها غير شاعر
تزودت من دنياك ذكرا مخلدا
وذاك لعمري نعم زاد المسافر
وأورثتنا حزنا عليك وحسرة
على فقد سباق كريم المحاضر
فلم تثو يا (عبد الحليم) بحفرة
ولكن بروض من قريضك ناضر
فديوانك الريان يغنيك طيبه
عن الزهر مطلولا بجود المواطر
فسامر (أبا بكر) هناك فإنه
سيظفر في عدن بخير مسامر
هنيئا لك الدار التي قد حللتها
وأعظم بمن جاورته من مجاور
عليك سلام ما ترنم منشد
وقام خطيب فوق هام المنابر (26) ذكرى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
أنشدها في الحفل الذي أقيم بالجامعة المصرية في يوم الثلاثاء 11 يوليه سنة 1922م وقد ضمنها رثاء المرحوم حفني ناصف بك
آذنت شمسس حياتي بمغيب
ودنا المنهل يا نفس فطيبي
إن من سار إليه سيرنا
ورد الراحة من بعد اللغوب
قد مضآ (حفني) وهذا يومنا
يتدانى فاستثيبي وأنيبي
وارقبيه كل يوم إنما
نحن في قبضة علام الغيوب
اذكري الموت لدى النوم ولا
تغفلي ذكرته عند الهبوب
واذكري الوحشة في القبر فلا
مؤنس فيه سوى تقوى القلوب
قدمي الخير احتسابا فكفى
بعض ما قدمت من تلك الذنوب
راعني فقد شبابي وأنا
لا أراع اليوم من فقد مشيبي
حن جنباي إلى برد الثرى
حيث أنسى من عدو وحبيب
مضطع لا يشتكي صاحبه
شدة الدهر ولا شد الخطوب
لا ولا يسئمه ذاك الذي
يسئم الأحياء من عيش رتيب
قد وقفنا ستة نبكي على
عالم المشرق في يوم عصيب
وقف الخمسة قبلي فمضوا
هكذا قبلي وإني عن قريب
وردوا الحوض تباعا فقضوا
باتفاق في مناياهم عجيب
أنا مذ بانوا وولى عهدهم
حاضر اللوعة موصول النحيب
هدأت نيران حزني هدأة
وانطوى (حفني) فعادت للشبوب
فتذكرت به يوم انطوى
صادق العزمة كشاف الكروب
يوم كفناه في آمالنا
وذكرنا عنده قول (حبيب):
عرفوا من غيبوه وكذا
تعرف الأقمار من بعد المغيب
وفجعنا بإمام مصلح
عامر القلب وأواب منيب
كم له من باقيات في الهدى
والندى بين شروق وغروب
يبذل المعروف في السر كما
يرقب العاشق إغفاء الرقيب
يحسن الظن به أعداؤه
حين لا يحسن ظن بقريب
تنزل الأضياف منه والمنى
والخلال الغر في مرعى خصيب
قد مضت عشر وسبع والنهى
في ذبول والأماني في نضوب
نرقب الأفق فلا يبدو به
لامع من نور هاد مستثيب
وننادي كل مأمول وما
غير أصداء المنادي من مجيب
دوي الجرح ولم يقدر له
بعد ثاوي (عين شمس) من طبيب
أجدب العلم وأمسى بعده
رائد العرفان في واد جديب
رحمة الدين عليه كلما
خرج التفسير عن طوق الأريب
رحمة الرأي عليه كلما
طاش سهم الرأي في كف المصيب
رحمة الفهم عليه كلما
ضاق بالحدثان ذو الصدر الرحيب
ليس في ميدان (مصر) فارس
يركب الأخطار في يوم الركوب
كلما شارفه منا فتى
غاله المقدار من قبل الوثوب
ما ترى كيف تولى (قاسم)
وهو في الميغة والبرد القشيب
أنسي الأحياء ذكرى (عبده)
وهي للمستاف من مسك وطيب
إنهم لو أنصفوها لبنوا
معهدا تعتاده كف الوهوب
معهدا للدين يسقى غرسه
من غير فاض م ذاك القليب
ونسينا ذكر (حفني) بعده
ودفنا فضله دفن الغريب
لم تسل منا عليه دمعة
وهو أولى الناس بالدمع الصبيب
سكنت أنفاس (حفني) بعدما
طيبت في الشرق أنفاس الأديب
عاش خصب العمر موفور الحجا
صادق العشرة مأمون المغيب (27) تأبين حسن عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك
قالها في الحفل الذي أقامه الأحرار الدستوريون لتأبين الفقيدي (يوم الأربعين 26 ديسمبر سنة 1922م)ن
علمان من أعلام مص
ر عدا الردى فطواهما (حسن) و(زهدي) لم يمت
ع بالشباب كلاهما
سلكا سبيل الحق ما
عاشا وما أولاهما!
داس الأثيم حماهما
تحت الدجى ودهاهما
فرمى النهى والفضل مج
تمعين حين رماهما
إن تذكروا همم الرجا
ل فقدموا ذكراهما
أو تسألوني عن شهي
دي مبدإ فهما هما (28) رثاء إسماعيل صبري باشا
أنشدها في حفل التأبين الذي أقيم في فناء مدرسة المعلمين بالمنيرة في مايو سنة 1923م، وحين وقف لإنشاد هذه القصيدة.. أكثر المجتمعون التصفيق ترحيبا به، فقال مرتجلا:
أكثرتم التصفيق في موطن
كان البكا فيه بنا أليقا
فأكرموا (صبري) بإنصاتكم
وليعذر الدمع إذا صفقا
ثم ابتدأ في إنشاد قصيدته:
نعاك النعاة وحم القدر
ولم يغن عنا وعنك الحذر
طوت ذبحة الصدر صدر الندي
فلم تطو إلا سجل العبر
فأمسيت تذكر في الغابرين
وإن قل مثلك فيمن غبر
إذا ذكرت سير النابهين
فسيرة (صبري) تجب السير
لقد كنت برا بظل الشباب
فلما تقلص كنت الأبر
فلم تستبق نزوة في الصبا
ولم تستبح هفوة في الكبر
أهني الثرى أم أعزي الورى
لقد فاز هذا وهذا خسر
أأول يوم لعهد الربيع
تجف الرياض ويذوى الزهر؟
ويذبل زهر القريض الثري
ويقفر روض القوافي الغرر
ليهدأ (عمان) فغواصه
أصيب وأمسى رهين الحفر
فقد كان يعتاده دائبا
بكورا رؤوحا لنهب الدرر
يقول فيرخص در النحور
ويغلي جمان بنات الفكر
يسوق القصار فيأبى العثار
وكم من مطيل ممل عثر
قصار وحسب النهى أنها
لها معجزات قصار السور
رحمت، فقد كنت حلو اللسان
جلي البيان صدوق الخبر
قليل التعجب جم الأناة
حكيم الورود حكيم الصدر
شمائلك الغر هن الرياض
روى عن شذاها نسيم السحر
