Misira: Zanen Mutane da Wuri da Lokaci
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Nau'ikan
ولكن لظروف مناخية ارتفع معدل حرارة الأرض العام بمقدار ثلاثة أعشار من درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الأخيرة مما يتسبب في ذوبان بعض كتل الجليد ومن ثم ارتفاع معدل سطح البحر عالميا. وقد يكون هذا الارتفاع محسوسا في البحار الجانبية كالبحر المتوسط أكثر من سواحل المحيطات المفتوحة، ومن ثم بدأ تآكل شاطئ رأس البر. وقد يكون امتناع طمي النيل عن سواحل الدلتا بعد بناء السد العالي أثر هو الآخر في فقدان الدلتا تعزيزات دفاعها ضد غزو البحر. ونتساءل هل كان إنشاء ميناء دمياط الجديد بقناته الملاحية والحواجز الصناعية أثر في غزو البحر لرأس البر؟ وقد تكون هناك أسباب أخرى كثيرة متفاعلة معا تؤدي إلى الظاهرة التي نعرفها باسم نحر البحر، لقد طغى البحر على بعض شواطئ الدلتا مثل بلطيم ورأس البر، فهل نفلح في صد هذا الهجوم البطيء الدائم لمياه البحر أم سنخسر الرهان شئنا أم أبينا باعتبار ذلك جزءا من عمليات طبيعية كل ما نفعله إزاءها هو إجراءات لإبطائها؟
وللأسف الشديد فقد تراجع مؤخرا نمط العشش في رأس البر وغيرها وتغير إلى البناء بالطوب والأسمنت لعدة طوابق. لماذا؟ اقتصاديا هذا النوع من البناء أكثر عائدا للملاك. فبدلا من وحدة سكنية هي مساحة العشة الواحدة أصبحت هناك أربع أو ست شقق تجلب إيرادا أكبر بكثير من العشة. كما أن إنشاء الحواجز التي تتوغل في البحر بطول نحو مائة متر لكسر حدة نحر البحر قد أدى إلى إرسابات نما معها الساحل الرملي على حساب البحر.
كل هذا يساوي مكاسب مادية لكنه قد أدى في الوقت نفسه إلى أمرين؛ أولهما: فقدان المصيف البيئي في الوقت الذي ندعو فيه إلى الحفاظ على البيئة وتراثها التاريخي، وثانيهما: ملاحظة كثرة حوادث الغرق للمستحمين في البحر التي لا يعرف لها سبب واضح، وإن كان يمكن ربطها بصورة أو أخرى بالتيارات البحرية المرتدة أمام الحواجز الاصطناعية الجديدة وحواجز ميناء دمياط الجديد. وهذه أمور تحتاج إلى تقص وتفحص ومقارنة مع أثر الحواجز التي بنيت عند بعض قرى الساحل الشمالي الغربي. وكما حدث من كثافة سكن دائم بين الإسكندرية والعجمي تتكرر هذه الظاهرة على نطاق أصغر في منطقة رأس البر-دمياط. فقد بنت السلطات «عمارات العرايس» لسكن الموظفين في الميناء. ومن ناحية هو إجراء مفيد ولكن من ناحية أخرى قد يمتد نمط العمائر للسكن الدائم فيقضي على البيئة في هذا المجال الضيق بين النيل ودمياط ورأس البر والميناء.
لا شك أن الإسكندرية كانت أسبق مدن الاصطياف على ساحل مصر الشمالي. ففضلا عن سكانها المقيمين من المصريين والأجانب كانت هناك حركة تعمير طوال القرن العشرين في شرق المدينة فيما عرف باسم رمل الإسكندرية بعد إنشاء ترام الرمل وكورنيش البحر. ومن ثم أصبح لكل حي جديد شاطئ وكازينو ومقاه ومطاعم وبنسيونات وفنادق من درجات مختلفة. ومع تزايد إقبال بعض القادرين من القاهرة ومدن الدلتا والصعيد أصبح التصييف صناعة بعض السكندريين يحوزون شققا لتأجيرها صيفا. ولا شك في أن انتقال الحكومة إلى الإسكندرية كل صيف حتى عام 1952 كان أحد العوامل الهامة في الترويج لصناعة الاصطياف في الإسكندرية. ونتيجة تفاعل تلك العوامل أن تباينت المواقع بين شواطئ الطبقات الراقية والشواطئ الشعبية. وفي الحالتين كان هناك متسع من الأرض للأبنية الموجهة غالبا لحركات الاصطياف.
وفي ذات الوقت كان بعض المصريين وأبناء الجاليات الأجنبية المصرية يهربون من ازدحام الإسكندرية إلى شواطئ جديدة غرب المدينة، ومن ثم نشأت شواطئ بيانكي - العجمي - وهانوفيل التي سرعان ما جذبت أغنياء ومستثمرين من المصريين يبنون شاليهات وفيلات. وانتقل مثل ذلك النشاط إلى واضعي اليد من أبناء القبائل البدوية في المنطقة بحيث أصبحت تجارة الأراضي صناعتهم الأولى بدلا من حدائق التين والفاكهة. والآن فإن الضغط السكاني السكندري وشركات المقاولات قد أهدر الشواطئ الناعمة، أحال المنطقة من الدخيلة حتى أبو تلات إلى سكن دائم كثيف.
