Tarihin Misra a zamanin Khidiwi Ismail
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Nau'ikan
ولكن إنماء عدد الأطيان الزراعية؛ وإحضار ماكينات بخارية، بمصاريف كثيرة، من البلاد الأوروبية؛ وإدارتها بمصاريف تكاد لا تقل عن جملة أثمانها الأصلية؛ وتوسيع نطاق الإدارة الزراعية؛ كل ذلك كان يوجد لكي ينطبق الكنه على المظهر ويكون الصيد في جوف الفرا حقا، ألا يكتفي بتطهير الترع القديمة وصيانتها، والاعتناء بوسائل المواصلات الموجودة وحفظها، بل أن يوجه الجهد إلى الاستفادة من مخترعات العصر، لإنشاء ترع جديدة، ووسائل مواصلات حديثة، تكون وافية بالحاجة.
ولم يكن (إسماعيل) الرجل الذي يفوته ذلك، لا سيما وأنه - مذ جعل لنفسه مرتبا سنويا، وفصل، بذلك، بين ماله الخاص ومال الخزينة المصرية - أقبل إقبالا عظيما على إنماء ثروته العقارية؛ وأخذ نظار مزارعه ومفتشوها - لا سيما إسماعيل المعروف «بالمفتش» - في جميع أنحاء القطر، يبذلون من المجهود، وتفتيق الذهن، والتفنن في حمل الفلاحين على بيع أطيانهم إلى سموه، ما صير، في أقل من ثلاث سنوات، خمس أطيان القطر الجيدة ملكا له.
ولما كان معظم تلك الأطيان في مصر العليا؛ وكان هذا الجزء من القطر قد أعوزه جانب عظيم من العناية التي أحاط (محمد علي) الوجه البحري بها - وأن يكن قد عهد، في أواخر سني حياته إلى لينان بك رئيس مهندسي ديوان أشغاله، أمر تحسين وسائل الري فيه - فما فتئ أهلوه ومزارعوه متألمين من قلة تلك الوسائل، فإن (إسماعيل) بدأ في الصعيد بتنفيذ الخطة التي وضعها لنفسه بخصوص الإكثار من حفر ترع وجداول جديدة في القطر، وأنشأ، غربي النيل، الترعة العظمى التي سماها «الإبراهيمية» إكراما لذكر أبيه: وهي ترعة تخرج من النيل بالقرب من أسيوط؛ وعرضها، من مبدأها لغاية ثلث مجراها، ثلاثمائة قدم؛ وأما عرض الثلثين الباقيين فخمسون قدما، فتسير ما بين ديروط وما فوق الواسطة بقليل، أي مسافة تسعين ميلا، على موازاة بحر يوسف، راوية مديريتي أسيوط والمنيا، وجميع الأطيان ما بين البهنسة والسلسلة العربية، ثم تستمر متجهة نحو الشمال حتى تصب في فرع رشيد.
ولما كان الحكم، الذي أصدره نابليون الثالث في مسألة الخلاف القائم بين الحكومة المصرية وشركة ترعة السويس، قضى بتخلي هذه الشركة للحكومة المصرية عن كل حق في مد الترعة ذات الماء العذب من مصر إلى السويس وبورسعيد، التي كانت الشركة مباشرة حفرها؛ وإلزام الحكومة المصرية بمدها، هم (إسماعيل) في الوقت عينه، بنفاذ ذلك الحكم؛ لا سيما أنه كان شديد الرغبة في إحياء ما يستطيع إحياءه من أرجاء الصحراء العربية الشمالية: فلم يمض إلا زمن يسير وسارت مياه النيل تتهادى في مجرى الترعة، المحفورة ما بين بولاق والسويس، والمدعوة بالإسماعيلية إكراما لمنشئها، وأصبحت الملاحة ميسورة فيها حتى للسفن التي حمولتها أربعمائة طن فانتعشت أرجاء شاسعة من الصحراء العربية ما بين مصر والسويس؛ وعلى الأخص ما عرف منها، فيما بعد، باسم «تفتيش الوادي» - وهو أرض «جسان» التي أقطعها يوسف بني اسرائيل، على ما جاء في التوراة، وبوصول ماء النيل العذب باستمرار إلى مدينة السويس، لأول مرة منذ نشأتها، أمكن هذا الثغر أن يكبر بسرعة عجيبة ويزداد سكانا وأهمية تجارية.
وكانت القناطر الخيرية أوشكت أن تتخرب؛ تلك القناطر التي أنفق الباشا العظيم على تشييدها بمعرفة لينان بك أولا، وموچيل بك بعده، أموالا طائلة وزمنا مديدا؛ وحدثته نفسه، يوما، لتشهيل بنائها، بهدم الأهرام الأبدية واستخدام حجارتها الضخمة فيه،
10
بل أصدر أمره بذلك فعلا إلى لينان بك ؛ وصمم على نفاذه؛ لولا أن هذا المهندس أقنعه بالأرقام، بأن ثمن المتر المكعب من الحجر الذي يستخرج من هدم تلك الآثار الفرعونية، يكلف عشرة قروش ونصفا، بين أن المتر المكعب المستخرج من المحاجر، لا يكلف أكثر من ثمانية قروش وخمسة وسبعين فضة؛
11
تلك القناطر، التي مات ذلك الباشا العظيم، وهي بعيدة عن التمام؛ وما زال موچيل بك، بعده، يلح على عباس خليفته بنجازها، لإدراك فائدتها، وكيلا تضيع ثمرة الأموال الكثيرة التي أنفقت والمتاعب الجسيمة التي كوبدت، حتى أعيا صبره وحمله على أن يقول له ذات يوم، هو أيضا، وهو يشير إلى الأهرام: «إني لا أدري ما الفائدة من وجود تلك الجبال من الصخور المرصوصة فوق بعضها، فاذهب واهدمها واستخدم حجارتها في تتميم عمل القناطر!» فاضطر موچيل - لكي يتخلص من تنفيذ أمر، كان مجرد التصور أنه المنفذ له، وأن اسمه سيمر، إذا، إلى العصور التالية، ونعت «هادم الأهرام» مقرون به، يوقف شعر رأسه رعبا - إلى إعادة عمل لينان، وعرض تقرير تفصيلي بالنفقات اللازمة على ذلك الوالي الظنان، ولما لم يكن عباس يدري من الأرقام شيئا، افتكرها خدعة من المهندس الغربي، قصد بها الفرار من تنفيذ أمره: فألقى نظره شزرا، على ذلك التقرير؛ وقال لموچيل: «ما هذا؟» فأفهمه موچيل مضمونه بدقة، حتى حمله على الاقتناع بأن هدم الأهرام يكلف أكثر من استخراج الحجارة من محاجرها بكثير ؛ فقال له عباس حينئذ: «دعني، إذا، من شأن تتميم قناطرك».
12
Shafi da ba'a sani ba