لها مثل روح الدعاء استجيب
فعافى وآوى وأغنى وسر
إذا ما وردت لها منهلا
وردت نميرا لذيذ الخصر
وفكرك في خصبه ثروة
لفكر الأديب إذا ما افتقر
وشعرك كالماء في صفوه
على صفحتيه تراءى الصور
عيون القصائد مثل العيون
وشعرك فيهن مثل الحور
وكم لك شكوى هوى أو أسى
لها نفثات تذيب الحجر
هتفت بها مرة في الهجير
فكاد يدب إليك الشجر
وكم كنت تشعل فحم الدجى
بأنفاس صب طويل السهر
فيا ويح قلبك ماذا ألح
ح عليه من الداء حتى انفطر
أيخفق تحت الدجى وحده
لذكرى أليف سلا أو هجر
إذا قيل (صبري) ذكرت (الوليد)
ومرت بنفسي ذكرى (عمر)
يزين تواضعه نفسه
كما زان حسن الملاح الخفر
زكي المشاعر عف الهوى
شهي الأحاديث حلو السمر
لقد كنت أغشاه في داره
وناديه فيها زها وازدهر
وأعرض شعري على مسمع
لطيف يحس نبو الوتر
على سمع باقعة حاضر
يميز القديم من المبتكر
فيصقل لفظي صقل الجمان
ويكسوه رقة أهل الحضر
يرقرق فيه عبير الجنان
فتستاف منه النهى والفكر
كذلك كان - عليه السلام -
إماما لكل أديب شعر
فكنا الجداول نروي الظماء
ظماء العقول وكان النهر
زهدت على شهرة طبقت
وجاه أظل وفضل بهر
خلعت الشباب فلم تبكه
وساءك أنك لم تختصر
وقد ذقت طعم الردى عندما
أصيب قطارك يوم السفر
فأقسمت أنك ألفيته
لذيذ المذاقة إذ تحتضر
تمنيت أن لم تعد للحياة
ولكن أباها عليك القدر
وكم ساعة بين ساع الحياة
سقتك المرار بكأس الضجر
فرحت إلى أختها شاكيا
أذاتك منها فكانت أمر
ففتشت أثناءها جاهدا
بعيني بصير بعيد النظر
فلم تر فيها على طولها
هنيهة صفو خلت من كدر
وما زلت تشكو إلى أن أتت
كما تشتهي ساعة لم تذر
فلا صد تخشاه بعد الوصال
ولا ضعف تشكوه بعد الأشر
أريح فؤادك مما ضناه
وصدرك مما عليه انكدر
تمنيتها خطوة للممات
تفرج عنك كروب الغير
وها قد خطاها ونلت المنى
فهل في الممات بلوغ الوطر
صدقت ففي الموت نصر الأبي
على الدهر إن هو يوما غدر
مللت الثواء بدار الزوال
فماذا رأيت بدار المقر
أتحت التراب يضام الكريم
ويشقى الحليم ويخفي القمر؟
ويهضم حق الأديب الأريب
ويطمس فضل النبيه الأغر؟
أتحت التراب تساق الشعوب
بسوط العبودة سوق البقر؟
ويعقد مؤتمر للسلام
فنخرج منه إلى مؤتمر؟
فإن كان ما عندنا عندكم
فليس لنا من شقاء مفر
خضم الحياة بعيد النجاة
فطوبى لراكبه إن عبر
فعد سالما غانما للتراب
كرأيك في الموت واهنأ وقر (29) رثاء سعد زغلول (نشرت في 21 يوليه سنة 1923م)
ما أنت أول كوكب
في الغرب أدركه المغيب
فهناك أقمار المشا
رق قد أتيح لها الغروب
داس الحمام عرين خا
لك، وهو مرهوب مهيب
لم يثنه عنك الرئي
س ولا رمى عنك الخطوب
يا (سعد) كيف قضى (سعي
د) وهو من (سعد) قريب؟
عجبا! أتحمي أمة
وتخاف جانبك الخطوب
ويغال ضيفك وابن أخ
تك وهو عن (مصر) غريب؟
نبئت أنك قد بكي
ت وهالك اليوم العصيب
وإذا بكى (سعد) بكت
لبكائه منا القلوب
يا (آل زغلول) ذوى
من روضكم غصن رطيب
فقدت به (مصر) فتى
أخلاقه مسك وطيب
يا (آل زغلول) وعو
دكم على الجلى صليب
إني لأخجل أن أعز
يكم وكلكم أريب
شاكي سلاح الصبر مم
تحن لدنياه لبيب
خطب الكنانة في فقي
دكم لخطبكم يشيب
لم يبق منا واحد
إلا له منه نصيب (30) رثاء محمد سليمان أباظه بك (في سنة 1923م)
من لم يذق فقد أليف الصبا
لم يدر ما أبدي وما أضمر
أفقدني الموت به وافيا
لا يعرف الختل ولا يغدر
تقرأ في عينيه كل الذي
في نفسه عن نفسه يستر
ثلاثة لم تعر عن عفة:
لسانه والذيل والمئزر
قد كان متلافا لأمواله
وكان نهاضا بمن يعثر
أوشك أن يفقره جوده
ومن صنوف الجود ما يفقر
أصيب فيه المجد يوم انطوى
والعرف والسائل والمعسر
كنا على عهد الصبا سبعة
بمستطاب اللهو نستأثر (البابلي) صفوة فتياننا
و(ابن المولحي) الكاتب الأشهر
و(صادق) خير بني (سيد)
و(بيرم) إذ عوده أخضر
وكان (عبد الله) أنسا لنا
وأنس (عبد الله) لا ينكر
لهو كريم لم يشب صفوه
رجس ولم يشهده مستهتر
فكم لنا من مجلس طيب
يشتاقه (هارون) أو (جعفر)
نلعب باللفظ كما نشتهي
ونضمر المعنى فما يظهر
ونرسل النكتة محبوكة
عن غيرنا في الحسن لا تصدر
ثم انطوى هذا وهذا، وما
يطوى من الأيام لا ينشر
كم دوحة أودى بها عاصف
والنجم من مأمنه ينظر (31) ذكرى المرحوم محمد أبي شادي بك
عجبت أن جعلوا يوما لذكراكا
كأننا قد نسينا يوم منعاكا
إذا سلت (يا أبا شادي) مطوقة
ذكر الهديل فثق أنا سلوناكا
في مهجة (النيل) والوادي وساكنه
رجع لصوتك موصول بذكراكا
قد عشت فينا نميرا طاب مورده
أسمى سجايا الفتى أدنى سجاياكا
فما كأولاك في بر وفي كرم
أولى كريم، ولا عقبى كعقباكا
قضية الوطن المغبون، قد ملأت
أنحاء نفسك شغلا عن قضاياكا
قضية الوطن المغبون، قد ملأت
أنحاء نفسك شغلا عن قضاياكا
أبليت فيها بلاء المخلصين لها
وكان سهمك أنى رشت فتاكا
أجملت ما فصلوه في قصائدهم
حتى لقد نضروا بالحمد مثواكا
لم يبق لي قيد شبر صاحباي ولم
يفسح لي القول لا هذا ولا ذاكا
يا مدمن الذكر والتسبيح محتسبا
هأنت في الخلد قد جاورت مولاكا
لو لم يكن لك في دنياك مفخرة