وبعد انتهاء الحكم الملكي تنبهت بعض شركات المقاولات إلى الأرض الزراعية ضعيفة الإنتاج شرقي قصر المنتزه والتابعة لقرية المعمورة. وتحولت المنطقة إلى شاطئ متميز وخضعت المباني إلى قوانين صارمة، لكن ما درجنا عليه من الضغط والتكالب على أماكن تبرز ميزاتها قد أدى إلى تحول شاطئ المعمورة إلى سوق عكاظ: محلات وموسيقى متنافرة ومطاعم ومقاه وكازينوات من كل الدرجات وضغط على رمال الشاطئ بالسماح بالبناء، ربما أدى إلى هروب الراغبين في الاستجمام وترك الشاطئ للشباب بأنشطتهم العالية الصوت والحركة.
وإلى الشرق من المعمورة كان هناك مصيف أبو قير الفقير في معظم فتراته، تفصله عن الإسكندرية عدة قرى وأراض زراعية استغلت بعضا منها كمعسكرات حكومية للشباب. وبرغم وجود خط حديد منتظم إلى الإسكندرية إلا أن استثمارات أبو قير ظلت محصورة في مطاعم السمك الشهيرة التي أنشأها المصريون الإغريق، يزورها بعض المصطافين والسكندريين للاستمتاع بالرحلة القصيرة وأطعمة البحر الشهية الطازجة. وفي التسعينيات حدث تطور سريع في أبو قير فازدحمت فجأة بالعمارات والمقاهي والمطاعم، وهو تطور متأخر ربما نتيجة خلو الإسكندرية من شواطئ أخرى للاستثمار الاصطيافي.
مرسى مطروح ربما هي حتى الآن نهاية المطاف بالنسبة إلى مصايف مصر الغربية ومثلها في ذلك العريش في أقصى الشرق. وتتصف كل منهما بالمعاناة من الحروب؛ مطروح وقعت في رحى الشد والجذب بين الألمان والإنجليز خلال الحرب العالمية الثانية (الفترة 1940-1942)، والعريش خلال حروب طويلة من الحرب العالمية الأولى - الأتراك والإنجليز - إلى حروب فلسطين وبخاصة 1967 و1973، وأخيرا عودتها نهائيا إلى مصر بعد معاهدة السلام، ومن ثم فتطورها إلى مصيف أمر حديث جدا.
وتميزت مطروح بفترة سلام طويلة وموقع فريد على بحيرة ساحلية رائقة المياه وبقربها مناطق ساحلية ذات جمال طبيعي أخاذ مثل حمام كليوباترة والأبيض وعجيبة. وربما كان النادي الأهلي واحدا من أهم أسباب الانتباه إلى منطقة مطروح بما يقيمه سنويا منذ الخمسينيات من معسكر صيفي كبير على شاطئ البحيرة. اعتاد الشباب الصغار الذين كانوا يرافقون الأهل إلى معسكر النادي الأهلي على المنطقة وحين كبروا واصلوا الرحلة الصيفية إلى مطروح سواء في المعسكر أو غير ذلك. وازدحمت مطروح بالفنادق والأبنية، بل إن المنطقة الطبيعية الجميلة علم الروم إلى الشرق مباشرة من المدينة ضمت إلى حزام المدينة وقطعت أوصالها وتراصت فيها العمارات بصورة جائرة وامتدت على معظم شاطئها قرية سياحية وفقدت مطروح بذلك ظهيرها الشرقي الطبيعي. وكذلك امتد البناء على طول الساحل الجنوبي للبحيرة الغربية حتى التحم بالأبيض وعجيبة. وأكثر من ذلك فإن أعمال فتح ميناء داخل البحيرة قد أضر بها أيما ضرر: فلا الميناء ناجح ولا البحيرة الجميلة نجت من تلويث السفن! أين ذهبت مطروح الناعسة في حضن الطبيعة؟ ولماذا التزاحم في حيز ضيق بينما الأرض واسعة حولها؟
لكننا درجنا على هذا التزاحم نستهلك كل المقومات حتى تتكدس الأرض وتتدهور كما حدث في المعمورة، وغالبا سيحدث مثل هذا في مارينا نتيجة التركيز عليها - علما بأن موقعها في بطن خليج العرب ليس أحسن المواقع بل ربما كانت سيدي عبد الرحمن أو رأس الحكمة أحسن في علاقات البر والبحر من مارينا وكل القرى الساحلية من سيدي كرير إلى مارينا. ولكي يقلل المسئولون أثر السحب الذي يسببه تيار البحر المتوسط الذي يسير بموازاة الساحل من الغرب إلى الشرق، فإن بعض القرى أنشأت ألسنة وحواجز اصطناعية أمام شواطئها لإبعاد السحب وجعل الشاطئ أكثر أمانا. لكن هذه الحواجز تؤدي في نهايتها إلى دوامات وتيار راجع يصبح أثره خطيرا على شاطئ القرية المجاورة شرقا. يستطيع الإنسان أن يكبح جماح المؤثرات الطبيعية في حيز ضيق فقط، لكنه لا يستطيع أن يغيرها فتظل تهدده إلى أن يمل فيترك المكان منسحبا لكنه يكون قد دمر جزءا من الطبيعة تحتاج إلى إعادة بنائه مئات آلاف السنين. ولا يقتصر الأمر على ذلك. فقد أنفق المصريون - دولة وأفرادا - نحو 12 مليار جنيه لتعمير القرى الساحلية بين سيدي كرير ومارينا بين فيلات فاخرة وبيوت صغيرة وعمارات وشقق؛ لكنها قرى أشباح معظم السنة وللأسف ما زلنا نبني قرى جديدة دون أن نتعلم! فهل لم تكن هناك دراسات لمشروعات أخرى أحسن مردودا من هذي الإنفاقات التي لا يقدر عليها سوى الشعوب الغنية؟ (9-4) مواقع المصايف والبيئة الطبيعية
Shafi da ba'a sani ba