Misira Daga Nasir Zuwa Yaki
مصر من ناصر إلى حرب
Nau'ikan
لم يستحسن الكثيرون خطاب كيسينجر الذي تحدث فيه عن السلام بشكل عام، مستشهدا بعدد من الأمثلة الشعبية اليهودية والعربية نطقها بعبرية وعربية ركيكتين للغاية.
أما إسماعيل فهمي وأبا إيبان فقد جاءت كلماتهما بمثابة معركة كلامية بينهما. كان فهمي حادا وبدا أنه يحاول اللعب على مشاعر الجماهير في رده على إيبان.
وفي اليوم التالي، في الاجتماع المغلق للمؤتمر تم تشكيل لجنة عمل عسكرية كانت مهمتها العمل على وجه السرعة على فض الاشتباك على الجبهة المصرية الإسرائيلية. بعدها أعلن فالدهايم فترة للراحة.
إلى مقر إقامتنا حضر كيسينجر وبصحبته السفير بانكر، العضو الأمريكي المشارك في المؤتمر. كان بانكر رجلا تخطى الثمانين من العمر، طويل القامة، نحيف، على قدر من الوسامة.
توجه كيسينجر إلى أندريه جروميكو قائلا: «هل تعرفون لماذا اخترنا السفير بانكر عضوا في الوفد؟ لأنه لم يستكمل أية مفاوضات شارك فيها قبل ثمانية أعوام .» ثم ضحك مظهرا قدرا كبيرا من الرضا عن نفسه. كان كيسينجر يقصد بهذه الإشارة ما كان من أمر بانكر الذي كان رئيسا، شكليا، للوفد الأمريكي في المفاوضات الأمريكية البنمية لعدة سنوات حول وضع قناة بنما، ومن ثم حقوق الأمريكيين في هذه الدولة. وقد أدهشني هذا التلميح الذي جاء على لسان كيسينجر في مثل هذه الظروف.
تظاهر كيسينجر بالحزن، ثم أردف قائلا: «إن لإيلسفورت (بانكر) أطفالا وأحفادا وهو يرغب أن يمضي أعياد الميلاد بصحبتهم؛ ولهذا فسوف يطير إلى الولايات المتحدة لمدة يومين»، يعود بعدها في السادس والعشرين، أو السابع والعشرين إلى جينيف. بدا هذا الوعد عمليا، والحقيقة أنني لم أصادف في حياتي أمريكيا يخلف وعده وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالتواريخ والمواعيد والوقت؛ ولهذا فقد استقبلت إعلان كيسينجر بهدوء تام.
في اليوم التالي، دعانا بانكر على مائدة الإفطار. آنذاك راح ستيرنر الموظف بوزارة الخارجية الأمريكية، بحذر شديد، في تطوير مفهومة «المبتكر» حول السير المحتمل للمفاوضات. أكد ستيرنر أن المصريين لا يريدون أن يشارك ممثلو الدولتين العظميين في أعمال لجنة العمل العسكرية؛ ولهذا يجب علينا أن نعمل «في الكواليس». وبحذر مماثل طرح بانكر فكرة مفادها أنه قد يكون من الملائم أن تتخلل المفاوضات فترات راحة طويلة تسمح «بترطيب الأجواء» بين الجانبين.
لم يكن من العسير علينا أن ندرك على الفور جوهر أفكار الأمريكيين: هل سنوافق نحن السوفييت على الاستمرار في القضية سنوات وسنوات حتى نصل إلى حلول جزئية (أي ليست ذات طابع شامل) عن طريق المفاوضات الثنائية للدول العربية في جينيف دون مشاركة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وإن شئنا الدقة، دون مشاركة الاتحاد السوفييتي تحديدا، ما دامت الولايات المتحدة سوف تظل موجودة هناك «في الكواليس» خلف إسرائيل، وكما شاهدنا، خلف الوفد المصري أيضا. وبهذا تكون فكرة المؤتمر كلها قد تم تشويهها.
اعترضنا بشدة بعد أن كشفنا خطورة هذا الطريق، الذي لن يؤدي إلى السلام في الشرق الأوسط، بل سوف يضع الدول العربية في وضع أسوأ مقارنة بإسرائيل.
وفي مساء نفس اليوم، التقى أندريه جروميكو بإسماعيل فهمي. واستنادا إلى ما وصل إلينا من معلومات نتيجة المحادثات التي دارت بيننا وبين بانكر وستيرنر، سأل جروميكو فهمي عن رأيه بشأن الأعمال اللاحقة بالمؤتمر، وخاصة حول دور ممثلي الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. لكن إجابات فهمي جاءت لتذكرنا بلعبة الأطفال الشهيرة: «لن أقول لا ولن أقول نعم. لن أقول أسود ولن أقول أبيض»، وهلم جرا. ولمدة نصف ساعة راح فهمي يتملص دون أن يعطينا إجابة واحدة مباشرة، موجها اللوم للمترجمين زاعما أنهم لم ينقلوا أفكاره ب «دقة». وهكذا، راح يتأكد لنا أكثر فأكثر فكرة وجود مؤامرة بين المصريين والأمريكيين.
Shafi da ba'a sani ba