سوى (زكي) لقد جملت دنياكا (32) رثاء المغفور له سعد زغلول باشا
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتأبين الفقيد في 7 أكتوبر سنة 1927م
إيه يا ليل هل شهدت المصابا
كيف ينصب في النفوس انصبابا؟
بلغ المشرقين قبل انبلاج الص
بح أن الرئيس ولى وغابا
وانع للنيرات (سعدا) ف (سعد)
كان أمضى في الأرض منها شهابا
قد يا ليل من سوادك ثوبا
للدراري وللضحى جلبابا
أنسج الحالكات منك نقابا
واحب شمس النهار ذاك النقابا
قل لها: غاب كوكب الأرض في الأر
ض فغيبي عن السماء احتجابا
والبسيني عليه ثوب حداد
واجلسي للعزاء فالحزن طابا
أين (سعد)؟ فذاك أول حفل
غاب عن صدره وعاف الخطابا
لم يعود جنوده يوم خطب
أن ينادى فلا يرد الجوابا
عل أمرا قد عاقه، عل سقما
قد عراه، لقد أطال الغيابا
أي جنود الرئيس نادوا جهارا
فإذا لم يجب فشقوا الثيابا
إنها النكبة التي كنت أخشى
إنها الساعة التي كنت آبى
إنها اللفظة التي تنسف الأن
فس نسفا وتفقر الأصلابا
مات (سعد)، لا كنت يا (مات سعد)
أسهاما مسمومة أم حرابا
كيف أقصدت كل حي على الأر
ض وأحدثت في الوجود انقلابا؟
حسرة عند أنة عند آه
تحتها زفرة تذيب الصلابا
قل لمن بات في (فلسطين) يبكي
إن زلزالنا أجل مصابا
قد دهيتم في دوركم ودهينا
في نفوس أبين إلا احتسابا
ففقدتم على الحوادث جفنا
وفقدنا المهند القرضابا
سله ربه زمانا فأبلى
ثم ناداه ربه فأجابا
قدر شاء أن يزلزل (مصرا)
وتخطى التحوت والأوشابا
والمقادير إن رمت لا تبالي
أرءوسا تصيب أم أذنابا
خرجت أمة تشيع نعشا
قد حوى أمة وبحرا عبابا
حملوه على المدافع لما
أعجز الهام حمله والرقابا
حال لون الأصيل والدمع يجري
شفقا سائلا وصبحا مذابا
وسها النيل عن سراه ذهولا
حين ألفى الجموع تبكي انتحابا
ظن يا (سعد) أن يرى مهرجانا
فرأى مأتما وحشدا عجابا
لم تسق مثله فراعين (مصر)
يوم كانوا لأهلها أربابا
خضب الشيب شيبهم بسواد
ومحا البيض يوم مت الخضابا
واستهلت سحب البكاء على الوا
دي فغطت خضراءه واليبابا
ساقت (التيمس) العزاء إلينا
وتوخت في مدحك الإسهابا
لم ينح جازع عليك كما نا
حت ولا أطنب المحب وحابى
واعتراف (التاميز) يا (سعد) مقيا
س لما نال نيلنا وأصابا
يا كبير الفؤاد والنفس والآ
مال أين اعتزمت عنا الذهابا؟
كيف ننسى مواقفا لك فينا
كنت فيها المهيب لا الهيابا؟
كنت في ميعة الشباب حساما
زاد صقلا فرنده حين شابا
لم ينازلك قارح القوم إلا
كنت أقوى يدا وأعلى جنابا
عظم لو حواه (كسرى أنوشر
وان) يوما لضاق عنه إهابا
ومضاء يريك حد قضاء الل
ه يفري متنا ويحطم نابا
قد تحديت قوة تملأ المع
مور من هول بطشها إرهابا
تملك البر والبحار وتمشي
فوق هام الورى وتجبي السحابا
لم ينهنه من عزمك السجن والنف
ي وساجلتها (بمصر) الضرابا
سائلوا (سيشلا) أأوجس خوفا
وسلوا (طارقا) أرام انسحابا؟
عزمة لا يصدها عن مداها
ما يصد السيول تغشى الهضابا
ليت (سعدا) أقام حتى يرانا
كيف نعلي على الأساس القبابا
قد كشفنا بهديه كل خاف
وحسبنا لكل شيء حسابا
حجج المبطلين تمضي سراعا
مثلما تطلع الكؤوس الحبابا
حين قال: (انتهيت) قلنا بدأنا
نحمل العبء وحدنا والصعابا
فاحجبوا الشمس واحبسوا الروح عنا
وامنعونا طعامنا والشرابا
واستشفوا يقيننا رغم ما نل
قى فهل تلمحون فيه ارتيابا؟
قد ملكتم فم السبيل علينا
وفتحتم لكل شعواء بابا
وأتيتم بالحائمات ترامى
تحمل الموت جائما والخرابا
وملأتم جوانب النيل وعدا
ووعيدا ورحمة وعذابا
هل ظفرتم منا بقلب أبي
أو رأيتم منا إليكم مثابا
لا تقولوا خلا العرين ففيه
ألف ليث إذا العرين أهابا
فأجمعوا كيدكم وروعوا حماها
إن عند العرين أسدا غضابا
جزع الشرق كله لعظيم
ملأ الشرق كله إعجابا
علم (الشام)، و(العراق) و(نجدا)
كيف يحمى الحمى إذا الخطب نابا
جمع الحق كله في كتاب
واستثار الأسود غابا فغابا
ومشى يحمل اللواء إلى الح
ق ويتلو في الناس ذاك الكتابا
كلما أسدلوا عليه حجابا
من ظلام أزال ذاك الحجابا
واقف في سبيلهم أين ساروا
عالم باحتيالهم أين جابا
أي مكر يدق عن ذهن (سعد)
أي ختل يريغ منه اضطرابا؟
شاع في نفسه اليقين فوقا
ه به الله عثرة أو تبابا
عجزت حيلة الشباك وكان الش
رق للصيد مغنما مستطابا
كلما أحكموا بأرضك فخا
من فخاخ الدهاء خابوا وخابا
أو أطاروا الحمام يوما لزجل
قابلوا منك في السماء عقابا
تقتل الدس بالصراحة قتلا
وتسقي منافق القوم صابا
وترى الصدق والصراحة دينا
لا يراه المخالفون صوابا
تعشق الجو صافي اللون صحوا
والمضلون يعشقون الضبابا
أنت أوردتنا من الماء عذبا
وأراهم قد أوردونا السرابا
قد جمعت الأحزاب حولك صفا
ونظمت الشيوخ والنوابا
وملكت الزمام واحتطت للغي
ب وأدركت بالأناة الطلابا
ثم خلفت بالكنانة أبطا
لا كهولا أعزة وشبابا
قد مشى جمعهم إلى المقصد الأس
مى يغذون للوصول الركابا
يبتنون العلا يشيدون مجدا
يسعدون البنين والأعقابا
قد بلوناك قاضيا ووزيرا
ورئيسا ومدرها خلابا
فوجدناك من جميع نواحي
ك عظيما موفقا غلابا
لم ينل حاسدوك منك مناهم
