Misira da Al'adun Musulunci
مصر والحضارة الإسلامية
Nau'ikan
ومهما يكن من الأمر فإن وجود الخليفة العباسي في مصر جعل لوادي النيل مركزا ممتازا، فقد كان بعض أمراء المسلمين - ومنهم السلطان العثماني بايزيد الأول وطائفة من أمراء الهند - يطلبون من الخلفاء العباسيين في مصر تقليدا لم يكن في الحقيقة ذا قيمة جدية، اللهم إلا ليجعل مركز أولئك الأمراء شرعيا،
11
وقد ظلت الخلافة في مصر إلى أن تحولت إلى العثمانيين. وآراء المؤرخين مختلفة في هذا الصدد، فقد كان الشائع أن مقاليد الخلافة انتقلت من يد الخليفة العباسي المتوكل إلى السلطان سليم العثماني بعد أن فتح مصر سنة 923ه/1517م، ولكن الظاهر أن لقب الخليفة كان يطلق في ذلك العصر على كثير من الأمراء، وأن السلطان العثماني لم يحرص على تقلده، ولا سيما أن أسلافه كانوا يستعملون هذا اللقب قبل فتح مصر . ويلوح أيضا أن السلاطين العثمانيين لم يعنوا باستعمال لقب الخلافة إلا منذ القرن الثامن عشر الميلادي؛ وذلك ليكونوا أمام الدول المسيحية رعاة العالم الإسلامي. ومهما يكن من شيء فإن امتيازات الخليفة ولقبه تحولت شيئا فشيئا إلى سلاطين آل عثمان حتى لقب سلطان تركيا بلقب إمام وخليفة في معاهدة كجوق قينارجي بين الدولة العلية والروسيا (سنة 1774م)،
12
وبقيت الخلافة بعد ذلك في آل عثمان إلى أن أعلن المجلس الوطني الكبير سنة 1922 الجمهورية في تركيا، ونصب خليفة جديدا، ولكن جرده من كل سلطان دنيوي، وفي سنة 1924 ألغيت الخلافة نفسها.
وإذا ذكرنا ابن طولون وبيبرس في معرض نقل الخلافة إلى وادي النيل يجدر بنا ألا ننسى محمد علي باشا منشئ مصر الحديثة؛ فقد فكر أثناء نزاعه مع الدولة العلية في إحياء الخلافة في مصر، وتكوين إمبراطورية عربية فيها،
13
وخير شاهد على هذا حديث لهذا العاهل الكبير مع قنصل فرنسا، وإلى القارئ ترجمة جزء منه نقلا عن كتاب «محمد علي» للأستاذ كريم ثابت (ص172-173): «إن مكة في قبضتي، والشريف يحيى يقيم فيها، وهو من سلالة نبينا، والخليفة هو نائب النبي ووارثه، فالشريف يحيى هو الخليفة قانونا، فيجيء إلى القاهرة فأنادي به خليفة، وألثم ذيل ثوبه، وأنادي بنفسي جنديه الأولى، وسيد المسلمين هو الرجل الذي يستطيع أن يقودهم، وأن يدافع عن الحج في الأراضي المقدسة ويحميه، ومن ليس له سلطة، ويريد أن يأمرهم يكون منتحلا لنفوذ ليس له فلا يقبلونه، وهناك أكثر من مائتي ألف بدوي مستعدين لأن يجيئوا ويؤيدوا الإعلان الذي أذيعه بعدم صلاح الرجل الذي هدم مؤسسات الخلافة القديمة، في حين أن الإسلام والأمم الإسلامية في حاجة إلى نهضة تجدد شبابها وتقويها، وقد كان في الإمكان تجنب هذا كله، ولكن ما دام السلطان يريد هذه النتيجة فسنراها تتحقق.»
ولنترك الآن بيبرس وانتصاراته على المغول والصليبين، وتنصيبه الخليفة العباسي في مصر، ولنعد إلى السلطانين المملوكين الآخرين اللذين كان لهما الفضل الأخير في طرد الصليبين من الشرق الأدنى: قلاوون، وخليل. أما قلاوون 678-689ه/1279-1290م، فقد عقد هدنة مع الصليبيين؛ لأن المغول كانوا يتأهبون للإغارة على مصر فهزمهم قلاوون عند حمص هزيمة فاصلة سنة 680ه/1282م، ثم تحول إلى الصليبيين فطردهم من طرابلس، ومات وهو يستعد لغزو عكا، ومع ذلك كله فقد وطد قلاوون الروابط الاقتصادية مع كثير من ملوك أوروبا وأمرائها، وأمراء اليمن وسيلان، وفي عهد الأشرف خليل سقطت عكا في يد المسلمين، وتبعها سائر أملاك الصليبين في الشام، فانقرضت دولهم فيها.
ولا يسعنا أن ننسى أن مصر في عصر المماليك كانت واسطة عقد العالم الإسلامي كله، وحسبنا أن سلطانا كالناصر محمد بن قلاوون طبقت شهرته العالم المتمدين في ذلك الوقت، فتقرب إليه إمبراطور بيزنطة، واتصل به إمبراطور الهند، وطلب إليه أن يساعده على المغول، وبعث إليه البابا وبعض الأمراء المسيحيين في أوروبا وفودا تخطب وده، وتطلب إليه أن يكرم المسيحيين في دولته، وتعد بأن تكرم المسلمين في أوروبا.
Shafi da ba'a sani ba