Misira Daga Nasir Zuwa Yaki
مصر من ناصر إلى حرب
Nau'ikan
لم يقرأ خطبه إطلاقا من ورقة، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان، كان لديه نص مكتوب، وما يقرؤه منه، يقرؤه على نحو معبر تماما.
كان السادات يمتلك قدرة ممتازة على الإلقاء، يمكن القول إنها كانت مثالية. ليس من قبيل المصادفة أن «الضباط الأحرار» عندما قاموا بثورة 1952م بقيادة ناصر، كلفوه بإعلان الثورة عبر الإذاعة. كان ذلك، بالمناسبة، تعويضا له على عدم مشاركته في الثورة التي «تأخر» عليها لوجوده في دار السينما مع ابنه، ولم يتلق في الوقت المناسب تحذيرا من ناصر عن بدء الانتفاضة.
على أن الخطب الجماهيرية كانت تنهكه بشدة؛ كان يتصبب عرقا فيضطر طوال الوقت لاستخدام منديل يجفف به عرقه. كان يبدو بعد الانتهاء من إلقاء خطابه متعبا للغاية. لكن الأمر كان ينتهي دائما على نحو رائع لا شك في ذلك. كان خطيبا مفوها بالنسبة للجمهور العربي. •••
إلى هنا كان من الممكن أن نصل إلى الخاتمة، على أنني أود أن أضيف أمرا آخر على جانب كبير من الأهمية.
كان السادات يمتلك حدسا فذا، كأنه يمتلك شعورا باطنيا يرشده في هذه اللحظة أو غيرها انطلاقا من التوجه العام الذي كان ينتهجه إلى ما يراه في مصلحته، وهو الذي يمتلك السلطة في أكبر دولة عربية وأقدمها، في مصر. كان توجهه التكتيكي الرئيسي يتلخص في أن تظل يداه طليقتين سواء في علاقته بأصدقائه أو مع أعداء مصر.
لم يشأ أن يكون مرتبطا بأية التزامات مع أحد، ومن هنا كان سعيه لاستغلال التناقض بين شركائه إلى أقصى درجة ممكنة؛ ولهذا كان يؤمن بأن الآخرين، مثلهم مثله، سوف يتصرفون بنفس الطريقة. والمثال الأعلى هنا هو ذلك الانقلاب الحاد نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم الابتعاد عن الاتحاد السوفييتي فور انتهاء العمليات العسكرية في عام 1973م، عندما كانت هيبة الاتحاد السوفييتي، على ما بدا، في أوجها. لقد تحول نحو الولايات المتحدة الأمريكية لأنه كان يدرك أيضا، بسبب تركيبه الذهني، أن المواقف الصادقة النزيهة التي اتخذها الاتحاد السوفييتي ستجلب لكل مواطن سوفييتي سمعة رفيعة، أما ما بدا له غير مقبول أن يبدو هو نفسه كما لو سقط في التبعية للاتحاد السوفييتي. لقد شعر السادات أنه سيكون عليه أن يكون إلى جانب الاتحاد السوفييتي. ولما كان منهجه هو سياسة الأيدي الطليقة، فقد عول على التحول الحاد والمفاجئ لكثير من الناس. وهو ما كان يتسق تماما مع شخصيته ويناسب سماته التي جبل عليها بوصفه فردا وباعتباره رئيسا وحاكما ديكتاتورا.
هل باستطاعة السادات أن يقوم بسهولة وعلى نحو مفاجئ بعمل انقلاب عكسي؟ يستطيع بالطبع تبعا للظروف. ولكن ليس هذا هو المهم. بالنسبة لنا المهم أن نعرف دائما لماذا قام بهذا الانقلاب؟ ما هي الحسابات التي تقف وراء هذا الانقلاب؟ فالانقلاب لا يعني أن السادات قد تغير بوصفه إنسانا ورئيسا. سوف يكون انقلابه خطوة تكتيكية أملتها عليه الظروف. وإذا ما أضفت هذه الظروف التي تقوده إلى اتخاذ هذه الخطوة، فينبغي أن ننتظر من الرئيس خطوات أخرى نحو اتجاهات جديدة.
هذا إذا ما استمر السادات رئيسا بالطبع، وإذا ما شعر أنه يستطيع أن يخدعنا كما حدث من قبل.
إذا ...
يناير 1975م
Shafi da ba'a sani ba