لا ولم يلصقوا بعلياك عابا
نم هنيئا فقد سهدت طويلا
وسئمت السقام والأوصابا
كم شكوت السهاد لي يوم كنا
بالبساتين نستعيد الشبابا
ننهب اللهو غافلين وكنا
نحسب الدهر قد أناب وتابا
فإذا الرزء كان منا بمرمى
وإذا حائم الردى كان قابا
حرمتنا المنون ذيالك الوج
ه وذاك الحمى وتلك الرحابا
وسجايا لهن في النفس روح
يعدل الفوز والدعاء المجابا
كم وردنا موارد الأنس منها
ورشفنا سلافها والرضابا
ومرحنا في ساحها فنسينا ال
أهل والأصدقاء والأحبابا
ثم ولت بشاشة العيش عنا
حين ساروا فوسدوك الترابا
خفت فينا مقام ربك حيا
فتنظر بجنتيه الثوابا (33) رثاء أمين الرافعي بك
أنشدها في الحفل الذي أقامه الحزب الوطني لذكرى الشهداء في 16 فبراير سنة 1928م
أما (أمين) فقد ذقنا لمصرعه
وخطبه من صنوف الحزن ألوانا
لم تنسنا ذكره الدنيا وإن نسجت
للراحلين من النسيان أكفانا
مضى نقيا عفيف النفس محتسبا
فهد من دولة الأخلاق أركانا
جرت على سنن التوحيد نشأته
في الله والرأي إخلاصا وإيمانا
لم يلوه المال عن رأي يدين به (ولو حملت إليه الدهر ملآنا)
ولم يلن عوده للخطب يرهقه
قسا عليه شديد العيش أم لانا
ظلم من القبر أن تبلى أنامله
فكم رمت في سبيل الله من خانا
كانت مطية سباق جوانبه
يرويك فياضها صدقا وعرفانا
عشرون عاما على الطرس الطهور جرى
ما خط فاحشة أو خط بهتانا
يجول بين رياض الفكر مقتطفا
من طيب مغرسها وردا وريحانا
فينشق الذهن من أسطاره أرجا
وتبصر العين فوق الطرس بستانا (أمين) فارقتنا في حين حاجتنا
إلى فتى لا يرى للمال سلطانا
إلى أمين على أوطانه يقظ
ذي مرة يتلقى الخطب جذلانا
أيلبس الخز من لانت مهزته
وأنت تخرج من دنياك عريانا؟
إن القناعة كنز كنت حارسه
ترى به القوت ياقوتا ومرجانا
فما سعيت لغير الحمد تكسبه
ولا رضيت لغير الحق إذعانا
أودى بك (السكر) المضني ولا عجب
أن يورث الحلو مر العيش أحيانا
ما هان خطبك والأخلاق والهة
تبكي عليك إذا خطب امريء هانا (أمين) حسبك ما قدمت من عمل
فأنت أرجحنا في الحشر ميزانا
أبشر فإنك في أخراك أسعدنا
حظا وإن كنت في دنياك أشقانا
بلغ ثلاثتكم عنا تحيتنا
واذكر لهم ما يعاني قومنا الآنا
واضرع إلى الله في الفردوس مبتهلا
أن يحرس النيل ممن رام طغيانا (34) رثاء الدكتور يعقوب صروف
أنشدها في الحفل الذي أقيم لتأبينه بدار الأوبرا الملكية في 30 مارس سنة 1928م
أبكي وعين الشرق تبكي معي
على الأريب الكاتب الألمعي
جرى عصي الدمع من أجله
فزاد في الجود على الطيع
نقص من الشرق ومن زهوه
فقد اليراع المعجز المبدع
ليس لمصر في رجالاتها
حظ ولا للشام في أروع
مصاب (صروف) مصاب النهى
فليبكه كل فؤاد يعي
كرم بالأمس وأكفانه
تنسجها الأقدار للمصرع
يا صائغ الدر لتكريمه
صغه لمنعاه من الأدمع
قد زين العلم بأخلاقه
فعاش ملء العين والمسمع
تواضع والكبر دأب الفتى
خلا من الفضل فلم ينفع
تواضع العلم له روعة
ينهار منها صلف المدعي
وحلة الفضل لها شارة
أزهى من السيفين والمدفع
يشبع من حصل من علمه
وهو من التحصيل لم يشبع
مبكر تحسبه طالبا
يسابق الفجر إلى المطلع
قد غالت الأسقام أضلاعه
والرأس في شغل عن الأضلع
مات وفي أنمله صارم
لم ينب في الضرب عن المقطع
صاحبه خمسين عاما فلم
يخن له عهدا ولم يخدع
موفقا أنى جرى ملهما
ما ضل في الورد عن المشرع
لم يبره بار سوى ربه
ولم يحزه جاهل أو دعي
في النقل والتصنيف أربى على
مدى (ابن بحر) ومدى (الأصمعي)
أي سبيل للهدى لم يرد
وأي باب منه لم يقرع
يقتطف الزهر ويختاره
كالنحل لا يعفو عن الأينع
فتحسب القراء في جنة
عقولهم في روضها ترتعي (صروف) لا تبعد فلست الذي
يطويه طاوي ذلك المضجع
أسكتك الموت ولكنه
لم يسكت الآثار في المجمع
ذكراك لا تنفك موصولة
في معهد العلم وفي المصنع (35) رثاء عبد الخالق ثروت باشا
أنشدها في الحفل الذي أقيم بالأوبرا الملكية لتأبينه في يوم السبت 10 نوفمبر سنة 1928م
لعب البلى بملاعب الألباب
ومحا بشاشة فمك الخلاب
وطوى الردى (عمرو) الكنانة غافلا
ورمى شهاب دهائه بشهاب
من كان يدري يوم سافر أنه
سفر من الدنيا بغير إياب
حزنت عليه عقولنا وقلوبنا
وبكت، وحزن العقل شر مصاب
القلب ينسيه الغياب أليفه
والعقل لا ينسيه طول غياب
بالأمس مات أجلنا وأعزنا
جاها وأبقانا على الأحقاب
واليوم قد غال الحمام أسدنا
رأيا فطاح بحكمة وصواب
رأس يدبر في الخفاء كأنه
قدر يدبر من وراء حجاب
حتى إذا أرضى النهى وتناسقت
آياته راع الورى بعجاب
يمشي على سنن الحجا متمهلا
بين العداة الكثر والأحباب
تتناثر الأقوال عن جنباته
من شانئ ومناصر ومحابي
لا المدح يغريه ولا يلوي به
عن نجده المرسوم وقع سباب
حلو التواضع لم يخالط نفسه
زهو المدل يحاط بالإعجاب
حلو الأناة إذا يسوس وعنده
أن التعجل آفة الأقطاب
حلو السكوت ككوكب متألق
والليل ساج أسود الجلباب
يهدي السبيل لسالكيه ولم يرد
شكرا ولم يعمل لنيل ثواب
متمكن من نفسه لم يعره
قلق الضعيف وحيرة المرتاب
يزن الأمور كأنما هو صيرف
يزن النضار بدقة وحساب
