Misira: Zanen Mutane da Wuri da Lokaci
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Nau'ikan
مقترح تنمية
مصر العليا أو الوجه القبلي أو الصعيد كلها أسماء ومصطلحات تصف وادي النيل من الحدود الجنوبية حتى تفرع النيل عند القاهرة الكبرى مكونا الدلتا. وبالتالي تدخل المحافظات من جنوب الجيزة إلى بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا - بما فيها الأقصر، وأسوان - بما فيها منطقة بحيرة ناصر. ويضاف إلى ذلك الفيوم التي هي في صورة الواحة لكنها لم تكن كذلك، بل هي تكوين طبيعي لبحر يوسف الذي يمثل فرعا جنوبيا من النيل عند ديروط، وكانت مياه بحر يوسف تفيض إلى منخفض الفيوم الذي أصبح على مر آلاف السنين بحيرة عرفها المصريون القدماء باسم تاحنو مرور، وحولها الإغريق إلى بحيرة موريس وبقاياها الآن هي قارون. لكن الفراعنة مبكرا - نحو 2000ق.م - حولوا البحيرة بإنشاءات هندسية إلى أرض خصبة تفوح بالأعناب والموالح والحبوب.
وعلى أية حال فإن هذا الوادي الطويل - نحو 1250 كيلومتر - يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ مصر الوسطى: تمتد من بني سويف والفيوم إلى المنيا، ومصر العليا: من سوهاج إلى قنا وأسوان، وبذلك تقع أسيوط بين القسمين، وقد نستحسن ضمها إلى مصر الوسطى بحكم أشياء كثيرة جغرافية وتاريخية ودينية وتجارية واستراتيجية. فعند مدينة أسيوط وحولها أضيق نطاق في الوادي تطل عليه حافات الهضبة الصحراوية الغربية، مما يجعلها مفتاح الحركة المدنية والعسكرية لكل من قسمي الوادي. وقد عرف أهميتها الفراعنة ومن ثم كان اسمها القديم «ساوت» بمعنى الحارس، كما عرفوها أيضا باسم «تب شمع» بمعنى نهاية الجنوب؛ لأنها تشرف على الصعيد الجنوبي وطرق الواحات، ومقابل ذلك كانت سوهاج تعرف قديما باسم «عاحا» بمعنى باب الشمال.
ولقرب مصر الوسطى من مركز الحكم في منف-القاهرة فقد ألقت عليها ظلالا ساعدت على تطورها خلال الحقب من القدم إلى اليوم، مما أدى إلى ارتباطها حضاريا واقتصاديا بمركز الحكم. صحيح أنه لفترة كانت هناك جماعات وعشائر قبلية ممن يطلق عليهم قبائل وعشائر الغرب - مثل الفرجان والجوازي والباسل ولملوم وغيرهم - في الفيوم وغرب بحر يوسف من البهنسا إلى ديروط الخيل، لكنهم تدريجيا اندمجوا مع السكان وصارت أنشطتهم زراعية مثل بقية السكان.
وإلى الجنوب من أسيوط تطول المسافة مئات من الكيلومترات من سوهاج إلى أسوان، وبالتالي فإن أثر القاهرة المباشر على مصر العليا يقل ويصبح نافذا من خلال الحاكم الذي تعينه القاهرة أو تدعم زعامته بصورة أو أخرى، مثل الأمير همام الذي اعتمدت قوته في حكم الجنوب على قبيلته من الهوارة والتأييد الذي حظي به من سلاطين مصر بدأ بالسلطان برقوق. هذا فضلا عن أن مصر العليا كانت مواطن لمجموعات عدة غير ملتحمة التحاما كاملا لفترة طويلة بالسكان الأصليين من المصريين الذين يقومون بالإنتاج الفعلي لحاصلات الأرض. مثال ذلك الهوارة بين دشنا ونجع حمادي والبلينا شمال وجنوب النهر. ومثال ذلك قبائل العبابدة الذين استقروا على الحواجز بين قوص والأقصر وفي مناطق من سهل إدفو غرب، وبين جبل السلسلة ودراو في كوم أمبو، وفي مناطق متعددة بين النوبيين في النوبة القديمة. ومثال آخر الجعافرة في إسنا وشرق النيل حتى أسوان. هذا فضلا عن مجموعات النوبة الثلاث - الكنوز والفديجة والعليقات - سكان أرض النوبة المصرية قبل السد العالي، الذين هجروا إلى منطقة كوم أمبو في 1963. (11-1) جنوب الوادي
تشير الأسطر السابقة إلى أن جنوب الوادي هو مصر العليا. مشكلات جنوب الوادي هي مشكلات كل الصعيد ولكن بصورة أكبر. في جنوب الوادي نجد الأرض الزراعية أضيق باستثناء مناطق من سوهاج التي كانت مشهورة في عصر محمد علي الكبير بأنها المنتج الكبير لكثير من المحاصيل وبخاصة القمح، ولكن جرى عليها ما يجري في بقية مصر من مشكلات زراعية وعلى رأسها تفتت الملكية إلى وحدات إنتاجية غير اقتصادية. كانت في مديرية جرجا منتجات متميزة من تربية الحيوان والصوف والكتان والقطن قصير التيلة وصناعة النسيج في أخميم وصادرات أقمشة الجلاليب الزرقاء إلى أسواق مصر والسودان.
بعض أشكال الحرمان في مصر: الأمية والعطالة والفقر 1994
لاحظ ارتفاع قيم الحرمان في محافظات الصعيد. فقراء الصعيد 48,5 من السكان والدلتا 36,3 ومحافظات المدن 13,4 والصحاري 1,8.
وكانت مناطق الهوارة شهيرة بمعاصر القصب وإنتاج السكر الأحمر لقرون طوال. وفي إسنا وأرمنت وقوص وغيرها كان إنتاج العدس والفول عالي الجودة أثناء نظام ري الحياض، لكننا افتقدناه بعد الري الدائم وأصبحنا نستورد العدس من أنواع أدنى من عدس مصر وفولها الذي ورد في محكم القرآن الكريم. وكانت تربية الأبقار شغل الشاغلين إبان غمر الحياض بالماء. صحيح اكتسبنا مساحة محصولية مضاعفة لكن حساب المكسب والخسائر يساوي ما جاء في القصص القديم أن تبيع الفستق المقشور بفستق غير مقشور! حتى بلاد النوبة وبرغم صغر مساحة الأرض الطميية كانت تنتج ما يكفي جانبا كبيرا من أهلها من القموح والحبوب قبل بناء سد أسوان، ثم غاصت كلها تحت ماء بحيرة السد العالي إلى أبد لا نعلم مداه.
إذا تكلمنا عن السكان فإننا نجد ثمانية ملايين وربع المليون يكونون نحو 40٪ من سكان الصعيد يعيشون في جنوب الوادي، وقرابة نصفهم في سوهاج وحدها.
Shafi da ba'a sani ba