Misira: Zanen Mutane da Wuri da Lokaci
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Nau'ikan
انظر
ملحق الصور .
الديانة المصرية القديمة ليست عقيدة وكتاب مقدس، إنما هي ممارسات طقسية لكل إله على حدة، على رأس الطقوس الهبات والأضاحي والنذور مع تلاوات وأدعية. يقوم الكاهن بالمساعدة خلال الطقوس بينما تودع الهبات - لحوم، أوز، طيور، أسماك، عجول، أو أراض وأطيان ... إلخ - مخازن المعبد وتضاف في قائمة إلى كاهن المعبد الرئيسي لهذا الإله.
لهذا كانت هناك أعداد كبيرة من الآلهة المحلية (حسب البعض 2000 إله) + آلهة خاصة للبيت، بينما كان هناك نحو 80 إلها وإلهة كبارا لكثير منهم معابد متعددة في مدن وأقاليم رئيسية، ومعظم الآلهة لهم صفات مشتركة عامة ومهام تميز كل منهم مثل إله الشمس أو القمر أو الخصب أو الموتى أو المحارب أو العدل أو الحب أو الخمر أو أبو السرور والبهجة.
وأغلب ما نعرفه عن الآلهة الكبار أنهم شديدو الارتباط بالأحداث السياسية، ومن ثم يمكن أن يكون رع إله الشمس في هليوبوليس ثم تنتقل بعض صفاته إلى إله العاصمة الجديدة في طيبة فيصبح آمون رع، أو حورس الإله المحارب القديم ليصبح جزء من ثالوث إيزيس وأوزير لينتقم من عمه ست مغتصب الملك من أوزير وقاتله، وتنشأ بذلك قضية الثأر كعنصر مجتمعي دائم، أو يصبح حورس حوراختي في فترة لاحقة في طيبة الأقصر ... إلخ.
لهذا كان سهلا أن تقبل الديانة المصرية إضافات إلهية حتى لو كانت من الخارج، فالمصريون لم يكونوا متشددين قليلي التسامح بل نظرتهم عقلانية مرتبطة بالواقع المادي ومتقبلة للجديد في صوغ متناغم متناسب مع النسيج العام. لهذا أيضا تقبل المصريون بسهولة الفكر المسيحي القائم على الثالوث المقدس؛ لأن له صدى متناسق مع الديانة الشعبية دائمة الفعالية بين المصريين والمتمثلة في ثالوث إيزيس - أوزير - حور، وعشرات غيره من ثالوث إلهي لمدن وأقاليم عديدة مثل ثالوث آمون - موت - خنسو في الأقصر. ومن ثم تقبل الشعب بيسر وسهولة الثالوث المقدس المسيحي بغض النظر عن الاختلاف الفكري الفلسفي بين آباء الكنيسة.
استطرادا ربما نقول: إن لآل البيت النبوي صفة متماثلة في مثلث علي وفاطمة والحسين، ولهذا نجد بين المصريين حتى اليوم تعاطفا واحتراما زائدا لآل البيت لدرجة قبلت التشيع بسهولة في العصر الفاطمي، وما زالت أكبر الموالد في مصر هي لأفراد من آل البيت: الحسين والسيدة زينب وزين العابدين والسيدة نفيسة بغض النظر عن الوجود المادي للرفات من عدمه، وربما يجد المتخصصون صورا مشابهة في المناسبات الدينية القبطية في الأماكن التي زارتها العائلات المقدسة مثل المطرية والدير المحرق ... إلخ.
وفي عصر ما قبل التاريخ هناك شواهد أدلة في آثار حضارة جرزه ومرمدة بني سلامة والمعادي ونقادة ... إلخ. على الاعتقاد في الخلود والحياة في عالم آخر ومن ثم كانت المدافن تحت الأرض. واستمرارا لهذا المعتقد وتحسينه في صورة أدق وأرقى كان الركن الهام من مكونات ثالوث إيزيس أن هناك يوم الحساب والقيامة يشرف عليه أوزير إله الغرب والموتى. وسواء كان مقياس الحياة الأخرى هو وزن القلب فمن خفت موازينه نعم بالحياة الأخرى ومن ثقل قلبه ألقي في بركة من نار، أو من أوتي كتابه بيمينه دليل الإيمان والصدق ... فالأمر متشابه بصورة مجازية وهو ما ساعد على سرعة تقبل المصريين للمسيحية أو الإسلام باعتبار تشابه العقيدة في التأكيد على الحياة الأخرى كوازع للعمل الصالح في الحياة الدنيا.
شيء آخر مهم في ثالوث إيزيس هو أن الناس كلهم سواسية في الحياة الأخرى لا سطوة أو سلطان على أحد، وبعبارة أخرى ديمقراطية حياة الآخرة وعدالتها. وهذا الموقف الخلقي هو ما يحبذ على حسن التعامل واتباع صالح السلوك في الحياة الدنيا.
كل هذه تمثل فعلا سلاسة الانتقالات الفكرية والدينية بين المصريين آلاف السنين دون تحزب أو إكراه إلا في حالة واحدة هي مرحلة فرض عبادة آتون أو آتن بواسطة العقيدة الجديدة للملك اخناتن. وربما يرمز لعدم التعصب والتشدد أن نفس البناء يستخدم لطقوس دينية مختلفة في عصور مختلفة، وعلى رأسها معبد الأقصر الذي حلت كنيسة في جزء منه فترة وحل جامع أبو الحجاج على جزء منه منذ فترة. ومثل هذا في دير سانت كاترين الذي يضم ضمن أسواره مسجد إسلامي، وكذلك حلت كنائس وأديرة محل معابد قديمة مع تحويل الرسوم داخلها إلى الصور المسيحية المعهودة.
Shafi da ba'a sani ba