ويحل غامضها بثاقب ذهنه
حل الطبيب عناصر الأعشاب
ويقيس شقتها بمقياس النهى
فترى صحيح قياس (الاصطرلاب)
متبسم وعلى معارف وجهه
آيات ما يلقى من الأوصاب
شيم ترد الناقمين لوده
وشمائل تستل حقد النابي
يرضي المرتل في الكنيسة صنعه
كيسا ويرضي ساكن المحراب
يرتاح للمعروف لا متربحا
فيه ولا هو في الجميل مرابي
يروي الصديق من الوفاء ولم يكن
بالحاسد النعمى ولا المغتاب
لم يبد فينا جازعا أو غاضبا
لاهم إلا غضبة النواب
وبكاؤه في يوم (سعد) زادني
علما بأن اليوم يوم تباب
قامت صعاب في مسالك سعيه
من بعد (سعد) دعمت بصعاب
فظهيره عند النضال وركنه
أمسى حديث جنادل وتراب
لله سر في بناية (ثروت)
سبحان باني هذه الأعصاب
إني سألت العارفين فلم أفز
منهم على عرفانهم بجواب
هو مستقيم ملتو، هو لين
صلب، هو الواعي، هو المتغابي
هو حول، هو قلب، هو واضح
هو غامض، هو قاطع، هو نابي
هو ذلك الطلسم.. من أعيا الحجا
حلا ومات ولم يفز بطلاب
هو ما تراه مفاوضا كيف انبرى
لكبيرهم بذكائه الوثاب
لم يأت من باب لصيد دهائه
إلا نجا بدهائه من باب
ويظل يرقبه ويغزو كبره
بليونة ولباقة وخلاب
ويروضه حتى يرى أسطوله
خشبا تناثر فوق ظهر عباب
ويرى صنوفا من ذكاء صففت
دون الحمى تعيي أسود الغاب
وأتى بأقصى ما ينال مفاوض
يسعى بغير كتائب وحراب
واستل من أشداق آساد الثرى
علما عضضن عليه بالأنياب
خلقا خبا ضوء الهلال لطيه
جم التوجع دامي الأهداب
فاخضر فوق ربوع مصر عوده
في منبت خصب ورحب جناب
إن فاته بعض الأماني فاذكروا
أنا أمام محنكين صلاب
قد جاز تيهاء الأمور ولم يكن
في وعرها وكؤودها بالكابي
رجل يفاوض وحده عن أمة
إن لم يفز فوزا فليس بعاب
رفع الحماية بعدما بسطت على
أبناء (مصر) وأيدت بكتاب
وأتى (لمصر) وأهلها بسيادة
مرفوعة الأعلام والأطناب
غفرا فلست ببالغ فيك المدى
إني غذذت إلى مداك ركابي
كم موقف لك في الجهاد مسجل
بشهادة الأعداء والأصحاب
في خطب مصر (لبطرس) أخمدتها
مشبوبة كانت على الأبواب
ألفت بين العنصرين فأصبحا
رنقا، وكنت موفق الأسباب
خالفت فيك الجازعين فلم أنح
حزنا عليك وأنت من أترابي
النوح في الجلى اجتهاد مقصر
ألفى دعاء الصبر غير مجاب
فأنا الذي يبكي بشعر خالد
يبقى على الأجيال للأعقاب
قد كنت تحسن بي وترقب جولتي
في حلبة الشعراء والكتاب
وتهش إن لاقيتني وتخصني
بالبشر في ناديك والترحاب
فاذهب كما ذهب الربيع بنوره
تأسى الرياض عليه غب ذهاب (36) رثاء محمود سليمان باشا (نشرت في 19 فبراير سنة 1929م)
مسدي الجميل بلا من يكدره
ومكرم الضيف أمسى ضيف (رضوان)
تجتازنا عبقة من روضة أنف
إذا ألمت بنا ذكرى (سليمان)
فقل (لآل سليمان) إذا جزعوا
ردوا النفوس إلى صبر وسلوان
ما إن رأيت دفينا قبل شيخكم
تحت التراب وفوق النجم في آن
قضيتها مئة في كل واحدة
تعد زادك من بر وإحسان
فكم صفحت عن الجاني ولم تره
وكم غرست وكان المعوز الجاني
وكم أقلت كريما عند عثرته
وكم مشيت بصلح بين إخوان
إني رأيتك قبل الموت في فلك
من الجلال على جنبيه نوران
نور اليقين ونور الشيب بينهما
سكينة حركت نفسي ووجداني
على جبينك آيات الرضا ارتسمت
وبين جنبيك قلب غير وسنان
قسمت ما جمعت كفاك من نشب
على بنيك فكنت الوالد الحاني
مال حلال مزكى ما خلطت به
مليم سحت ولا حقا لإنسان
زهدت فيها وهام العابدون لها
بجمع فان يعاني جمعه فاني
بكسرة وكساء عشت مغتبطا
تسبح الله في سر وإعلان
أقر عينيك في دنياك أن رأتا (محمدا) يتراءى فوق (كيوان)
قضيت في الأوج من عزيكما وكذا
يقضي (سليمان) في عز وسلطان
أنجبت أربعة سادوا بأربعة:
فضل ونبل وإحسان وعرفان
أورثتهم شمما هش الإباء له
وأورقت في ذراه عزة الشان
يذكرن برا رحيما قد أقام لهم
صرحا من المجد أعلى ركنه الباني
كم نعمة لك يا (محمود) عند أبي
بشكرها لك عند الموت أوصاني (37) تأبين محمد المويلحي بك (نشرت في 18 أبريل سنة 1930م)
أبيات قالها وهو يسير خلف نعشه
غاب الأديب أديب (مصر) واختفى
فلتبكه الأقلام أو تتقصفا
لهفي على تلك الأنامل في البلى
كم سطرت حكما وهزت مرهفا
مات (المولحي) الحسان ولم يمت
حتى غزا «عيسى» العقول وثقفا
وقال يرثيه أيضا: أنشد هذه القصيدة في حفل التأبين الذي أقيم في مسرح حديقة الأزبكية في 13 يونيه 1930م
دمعة من دموع عهد الشباب
كنت خبأتها ليوم المصاب
لبت اليوم يا (محمد) لما
راعني نعي أكتب الكتاب
هدأت لوعتي وسرت قليلا
عن فؤادي ولطفت بعض ما بي
موكب الدفن خلف نعشك يمشي
في احتساب وحسرة وانتحاب
لم يجاوز منازل البدر عدا
من بقايا الصديق والأحباب
لم يسر فيه من يحاول أجرا
عند حي مؤمل أو يحابي
موكب ماج جانباه بحفل
من وفود الأخلاق والأحساب
شاع فيه الوفاء والحزن حتى
ضاق عن حشده فسيح الرحاب
فكأن السماء والأرض تمشي
فيه من هيبة وعز جناب
تتمنى قياصر الأرض لو فا
زت لدى موتها بهذا الركاب
رب نعش قد شيعته ألوف
من سواد تعلوه سود الثياب
ليس فيهم من جازع أو حزين
صادق السعي أو أليف مصاب
كنت لا ترتضي النجوم محلا
فلماذا رضيت سكنى التراب!
كنت راح النفوس في مجلس الأن
س وراح العقول عند الخطاب
كنت لا ترهق الصديق بلوم
لا ولا تستبيح غيب الصحاب
ولئن بت عاتبا أو غضوبا
لقريب الرضا كريم العتاب
جزت سبعين حجة لا تبالي
بشهاد تعاقبت أم بصاب
وسواء لديك والرأي حر
روح (نيسان) أو لوافح (آب)
يا شجاعا وما الشجاعة إلا الص
بر لا الخوض في صدور الصعاب
كنت نعم الصبور إن حزب الأم
ر وسدت مسارح الأسباب
كم تجملت والأماني صرعى
وتماسكت والخظوظ كوابي
عشت ما عشت كالجبال الرواسي
فوق نار تذيب صم الصلاب
مؤثر البؤس والشقاء على الشك
وى وإن عضك الزمان بناب
كنت تخلو بالنفس والنفس تشوى
من كؤوس الهموم والأوصاب
فتسري بالذكر عنها وتنفي
ما عراها من غصة واكتئاب
وترى وحشة انفرادك أنسا
بحديث النفوس والألباب
بنت عنها وما جنيت وقد كا
بدت بأساءها على الأحقاب
ونبذت الثراء تبذل فيه
من إباء في بذله شر عاب
لو شهدتم (محمدا) وهو يملي
آي «عيسى» ومعجزات الكتاب
وقفت حوله صفوف المعاني
وصفوف الألفاظ من كل باب
لعلمتم بأن عهد (ابن بحر)
عاود الشرق بعد طول احتجاب
أدب مستو وقلب جميع
وذكاء يريك ضوء الشهاب
عند رأي موفق، عند حزم
عند علم يفيض فيض السحاب
جل أسلوبه النقي المصفى
عن غموض ونفرة واضطراب
وسما نقده النزيه عن الهج
ر فما شيب مرة بالسباب
ذقت في غربة الحياة عناء
فذق اليوم راحة في الإياب
بلغ (البابلي) عني سلاما
كعبير الرياض أو كالملاب
كان تربي وكان من نعم المب
دع - سبحانه - على الأتراب
فارس في الندى إذا قصر الفر
سان عنه وفارس في الجواب
يرسل النكتة الطريفة تمشي
في رقيق الشعور مشي الشراب
قد أثار (المحمدان) دفينا
في فؤادي وقد أطارا صوابي
خلفاني بين الرفاق وحيدا
مستكينا وأمعنا في الغياب (38) رثاء عبد الحليم العلايلي بك (نشرت في 6 مايو سنة 1932م)
يا بن (عبد السلام) لا كان يوم
غبت فيه عن هالة الأحرار
كنت فيهم كالرمح بأسا ولينا
كنت فيهم كالكوكب السيار
يا عريق الأصول والحسب الوض
اح والنبل يا كريم الجوار
كنت فرعا بدوحة العز تأوي
تحت أفنانه عفاة الديار
قصفته المنون وهو نضير
مورق عوده جني الثمار
كنت تأسو جراحهم وتقيهم
وتقيل العثار عند العثار
خان نطفي ولم تخني دموعي - لهف نفسي - فقصرت أشعاري
غير بدع إذا نظمت رثائي
في صديقي من الدموع الجواري
فمن الحزن ما يدك الرواسي
ومن الحزن ما يهد الضواري
وقال يرثيه أيضا: (نشرت في 16 يونيه 1932م)
مضيت ونحن أحوج ما نكون
إليك ومثل خطبك لا يهون
برغم (النيل) أن عدت العوادي
عليك وأنت خادمه الأمين
برغم (الثغر) أن غيبت عنه
وأن نزلت بساحتك المنون
أجل مناه لو يحويك ميتا
ليجبر كسره ذاك الدفين
أسال من الدموع عليك بحرا
تكاد بلجه تجري السفين
وقام الناديات بكل دار
وكبر في مآذنه الأذين
أصيب بذي مضاء أريحي
به عند الشدائد يستعين
فتى الفتيان غالتك المنايا
وغصنك لا تطاوله غصون
صحبتك حقبة فصحبت حرا
أبيا لا يهان ولا يهين
نبيل الطبع لا يغتاب خلا
ولا يؤذي العشير ولا يمين
تطوع في الجهاد لوجه (مصر)
فما حامت حواليه الظنون
ولم يثن الوعيد له عنانا
ولم تحنث له أبدا يمين
ولم تنزل بعزته الدنايا
ولم يعلق به ذل وهون
مضى لسبيله لم يحن رأسا
ولم يبرح سريرته اليقين
تركت أليفة ترجو معينا
وليس سوى الدموع لها معين
تنوح على القرين وأين منها
وقد غال الردى - ذاك القرين
سمعت أنينها والليل ساج
فمزق مهجتي ذاك الأنين
فقد عانيت قدما ما يعاني
على علاته القلب الحزين
من الخفرات قد نعمت بزوج
سما بجلاله أدب ودين
أقامت في النعيم ولم تروع
فكل حياتها رغد ولين
لقد نسج العفاف لها رداء
وزان رداءها الخدر المصون
دهاها الموت في الإلف المفدى
وكدر صفوها الدهر الخؤون
فكاد مصابها يأتي عليها
لساعتها وتقتلها الشجون
ربيبة نعمة لم تبل حزنا
ولم تشرق بأدمعها الجفون
وفت لأليفها حيا وميتا
كذاك كريمة (اللوزي) تكون
ستكفيها العناية كل شر
ويحرس خدرها (الروح الأمين) (39) رثاء محمود الحمولي
وهو ابن المرحوم عبده الحمولي المغني المعروف، وكان قد مات بعد قرانه بقليل
شوقتماني أيها الفرقدان
لبدر تم غاب قبل الأوان
وكلما أشرقتما مرة
علمتما عيني نظم الجمان
على عزيز قد تولى ولن
يؤوب حتى يرجع القارظان
عجلت يا (محمود) في رحلة
قرت بها أعين حور الجنان
كأنما آخر عهد الهنا
قد كان منا ليلة المهرجان (40) رثاء حبيب المطران باشا
أعزي فيك أهلك، أم أعزي
عفاة الناس، أم همم الكرام؟
وما أدري أركن الجاه أودى - وقد أوديت - أم ركن الشآم؟ (41) رثاء المرحوم أحمد البابلي
بدأ الممات يدب في أترابي
وبدأت أعرف وحشة الأحباب
يا بابلي فداك إلفك في الصبا
وفدا شبابك في التراب شبابي
قد كنت خلصاني وموضع حاجتي
ومقر آمالي وخير صحابي
فاذهب كما ذهب الكرام مشيعا
بالمجد مبكيا من الأحباب (42) تعزية المرحوم محمود سامي البارودي باشا في ابنته
وديعة ردت إلى ربها
ومالك الأرواح أولى بها
ألم يكن صبرك في بعدها
يربو على شكرك في قربها؟
وقال يرثيها أيضا:
بين السرائر ضنة دفنوك
أم في المحاجر خلسة خبئوك؟
ما أنت ممن يرتضي هذا الثرى
نزلا فهل أرضوك أم غبنوك؟
يا بنت (محمود) يعز على الورى
لمس التراب لجسمك المنهوك
تركوا شبابك فيه نهبا للبلى
واها لغض شبابك المتروك
وحثوه فوق سناك يا شمس الضحى
فبكى له بدر السماء أخوك
داس الحمام عرين آساد الشرى
يا ليت شعري أين كان أبوك؟
عهدي به يلقى الردى بمهند
يعلوه غمد من دم مسفوك
يا نفس (محمود) وأنت عليمة
بطريق هذا العالم المسلوك
عهدوك لا تتصدعين لحادث
أو أنت باقية كما عهدوك
هذا التراب - وأنت أعلم - ملتقى
هذا الورى من سوقة وملوك
هل أنت إلا بين جنبي ماجد
صعب الشكيمة للخطوب ضحوك
يغضي بحضرته الزمان فيلتقي
عز المليك وذلة المملوك (43) «من مرثية وهمية»
بلغ حافظا أن جورج الخامس ملك إنجلترا قد توفي، فلم يكد يسمع هذا النبأ حتى بدأ ينظم قصيدة في رثائه، ثم تبين له - بعد - عدم صحة هذا الخبر وقد وقفنا على بيتين من هذه المرثية، وهما:
إن الذي كانت الدنيا بقبضته
أمسى من الأرض يحويه ذراعان
وغاب عن ملكه من لم تغب أبدا
عن ملكه الشمس من عز وسلطان (44) شهداء العلم (جريدة السفور (15 أبريل سنة 1920))
في سنة 1920 أوفدت مصر أول بعثة دراسية من شبابها النابه إلى أوربا لاستكمال دراساتهم العليا في جامعاتها، وقد ذهبوا جميعا ضحية حادث أليم وقع للقطار الذي كان يقلهم عبر إيطاليا في أكبر كارثة للسكك الحديدية شهدتها أوربا.
وكان وقع المصاب الفادح بالغ الألم والأثر في مصر وفي سائر البلاد العربية والأجنبية. وقد رثاهم شاعر النيل بهذه القصيدة التي ألقيت في حفل جريدة السفور التي أقيمت مساء 14 من أبريل سنة 1920.
علمونا الصبر يطفي ما استعر
إنما الأجر لمفجوع صبر
صدمة في الغرب أمسى وقعها
في ربوع الشرق مشئوم الأثر
زلزلت في أرض مصر أنفسا
لم يزلزلها قرار المؤتمر
ما اصطدام النجم بالنجم على
ساكني الأرض بأدهى وأمر
قطف الموت بواكير النهى
فجنى أجمل طاقات الزهر
وعدا الموت على أقمارنا
فتهاووا قمرا بعد قمر
في سبيل النيل والعلم وفي
ذمة الله قضى الإثنا عشر
أي بدور الشرق ماذا نابكم
في مسار الغرب من صرف الغير
نبأ قطع أوصال المنى
وأصم السمع منا والبصر
كم بمصر زفرة من حرها
كنس الأعفر، والطير وكر
كم أب أسوان دام قلبه
مستطير اللب مفقور الظهر
ساهم الوجه لما حل به
سادر النظرة من وقع الخبر
كم بها والدة والهة
عضها الشكل بناب فعقر
ذات نوح تحت أذيال الدجى
علم الأشجان سكان الشجر
نسأل الأطيار عن مؤنسها
كلما صفق طير واصطحر
تسأل الأنجم عن واحدها
كلما غور نجم أو ظهر
نهب العمر لمن ينبئها
أنه أفلت من كف القدر
ويح مصر، كل يوم حادث
وبلاء ما لها منه مفر
هان ما تلقاه إلا خطبها
في تراث من بنيها مدخر
قد ظلمتم مجدهم في نقلهم
إنما نقلتهم إحدى الكبر
فسواء في تراب الشرق أم
في تراب الغرب كان المستقر
أأبيتم أن نرى يوما لنا
في ربوع العلم شبرا فنسر
أضننتم أن تقيموا بينهم
شاهدا منا لكتاب السير
ومزارا كلما يممه
ناشئ حيا ثراه وادكر
ودليلا لابن مصر كلما
قام في الغرب بمصر فافتخر
كم مسلات لنا في أرضهم
صورت معجزة بين الصور
قمن رمزا لعصور قد خلت
أشرق العلم عليها وازدهر
فاجعلوا أمواتنا اليوم بها
خير رمز لرجاء منتظر
أمة الطليان خففت الأسى
بصنيع من أياديك الغرر
جمعت كفاك عقدا زاهيا
من بنينا فوق واديك انتثر
ومشى في موكب الدفن لهم
من بنيكم كل مسماح أغر
وسعى كل امرئ مفضل
بادي الأحزان مخفوض النظر
وبكت أفلاذكم أفلاذنا
بدموع روضت تلك الحفر
وصنعتم - صنع الله لكم -
فوق ما يصنعه الخل الأبر
قد بكينا لكم من رحمة
يوم «مسينا» فأرخصنا الدرر
فحفظتم وشكرتم صنعنا
وبنو الرومان أولى من شكر
أي شباب النيل لا تقعد بكم
عن خطير المجد أخطار السفر
إن من يعشق أسباب العلا
يطرح الإحجام عنه والحذر
فاطلبوا العلم ولو جشمكم
فوق ما تحمل أطواق البشر
نحن في عهد جهاد قائم
بين موت وحياة لم تقر (45) رثاء فقيد العلم والوطن محمد عاطف بركات باشا (المقطم في 13 سبتمبر 1924) (ألقيت في حفل تأبينه)
ثمن المجد والمحامد غالي
آل زغلول فاصبروا لليالي
قد هوى منكم ثلاثة أقما
ر خلت منهم بروج المعالي
مات «فتحي» ومن لنا بحجاه
وأفانين فكره الجوال
كان أعجوبة الزمان ذكاء
ومضاء في كل أمر عضال
و«سعيد» وكان غصنا نديا
فتحت فيه زهرة الآمال
وقضى «عاطف» وكان عظيما
صادق العزم مطمئن الخلال
يهزل الناس والزمان، ويأبى
غير جد مواصل ونضال
ساهد الرأي، نائم الحقد، لاه
عن ملاهي الورى، عفيف المقال
قد جلا سيف عزمه صيقل ال
نفي، فأربى على السيوف الصقال
ونمت رأيه التجارب حتى
بات أمضى من نافذات النبال
يا شهيد الإصلاح غادرت مصرا
وهي تجتاز هول دور انتقال
لو تريثت لاستطال بك الني
ل على هذه الخطوب التوالي
غير أن الردى، وإن كثر النا
س، حريص على البعيد المنال
كلما قام مصلح أعجلته
عن مناه غوائل الآجال
يخطف النابغ النبيه ويبقى
خامل الذكر في نعيم وخال
أيعيش الرئبال في الغاب جيلا
ويمر الغراب بالأجيال
كنت فوق الفراش والسقم باد
لهف نفسي عليك والجسم بال
لم يزحزحك عن نهوضك بالأعبا
ء داء يهد أسد الدحال
شغلتك الجهود والداء يمشي
فيك مشي المحاذر المغتال
لم يدع منك غير قوة نفس
تتجلى في هيكل من خيال
عجز السقم عن بلوغ مداها
فمضت في سبيلها لا تبالي
لم تزل في بناءة النشء حتى
هدم الموت عمر باني الرجال
عجب الناس أن رأوا سرطان ال
بحر قد دب في رؤوس الجبال
من رأى «عاطفا» وقد وصل الأش
غال بعد الهدو بالأشغال
ظن، أو كاد، أن أول نوم
نامه كان تحت تلك الرمال
أو رأى قوة العزيمة فيه
وهو فوق الفراش بادي الهزال
ظن بأس الحديد فارق مثوا
ه اجتواء وحل عود الخلال
قد تبينت كل معنى فأنكر
ت على السالفين معنى المحال
رمت في أشهر صلاح أمور
دمرتها يد العصور الخوالي
رمت إصلاح ما جنت يد «دنلو
ب» على العلم السنين الطوال
وقليل عندي لها نصف جيل
لمجد موفق فعال
لم تكن مصر بالعقيم ولكن
قد رماها أعداؤها بالحيال
أفسحوا للجياد فيها مجالا
قد أضر الجياد ضيق المجال
أصبحت في القيود تمشي الهوينى
كسفين يعبرن مجرى القنال
فاصدعوا هذه القيود وخلو
ها تباري في السبق ريح الشمال
عرف الغرب كيف يستثمر الجد
فيبني بفضله كل غال
ودرى الشرق كيف يستمريء الله
و فيفضي به إلى شر حال
فاتركوا اللهو في الحياة وجدوا
إن في اسم الرئيس أيمن فال
فاصنعوا صنع عاطف واذكروه
آية المجد - ذكرة الأبطال
يا محب الجدال نم مستريحا
ليس في الموت منفذ للجدال
صامت يسكت المفوه فاعجب
وبطيء يبز خطو العجال
كل شيء إلا التحية يرجى
فهي لله، والدنا للزوال
إن بكت غيرك النساء وأذرف
ن عليه الدموع مثل اللآلي
فعلى المصلحين مثلك تبكي
ثم تبكي جلائل الأعمال (46) رثاء الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي
رحم الله صاحب النظرات
غاب عنا في أحرج الأوقات
يا أمير البيان والأدب النض
ر لقد كنت فخر أم اللغات
كيف غادرتنا سريعا وعهدي
بك يا مصطفى كثير الأناة
أقفرت بعدك الأساليب واستر
خى عنان الرسائل الممتعات
جمحت بعدك المعاني وكانت
سلسات القياد مبتدرات
وأقام البيان في كل ناد
مأتما للبدائع الرائعات
لطمت «مجدلين» بعدك خدي
ها وقامت قيامة «العبرات»
وانطوت رقة الشعور وكانت
سلوة البائسين والبائسات
كنت في مصر شاعرا يبهر الل
ب بآيات شعره البينات
فهجرت الشعر السري إلى النش
ر فجئت الكتاب بالمعجزات
مت والناس عن مصابك في شغ
ل بجرح الرئيس حامي الحماة
شغلوا عن أديبهم بمنجي
هم فلم يسمعوا نداء النعاة
وأفاقوا بعد النجاة فألفوا
منزل الفضل مقفر العرصات
قد بكاك الرئيس وهو جريح
ودموع الرئيس كالرحمات
لم تبق يا فتى المحامد مالا
فلقد كنت مغرما بالهبات
كم أسالت لك اليراعة سيلا
من نضار يفيض فيض الفرات
لم تؤثل مما كسبت ولم تح
سب على ما أرى حساب الممات
مت عن يافع وخمس بنات
لم تخلف لها سوى الذكريات
وتراث الأديب في الشرق حزن
لبنيه، وثروة للرواة
لا تخف عثرة الزمان عليهم
لا، ولا صولة الليالي العواتي
عين سعد ترعاهم بعد عي
ن الله فاهدأ فقد وجدت المواتي (47) رثاء أحمد حشمت باشا
كان أحمد حشمت باشا من رجالات مصر في العصر السابق، ولي مناصب القضاء والإدارة ثم وزيرا للمعارف «التربية والتعليم الآن».
وقد ناصر الأدب واللغة العربية في عصر اشتدت حملة الاستعمار والمبشرين عليها شدة مسعورة، وكانت له - رغم منصبه الوزاري ووجود مستشار المعارف الإنجليزي - مواقف مشهودة، خرجت بفضلها اللغة العربية سليمة خالصة لأهلها، وحفظت عليهم لسانهم العربي المبين.
وكان من الطبعي أن تقوم الصلة قوية متينة بين حشمت باشا وشاعر النيل، وأن يقربه الوزير إليه، ويعينه رئيسا للقسم الأدبي بدار الكتب المصرية. فكان عملا جريئا من الوزير أن يعين في وظيفة حكومية، أديبا يطارد الاستعمار ويطارده الاستعمار في عصر الاستعمار .
ولقد رثاه الشاعر سنة 1926 بهذه المرثية المنبعثة من ضمير ووجدان الشاعر الوطني الوفي الكليم.
حبس اللسان وأطلق الدمعا
ناع أصم بنعيك السمعا
لك منة قد طوقت عنقي
ما إن أريد لطوقها نزعا
مات الإمام وكان لي كنفا
وقضيت أنت وكنت لي درعا
فليشمت الحساد في رجل
أمست مناه وأصبحت صرعى
ولتحمل الأيام حملتها
غاض المعين وأجدب المرعى
إني أرى من بعده شللا
بيد العلا وبأنفها جدعا
وأرى الندى مستوحشا قلقا
وأرى المروءة أقفرت ربعا
قد كان في الدنيا أبو حسن
يولي الجميل ويحسن الصنعا
إن جاء ذو جاه بمحمدة
وترا شآه بمثلها شفعا
فإذا نظرت إلى أنامله
تندى، حسبت بكفه نبعا
سلني فإني من صنائعه
وسل «المعارف» كم جنت نفعا
قد أخصبت أم اللغات به
خصبا أدر لأهلها الضرعا
تالله لولا أن يقال أتى
بدعا، لطفت بقبره سبعا
قد ضقت ذرعا بالحياة، ومن
يفقد أحبته يضق ذرعا
وغدوت في بلد تكنفني
فيه الشرور ولا أرى دفعا
كم من صديق لي يحاسنني
وكأن تحت ثيابه أفعى
يسعى فيخفي لين ملمسه
عني مسارب حية تسعى
كم حاولت هدمي معاولهم
وأبى الإله فزادني رفعا
أصبحت فردا لا يناصرني
غير البيان، وأصبحوا جمعا
ومناهم أن يحطموا بيدي
قلما أثار عليهم النقعا
ولرب حر عابه نفر
لا يصلحون لنعله شسعا
من ذا يواسيني ويكلؤني
في هذه الدنيا ومن يرعى
لا جاه يحميني، ولا مدد
عني يرد الكيد والقذعا
بك كنت أدفع كل عادية
وأجيب في الجلى إذا أدعى
وأقيل عثرة كل مبتئس
وأفي الحقوق وأنجح المسعى
حتى نعى الناعي أبا حسن
فوددت لو كنت الذي ينعى
غيظ العداة فحاولوا سفها
منه لحبل ودادنا قطعا
راموا له بتا - وقد حملوا
ظلما - فكان لوصله أدعى
يا دوحة للبر قد نشرت
في كل صالحة لها فرعا
ومنارة للفضل قد رفعت
فوق الكنانة نورها شعا
ومثابة للرزق أحمدها
ما رد مسكينا ولا دعا
إني رثيتك والأسى جلل
والحزن يصدع مهجتي صدعا
لا غرو إن قصرت فيك فقد
جل المصاب وجاوز الوسعا
سأفيك حقك في الرثاء كما
ترضى، إذا لم تقدر الرجعى
Shafi da ba'a sani ba